المنشورات
«أبو بكر بن مجاهد» ت 324 هـ
هو: أحمد بن موسى بن العباس بن مجاهد التميمي الحافظ الأستاذ البغدادي، شيخ الصنعة وشيخ القراء في عصره، والمقدم منهم على جميع أهل زمانه.
نشأ «أبو بكر بن مجاهد» منذ نعومة أظافره على حفظ القرآن، وأكبّ إكبابا منقطع النظير على قراءات القرآن، وتفسيره، واعرابه، وروايات حروفه وطرقه، تساعده في ذلك حافظة واعية لا يرتسم فيها شيء الا يثبت وكأنما يحفر فيها حفرا، كما كان يساعده ذكاء نافذ ومعرفة واعية بالرواية والقراء.
وقد مضى يختلف إلى شيوخ القراءات في عصره حتى أخذ عنهم جميعا، وكأنما تحولت حافظته سجلّا ضخما بجميع القراءات بطرقها ورواياتها الكثيرة. ومن أهم شيوخه «عبد الرحمن بن عبدوس» الثقة الضابط المحرر، تلميذ «أبي عمر الدوري» إذ يقول «ابن مجاهد»: قرأت على «ابن عبدوس» قراءة نافع من أول القرآن إلى خاتمته نحوا من عشرين ختمة.
ويذكر «ابن مجاهد» في مستهل حديثه عن «ابن كثير» وأسانيده لقراءته أنه قرأ بها على «قنبل» شيخ القراء بمكة المكرمة سنة مائتين وثمانية وسبعين للهجرة، مما يدل على أنه رحل لسماع القراءات إلى أمصارها في مكة المكرمة، والمدينة المنورة، والكوفة والبصرة، ودمشق. وهذا إن دلّ على شيء فإنما يدلّ على شدّة تعلق «ابن مجاهد» بجمع الروايات، وحفظ الطرق والقراءات.
ومن يتتبع شيوخ «ابن مجاهد» يجدهم بلغوا العشرات وكلهم من خيرة علماء علم القراءات وحسبي أن أشير هنا إلى بعض هؤلاء: منهم: محمد بن إسحاق أبو ربيعة، ومحمد بن يحيى الكسائي الصغير، وأحمد بن يحيى ثعلب، وموسى بن إسحاق الأنصاري، وأحمد بن فرح، وإدريس بن عبد الكريم، والحسن بن العباس بن أبي مهران، وعبد الله بن أحمد بن حنبل، وعبد الله بن أبي داود، وغير هؤلاء كثير (1).
وبعد أن تلقى «ابن مجاهد» جميع قراءات القرآن الكريم جلس للإقراء وتعليم المسلمين حروف القرآن الكريم. وفي هذا المعنى يقول عنه «ابن الجزري»:
وبعد صيت «ابن مجاهد» واشتهر أمره، وفاق نظراءه مع الدين والحفظ والخير، ولا أعلم أحدا من شيوخ القراءات أكثر تلاميذ منه، ولا بلغنا ازدحام الطلبة على أحد كازدحامهم عليه، حكى «ابن الأخرم»: أنه وصل إلى «بغداد» فرأى في حلقة «ابن مجاهد» نحوا من ثلاثمائة مصدّر (2). وقال «علي بن عمر» المقرئ: كان «ابن مجاهد» له في حلقته أربعة وثمانون خليفة يأخذون على الناس (3).
من هذا يتبين أن الذين تلقوا القرآن على «ابن مجاهد» وأخذوا عنه حروف القراءات عدد كثير أذكر منهم ما يلي: «إبراهيم بن أحمد الخطّاب، والحسن بن أحمد بن عبد
الغفّار الفارسي، والحسن بن سعيد المطوعي، والحسين بن خالويه النحوي، والحسين بن محمد بن حبشي، وزيد بن علي، وعبد السلام بن بكّار، وعبد الله بن الحسين أبو أحمد السامري، وغير هؤلاء كثير (1). ويقول «الذهبي»:
آخر من روى السبعة لابن مجاهد «أبو اليمن الكندي» تفرد بعلوّ رواية الكتاب، عن «ابن توبة» عن «الصريفيني» عن «أبي حفص الكتّاني عنه» اهـ (2). كما أكبّ «ابن مجاهد» على دراسة الحديث النبوي الشريف، وحدث عن عدد كبير من علماء الحديث منهم: «عبد الله بن أيوب المخزومي، ومحمد بن عبد الله الزهيري، وزيد بن إسماعيل الصائغ، وسعدان بن نصر، وأحمد ابن منصور الرمادي، ومحمد بن إسحاق الصاغاني، ومحمد بن سعد العوفي، وعباس الدوري، وأبو رفاعة العدوي»، وغيرهم كثير (3).
ولم يقتصر «ابن مجاهد» على تعليم القرآن وحروفه، بل تصدّر أيضا لرواية الحديث النبوي الشريف. ومن الذين رووا عنه: «أبو طاهر بن أبي هاشم، وأحمد بن عيسى، وأبو بكر الجعابي، وأبو القاسم بن النخاس، وأبو الحسين بن البوّاب، وأبو بكر بن شاذان، وطلحة بن محمد بن جعفر، وأبو الحسن الدارقطني، وأبو حفص بن شاهين» وآخرون (4). بلغ «ابن مجاهد» القمّة في المجد وبعد الصيت، واحتل مكانة سامية مما استوجب ثناء العلماء عليه، وفي هذا يقول «الخطيب البغدادي»: كان «ابن مجاهد» ثقة، مأمونا، كتب إليّ «أبو طاهر محمد بن الحسين المعدّل» من الكوفة، عن «أحمد بن يحيى» النحوي، قال: في سنة ست وثمانين ومائتين، ما بقي في عصرنا هذا أحد أعلم بكتاب الله من «أبي بكر بن مجاهد» اهـ (5). وقال «أبو عمرو الداني»: فاق «ابن مجاهد»
في عصره، سائر نظرائه من أهل صناعته، مع اتساع علمه، وبراعة فهمه، وصدق لهجته، وظهور نسكه (1).
توفي «ابن مجاهد» بعد حياة حافلة بتعليم القرآن، وسنة النبي عليه الصلاة والسلام يوم الاربعاء في شعبان سنة أربع وعشرين وثلاثمائة من الهجرة. ودفن في مقبرة له بباب البستان في الجانب الشرقي ببغداد، وصلّى عليه «الحسن بن عبد الله الهاشمي». رحم الله «ابن مجاهد» رحمة واسعة إنه سميع مجيب.
مصادر و المراجع :
١- معجم حفاظ القرآن عبر التاريخ
المؤلف: محمد محمد
محمد سالم محيسن (المتوفى: 1422هـ)
13 يناير 2024
تعليقات (0)