المنشورات

(زمن الفطحل)

من أَمْثَال الْعَرَب كَانَ ذَلِك زمن الفطحل قَالَ رؤبة
(إِنَّك لَو عمرت عمر الحسل ... أَو عمر نوح زمن الفطحل)
(والصخر مبتل كطين الوحل ... كنت رهين هرم أَو قتل)
وَسُئِلَ عَن زمن الفطحل فَقَالَ أَيَّام كَانَت الْحِجَارَة رطبَة وَإِذا كل شىء ينْطق قَالَ وَزعم بعض أهل اللُّغَة أَن زمن الفطحل هُوَ زمن الخصب وَالسعَة وَأَنَّهُمْ أَرَادوا برطوبة السَّلَام ابتلال الصخر ورفاهية الْعَيْش واتصال الغيوث وَصدق الأنواء
وَقَالَ الْخَلِيل زمَان الفطحل زمَان لم يخلق النَّاس بعد
قَالَ القاضى أَبُو الْحسن على بن عبد الْعَزِيز أما قَوْلهم أَيَّام كَانَت الْحِجَارَة رطبَة وَإِذ كل شىء ينْطق فهما من الْأُمُور الَّتِى يتدوالها جهلة الْأُمَم وَهُوَ الظَّاهِر بَين أغفال الْعَرَب والعامة هَذَا ابْن أُميَّة بن أَبى الصَّلْت وَهُوَ من حكماء الْعَرَب والمتخصصين مِنْهَا بالرواية يَقُول
(وَإِذا هم لَا لبوس لَهُم عُرَاة ... وَإِذ صم السَّلَام لَهُم رطاب)
(بِآيَة قَامَ ينْطق كل شىء ... وخان أَمَانَة الديك الْغُرَاب)
وَعَن مقَاتل بن سُلَيْمَان أَنه كَانَ يَقُول إِذْ الصخور كَانَت لينَة وَإِذ قدم إِبْرَاهِيم أثرت فى صَخْرَة الْمقَام للين الصخر كُله يَوْمئِذٍ وَلَيْسَ مَذْهَب هَؤُلَاءِ فِيمَا رَوَوْهُ يذهب مَذْهَب من جعلهَا أَجزَاء من الأَرْض تناسبت فتضامت وتحجرت فيزعم أَن الصخر إِنَّمَا ييبس من ندوة ويصلب بمدر خلْوَة وَلَو أَرَادوا ذَلِك لوجدوا متسعا فى القَوْل لَكِن الأوهام الَّتِى صورت لَهُم أَن الْبَهَائِم كَانَت ناطقة عَاقِلَة وفروع السعدان ملساء لينَة وأغصان السيال ناعمة خضراء هى الَّتِى أدتهم لذَلِك وَلَا يبعد أَن يكون الْقَوْم قصدُوا استعطاف الْقُلُوب إِلَى الْحِكْمَة وَأَرَادُوا تألفهم على الْفَهم فوضعوا أَمْثَالًا وشوها بِبَعْض الْهزْل وأدرجوا الْجد فى أثْنَاء المزح ليخف على الْقُلُوب احتمالها ويسوغ إِلَيْهَا التفاتها وَظن من لم يَقع من التَّمْيِيز موقع الْكَمَال بالبهائم أَنَّهَا كَانَت تنطق وتفصح وَتبين عَن نَفسهَا وتعرب فاختلقوا أَحَادِيث أضافوها إِلَيْهَا وَكَانَ للْعَرَب فى ذَلِك شَأْن خُصُوصا مَا ازدادت على سَائِر الْأُمَم بِهِ لفضل مَا فِيهَا من اللهج بالْكلَام وَمَا أُوتيت من الاقتدار على التَّصَرُّف فى الْمنطق فاختلقت لَهَا قريضا وفصلت أسجاعا كالذى حكته عَن الضَّب أَنه قَالَ فى صبره على المَاء وَهُوَ عِنْدهم أَصْبِر ذى نفس
(آلَيْت أَلا أردا ... إِلَّا عرادا عردا)
(وصليانا صردا ... وعنكثا ملتبدا)
وَزَعَمُوا أَن القطا قَالَت للحجل حجل حجل كفرس فى الْجَبَل يهمز من خوف الْأَجَل
فَقَالَ الحجل قطا قطا أرى قفاك أمعطا بيضك ثِنْتَانِ وبيضي مِائَتَا
هَكَذَا جَاءَت الرِّوَايَة والأمثال تجرى على ألفاظها وَأَشْبَاه ذَلِك كثير وَالْعرب تسمى ذَلِك الزَّمَان زمَان الفطحل قَالَ
(زمن الفطحل إِذْ السَّلَام رطاب ... )




مصادر و المراجع :

١- ثمار القلوب في المضاف والمنسوب

المؤلف: عبد الملك بن محمد بن إسماعيل أبو منصور الثعالبي (المتوفى: 429هـ)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید