المنشورات

«ابن شنبوذ» ت 328 هـ

هو: محمد بن أحمد بن أيوب بن الصلت البغدادي، شيخ الإقراء بالعراق.
ذكره «الذهبي» ت 748 هـ ضمن علماء الطبقة الثامنة من حفاظ القرآن.
كما ذكره «ابن الجزري» ت 833 هـ ضمن علماء القراءات.
اشتهر «ابن شنبوذ» بالرحلة إلى كثير من البلاد في طلب القراءات، ولذلك تلقى القراءات القرآنية وعرفها ودرسها صحيحها وشاذها عن عدد كبير من علماء الأمصار يعدون بالعشرات، منهم: إبراهيم الحربي، وأحمد بن بشار الأنباري، وأحمد بن نصر بن شاكر، وأحمد بن فرح، وأحمد بن أبي حماد، واسحاق الخزاعي، والحسن بن العباس الرازي، والحسن بن الحباب، والعباس بن الفضل الرازي، وقنبل أحد رواة ابن كثير، وغيرهم كثير (2).
وقد تصدر «ابن شنبوذ» لتعليم القرآن وحفظه وتجويده، واشتهر بالعلم وأقبل الطلاب عليه من كل مكان، فتتلمذ عليه الكثيرون، وأخذوا عنه، من هؤلاء الذين تلقوا عنه القراءات: أحمد بن نصر الشذائي، وأبو الحسين أحمد بن عبد الله الجبّي، وإدريس بن علي المؤدب، وعلي بن الحسين الغضائري، والحسن بن سعيد المطوعي، وأبو بكر عبد الله بن أحمد القباب، ومحمد بن أحمد بن إبراهيم الشنبوذي، وأبو بكر بن مقسم، ومحمد بن محمد بن أحمد الطرازي، وغير هؤلاء كثير (1).
ولم يقتصر «ابن شنبوذ» على تلقي القراءات القرآنية، بل أخذ حديث الهادي البشير صلى الله عليه وسلّم عن عدد من العلماء، منهم: أبو مسلم الكجّيّ، وبشر بن موسى، واسحاق بن إبراهيم الدّبري، وعبد الرحمن بن جابر الحمصيّ، وغيرهم كثير (2).
وقد روى عن «ابن شنبوذ» الحديث عدد لا بأس به، منهم: أبو بكر بن شاذان، ومحمد بن اسحاق القطيعي، وأبو حفص بن شاهين وغيرهم (3) وكان ابن شنبوذ من المعاصرين «لابن مجاهد»، وكانت بينهما خلافات كما هي عادة الأقران، ومع أن «ابن شنبوذ» كان من علماء القراءات ومن المشهود لهم بالتقوى إلا أنه ارتكب خطيئة كبيرة كانت السبب في تشويه سيرته وتعكير صفو حياته.
وذلك أنه تخير لنفسه حروفا من شواذ القراءات تخالف الإجماع، فقرأ بها، فصنف «أبو بكر بن الأنباري» وغيره كتبا في الرد عليه، وأنكروا عليه ذلك الأمر الذي يخالف إجماع المسلمين، وفي هذا المعنى يقول الإمام: «أبو طاهر عبد الواحد بن عمر بن محمد بن أبي هاشم» في أول كتاب: «البيان عن اختلاف القراءة:
وقد نبغ نابغ في عصرنا هذا فزعم أن كل ما صح عنده وجه في العربية لحرف من القرآن يوافق خط المصحف فقراءته به جائزة في الصلاة وغيرها، فابتدع بفعله ذلك بدعة ضلّ بها عن قصد السبيل وأورط نفسه في منزلة عظمت بها جنايته على الإسلام وأهله، وحاول إلحاق كتاب الله عز وجل من الباطل ما لا يأتيه من بين يديه ولا من خلفه، إذ جعل لأهل الإلحاد في دين الله عز وجل بسيّئ رأيه طريقا إلى مغالطة أهل الحق بتخير القراءات من جهة البحث والاستخراج بالآراء دون الاعتصام والتمسك بالأثر المفترض على أهل الاسلام قبوله والأخذ به كابرا عن كابر وخالفا عن سالف (1).
وقال «الخطيب البغدادي» ت 463 هـ: روى «ابن شنبوذ» عن خلق كثير من شيوخ الشام ومصر، وكان قد تخير لنفسه حروفا من شواذ القراءات تخالف الاجماع يقرأ بها، فصنف أبو بكر بن الأنباري وغيره كتبا في الرد عليه اهـ (2).
وقال إسماعيل الخطبي ت 350 هـ في كتاب التاريخ: اشتهر ببغداد أمر رجل يعرف «بابن شنبوذ»، يقرئ الناس ويقرأ في المحراب بحروف يخالف فيها المصحف مما يروى عن «عبد الله بن مسعود، وأبي بن كعب»، وغيرهما مما كان يقرأ به قبل جمع المصحف الذي جمعه «عثمان بن عفان» رضي الله عنه، ويتتبع الشواذ فيقرأ فيها ويجادل حتى عظم أمره وفحش، وأنكره الناس، فوجه السلطان «محمد بن المقتدر بن المعتضد» أبا العباس المعروف بالراضي بالله فقبض عليه في يوم السبت لست خلون من ربيع الآخر سنة ثلاث وعشرين وثلاثمائة من الهجرة وحمل إلى دار الوزير «محمد بن علي بن مقلة» ت 328 هـ.
وأحضر القضاة والفقهاء والقراء، وناظره- الوزير ابن مقلة- بحضرتهم، فأقام الوزير على ما ذكر عنه الحجة، واستنزله الوزير عن ذلك فأبى أن ينزل عنه،أو يرجع عما يقرأ به من هذه الشواذ المنكرة التي تخالف رسم المصحف، وأنكر ذلك جميع من حضر المجلس من القضاة، والفقهاء والقراء وأشاروا بعقوبته، ومعاملته بما يضطره إلى الرجوع عن رأيه، فأمر الوزير- ابن مقلة- بتجريده من ثيابه وضربه بالدّرة على قفاه، فضرب نحو العشرة ضربا شديدا فلم يصبر واستغاث، وأذعن بالرجوع والتوبة، فخلى عنه، وأعيدت عليه ثيابه، واستتيب وكتب عليه كتاب بتوبته وأخذ فيه خطه بالتوبة، اهـ (1).
وهكذا كانت حادثة «ابن شنبوذ» رادعا لكل من تريد له نفسه الخروج عن إجماع المسلمين ومحاولة القراءة بغير ما تواتر واشتهر عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم.






مصادر و المراجع :

١- معجم حفاظ القرآن عبر التاريخ

المؤلف: محمد محمد محمد سالم محيسن (المتوفى: 1422هـ)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید