المنشورات

(حمَار طياب)

كَانَ لطياب السقاء قديم الصُّحْبَة ضَعِيف الحملة شَدِيد الهزال ظَاهر الانخذال كاسف البال يسقى عَلَيْهِ ويرفق بِهِ ويرتزق مِنْهُ مُدَّة مديدة من الدَّهْر وَكَانَ عرضة لشعر أَبى غلالة المخزومى كَمَا أَن شَاة سعيد كَانَت عرضة لشعر الحمدونى ولأنى غلالة فى وَصفه بالضعف والتوجع لَهُ من الْخَسْف نَيف وَعِشْرُونَ مَقْطُوعَة مضمنة أوردهَا كلهَا حَمْزَة الأصبهانى فى كِتَابه مضاحك الْأَشْعَار على حُرُوف الهجاء
وَحكى مُحَمَّد بن دَاوُد الْجراح عَن جَعْفَر رَفِيق طياب أَن حمَار طياب نفق فَمَاتَ طياب على أَثَره بأسبوع ثمَّ مَاتَ أَبُو غلالة على اثر حمَار طياب وَكَانَ ذَلِك من عَجِيب الاتفاقات وَسَار حمَار طياب مثلا كبغلة ابى دلامة فى الضعْف وَكَثْرَة الْعَيْب وطيلسان ابْن حَرْب وشَاة سعيد فى كَثْرَة مَا قيل فى كل مِنْهُمَا فَمن ملح أَبى غلالة مَا أوردهُ ابْن أَبى عون فى كتاب التشبيهات وَلم يُورد سوى الْمُخْتَار قَوْله
(يَا سائلى عَن حمَار طياب ... ذَاك حمَار حَلِيف أوصاب)
(كَأَنَّهُ والذباب يَأْخُذهُ ... من وَجه تقار ووشاب)
وَمِمَّا أوردهُ حَمْزَة قَوْله
(وحمار بَكت عَلَيْهِ الْحمير ... دق حَتَّى بِهِ الذُّبَاب يطير)
(كَانَ فِيمَا مضى يقوم بِضعْف ... فَهُوَ الْيَوْم وَاقِف لَا يسير)
(كَيفَ يمشى وَلَيْسَ يعلف شَيْئا ... وَهُوَ شيخ من الْحمير كَبِير)
(يَأْكُل التِّبْن فى الزَّمَان وَلَكِن ... أبعد الأبعدين عَنهُ الشّعير)
(عاين القت مرّة من بعيد ... فتغنى وفى الْفُؤَاد سمير)
(لَيْسَ لى مِنْك يَا ظلوم نصير ... انا عبد الْهوى وَأَنت أَمِير)
وَقَوله
(أَقْسَمت بالكاس والمدام ... وصحبة الْفتية الْكِرَام)
(أَن لست أبكى على رسوم ... غَيرهَا هاطل الْغَمَام)
(لَكِن بكائى على حمَار ... مُوكل الْجِسْم بالسقام)
(قد ذاب ضرا وَمَات هزلا ... فَصَارَ جلدا على عِظَام)
(وَمر يَوْمًا بِهِ شعير ... مِقْدَار كفين للحمام)
(وَحمل قت لشاة قوم ... كِلَاهُمَا فى يدى غُلَام)
(فظل من فرحه يغنى ... وَقَالَ قد جاءنى طعامى)
(يَا زائرينا من الْخيام ... حياكم الله بِالسَّلَامِ)
(لم تطرقانى وبى حراك ... إِلَى حَلَال وَلَا حرَام)
وَقَوله
(حمَار أتاح بِهِ ضره ... وَدَار عَلَيْهِ بِذَاكَ الْفلك)
(يمِيل من الضعْف فى مَشْيه ... وَيسْقط فى كل درب سلك)
(فَأَما الشّعير فَمَا ذاقه ... كَمَا لَا يَذُوق الطَّعَام الْملك)
(يغنى على القت لما يرَاهُ ... وَقد هزه الْجُوع حَتَّى هلك)
(أخذت فؤادى فعذبته ... واسهرت عينى فَمَا حل لَك)
وَقَوله
(لم أبك شجوا لفقد حب ... وَلَا ابتلانى بذلك ربى)
(لكننى قد بَكَيْت حزنا ... على حمَار لِجَار جنب)
(لَو شم ريح الشّعير شما ... من غير أكل لقَالَ حسبى)
(أَو عاين القت من بعيد ... يَوْمًا لغنى بِصَوْت صب)
(لَيْسَ يَزُول الذى بقلبى ... يَا من جفانى بِغَيْر ذَنْب)
قَوْله
(حمَار طياب لَا تحصى معايبه ... مَا فِيهِ أَكثر مِمَّا قلته فِيهِ)
(قد دق حَتَّى رَأَيْت الْخَيط يُشبههُ ... من الهزال وَعين الضّر تبكيه)
(أَقْسَمت بِاللَّه لَوْلَا التِّبْن يَأْكُلهُ ... فى كل شهر لَكَانَ الْجُوع يفنيه)

(مَا زَالَ يطْلب وصل القت مُجْتَهدا ... والقت يقْتله بالصد والتيه)
(حَتَّى تغنى لَهُ من طول جفوته ... صَوتا يبوح بِمَا قد كَانَ يخفيه)
(النَّجْم يرحمنى مِمَّا أكابده ... وَأَنت فى غَفلَة عَمَّا أقاسيه)





مصادر و المراجع :

١- ثمار القلوب في المضاف والمنسوب

المؤلف: عبد الملك بن محمد بن إسماعيل أبو منصور الثعالبي (المتوفى: 429هـ)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید