المنشورات
نَاقَة الله
النوق وَغَيرهَا من الْمَخْلُوقَات كلهَا لله وَلَكِن هَذِه النَّاقة لما كَانَت آيَة من آيَات الله تَعَالَى ومعجزة لنَبيه صَالح عَلَيْهِ السَّلَام خصت بِالْإِضَافَة إِلَى الله تَعَالَى كَمَا قَالَ {نَاقَة الله وسقياها} وَذَلِكَ أَن ثَمُود قَالُوا لصالح إِن أردْت أَن نؤمن لَك فَأخْرج لنا من هَذِه الصَّخْرَة نَاقَة عشراء تبرك بَين ايدينا وتمخض كَمَا تمخض النوق الْحَوَامِل وتنتج سقبا مِنْهَا فصلى صَالح رَكْعَتَيْنِ ودعا الله تَعَالَى فانشقت الصَّخْرَة عَن نَاقَة عَظِيمَة الْخلق حَسَنَة الصُّورَة فبركت بَين أَيْديهم وتمخضت ونتجت سقبا مثل أمه فِي عظم الْخلقَة فَقَالَ لَهُم صَالح عَن الله تَعَالَى {هَذِه نَاقَة لَهَا شرب وَلكم شرب يَوْم مَعْلُوم} فاقتسموا المَاء فَكَانَ لَهُم يَوْم وللناقة يَوْم فَإِذا كَانَ يَوْم النَّاقة توسعوا فِي اللَّبن مَا شَاءُوا وَإِذا كَانَ يومهم لم يكن للناقة مَاء فنفسوا عَلَيْهَا بِشرب يَوْمهَا وَتَآمَرُوا فِي عقرهَا فَقَالَ لَهُم صَالح {هَذِه نَاقَة الله لكم آيَة فذروها تَأْكُل فِي أَرض الله وَلَا تمسوها بِسوء فيأخذكم عَذَاب قريب}
) فانبعث أشقاها وعقرها بِأَمْر ثَمُود فَرفع السقب رَأسه إِلَى السَّمَاء ورغا بحنين وأنين فَقَالَ لَهُم صَالح عَلَيْهِ السَّلَام {تمَتَّعُوا فِي داركم ثَلَاثَة أَيَّام} ثمَّ جَاءَهُم الْعَذَاب فِي الْيَوْم الرَّابِع وأخذتهم الرجفة فَأَصْبحُوا فِي دَارهم جاثمين وَصَارَت نَاقَة الله مثلا سائرا على وَجه الدَّهْر وَرُبمَا قيل لَهَا نَاقَة صَالح وَصَارَ عاقرها مثلا فِي الشقوة والشؤم وَهُوَ أَحْمَر ثَمُود وَصَارَت ثَمُود مثلا فِي الفناء والهلاك
وَمن ظريف التَّمْثِيل بِهَذِهِ الْقِصَّة قَول والى الْيَمَامَة فِي خطبَته أَيهَا النَّاس لَا تجترئوا على الله فَإِنَّهُ لَا يقر على المعاصى عباده وَلَقَد أهلك أمة عَظِيمَة من أجل نَاقَة قيمتهَا ثَلَاثمِائَة دِرْهَم فَسمى مقوم النَّاقة
وَقد أَكثر النَّاس من ضرب الْمثل بِهَذِهِ النَّاقة وَمن مليح ذَلِك قَول بَعضهم فِي العتاب والأقتضاء
(حوائج النَّاس كلهَا قضيت ... وحاجتى لَا أَرَاك تقضيها)
(أناقة الله حاجتى عقرت ... أم نبت الْحَرْف فِي حواشيها)
وَضرب بهَا ابْن الرومى الْمثل فَقَالَ وَهُوَ يصف إنْسَانا بِشدَّة الْأكل
(شبه عَصا مُوسَى وَلكنه ... لم يخلق الله لَهَا فاها)
(رفقا بزاد الْقَوْم لَا تفنه ... يَا نَاقَة الله وسقياها)
مصادر و المراجع :
١- ثمار القلوب في المضاف والمنسوب
المؤلف: عبد الملك
بن محمد بن إسماعيل أبو منصور الثعالبي (المتوفى: 429هـ)
31 ديسمبر 2023
تعليقات (0)