المنشورات
حكم القراءة بالشاذ
فإن قيل: نريد بيان آراء العلماء في حكم القراءة بالشاذ. أقول: قبل الدخول في تفصيل ذلك يجدر بي أن أبين تعريف الشاذ فأقول: يقال: شذّ عنه يشذّ شذوذا بمعنى ندر عن جمهوره، وشذاذ الناس: الذين يكونون في القوم ليسوا في قبائلهم ولا منازلهم (2).
من هذا يتبين أن مادة «شذذ» تدور حول الندرة، والتفرد، والقلة، والغرابة، والتفرق. أما عن بيان حكم القراءة بالشاذ فأقول وبالله التوفيق: من يتابع أقوال العلماء في ذلك، وأقوال الفقهاء في هذه القضية يستطيع أن يحكم بأن هناك شبه إجماع من علماء المسلمين على أنه تحرم القراءة بالشاذ في الصلاة وغيرها.
وهذا نموذج من أقوال العلماء في ذلك: قال الإمام مالك بن أنس إمام دار الهجرة ت 179 هـ: «من قرأ في صلاته بقراءة ابن مسعود أو غيره من الصحابة مما يخالف المصحف لم يصلّ وراءه» اهـ (1).
وقال أبو حاتم السجستاني ت 250 هـ: «لا تجوز القراءة بشيء من القراءات الشاذة لخروجها عن إجماع المسلمين، وعن الوجه الذي ثبت به «القرآن» وهو التواتر، وإن كان موافقا للعربية، وخط المصحف، لأنه جار من طريق الآحاد، نحو: (ملك يوم الدين)» بفتح الميم واللام ونصب الكاف، وهي قراءة «أنس» رضي الله عنه. وقال «الإمام أبو بكر الشاشي» ت 507 هـ نقلا عن الشيخ القاضي الحسين بن محمد بن أحمد أبو علي المروزي ت 462 هـ وهو من كبار فقهاء الشافعيين: «إن الصلاة بالقراءة الشاذة لا تصح» اهـ (2).
وقال «الشيخ محيي الدين النووي»: ت 676 هـ وهو من كبار فقهاء الشافعية، «لا تجوز القراءة في الصلاة، ولا في غيرها بالقراءات الشاذة، وليست قرآنا لأن القرآن لا يثبت إلا بالتواتر، وأما القراءة الشاذة فليست متواترة، فلو خالف وقرأ بالشاذ أنكر عليه سواء قرأ بها في الصلاة أو في غيرها، هذا هو الصواب الذي لا معدل عنه، ومن قال غير هذا فهو غالط أو جاهل» اهـ (3).
وقال ابن الصلاح عثمان بن عبد الرحمن بن موسى ت 643 هـ: هو ممنوع من القراءة، بما زاد على العشرة منع تحريم، لا منع كراهة في الصلاة وخارجها» (4).
وكذلك صرح «ابن الحاجب وابن السبكي» بتحريم القراءة بالشاذ، واستفتى «الإمام الحافظ ابن حجر العسقلاني» ت 852 هـ عن حكم القراءة بالشاذ فقال: «تحرم القراءة بالشاذ، وفي الصلاة أشد» (1).
فإن قيل: متى شذت القراءات؟ أقول: من يتتبع تاريخ القرآن الكريم يجد أن القرآن نزل منجما على نبينا محمد صلى الله عليه وسلّم خلال ثلاث وعشرين سنة مدة بعثته عليه الصلاة والسلام. وكان النبي صلى الله عليه وسلّم يعارض «جبريل» عليه السلام بالقرآن كل عام في رمضان: وفي العام الذي نقل فيه النبي صلى الله عليه وسلّم إلى الرفيق الأعلى عارض «جبريل» بالقرآن مرتين.
إذا فكل ما نسخ من القرآن الكريم حتى العرضة الأخيرة يعتبر شاذا.
فإن قيل: من أول من تتبع القراءات الشاذة؟ أقول: قال «أبو حاتم السجستاني» ت 250 هـ: «أول من تتبع بالبصرة وحده القراءات وألفها وتتبع الشاذ منها فبحث عن إسناده «هارون بن موسى» الأعور ت 198 هـ (2).
فإن قيل: ما حكم تعلم وتدوين القراءات الشاذة؟ أقول: من يقرأ أقوال العلماء في ذلك يمكنه أن يحكم بأنه يجوز تعلم القراءات الشاذة وتعليمها نظريا لا عمليا، حيث لا تجوز القراءة بالشاذ.
كما يجوز تدوينها في الكتب، وبيان وجهها من حيث: اللغة، والإعراب، والمعنى. واستنباط الأحكام الشرعية، منها على القول بصحة الاحتجاج بها.
كما يجوز الاستدلال بها على وجه من وجوه اللغة العربية، كما أن القراءات الشاذة تتضمن الكثير من اللهجات العربية القديمة. فهي سجل حافل بذلك، والله أعلم.
مصادر و المراجع :
١- معجم حفاظ القرآن عبر التاريخ
المؤلف: محمد محمد
محمد سالم محيسن (المتوفى: 1422هـ)
13 يناير 2024
تعليقات (0)