المنشورات

بِرِشْت

 البيض المشوي أو المسلوق نصف نضج. يقولون: بيض برشت بكسرتين فسكون: لما سُلق أو شُوى بقشره غير تام النضج, يتوهّمون أن الباء فيه للجر, وأن المراد بالرشت مادّة البيض المائعة قبل أن تجمد, ولهذا يقول بعضهم: أكلت بيض برشته. أصله فارسي «نمبرشت». انظره في كلام الخليفة معاوية بن أبي سفيان في ص 16 من الإيجاز والإعجاز في المجموعة (رقم 361 أدب). الصواب أن أصله نيمبرشت, فنيم معناه نصف, وبرشت معناه النضج أي نصف ناضج. وفي أمثال الفرس: «نيم عالم أزْضرر أديان, نيم حكيم أزضرر أبدان» أي: نصف عالم ضرر في الدين, ونصف طبيب ضرر في الأبدان. وقد نظم هذا المعنى بديهة الشيخ عبد الملك الفتنى فقال:
عالم الدين والطبيبُ إذا لمْ ... يكُملا أفسدا فسادا مُبينا
فقصور الطبيب يفسد جِسماً ... وقصور الأستاذ يفسد دينا
وبعض المؤلفين في تقويم البلدان من العرب يقولون لشبه الجزيرة: نيم جزيرة. وكأن العامة استطالته واستثقلته, فاقتصرت على الكلمة الثانية منه. واستعمله كثير من الأطباء بلفظه الفارسي في تآليفهم. ولكنا رأيناه أيضا في كثير من العبارات بلفظ «نيمرشت» , أن بحذف الموحدة.
ولعل بعضهم عرَّبه به أو يكون من تحريف بعض الناسخين. ولا نذكر أننا رأيناه في كلام لعربي, إلا فيما رواه الثعالبي في الإيجاز والإعجاز عن معاوية بن أبي سفيان أنه قال مرة لجلسائه: «وددت لو أن الدنيا في يدي بيضة نيمرشت فأحْسُوها كما هي». ولكن لا يخفى أن العبارة ليست مسوقة للاستشهاد اللغوي, فلا يصح الاحتجاج بما فيها في اللغة, لاحتمال أن تكون مروية بالمعنى فضلا عن أن تكون القصة موضوعة. وإذا كانوا نازعوا في جواز الاستشهاد في العربية بالأحاديث الصحيحة لجواز روايتها بالمعنى, فبالأولى عدم الاستشهاد بما في العبارات المروية في كتب الأدب والتاريخ, وإنما يستأنس بها إذا دعمت بنص لغويّ. وممن استعمل النيمبرشت من المولّدين المقريزي في خططه في الكلام على خزائن الجوهر والطيب والطرائف الفاطمية, فقال (1: 415): ووجد عدة أقفاص مملوءة ببيض صيني معمول على هيئة البيض في خلقته وبياضه, يجعل فيها ماء البيض النيمبرشت يوم الفصاد. ومنه يعلم أنهم كانوا يستعملون ظروفا يُحْسَى بها هذا النوع من البيض كالمستعملة اليوم إلا أنهم كانوا يجعلونها على مشاله في الصورة واللون.
ويرادفه في العربية «الرّعَاد». وقد رأيته في رسالة لأحد أفاضل المغرب في تفسير أعشاب وعقاقير تدور على ألسنة الأطباء بأسماء لا تعرفها العامة. ونص العبارة: الرعاد هو البيض المطبوخ نصف طبخ بحيث يبقى يرتعد إذا هزّ, وهو النيمبرشت. وذكر دُوزْى في معجمه هذه العبارة بعينها, نقلا عن تفسير مفردات الجامع المنصوري للرازي, المحفوظة نسخته بخزانة ليدن. قلت: ولله در واضع هذا الاسم, فقد أحسن الاختيار, ونحا فيه نحو العرب في تسميتهم الفالوذ بالرِّعديد, لارتعاده. وقد يعترض بأن المفهوم من عبارة الرازي تخصيص الرعاد بدرجة من درجات النضج متوسطة بين الرقيق والسليق المشتد, فلا يصح على هذا جعله مرادفا للنيمبرشت الموضوع لمطلق هذا النوع, والوارد بذلك في عبارات لا تحصى كثرة. ولكنه اعتراض يرد أيضا على النيمبرشت, فإنه مع استعماله لمطلق ما لم يتم نضجه بلا تعيين لرقته وغلظه, قد خصه بعضهم بدرجة من درجات النضج كما فعل ابن البيطار في قوله: والمسلوق المشتد منه أكثر غذاءً وأبطأ نزولا, والنيمبرشت منه أقل غذاء وأسرع نزولا, والرعاد منه والعيون (1) معتدلة بين هذين. فلا مانع فيما نرى يمنعنا من إطلاق «الرعاد» على مطلق هذا النوع, تسمية له بأغلب الحالات عليه. ثم للأطباء - إذا أرادوا تعيين درجة النضج - أن يقولوا:
الرقيق من الرعّاد, والوسيط, والغليظ. وبهذا الإطلاق نخلص من بعض العجمة الآخذه بالخناق. وكلها كما لا يخفى أوضاع مولّدة, لنا أن نختار منها الأصلح لما توخيناه متى كان موافقا لقواعد العربية.
في الجزء الأول من «ترجمان اللغات» ما نصه: برشتَه مقلي: يعني: نصف ناضج, وبرشتن: قلي أو شوي. فرهنك الشعوري ج 2 ظهر ص 398: نيمبرشت. ولم يفسر برشت. وذكر برشت, ولم يتكلم على لفظه في صحاح المعجم (رقم 29 لغات).
وقيل هو «بي رسته»: أي غير ناضج لأن «بي» للنفي. ولم نجد «رسته» في المعاجم التي بين أيدينا.
واسم هذا النوع عند الأتراك راندان ورندان, وقد صرحوا في معاجمهم بعربية أصله, ولكنا لم نعثر عليه في كتب اللغة التي بأيدينا.





مصادر و المراجع :

١- معجم تيمور الكبير في الألفاظ العامية

المؤلف: أحمد بن إسماعيل بن محمد تيمور (المتوفى: 1348 هـ)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید