المنشورات
(دَعْوَة الْإِسْلَام)
كَانَت وَلِيمَة الْحسن بن سهل حِين بنى الْمَأْمُون ببنته بوران تدعى دَعْوَة الْإِسْلَام حَتَّى جَاءَت دَعْوَة بركوار فَقَالَ النَّاس هى مثلهَا وَقَالُوا إِن دَعْوَة بركوار دَعْوَة الْإِسْلَام لم يكن قبلهَا وَلَا بعْدهَا مثلهَا إِلَّا مَا يحْكى فى وَقت بِنَاء الْمَأْمُون ببوران وَبلغ من جلالة دَعْوَة الْحسن بن سهل وَعظم خطرها وارتفاع مقدارها أَن أَقَامَ لِلْمَأْمُونِ بِفَم الصُّلْح وَجمع قواده وَأَصْحَابه نزلهم أَرْبَعِينَ يَوْمًا واحتفل بِمَا لم ير مثله نفاسة وَكَثْرَة قَالَ الْمبرد سَمِعت الْحسن بن رَجَاء يَقُول كُنَّا نطعم أَيَّام مقَام الْمَأْمُون عِنْد الْحسن بن سهل سِتَّة وَثَلَاثِينَ ألف ملاح وَلَقَد عز بِنَا الْحَطب يَوْمًا فأوقدنا تَحت الْقُدُور الخيش مغموسا فى الزَّيْت وَلما كَانَت لَيْلَة الْبناء وجليت بوران على الْمَأْمُون فرش لَهَا حَصِير من ذهب وجىء بمكتل مرصع بالجواهر فِيهِ دُرَر كبار فَنثرَتْ على من حضر من النِّسَاء وفيهن زبيدة وحمدونة بنت الرشيد وعجائز الْخلَافَة فَمَا مس من حضر مِنْهُنَّ من الدُّرَر شَيْئا فَقَالَ الْمَأْمُون شرفن أَبَا مُحَمَّد وأكرمن بوران فمدت كل وَاحِدَة مِنْهُنَّ يَدهَا فَأخذت درة وَاحِدَة وبقى سَائِر الدّرّ يلوح على حَصِير الذَّهَب فَقَالَ الْمَأْمُون قَاتل الله الْحسن بن هانى كَأَنَّهُ قد رأى هَذَا حَيْثُ يَقُول
(كَأَن صغرى وكبرى من فواقعها ... حَصْبَاء در على أَرض من الذَّهَب)
وَكَانَت فى ذَلِك الْمجْلس شمعة عنبر فِيهَا مِائَتَا رَطْل فَضَجَّ الْمَأْمُون من دخانها فَعمِلت لَهُ على مثالات من الشمع فَكَانَ اللَّيْل مُدَّة مقَامه بِفَم الصُّلْح كالنهار وَلما كَانَت دَعْوَة القواد نثرت عَلَيْهِم رقاع فِيهَا أَسمَاء ضيَاع فَمن وَقعت فى يَده رقْعَة لضيعة أشهد الْحسن لَهُ بهَا
وَيُقَال إِنَّه أنْفق فى هَذِه الدعْوَة أَرْبَعَة آلَاف ألف دِينَار فَلَمَّا أَرَادَ الْمَأْمُون أَن يصعد أَمر لَهُ بِأَلف ألف دِينَار وأقطعه الصُّلْح وعاتبه على احتفاله واجتهاده وَحمله على نَفسه فَقَالَ لَهُ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ أتظن هَذَا من مَال سهل وَالله مَا هُوَ إِلَّا مَالك رد إِلَيْك وَأَرَدْت أَن يفضل الله أيامك ونكاحك كَمَا فضلك على جَمِيع خلقه
فَهَذِهِ دَعْوَة الْإِسْلَام الأولى
وَأما دَعْوَة الْإِسْلَام الثَّانِيَة فهى بيركوار لما أعذر المتَوَكل المعتز وَمن قصَّتهَا أَنه جلس بعد فرَاغ القواد والأكابر من الْأكل ومدت بَين يَدَيْهِ مرافع ذهب مرصعة بالجواهر وَعَلَيْهَا أَمْثِلَة من العنبر والند والمسك المعجون على جَمِيع الصُّور وَجعلت بساطا ممدودا وأحضر القواد والجلساء وَأَصْحَاب الْمَرَاتِب فَوضعت بَين أَيْديهم صوانى الذَّهَب مرصعة بأنواع الْجَوَاهِر من الْجَانِبَيْنِ وَبَين كل سماطين فرجه وَجَاء الفراشون بزنابيل قد غشيت بِالْأدمِ مَمْلُوءَة دَرَاهِم ودنانير نِصْفَيْنِ فصبت فى الفرجة حَتَّى ارْتَفَعت على الصوانى وَأمر الْحَاضِرُونَ أَن يشْربُوا وَأَن يَأْخُذ كل من شرب من تِلْكَ الدَّنَانِير ثَلَاث حفنات بِقدر مَا حملت يَده فَكلما خف مَوضِع صبوا عَلَيْهِ من الزنابيل حَتَّى يردوه إِلَى حَالَته ووقف غلْمَان فى آخر الْمجْلس فصاحوا إِن أَمِير الْمُؤمنِينَ يَقُول لكم ليَأْخُذ من شَاءَ مَا شَاءَ فَمد النَّاس أَيْديهم إِلَى المَال فَأَخَذُوهُ فَكَانَ الرجل مِنْهُم يثقله مَا مَعَه فَيخرج فيسلمه إِلَى غلمانه وَيرجع إِلَى مَكَانَهُ وَنظر ابْن حمدون إِلَى سطل ذهب مَمْلُوء مسكا فَأَخذه وَمر بِهِ ليدفعه إِلَى غُلَامه فَقَالَ لَهُ المتَوَكل إِلَى أَيْن فَقَالَ إِلَى الْحمام يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ وَلما تقوض الْمجْلس خلع على النَّاس ألف خلعة وَأعْتق ألف نسمَة فَصَارَت دَعوته يُقَال لَهَا دَعْوَة الْإِسْلَام الثَّانِيَة
مصادر و المراجع :
١- ثمار القلوب في المضاف والمنسوب
المؤلف: عبد الملك
بن محمد بن إسماعيل أبو منصور الثعالبي (المتوفى: 429هـ)
1 يناير 2024
تعليقات (0)