المنشورات
(كذب مُسَيْلمَة)
هُوَ أَبُو ثُمَامَة مُسَيْلمَة بن حبيب الحنفى من أهل الْيَمَامَة كَانَ صَاحب نيرنجات وأسجاع ومخاريق وتمويهات وأدعى النُّبُوَّة وَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمَكَّة قبل الْهِجْرَة فَمَا زَالَ يخفى وَيظْهر ويقوى ويضعف وَأهل الْيَمَامَة فرقتان إِحْدَاهمَا تعظمه وتؤمن بِهِ وَالْأُخْرَى تستخفه وتضحك مِنْهُ وَكَانَ يَقُول أَنا شريك مُحَمَّد فِي النُّبُوَّة وَجِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام ينزل على كَمَا ينزل عَلَيْهِ وَكَانَ رجال بن عنفوة من رائشى نبله والحاطبين فِي حبله والساعين فِي نصرته وَكَانَ مُسَيْلمَة يَقُول يَا بنى حنيفَة مَا جعل الله قُريْشًا بِأَحَق بِالنُّبُوَّةِ مِنْكُم وبلادكم أوسع من بِلَادهمْ وسوادكم أَكثر من سوادهم وَجِبْرِيل ينزل على صَاحبكُم مثل مَا ينزل على صَاحبهمْ وَلما قدم النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمَدِينَة وجد النَّاس يتذاكرونه وَمَا يبلغهم عَنهُ من قَوْله وَقَول بنى حنيفَة فِيهِ فَقَامَ يَوْمًا خَطِيبًا فَقَالَ بعد حمد الله وَالثنَاء عَلَيْهِ أما بعد فَإِن هَذَا الرجل الذى تكثرون فِي شَأْنه كَذَّاب فى ثَلَاثِينَ كذابا قبل الدَّجَّال فَسَماهُ الْمُسلمُونَ مُسَيْلمَة الْكذَّاب وأظهروا شَتمه وعيبه وتصغيره وَهُوَ بِالْيَمَامَةِ يركب الصعب والذلول فِي تَقْوِيَة أمره ويعتضد بِرِجَال بن عنفوة وَهُوَ ينصره ويذب عَنهُ وَيصدق أكاذيبه وَيقْرَأ أقاويله الَّتِى مِنْهَا وَالشَّمْس وَضُحَاهَا فى ضوئها ومنجلاها وَاللَّيْل إِذا عَداهَا يطْلبهَا ليغشاها فأدركها حَتَّى أَتَاهَا وأطفأ نورها فمحاها
وَمِنْهَا سبح اسْم رَبك الْأَعْلَى الذى يسر على الحبلى فَأخْرج مِنْهَا نسمَة تسْعَى من بَين أحشاء ومعى فَمنهمْ من يَمُوت ويدس فى الثرى وَمِنْهُم من يعِيش وَيبقى إِلَى أجل ومنتهى وَالله يعلم السِّرّ وأخفى وَلَا تخفى عَلَيْهِ الْآخِرَة وَالْأولَى
وَمِنْهَا أذكروا نعْمَة الله عَلَيْكُم واشكروها إِذْ جعل لكم الشَّمْس سِرَاجًا والغيث ثجاجا وَجعل لكم كباشا ونعاجا وَفِضة وزجاجا وذهبا وديباجا وَمن نعْمَته عَلَيْكُم أَن أخرج لكم من الأَرْض رمانا وَعِنَبًا وريحانا وحنطة وزوانا
وَكَانَ أَبُو بكر رضى الله عَنهُ إِذا قرع سَمعه هَذِه الترهات يَقُول أشهد أَن هَذَا الْكَلَام لم يخرج من إِلَه
وَكَانَ النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رأى فِيمَا يرى النَّائِم أَن فِي يَده سوارى ذهب فنفخهما فطَارَا فَوَقع أَحدهمَا بِالْيَمَامَةِ وَالْآخر بِالْيمن فأولهما لمُسَيْلمَة صَاحب الْيَمَامَة وَالْأسود العنسى صَاحب الْيمن
وَكَانَ رجال بن عنفوة صَاحب مُسَيْلمَة قدم الْمَدِينَة مرَارًا وَقَرَأَ الْقُرْآن وَأظْهر الْإِيمَان واسر الْكفْر ويروى أَن النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَيْنَمَا هُوَ جَالس فِي أَصْحَابه إِذْ سمع وطئا من خَلفه فَقَالَ هَذَا وَطْء رجل من أهل النَّار فَإِذا هُوَ رجال بن عنفوة فَلَمَّا قدم وَفد حنيفَة على النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَفِيهِمْ مُسَيْلمَة إِلَّا أَنه لم يلقه وأظهروا الْإِسْلَام وَأَرَادُوا الإنصراف أَمر لَهُم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بجوائز كعادته فِي الْوُفُود وَقَالَ هَل بقى مِنْكُم أحد قَالُوا لَا إِلَّا رجل منا يحفظ رحالنا يعنون مُسَيْلمَة فَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيْسَ بشركم مَكَانا فَلَمَّا رَجَعَ الْوَفْد إِلَى مُسَيْلمَة وَقد بلغه كَلَام النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَهُم قد سَمِعْتُمْ قَول مُحَمَّد فِي (لَيْسَ بشركم مَكَانا) \ ح \ وَقد أشركنى فى الْأَمر فَسَكَتُوا وَلم يحيروا جَوَابا فَقَالَ رجال بن عنفوة يَا قوم نبى مِنْكُم خير لكم من نبى من غَيْركُمْ وَأَنا أشهد أَن مُحَمَّد أشركه فى الْأَمر بعده فَعَلَيْكُم بِهِ وَلما انصرفوا إِلَى الْيَمَامَة أعلن مُسَيْلمَة النُّبُوَّة وَادّعى الشّركَة وَفتن أهل الْيَمَامَة وانقسموا بَين مُصدق ومكذب وراض وساخط وَكتب مُسَيْلمَة إِلَى النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كتابا قَالَ فِيهِ إِلَى النبى مُحَمَّد رَسُول الله من مُسَيْلمَة رَسُول الله أما بعد فإنى قد أشركت فى الْأَمر مَعَك وَإِن لنا نصف الأَرْض ولقريش نصفهَا وَلَكِن قُريْشًا قوم يعتدون وَلَا يعدلُونَ وَختم الْكتاب وأنفذه مَعَ رسولين فَلَمَّا قرئَ الْكتاب على النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَهما مَا تقولان قَالَا نقُول مَا قَالَ أَبُو ثُمَامَة فَقَالَ أما وَالله لَوْلَا أَن الرُّسُل لَا يقتلُون لقتلتكما وأملى فى الْجَواب (من مُحَمَّد رَسُول الله إِلَى مُسَيْلمَة الْكذَّاب سَلام على من أتبع الْهدى أما بعد فَإِن الأَرْض لله يُورثهَا من يَشَاء من عباده وَالْعَاقبَة لِلْمُتقين) وَلما صدر الرسولان إِلَى مُسَيْلمَة الْكذَّاب افتعل كتابا يذكر فِيهِ أَنه جعل لَهُ الْأَمر من بعده فَصدقهُ أَكثر بنى حنيفَة
وَبلغ من تبركهم بِهِ أَنهم كَانُوا يسألونه أَن يَدْعُو لمريضهم ويبارك لمولودهم وجاءه قوم بمولود لَهُم فَمسح رَأسه فقرع وجاءه رجل يسْأَله أَن يَدْعُو لمولود لَهُ بطول الْعُمر فَمَاتَ من يَوْمه
وَكَانَ ثُمَامَة بن أَثَال الحنفى يقشعر جلده من ذكر مُسَيْلمَة وَقَالَ يَوْمًا لأَصْحَابه إِن مُحَمَّدًا لانبى مَعَه وَلَا بعده كَمَا أَن الله تَعَالَى لَا شريك لَهُ فى ألوهيته فَلَا شريك لمُحَمد فِي نبوته ثمَّ قَالَ أَيْن قَول مُسَيْلمَة يَا ضفدع نقى نقى كم تنقين لَا المَاء تكدرين وَلَا الشّرْب تمنعين من قَول الله تَعَالَى الذى جَاءَ بِهِ مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {حم تَنْزِيل الْكتاب من الله الْعَزِيز الْعَلِيم غَافِر الذَّنب وقابل التوب شَدِيد الْعقَاب ذِي الطول لَا إِلَه إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمصير} فَقَالُوا أوقح بِمن يَقُول مثل ذَلِك مَعَ مثل هَذَا
وَلما انْتقل النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى جوَار ربه وارتدت الْعَرَب بعث أَبُو بكر رضى الله عَنهُ خَالِد بن الْوَلِيد إِلَى حَرْب أهل الرِّدَّة فأوقع بهم وانتصف مِنْهُم ثمَّ أمره أَبُو بكر رضى الله عَنهُ بِقصد الْيَمَامَة ومقارعة مُسَيْلمَة فَفعل وزحف إِلَيْهَا فى وُجُوه الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار وتلقاه مُسَيْلمَة فِي خيله وَرجله وَلما كَانَ يَوْم الْيَمَامَة حمى الْوَطِيس واشتدت الْوَاقِعَة وعظمت الملحمة والتجأ بَنو حنيفَة وَفِيهِمْ مُسَيْلمَة إِلَى حديقة سميت من بعده حديقة الْمَوْت فاقتحمها خَالِد رضى الله عَنهُ والمسلمون وَوَضَعُوا فيهم السيوف وَقتل الله مُسَيْلمَة فاشترك فِي قَتله وحشى بحربته وَعبد الله بن الزبير بِسَيْفِهِ وَفتح الله تَعَالَى الْيَمَامَة على الْمُسلمين وأفاء عَلَيْهِم الْغَنِيمَة ببركة أَبى بكر الصّديق ويمن نقيبته رضى الله تَعَالَى عَنهُ
مصادر و المراجع :
١- ثمار القلوب في المضاف والمنسوب
المؤلف: عبد الملك
بن محمد بن إسماعيل أبو منصور الثعالبي (المتوفى: 429هـ)
1 يناير 2024
تعليقات (0)