المنشورات
(إيوَان كسْرَى)
يضْرب بِهِ الْمثل للبنيان الرفيع العجيب الصَّنْعَة المتناهى الحصانة والوثاقة لِأَنَّهُ من عجائب أبنية الدُّنْيَا وَمن أحسن آثَار الْمُلُوك وَهُوَ بِالْمَدَائِنِ من بَغْدَاد على مرحلة بناه كسْرَى أبرويز فى نَيف وَعشْرين سنة وتأنق فى تأسيسه وتشييده وتحسينه فَلَمَّا ارْتَفع كَانَ من خَصَائِصه الثمان عشرَة الَّتِى لم يُعْطهَا ملك قبله
وَيُقَال بل بناه أنو شرْوَان وَهُوَ الذى بنى الْبَاب والإيوان أَيْضا
وأنشدنى أَبُو نصر المرزبانى لنَفسِهِ يذكر ذَلِك
(قلت لما رايته فى قُصُور ... مشرفات الجدران والبنيان)
(هبك كسْرَى كسْرَى الْمُلُوك أنو شرْوَان ... بانى الْأَبْوَاب والإيوان)
(أى شكر ترجوه منى إِذا لم ... تقض لى حاجتى وترفع شانى)
وَذكر ابْن قُتَيْبَة فى كتاب المعارف أَن بانية سَابُور ذُو الأكتاف
وَمن وَصفه أَن طوله مائَة ذِرَاع فى عرض خمسين ذِرَاعا فى سمك مائَة ذِرَاع وَهُوَ متخذ من الْآجر الْكِبَار والجص وثخن الأزج خمس آجرات وَطول الشرفة خَمْسَة عشر ذِرَاعا
وَلما بنى الْمَنْصُور مَدِينَة السَّلَام أحب أَن ينْقض إيوَان كسْرَى ويبنى بنقضه الْأَبْنِيَة فَاسْتَشَارَ خَالِد بن برمك فى ذَلِك فَنَهَاهُ عَن نقضه وَقَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ إِنَّه آيَة الْإِسْلَام وَإِذا رَآهُ النَّاس علمُوا أَن من هَذَا بِنَاؤُه لَا يزِيل أمره إِلَّا نبى وَهُوَ مَعَ هَذَا مصلى على بن أَبى طَالب رضوَان الله عَلَيْهِ والمؤنة فى هَدمه ونقضه أَكثر من الارتفاق بِهِ فَقَالَ الْمَنْصُور يَا خَالِد أَبيت إِلَّا ميلًا إِلَى الْعَجم ثمَّ أَمر بهدمه فهدمت مِنْهُ ثلمة فلبغت النَّفَقَة عَلَيْهَا مَالا كثيرا فَأمر بالإضراب عَن هَدمه وَقَالَ يَا خَالِد قد صرنا إِلَى رايك فِيهِ فَقَالَ أَنا الْآن أُشير بهدمه قَالَ وَكَيف قَالَ لِئَلَّا يتحدث النَّاس بأنك عجزت عَن هَدمه فَلم يقبل قَوْله وَتَركه على حَاله فَكَانَ الْمَأْمُون يَقُول قد حبب إِلَى هَذَا الْخَبَر أَلا أبنى إِلَّا بِنَاء جَلِيلًا يصعب هَدمه
قَالَ الجاحظ قَالَ قَاسم التمار رَأَيْت إيوَان كسْرَى كَأَنَّمَا رفعت عَنهُ الْأَيْدِي أول أمس
قَالَ الْمبرد تَذَاكر حُذَيْفَة بن الْيَمَان وسلمان أَمر الدُّنْيَا فَقَالَ سلمَان وَمن أعجب مَا تَذَاكرنَا صعُود غنيمات الغامدى سَرِير كسْرَى وَكَانَ أعرابى من غامد يرْعَى شويهات لَهُ فَإِذا كَانَ اللَّيْل صيرها إِلَى عَرصَة إيوَان كسْرَى وفى الْعَرَصَة سَرِير رُخَام فتصعد غنيماته إِلَى ذَلِك السرير وَكَانَ كسْرَى كثيرا مَا يجلس على ذَلِك السرير وَمِمَّنْ ضرب الْمثل بإيوان كسْرَى ابْن الرومى فى قَوْله وَهُوَ يهجو
(كَانَ للكركدن قرن فأضحى ... وَهُوَ الْيَوْم عِنْد قرنك مدرى)
(من يكن قرنه كقرنك هَذَا ... فَلْيَكُن بَابه كإيوان كسْرَى)
وَمِمَّنْ وَصفه البحترى فى قصيدته الَّتِى مِنْهَا
(حضرت رحلى الهموم فوجهت ... إِلَى أَبيض الْمَدَائِن عنسى)
(وَكَأن الإيوان من عجب الصَّنْعَة ... جوب فى جنب أرعن جلس)
(لم يعبه أَن بِزَمن بسط الديباج ... واستل من ستور الدمقس)
(مشمخر تعلو لَهُ شرفات ... رفعت فى رُءُوس رضوى وَقدس)
(لَيْسَ يدرى أصنع إنس لجن ... سكنوه أم صنع جن لإنس)
(غير أَنى أرَاهُ يشْهد أَن لم ... يَك بانيه فى الْمُلُوك بنكس)
مصادر و المراجع :
١- ثمار القلوب في المضاف والمنسوب
المؤلف: عبد الملك
بن محمد بن إسماعيل أبو منصور الثعالبي (المتوفى: 429هـ)
1 يناير 2024
تعليقات (0)