المنشورات

(جمع الذّرة)

قَالَ الجاحظ أما ترَوْنَ إِلَى خلق الذّرة وَمَا فِيهَا من بديع التَّأْلِيف وَمن الإحساس الصَّادِق والتدابير الْحَسَنَة وَمن الروية وَالنَّظَر فى الْعَاقِبَة وَالِاخْتِيَار لكل مَا فِيهِ صَلَاح الْمَعيشَة وَمَعَ مَا فِيهَا من الْبَرَاهِين النيرة والحجج الظَّاهِرَة
وَقَالَ فى مَوضِع آخر قد علمنَا الذّرة تدخر فى الصَّيف للشتاء وتتقدم فى حَالَة المهلة وَلَا تضيع أَوْقَات الفرصة ثمَّ تبلغ من نقدها وَصِحَّة تمييزها وَالنَّظَر فى عواقبها أَنَّهَا تخَاف على الْحُبُوب الَّتِى تدخرها للشتاء أَن تعفن وتسوس فتنقلها من بطن الأَرْض إِلَى ظهرهَا لتعيد إِلَيْهَا جفافها وليضربها النسيم وينفى عَنْهَا الْفساد ثمَّ رُبمَا بل فى أَكثر الْأَوْقَات اخْتَارَتْ ذَلِك لَيْلًا لِأَنَّهُ أخْفى وفى الْقَمَر لِأَنَّهَا فِيهِ أبْصر فَإِن كَانَ مَكَانهَا نديا وخافت أَن ينْبت نقرت مَوضِع القطمير من وسط الْحبَّة وهى تعلم أَنَّهَا من ذَلِك الْموضع تبتدئ تنْبت وهى تفلق الْحبّ كُله أنصافا وَإِذا كَانَ الْحبّ من حب الكزبرة فلقته أَربَاعًا لِأَن أَنْصَاف حب الكزبرة تنْبت من جَمِيع جهاته فهى من هَذَا الْوَجْه مُجَاوزَة لفطنة جَمِيع الْحَيَوَانَات
وفى وَصِيَّة لُقْمَان لأبنه يَا بنى لَا تكن الذّرة أَكيس مِنْك تجمع فى صيفها لشتائها
وَقَالَ بعض الشُّعَرَاء
(تركت وَالله لَهُ عرضه ... كَرَامَة للشعر لَا للتقى)
(لِأَنَّهُ أحرص من ذرة ... على الذى تجمعه للشتا)
وفى حَدِيث عَمْرو بن معدى كرب حِين سَأَلَهُ عمر بن الْخطاب رضى الله عَنهُ عَن سعد بن أَبى وَقاص قَالَ أَسد فى خيسه أعرابى فى شملته نبطئ فى حبوته ينْقل إِلَيْنَا نقل الذّرة إِلَى جحرها
وَقَوله نبطى فى حبوته لم يرد احتباء النبطى لِأَن الاحتباء للْعَرَب كَمَا يُقَال حباء الْعَرَب حيطانها وَلَكِن أَرَادَ أَنه فى حبوة الْعَرَب كالنبطى فى علمه بالخراج وَعمارَة الأَرْض
وَقد يجمع بَين النَّمْل والذر فى الْوَصْف بِالْجمعِ قَالَ الجمحى
(وَلها بالماطرون إِذا ... أكل النَّمْل الذى جمعا)
وَقَالَ الْكُمَيْت وَهُوَ يصف محلا
(وأنفد حَتَّى النَّمْل مافى بُيُوتهم ... وَعلل بالسوف الْوَلِيد الْمُهَذّب)

وَقَالَ آخر
(يجمع للْوَارِث جمعا كَمَا ... تجمع فى قريتها النَّمْل)
وَذكر عمر بن عبد الْعَزِيز رضى الله عَنهُ زيادا فَقَالَ قَاتل الله زيادا جمع لَهُم كَمَا تجمع الذّرة وحاطهم كَمَا تحوط الْأُم الْبرة وحبا الْعرَاق مائَة ألف ألف دِرْهَم وَثَمَانِية عشر ألف ألف





مصادر و المراجع :

١- ثمار القلوب في المضاف والمنسوب

المؤلف: عبد الملك بن محمد بن إسماعيل أبو منصور الثعالبي (المتوفى: 429هـ)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید