المنشورات
«زكريّا بن محمّد الأنصاري» ت 926 هـ
هو: زكريا بن محمد بن أحمد بن زكريا الأنصاري القاهري الأزهري الشافعي، القاضي، الملقب بشيخ الإسلام، وهو من خيرة العلماء العاملين، ومن القراء، والمفسرين، والمحدثين، والفقهاء، والأصوليين، والمؤلفين. ولد في سنة ست وعشرين وثمانمائة ببلدة «سنيكة» محافظة الشرقية إحدى محافظات «مصر».
ونشأ ببلدته وحفظ القرآن عند الشيخين: «محمد بن ربيع» و «البرهان» كما حفظ عليهما «عمدة الأحكام» و «مختصر التبريزي» في الفقه، وبعد ذلك رحل إلى القاهرة في
سنة إحدى وأربعين وثمانمائة، فقطن الأزهر وحفظ «المنهاج» وألفية بن مالك، والشاطبية، ونحو النصف من ألفية الحديث، وغير ذلك من المتون.
أخذ «زكريا الأنصاري» الكثير من العلوم العربية، والشرعية، عن خيرة علماء عصره، منهم «ابن حجر، والبلقيني، والقاياتي».
وحضر دروس الشرف المناوي، وغيره وقرأ بالسبع على كل من «النور البلبيسي» إمام الأزهر، والزين رضوان، والشهاب القلقيلي السكندري، وقرأ بالقراءات الثلاث الزائدة على الشاطبية بما تضمنته مصنفات «ابن الجزري»، «النشر والطيبة» على الشيخ الزين طاهر المالكي. وقرأ بالقراءات العشر إلى «المفلحون» فقط على «الزين بن عياش» وأخذ رسم القرن عن «الزين رضوان».
وقد بلغ الشيخ زكريا الأنصاري درجة عظيمة في العلم ومكانة مما استوجب الثناء عليه، وفي هذا يقول «شمس الدين السخاوي»: «ولم ينفك عن الاشتغال على طريقة جميلة من التواضع، وحسن العشرة، والأدب، والعفة، والانجماع عند بني الدنيا، مع التقلل، وشرف النفس، ومزيد العقل، وسعة الباطن، والاحتمال، والمداراة، إلى أن أذن له غير واحد من شيوخه في الإفتاء والاقراء، وتصدّى للتدريس في حياة غير واحد من شيوخه، وأخذ عنه الفضلاء طبقة بعد طبقة، مع إعلام متفننيهم بحقيقة شأنه، وقصد بالفتاوى، وزاحم كثيرا من شيوخه فيها، وله تهجّد وصبر، واحتمال، وترك للقيل والقال، وتواضع وعدم تنازل، بل عمله في التودد يزيد عن الحدّ، ورويّته أحسن من بديهته، وكتابته أمتن من عبارته، وعدم مسارعته إلى الفتاوى مما يعدّ من حسناته، وبيننا أنسة زائدة، ومحبة من الجانبين تامة، ولا زالت المسرّات واصلة إلى من قبله بالدعاء والثناء، وإن كان ذلك دأبه مع عموم الناس، فحظي منه أوفر، ولفظي فيه كذلك أغزر، وزاد في الترقي وحسن الطلاقة والتلقي مع كثرة حاسديه، والمعترضين لجانبه وواديه، وهو لا يلقاهم إلا بالبشر، إلى ان استقرّ به «الأشرف قايتباي» في مشيخة الدرس المجاور للشافعي، والنظر عليه، ولذا كثر تودد الناس إليه» (1).
وأثنى عليه «الإمام الشوكاني» فقال: وقرأ في جميع الفنون، وأذن له شيوخه بالإفتاء والتدريس، وتصدر، وأفتى، وأقرأ وصنف، وله شروح ومختصرات في كل فن من الفنون، انتفع الناس بها، وتنافسوا فيها، ودرّس في أمكنة متعددة، وزاد في الترقي، وحسن الطلاقة والتلقي، وارتفعت درجته عند السلطان «قايتباي».
وكان السلطان يلهج بتوليته القضاء مع علمه بعدم قبوله له في سلطنة «خشقوم» ثم ولاه «قايتباي» القضاء، وصمم عليه فأذعن بعد مجيء أكابر الدولة إليه فباشره بعفة ونزاهة، ثم عزل سنة ستة وتسعمائة ثم عرض عليه بعد ذلك فأعرض عنه لكفّ بصره، وانجمع في محله، واشتهرت مصنفاته، وكثرت تلامذته، وألحق الأحفاد بالأجداد، وعمّر حتى جاوز المائة أو قاربها» (1).
ولشيخ الإسلام زكريا الأنصاري الكثير من المصنفات في شتى الفنون، منها: شرح آداب البحث، وسمّاه فتح الوهاب بشرح الآداب، و «غاية الوصول في شرح الفصول» وشرح «شذور الذهب في النحو»، وشرح مقدمة التجويد لابن الجزري، ومختصر قرة العين في الفتح والإمالة وبين اللفظين لابن القاصح، وشرح «إيساغوجي» في المنطق، وغير ذلك من الكتب النافعة المفيدة. وبعد هذه الحياة الحافلة بالتدريس، والفتوى، والتصنيف، توفي شيخ الإسلام زكريا الأنصاري في يوم الجمعة رابع ذي الحجة سنة ست وعشرين وتسعمائة، رحمه الله رحمة واسعة.
وقد حزن الناس عليه كثيرا لمزيد محاسنه، ورثاه الكثيرون من تلامذته فمن ذلك قول بعضهم:
قضى زكريا نحبه فتفجرت ... عليه عيون النيل يوم حمامه
سقى الله قبرا ضمّه غوث صيّب ... عليه مدى الأيام صبح غمامه
مصادر و المراجع :
١- معجم حفاظ القرآن عبر التاريخ
المؤلف: محمد محمد
محمد سالم محيسن (المتوفى: 1422هـ)
14 يناير 2024
تعليقات (0)