المنشورات

«إبراهيم الجعبري» ت 732 هـ

هو: إبراهيم بن عمر بن إبراهيم بن خليل بن أبي العباس أبو محمد الجعبري نسبة إلى قلعة «جعبر» وتقع على نهر الفرات بين بالس والرقة قرب صفين.
ذكره «الذهبي» ت 748 هـ، ضمن علماء الطبقة الثامنة عشرة من علماء القراءات. كما ذكره «ابن الجزري» ت 833 هـ ضمن علماء القراءات.
ولد «الجعبري» في قلعة جعبر في حدود سنة أربعين وستمائة من الهجرة.
ونشأ في أسرة عريقة في العلم والدين، حيث كان والده من أعيان ووجهاء «قلعة جعبر» وقد اشتهر بمؤذن جعبر، كما ألف والده «المحرر في الفقه، والمنتقى في الأحكام» (2).
اتجه «الجعبري» منذ نعومة أظفاره وهو في التاسعة من عمره إلى تحصيل العلم، وكان يتمتع بذاكرة قوية، وحافظة أمينة، فحفظ القرآن الكريم مبكرا، كما حفظ كتاب «التيسير» في القراءات السبع، وكتاب «التعجيز في مختصر الوجيز في الفقه على مذهب الإمام الشافعي».
رحل «الجعبري» إلى بعض البلاد الإسلامية من أجل طلب العلم والسماع من الشيوخ، والاستزادة من الثقافة والمعرفة. فكانت رحلته الأولى إلى «بغداد» بعد عام ستين وستمائة من الهجرة، فالتحق بالمدرسة النظامية، وحضر دروس المشايخ بالمدرسة المستنصرية، وحضر مجالس كبار العلماء، وتلقى القراءات السبع على «أبي الحسن علي بن عثمان البغدادي».
وقرأ القراءات العشر على «الحسين بن الحسن المنتجب التكريتي» ت 688 هـ وأسند القراءات بالإجازة عن الشريف أبي البدر الداعي ت 668 هـ وأخذ الفقه عن أبي العزّ محمد بن عبد الله البصري الشافعي المدرّس بالمدرسة النظامية.
وهذه الرحلة تعتبر أعظم رحلاته التي قام بها، حيث أدرك الفوائد العلمية، واتسع أفقه العلمي، وارتفع مستواه، وبرع في القراءات، فكتب فيها كتابه «نزعة البررة في قراءات الأئمة العشرة»، وكتابه «عقود الجماعة في تجويد القرآن» وعرضهما على شيخه منتجب الدين التكريتي.
ثم كانت رحلته الثانية إلى «دمشق» فسمع من كبار الحفاظ منهم «الفخر ابن البخاري» ت 690 هـ والفخر بن الفخر البعلبكي ت 699 هـ.
وباحث، وناظر، وأفاد الطلبة كثيرا (1).
ثم رحل بعد ذلك إلى «مدينة الخليل» بفلسطين وكان ذلك قبل عام ثمانية وثمانين وستمائة، وأقام بها بضعة وأربعين عاما حتى توفاه الله. وقد تولى «الجعبري» في «مدينة الخليل» القضاء، والإفتاء، والخطابة، ونشر العلم بشتى الوسائل المختلفة سواء كان بالتدريس أو التأليف وقد عمر طويلا حتى أدركه الأحفاد.
يفهم مما تقدم أن «الجعبري» اجتهد في طلب العلم وتحصيله وبذل في سبيل ذلك كل عمره، وزهرة شبابه، حتى وصل إلى أرقى المناصب العلمية في زمانه.
وقد تتلمذ «الجعبري» على عدد كبير من خيرة العلماء، في كثير من العلوم المختلفة، وفي مقدمة شيوخه في القراءات:
1 - شمس الدين أبو الحسن، علي بن عثمان بن محمود الوجوهي الحنبلي البغدادي، وهو شيخ مقرئ، ماهر محقق مجود، عني بالقراءات والأداء، قرأ عليه «الجعبري» القراءات السبع، وقرأ عليه «كتاب التجريد» لابن الفحام، وسمّع عليه كتاب «الوقف والابتداء» لابن عباد، وقرأ عليه صحيح البخاري، وعوارف المعارف (1).
2 - شمس الدين أبو البدر محمد بن عمر بن القاسم الشريف الرشيدي العباسي الواسطي، شيخ القراء بالعراق، وإمام بارع. قرأ القراءات العشر على «أبي بكر عبد الله بن الباقلاني» وروى عنه الجعبري بالإجازة (2).
3 - إبراهيم بن محمود بن سالم أبو محمد الأزجي البغدادي، المعروف بابن الخير الحنبلي، أجاز «الجعبري» بالقراءات (3).
4 - مجد الدين أبو أحمد عبد الصمد بن أحمد بن عبد القادر بن أبي الجيش الحنبلي البغدادي، وكان واسع الرواية، وشيخ القراء ببغداد. وقد أخذ الروايات عن «الفخر محمد بن أبي الفرج الموصلي» وسمع منه كتبا كثيرة في القراءات. كما قرأ على «عبد العزيز الناقد» وروى عنه أكثر من ثلاثين كتابا في القراءات. وقد أخذ عنه «الجعبري» القراءات الثلاث. توفي مجد الدين سنة 676 هـ.
5 - منتجب الدين أبو علي، الحسين بن الحسن بن أبي السعادات التكريتي وهو عالم حاذق بالقراءات. انتهى إليه الإقراء ببغداد. يقول «الجعبري»:
قرأت عليه من حفظي «درّة الأفكار في القراءات العشر» توفي منتجب الدين سنة 688 هـ ببغداد (1).
6 - جمال الدين يوسف بن جامع بن أبي البركات أبو إسحاق القفصي بضم القاف، وسكون الفاء، الحنبلي البغدادي. وهو أستاذ كبير مؤلف محقق عالم، ألف كتاب «الشافي في القراءات العشر» قال عنه «الحافظ الذهبي»:
كان جمال الدين رأسا في القراءات عارفا باللغة، والنحو، جمّ الفضل. وكان لا يتقدمه أحد في زمانه في الاقراء. قال «الجعبري»: قرأت عليه «كتاب المصباح» وكتاب «التذكرة»، ووقف ابن الأنباري، توفي «جمال الدين» سنة 682 هـ (2).
وبعد أن اكتملت مواهب «الجعبري» وأصبح من العلماء تصدر لتعليم القرآن وعلومه وقراءاته، واشتهر بالثقة والاتقان وسعة العلم، أقبل عليه الطلاب من كل مكان يأخذون عنه ويقرءون عليه، فتتلمذ عليه الكثيرون وفي مقدمتهم:
1 - علي بن أبي محمد بن أبي سعد بن عبد الله أبو الحسن الواسطي المعروف بالديواني، توجه إلى الخليل فأخذ عن «الجعبري» نظم «كتاب الإرشاد» في قصيدة لامية سماها «جمع الأصول» وكان خاتمة المقرئين بواسط مع الدين والتحقيق ت 743 هـ (3).
2 - الحافظ الذهبي محمد بن أحمد بن عثمان أبو عبد الله شمس الدين. عني بالقراءات من صغره، قرأ على «الجعبري» كتابه «نزعة البررة في القراءات العشرة» ت 748 هـ، بدمشق (4).
3 - محمد بن جابر بن محمد بن قاسم أبو عبد الله شمس الدين الوادي.
يقول في ترجمة شيخه «الجعبري»: حضرت مجلس إقرائه التفسير والفقه الشافعي، ورويت عنه الحديث، والقراءات، وغيرها. ت 749 هـ، بتونس (1).
4 - إبراهيم بن أحمد بن عبد الواحد بن عبد المؤمن أبو إسحاق الشامي، نزيل القاهرة، قرأ على «الجعبري» القرآن الكريم من أوله إلى قوله تعالى:
وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ت بمصر سنة 732 هـ (2).
5 - محمد بن أحمد بن علي بن الحسن بن جامع أبو المعالي ابن اللبان الدمشقي، رحل إلى «الخليل» وقرأ على «الجعبري» نصف حزب جمعا للسبعة، ثم أقبل على الإقراء فلم ير في زمانه أحسن استحضارا منه للقراءات.
وولي مشيخة الإقراء بالديار الأشرفية، وبجامع التوبة، والجامع الأموي، وأقرأ الناس زمانا، ورحل الناس إليه من الأقطار، وبعد صيته، واشتهر اسمه، وانتفع به الخلق ت 715 هـ (3).
6 - محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن عبد الرحيم شمس الدين البغدادي، يعرف بالمطرز الكتبي، رحل إلى «الخليل» وقرأ على «الجعبري» بالقراءات العشر، ت 749 هـ (4).
7 - أحمد بن محمد بن يحيى بن نحلة- بحاء مهملة- المعروف بسبط السلعوس أبو العباس النابلسي ثم الدمشقي. قرأ القراءات على «الجعبري» «بالخليل» وانتفع به خلق كثيرون، توفي بدمشق سنة 732 هـ (5).
8 - أبو بكر عبد الله بن أيدغدعي بن عبد الله الشمس الشهير بابن الجندي شيخ القراء بمصر، قرأ القراءات العشر على الجعبري، ألف شرحا على الشاطبية تضمن إيضاح شرح «الجعبري» كما ألف كتاب «البستان في القراءات الثلاث عشرة» ت بمصر سنة 769 هـ (1).
من هذا يتبين أن «الجعبري» كان له الأثر الواضح في تعليم القرآن والقراءات، فنال بذلك منزلة علمية بارزة مرموقة بين أقرانه ومعاصريه، فمدحوه، وأثنوا عليه.
وفي هذا يقول تلميذه «العلامة الحافظ الذهبي»: شيخ بلد الخليل العلامة الجعبري صاحب الفنون، ومقرئ الشام، له التصانيف المتقنة في القراءات، والحديث، والأصول، والعربية، والتاريخ وغير ذلك. اه.
وقال تلميذه «ابن جابر الوادي آشي»: «الجعبري» الشيخ الفقيه المقرئ الخطيب، قاضي بلد الخليل، حضرت مجلس إقرائه التفسير والفقه الشافعي، ورويت عنه الحديث، والقراءات، وغيرهما. اه (2).
وقال «صلاح الدين الصفدي»: الشيخ الإمام العلامة الجعبري شيخ القراء، ألف في كثير من العلوم، واشتهر ذكره، وتصانيفه تقارب المائة، كلها جيدة، محررة، رأيته غير مرة ببلد الخليل، وسمعت كلامه، وكان حلو العبارة، ساكنا، وقورا، ذكيا، له قدرة تامة على الاختصار. اه (3).
وقال «اليافعي»: الجعبري الشيخ الجليل الإمام العلامة المقرئ وشيخ القراء صاحب الفضائل الحميدة، والمباحث المفيدة، والتصانيف العديدة. اه (4).
وقال «تاج الدين السبكي»: كان «الجعبري» فقيها مقرئا، متقنا، له التصانيف المفيدة في القراءات، والمعرفة بالحديث. اه (1).
وقال «جمال الدين الأسنوي»: كان «الجعبري» إماما في القراءات عارفا بالفقه والعربية. اه (2).
وقال «الحافظ ابن كثير»: كان «الجعبري» من المشايخ المشهورين بالفضائل والرئاسة، والخير والديانة، والعفة والصيانة. اه (3).
وقال «عبد الرحمن العليمي»: «الجعبري» الشيخ الإمام العالم العلامة القدوة المحقق المقرئ، شيخ الخليل، رحل الناس إليه ووليّ مشيخة «الخليل» (4).
فهذا الثناء العاطر على «الجعبري» يصوّر لنا تصويرا واضحا شخصية هذا العالم المتبحر في العلوم، فضلا عن علوّ مكانته العلمية، ومؤلفاته المفيدة، فقد ترك للمكتبة الإسلامية الكثير من المصنفات في شتى علوم المعرفة: القراءات، وعلوم القرآن، وعلوم الحديث، والفقه وأصوله، والنحو والصرف، واللغة، والبلاغة، والأدب، والعروض.
فمؤلفاته في القراءات بلغت ستة عشر مصنفا، وفي علوم القرآن ثلاثة وثلاثين، وفي علوم الحديث سبعة عشر، وفي الفقه أربعة عشر.
توفي «الجعبري» «بالخليل» سنة اثنتين وثلاثين وسبعمائة من الهجرة. رحمه الله رحمة واسعة، إنه سميع مجيب.





مصادر و المراجع :

١- معجم حفاظ القرآن عبر التاريخ

المؤلف: محمد محمد محمد سالم محيسن (المتوفى: 1422هـ)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید