المنشورات
سيف الله
خَالِد بن الْوَلِيد بن الْمُغيرَة أَبُو سُلَيْمَان سَمَّاهُ النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سيف الله لحسن آثاره فِي الْإِسْلَام وَصدقه فِي قتال الْمُشْركين فَكَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا نظر إِلَيْهِ وَإِلَى عِكْرِمَة بن أَبى جهل قَرَأَ {يخرج} الحى من الْمَيِّت) لِأَنَّهُمَا من خِيَار الصَّحَابَة وأبواهما أعدى عَدو لله وَرَسُوله
وروى أَبُو هُرَيْرَة رضى الله عَنهُ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نظر إِلَى خَالِد رضى الله عَنهُ لابسا درعه فَقَالَ (نعم الْمَرْء خَالِد) وَكَانَ على مقدمه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم حنين وَهُوَ الذى تولى كسر أَكثر الْأَصْنَام وَهدم جلّ الْأَوْثَان الَّتِى كَانَت قُرَيْش تعبدها وَتسمع من أجوافها همهمة نَحْو أصوات الْبَقر حَتَّى فتنت بهَا وَلما هدم عزى رمته بالشرر حَتَّى أحرقت عَامَّة فَخذه فعاده النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
قَالَ الجاحظ وَمَا أَشك فِي أَنه قد كَانَت لسدنة الْأَوْثَان حيل وكمين وَلَو سَمِعت أَو رَأَيْت بعض مَا أعد الْهِنْد من هَذِه المخاريق فِي بيُوت عباداتهم لعَلِمت أَن الله تَعَالَى قد من على جملَة الْمُسلمين بالمتكلمين الَّذين نشئوا فيهم
وَقَالَ فِي مَوضِع آخر وَمَا زَالَت السَّدَنَة تحتال للنَّاس من جِهَة النيرَان بأنواع الْحِيَل كاحتيال رُهْبَان كَنِيسَة الرها لمصابيحها حَتَّى إِن زَيْت قناديلها ليستوقد لَهُم من غير نَار فِي بعض ليالى أعيادهم وبمثل هَذَا احتيال السادن لخَالِد بن الْوَلِيد حَتَّى حِين رَمَاه بالشرر ليوهمه أَن ذَلِك من الْأَوْثَان عُقُوبَة على ترك عبادتها وإنكارها والتعرض لَهَا حِين قَالَ
(يَا عز كُفْرَانك لَا سُبْحَانَكَ ... إنى رَأَيْت الله قد أَهَانَك)
قَالَ وَجعلت قُرَيْش وَقد أَهْوى خَالِد بِسَيْفِهِ إِلَى الْعُزَّى تصيح يَا عزى خبليه يَا عزى عزريه وَلَيْسَ ينثنى من تهاويلهم وعلاها بِالسَّيْفِ حَتَّى كسرهَا
وَفِي بعض الرِّوَايَات أَن الْعُزَّى كَانَت ثَلَاث شجرات من سمر فأرس النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَالِدا رضى الله عَنهُ ليعضدها فَمضى خَالِد وعضد أكبرها وَترك اثْنَتَيْنِ فَلَمَّا انْصَرف إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ أفعلت يَا خَالِد قَالَ نعم يَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ فَمَا رَأَيْت شَيْئا قَالَ لَا قَالَ فَارْجِع إِلَيْهَا فاعضدها فَرجع فَعَضَدَ الْكُبْرَى مِنْهُمَا ثمَّ أقبل ليعضد الصُّغْرَى فَإِذا جنية قد خرجت عَلَيْهِ من جوفها نَاشِرَة شعرهَا وَاضِعَة كفها على كعبها تصرف بأنيابها فَشد عَلَيْهَا خَالِد وَهُوَ يَقُول
(يَا عز كُفْرَانك لَا سُبْحَانَكَ ... إنى رَأَيْت الله قد أَهَانَك)
ثمَّ ضربهَا ضَرْبَة فلق رَأسهَا وَانْصَرف إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأخْبرهُ بالذى رأى فَقَالَ تِلْكَ جنية الْعُزَّى وَلَا عزى للْعَرَب بعْدهَا
وَلما قتل خَالِد بن الْوَلِيد بنى جذيمة وهم من كنَانَة بالغميصاء وَجَاء الْخَبَر إِلَى رَسُول الله قَالَ (اللَّهُمَّ إنى أَبْرَأ إِلَيْك من فعل خَالِد) ووداهم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَلما توفى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكَانَت أَيَّام الرِّدَّة حسن بلَاء خَالِد فِيهَا وَكَانَ عميدا عِنْد أَبى بكر رضى الله عَنهُ فَبَعثه إِلَى طليحة فَهَزَمَهُ وَصَالح أهل الْيَمَامَة ونكح ابْنة مجاعَة وَكَانَ إِذا صَار إِلَيْهِ المَال قسمه فِي أهل الْغَزْو وَلم يرفع إِلَى أَبى بكر رضى الله عَنهُ حسابا وَكَانَ يقدم على أَشْيَاء لَا يَرَاهَا أَبُو بكر رضى الله عَنهُ كقتله مَالك بن نُوَيْرَة ونكاحه امْرَأَته من غير أَن ترجع عَن ردتها وَكَانَ ابو بكر يهب سيئاته لحسناته وَيَقُول إِذا كَلمه عمر أَو غَيره فِي عَزله إنى لأكْره أَن أغمد سَيْفا سَله رَسُول الله ثمَّ إِنَّه اسْتَعْملهُ على الشَّام فَلم يزل بهَا حَتَّى عَزله عمر رضى الله عَنهُ
وَلما اعتل خَالِد عِلّة الْمَوْت جعل يَقُول لقِيت كَذَا وَكَذَا زحفا فَمَا فِي جسدى مَوضِع إِلَّا وَفِيه ضَرْبَة بِسيف أَو طعنة بِرُمْح أَو رمية بِسَهْم وهأنذا أَمُوت على فراشى حتف أنفي كَمَا يَمُوت العير فَلَا نَامَتْ أعين الْجُبَنَاء
وَلما توفى لم تبْق امْرَأَة من بنى الْمُغيرَة إِلَّا وضعت لمتها على قَبره وَلما ارْتَفَعت أصوات النِّسَاء عَلَيْهِ أنكرها بعض النَّاس فَقَالَ عمر رضى الله عَنهُ دع نسَاء بنى الْمُغيرَة يبْكين أَبَا سُلَيْمَان ويرقن من دُمُوعهنَّ سجلا أَو سَجْلَيْنِ مَا لم يكن نقع أَو لقلقَة
وَكَانَ الْحجَّاج يَقُول لأبناء الْمُهلب هم سيوف من سيوف الله
وَكتب بعض البلغاء مَا ظَنك بسيوف الله تَعَالَى فِي أيدى أوليائه وَقد نَصره من سمائه على أعدائه
مصادر و المراجع :
١- ثمار القلوب في المضاف والمنسوب
المؤلف: عبد الملك
بن محمد بن إسماعيل أبو منصور الثعالبي (المتوفى: 429هـ)
31 ديسمبر 2023
تعليقات (0)