المنشورات
(زكن إِيَاس)
هُوَ أَبُو وَاثِلَة إِيَاس بن مُعَاوِيَة وَكَانَ قَاضِيا فائقا زكنا يضْرب بزكنه الْمثل وَلما أَرَادَ ابو تَمام أَن يتَمَثَّل بِهِ فى شعر لَهُ وَلم يستوله الْوَزْن أَن يذكر زكنه فى الْبَيْت أَقَامَ الذكاء مقَام الزكن فَقَالَ
(إقدام عَمْرو فى سماحة حَاتِم ... فى حلم أحنف فى ذكاء إِيَاس)
ولأبى الْحسن المدائنى كتاب مَقْصُور على زكن إِيَاس وإبراز نوادره وَحكى الجاحظ عَنهُ قَالَ كَانَ إِيَاس وَهُوَ صَغِير ضَعِيفا ضئيلا وَكَانَ لَهُ أَخ أَشد حَرَكَة مِنْهُ وَأقوى فَكَانَ مُعَاوِيَة أَبوهُ يقدمهُ على إِيَاس فَقَالَ لَهُ إِيَاس يَوْمًا يَا أَبَت إِنَّك تقدم أخى على وسأضرب لَك مثله ومثلى فَهُوَ مثل الْفروج حِين تنفلق عَنهُ الْبَيْضَة يخرج كاسيا كَافِيا نَفسه فيلقط ويستخفه النَّاس فَكلما كبر انْتقصَ حَتَّى إِذا تمّ فَصَارَ دجَاجَة لم يصلح إِلَّا للذبح وَأَنا مثل فرخ الْحمام تنفلق عَنهُ الْبَيْضَة عَن شىء سَاقِط لَا يقدر على حَرَكَة وَأَبَوَاهُ يغذيانه حَتَّى يقوى وَيثبت ريشه ثمَّ يحسن بعد ذَلِك ويطير ويتخذه النَّاس ويرسلونه من الْمَوَاضِع الْبَعِيدَة فيجىء فيصان لذَلِك وَيكرم ويشترى بالأثمان الغالية فَقَالَ لَهُ أَبوهُ لقد أَحْسَنت الْمثل فقدمه على أَخِيه فَوجدَ عِنْده أَكثر مِمَّا ظن مِنْهُ بِهِ وَخرج إِيَاس باقعة مُنْقَطع النظير
وَزعم الأصمعى أَن إياسا نظر إِلَى رجل من ثَقِيف أَبيض بض فَقَالَ لَهُ أهندية أمك قَالَ لَا وَالله مَا ضربت فى هندية وَلَا هندى قطّ بعرق قَالَ بلَى وَالله وَإِن جهلت وإنى لأرى فِيك آثَار ذَلِك قَالَ لَا وَالله إِلَّا اللَّبن والحضانة فَإِن خادمه هندية كَانَت لأمى أرضعتنى مُدَّة مديدة قَالَ فَمن ذَلِك
وَقَالَ المدائنى حج إِيَاس فَسمع نباح كلب فَقَالَ هَذَا كلب مشدود ثمَّ سمع نباحه فَقَالَ قد أرسل فَلَمَّا انْتَهوا من المَاء سَأَلُوا أَهله فَكَانَ كَمَا قَالَ فَقيل لَهُ كَيفَ علمت أَنه موثق وَأَنه قد أطلق فَقَالَ كَانَ نباحه وَهُوَ موثق يسمع من مَكَان وَاحِد فَلَمَّا أطلق سمعته يقرب مرّة وَيبعد أُخْرَى ويتصرف فى ذَلِك
وَمر ذَات لَيْلَة بِمَاء فَقَالَ أسمع صَوت كلب غَرِيب فَقيل لَهُ كَيفَ عرفت ذَلِك قَالَ بخضوع صَوته وَشدَّة نباح الآخر فسألوا عَنهُ فَإِذا كلب غَرِيب وَإِذا كلب ينبحه
وَقَالَ رجل لإياس أَنا أصنع مثل مَا تصنع فَنظر إِيَاس إِلَى صدع فى الأَرْض فَقَالَ مَا فى هَذَا الصدع قَالَ لَا أدرى وَمَا أرى شَيْئا قَالَ إِيَاس فِيهِ دَابَّة فنظروا فَإِذا فِيهِ دَابَّة فَقَالَ إِيَاس إِن الأَرْض لَا تنصدع إِلَّا عَن دَابَّة أَو نَبَات
وَنظر يَوْمًا بواسط فى الرحبة إِلَى آجرة فَقَالَ تَحت هَذِه الآجرة دَابَّة فتزعوها فَإِذا تحتهاحية مطوقة فَسئلَ عَن ذَلِك فَقَالَ إنى رَأَيْت مَا بَين الآجرتين نديا من بَين جَمِيع الرحبة فَعلمت أَن تحتهَا شَيْئا يتنفس
وَرَأى أثر رعى بعير فَقَالَ هَذَا بعير أَعور فنظروا فَكَانَ كَمَا قَالَ فَقيل لَهُ من أَيْن علمت هَذَا فَقَالَ لأنى وجدت رعيه من جِهَة وَاحِدَة
مصادر و المراجع :
١- ثمار القلوب في المضاف والمنسوب
المؤلف: عبد الملك
بن محمد بن إسماعيل أبو منصور الثعالبي (المتوفى: 429هـ)
1 يناير 2024
تعليقات (0)