المنشورات
«جلال الدين السّيوطي» ت 911 هـ
هو: عبد الرحمن بن أبي بكر بن محمد بن أبي بكر بن الهمام الجلال الأسيوطي الأصل الشافعي.
وهو من خيرة العلماء الأفاضل المجتهدين، ومن المصنفين المكثرين، ولد في أول ليلة مستهلّ رجب سنة تسع وأربعين وثمانمائة، ونشأ يتيما فحفظ القرآن، والعمدة، والمنهاج الفرعي، وألفية النحوي. أخذ السيوطي العلم عن خيرة علماء عصره، وأخذ من كل فنّ، وسافر إلى «الفيوم» ودمياط، والمحلة الكبرى، وغير ذلك، وأجاز له أكابر علماء عصره من سائر الأمصار، وبرز في جميع الفنون، وفاق الأقران، واشتهر ذكره، وبعد صيته، وصنف التصانيف المفيدة النافعة فقد استفاد بمصنفاته من عاصره، ومن جاء بعده إلى عصرنا الحاضر، وعملت حوله الرسائل العلمية في الماجستير والدكتوراة. وجلال الدين السيوطي كتب لنفسه ترجمة في مؤلفه: «حسن المحاضرة» في تاريخ مصر والقاهرة، أثناء حديثه عن الكلام على من كان بمصر من الأئمة المجتهدين فقال: (2) «وإنما ذكرت ترجمتي في هذا الكتاب اقتداء بالمحدثين قبلي، فقل أن ألّف أحد منهم تاريخا إلا ذكر ترجمته فيه، وممن وقع له ذلك «الإمام عبد الغافر الفارسي» في تاريخ نيسابور، «وياقوت الحموي» في معجم الأدباء، ولسان الدين امير الخطيب في تاريخ غرناطة، والحافظ تقي الدين الفاسيّ في تاريخ مكة، والحافظ أبو الفضل بن حجر في قضاة مصر، وأبو شامة في «الروضتين»، وهو أروعهم وأزهرهم- فأقول: أي السيوطي- أما جدي الأعلى همّام الدين، فكان من أهل الحقيقة ومن دونه كانوا من أهل الوجاهة والرئاسة، منهم من ولّي الحكم ببلده، ومنهم من ولّي الحسبة بها، ومنهم من كان تاجرا في صحبة الأمير شيخون، ومنهم من كان متموّلا، ولا أعلم منهم من خدم العلم حق الخدمة إلا والدي. وأما نسبتنا بالخضيري فلا أعلم ما تكون هذه النسبة إلا الخضيرية، محلة ببغداد، وقد حدثني من أثق به أنه سمع والدي رحمه الله يذكره أن جدّه الأعلى كان أعجميا، أو من الشرق، فالظاهر أن النسبة إلى المحلة المذكورة.
وكان مولدي مستهلّ رجب بعد المغرب ليلة الأحد سنة تسع وأربعين وثمانمائة، وحملت في حياة ابي إلى الشيخ «محمد المجذوب» رجل كان من الأولياء، بجوار المشهد النفيسي، ونشأت يتيما فحفظت القرآن ولي دون ثمان سنين، ثم حفظت «العمدة» ومنهاج الفقه، والأصول وألفية ابن مالك، وشرعت في الاشتغال بالعلم من مستهلّ سنة أربع وستين وثمانمائة.
فأخذت الفقه، والنحو عن جماعة من الشيوخ، وأخذت الفرائض عن العلامة فرضيّ زمانه الشيخ «شهاب الدين الشارمساحيّ» الذي كان يقول: إنه بلغ السدّ العالية، وجاوز المائة بكثير، قرأت عليه من شرحه على المجموع.
وأجزت بتدريس العربية من مستهل سنة ست وستين، وقد ألفت في هذه السنة فكان أول شيء ألفته شرح الاستعاذة والبسملة، وأوقفت عليه شيخنا «علم الدين البلقيني» فكتب عليه تقريظا، ولازمته في الفقه إلى أن مات، فلازمت ولده فقرأت عليه من أوّل التدريب لوالده إلى «الوكالة» وسمعت عليه من أول «الحاوي الصغير» إلى «العدد»، ومن أول «المنهاج» إلى «الزكاة»، ومن أول «التنبيه» إلى قريب من «الزكاة»، وقطعة من «الروضة»، وقطعة من تكملة شرح المنهاج للزركشي، ومن إحياء الموات إلى «الوصايا» أو نحوها، وأجازني بالتدريس والإفتاء من سنة ست وسبعين، وثمانمائة، وحضر تصديري.
فلما توفي سنة ثمان وسبعين لزمت شيخ الإسلام «شرف الدين المناوي» وسمعت دروسا من شرح البهجة ومن حاشيته عليها، ومن تفسير البيضاوي.
ولزمت في الحديث، والعربية شيخنا الإمام العلامة «تقي الدين الشبلي» الحنفي، فواظبته اربع سنين، وكتب لي تقريظا على شرح ألفية ابن مالك، وعلى جمع الجوامع في العربية تأليفي، وشهد لي غير مرّة بالتقدم في العلوم بلسانه وبنانه ... ولم أنفك عن الشيخ إلى أن مات، رحمه الله تعالى.
ولزمت شيخنا العلامة أستاذ الوجود «محيي الدين الكافيجي» اربع عشرة سنة، فأخذت عنه الفنون من التفسير، والأصول، والعربية والمعاني، وغير ذلك، وكتب لي إجازة عظيمة.
وحضرت عند الشيخ «سيف الدين الحنفي» دروسا عديدة في «الكشّاف والتوضيح» وحاشيته عليه، وتلخيص المفتاح، والعضد. وشرعت في التصنيف في سنة ست وستين وثمانمائة، وبلغت مؤلفاتي إلى الآن ثلاثمائة كتاب، سوى ما غسلته، ورجعت عنه. وسافرت بحمد الله تعالى إلى بلاد الشام، والحجاز، واليمن، والهند، والمغرب، والتكرور.
وأفتيت من مستهلّ سنة إحدى وسبعين، وعقدت إملاء الحديث من مستهلّ سنة اثنتين وسبعين.
ورزقت التبحّر في سبعة علوم: التفسير، والحديث، والفقه، والنحو، والمعاني، والبيان، والبديع على طريقة العرب البلغاء لا على طريقة العجم وأهل الفلسفة.
ودون هذه السبعة في المعرفة أصول الفقه، والجدل، والتصريف. ودونها الإنشاء، والترسّل والفرائض. ودونها القراءات، ولم آخذها عن شيخ. وأما علم الحساب فهو أعسر شيء عليّ، وأبعده عن ذهني، وإذا نظرت إلى مسألة تتعلق به فكأنما أحاول جبلا أحمله.
وقد كملت عندي الآن آلات الاجتهاد بحمد الله تعالى، أقول ذلك تحدثا بنعمة الله عليّ لا فخرا.
وأما مشايخي في الرواية سماعا وإجازة فكثير، وعدّتهم نحو مائة وخمسين» اه.
وأما كتبه فقد أحصى السيوطي منها نحو من ثلاثمائة في التفسير وتعلقاته والقراءات، والحديث وتعلقاته، والفقه وتعلقاته، وفن العربية وتعلقاته، وفن الأصول، والبيان، وفن التاريخ والأدب، والأجزاء المفردة، ما بين كبير في مجلد أو مجلدات، وصغير في كراريس، وقد ذكر تلميذه «الداودي المالكي» أنها أنافت على خمسمائة مؤلف. وقال «ابن إياس» في تاريخه [حوادث سنة 911 هـ] إنها بلغت ستمائة مؤلف.
وظل السيوطي طوال حياته شغوفا بالدرس، مشتغلا بالعلم، يتلقاه عن شيوخه أو يبذله لتلاميذه، أو يذيعه فتيا، أو يحرره في الكتب والأسفار.
وكان رحمه الله تعالى في حياته الخاصة على أحسن ما يكون عليه العلماء، ورجال الفضل، عفيفا، كريما، غنيّ النفس، متباعدا عن ذوي الجاه والسلطان، قانعا برزقه، وكان الأمراء والوزراء يأتون لزيارته ويعرضون عليه عطاياهم فيردها، وظل كذلك حتى توفاه الله تعالى في يوم الخميس تاسع شهر جمادى الأولى سنة أحد عشر وتسعمائة هـ.
رحم الله السيوطي رحمة واسعة، وجزاه الله أفضل الجزاء.
مصادر و المراجع :
١- معجم حفاظ القرآن عبر التاريخ
المؤلف: محمد محمد
محمد سالم محيسن (المتوفى: 1422هـ)
14 يناير 2024
تعليقات (0)