المنشورات

(قَمِيص يُوسُف)

أجْرى الله تَعَالَى أَمر يُوسُف من ابْتِدَائه إِلَى انتهائه على ثَلَاثَة أقمصة أَولهَا قَمِيصه المضرج بِدَم كذب والثانى قَمِيصه الذى قد من دبر وَالثَّالِث قَمِيصه الذى ألْقى على وَجه أَبِيه فَارْتَد بَصيرًا وَلكُل من هَذِه الأقمصة مَوضِع من ضرب الْمثل وإجراء النادرة
فيروى أَن إخْوَة يُوسُف لما قَالُوا لأبيهم {إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِق وَتَركنَا يُوسُف عِنْد متاعنا فَأَكله الذِّئْب} قَالَ لَهُم أرونى قَمِيصه فأروه إِيَّاه مضرجا بِالدَّمِ غير ممزق فَقَالَ تالله مَا رَأَيْت ذئبا أحلم من هَذَا وأرفق أكل ابنى وَلم يمزق قَمِيصه
وأنشدنى أَبُو عبيد الله المرزبانى فِي كِتَابه كتاب المستنير لأبى الشيص
(وقائلة وَقد بصرت بدمع ... على الْخَدين منهمر سكوب)
(أتكذب فِي الْبكاء وَأَنت خلو ... قَدِيما مَا جسرت على الذُّنُوب)
(جفونك والدموع تجول فِيهَا ... وقلبك لَيْسَ بِالْقَلْبِ الكئيب)
(نَظِير قَمِيص يُوسُف يَوْم جَاءُوا ... على لباته بِدَم كذوب)
(فَقلت لَهَا فدَاك أَبى وأمى ... رجمت لسوء ظَنك بالغيوب)
وَأما الْقَمِيص الثانى فلأبى الْحَارِث جميز فِيهِ نادرة طريفة وهى أَنه رئى فِي ثِيَاب متخرقة فَقيل لَهُ أَلا يكسوك مُحَمَّد بن يحيى فَقَالَ لَو كَانَ لَهُ بَيت مَمْلُوء إبرا وجاءه يَعْقُوب وَمَعَهُ الْأَنْبِيَاء شُفَعَاء وَالْمَلَائِكَة ضمنا يطْلب مِنْهُ إبرة ليخيط بهَا قَمِيص يُوسُف الذى قدمن دبر مَا أَعَارَهُ إِيَّاهَا فَكيف يكسونى
ونظم هَذَا الْمَعْنى من قَالَ
(لَو أَن دَارك أنبتت لَك واحتشت ... إبرا يضيق بهَا فنَاء الْمنزل)
(وأتاك يُوسُف يستعيرك إبرة ... ليخيط قد قَمِيصه لم تفعل)
وَقَالَ الْعَبَّاس بن الْأَحْنَف
(وَقد زعمت جمل بأنى أردتها ... على نَفسهَا تَبًّا لذَلِك من فعل)
(سلوا عَن قَمِيص مثل شَاهد يُوسُف ... فَإِن قميصى لم يكن قد من قبل)
وَأما الْقَمِيص الثَّالِث فَهُوَ مثل سَائِر فِي لطف الْموقع كَمَا قَالَ أَبُو الطّيب المتنبى
(كَأَن كل سُؤال فِي مسامعه ... قَمِيص يُوسُف فِي أجفان يَعْقُوب)
وَقَالَ أَبُو عُثْمَان الخالدى للوزير المهلبى وَذكر معز الدولة
(إِن غبت أودعك الْإِلَه حياطة ... وَإِذا قدمت أباحك الترحيبا)
(وَيكون من مقة كتابك عِنْده ... كقميص يُوسُف إِذْ أَتَى يعقوبا)
ولبلغاء المترسلين لاسيما أهل الْعَصْر مِنْهُم فِي التَّمْثِيل بِهَذَا الْقَمِيص نكت وغرر وَمن أحْسنهَا فصل للأمير السَّيِّد أَبى الْفضل من رِسَالَة إِلَى أَبِيه وصل كتاب مَوْلَانَا فعددت يَوْم وُرُوده عيدا أعَاد عهد السرُور جَدِيدا ورد طرف الحسود كليلا وَقد كَانَ حديدا وَلم أشبه فِي غهداء الرّوح ورد الشِّفَاء وتلاقى الرّوح بعد أَن أشفت على الْمَكْرُوه كل الإشفاء إِلَّا بقميص يُوسُف حِين تَلقاهُ يَعْقُوب من البشير وألقاه على وَجهه فَنظر بِعَين الْبَصِير فكم أوسعته لثما واستلاما والتقطت مِنْهُ بردا وَسلَامًا حَتَّى لم يبْق فِي الصَّدْر غلَّة إِلَّا بردتها وَلَا غمَّة فِي النَّفس إِلَّا طردتها وَلَا شَرِيعَة من الْأنس إِلَّا رويت مِنْهَا وَقد وردتها
وَمِنْهَا فصل لبّى الْعَبَّاس الضبى وصل كتاب مَوْلَانَا فَكَانَ رَحمَه الله عِنْد أَيُّوب وقميص يُوسُف عِنْد أجفان يَعْقُوب





مصادر و المراجع :

١- ثمار القلوب في المضاف والمنسوب

المؤلف: عبد الملك بن محمد بن إسماعيل أبو منصور الثعالبي (المتوفى: 429هـ)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید