المنشورات

«أبو عليّ غلام الهرّاس» ت 468 هـ

هو: الحسن بن القاسم بن علي الأستاذ أبو علي الواسطي المعروف بغلام الهراس، وهو من القراء الثقات، وشيخ قراء العراق، ومن العلماء الذين رحلوا في الآفاق، من أجل العلم، وللأخذ على العلماء، فيحدثنا التاريخ أنه رحل إلى الأقطار الآتية؛ من أجل الأخذ عن الشيوخ، فقد رحل إلى كل من:
واسط، ودمشق، والبصرة، ومصر، وحران- بأرض الشام- والكوفة، ومكة المكرمة، والجامدة، وهي مدينة كبيرة من أعمال واسط بينها وبين البصرة.
من هذا يتبين بجلاء ووضوح مدى اهتمام العلماء الأوائل بالقراءات القرآنية، إذ القراءات لا تؤخذ إلا بالتلقي والمشافهة عن الشيوخ صحاح السند حتى رسول الله صلّى الله عليه وسلم. أما الآن، فمع كثرة الجامعات في سائر الأقطار الإسلامية إلا أن طلاب قراءات القرآن لا زال عددهم قليلا جدّا.
وأحمد الله سبحانه وتعالى الذي جعلني من الشغوفين بتحصيل هذا العلم الجليل، وتعليمه للكثيرين.
ولد «أبو علي غلام الهراس» سنة أربع وسبعين وثلاثمائة.
ثم بعد أن حفظ القرآن شدّ الرحال لتلقي القراءات: فكانت رحلته الأولى إلى «واسط» وهي مدينة عظيمة متوسطة بين «البصرة، والكوفة» فأخذ عن شيوخها، ومن الذين أخذ عنهم بها القراءة: «عبيد الله بن إبراهيم بن محمد أبو القاسم البغدادي».
وهو من خيرة القراء الثقات، ومن علماء القراءات، إذ روى قراءة «أبي عمرو» البصري عرضا عن «أبي بكر بن مجاهد، عن أبي الزعراء، عن الدوري، أحد رواة أبي عمرو البصري».
جلس «عبيد الله» لتعليم القرآن، وحروف القراءات، وأقبل عليه الطلاب من كل مكان، ومن الذين أخذوا عنه القراءة عرضا بواسط: «أبو علي غلام الهراس» وكان ذلك سنة ثمانين وثلاثمائة.
ومن شيوخ «أبي علي غلام الهراس» بواسط: «إبراهيم بن سعيد أبو اسحاق» الضرير الواسطي الرفاعي، وهو من علماء القراءات، ومن علماء النحو الثقات. أخذ «إبراهيم بن سعيد» القراءة عن خيرة العلماء، وفي مقدمتهم:
«عبد الغفار بن عبيد الله الحضيني».
تصدّر «إبراهيم بن سعيد» لتعليم القرآن وحروف القراءات، واشتهر بالثقة وجودة القراءة، ومن الذين أخذوا عنه: «أبو علي غلام الهرّاس» وكان ذلك سنة أربع وتسعين وثلاثمائة.
ومن شيوخ «أبي علي غلام الهرّاس» ببغداد: «عبد الملك بن بكران بن عبد الله بن العلاء أبو الفرج النهرواني القطان»، وهو من القراء الثقات المشهورين، ومن الحذّاق المؤلفين، ومن المعمرين، اشتهر ذكره في الآفاق، وعمّ نفعه الكثيرين.
أخذ «عبد الملك بن بكران» القراءة عن خيرة العلماء، وفي مقدمتهم:
«زيد بن علي بن أبي بلال».
ثم بعد أن اكتملت مواهبه جلس لتعليم الناس، وأقبل عليه الطلاب يأخذون عنه، وفي مقدمة من قرأ عليه «أبو علي غلام الهرّاس». توفي «عبد الملك بن بكران» في رمضان سنة أربع وأربعمائة.
ومن شيوخ «أبي علي غلام الهراس» ببغداد: «عبيد الله بن محمد بن أحمد ابن مهران بن أبي مسلم أبو أحمد الفرضي البغدادي». وهو إمام كبير ثقة، ورع، قال عنه «الخطيب البغدادي»: «كان «أبو أحمد» ثقة، ورعا، دينا، حدثنا منصور بن عمر الفقيه، قال: «لم أر في الشيوخ مثله اجتمعت فيه أدوات الرئاسة، من علم وقراءة، وإسناد، وحالة متسعة في الدنيا، وكان مع ذلك أورع الخلق، كان يقرأ علينا الحديث بنفسه لم أر مثله» (1).
أخذ «عبيد الله بن محمد الفرضي» القراءة عن مشاهير علماء عصره، وفي مقدمتهم: «أبو الحسن بن بويان».
ثم تصدّر «أبو أحمد الفرضي» لتعليم القرآن، وحروف القراءات، وفي مقدمة من أخذ عنه القراءة «أبو علي غلام الهرّاس».
توفي «أبو أحمد الفرضي» بعد حياة حافلة بطلب العلم ونشره، في شوال سنة ست وأربعمائة، وله اثنتان وثمانون سنة.
ومن شيوخ «أبي علي غلام الهرّاس» ببغداد: «أحمد بن عبد الله بن الخضر ابن مسرور، أبو الحسن البغدادي السّوسنجردي»، ولد في جمادى الآخرة سنة خمس وعشرين وثلاثمائة.
وهو من مشاهير العلماء الثقات، ومن القراء الضابطين، أخذ «أحمد بن عبد الله» القراءة عن مشاهير علماء عصره، وفي مقدمتهم: «محمد بن عبد الله بن أبي مرّة الطوسي».
وبعد أن اكتملت مواهبه تصدّر لتعليم القرآن، واشتهر بجودة القراءة وصحّة الإسناد، وفي مقدمة من قرأ عليه: «أبو علي غلام الهرّاس».
توفي «أحمد بن عبد الله» يوم الأربعاء لثلاث خلون من رجب سنة اثنتين وأربعمائة، عن نيف وثمانين سنة.
ومن شيوخ «أبي علي غلام الهرّاس» ببغداد: «محمد بن المظفر بن علي بن حرب أبو بكر الدينوري». وهو من القراء المشهود لهم بالثقة والعدالة، وصحة الضبط، وجودة القراءة وحسن الاتقان.
أخذ «محمد بن المظفر» القراءة عن مشاهير علماء عصره، وفي مقدمتهم:
«الحسين بن محمد بن حبش الدينوري».
وبعد أن اكتملت مواهب «محمد بن المظفر» جلس لتعليم القرآن، وأقبل عليه الطلاب، ينهلون من علمه ويأخذون عنه، وفي مقدمة من قرأ عليه:
«أبو علي غلام الهرّاس».
ومن شيوخ «أبي علي غلام الهراس» من بغداد: «محمد بن علي بن أحمد ابن يعقوب أبو العلاء الواسطي القاضي»، نزيل بغداد، ولد عاشر صفر سنة تسع وأربعين وثلاثمائة.
أصله من «فم الصلح» ونشأ بواسط، ثم استقرّ ببغداد، وهو من خيرة القراء المشهورين المحققين، ومن العلماء المتقنين.
قال عنه «الحافظ الذهبي»: تبحر في القراءات، وصنّف، وجمع، وتفنّن، وولي قضاء الحريم الظاهري، وانتهت إليه رئاسة الاقراء بالعراق. اه (1).
أخذ «محمد بن علي» القراءة عن مشاهير علماء عصره، وفي مقدمتهم:
«أحمد بن هارون الرازي، وأبو بكر أحمد بن محمد بن الشارب». وبعد أن اكتملت مواهبه تصدّر لتعليم القرآن وحروف القراءات، وذاع صيته بين الناس، وأقبل عليه الطلاب من كل مكان، وفي مقدمة من أخذ عنه القراءة:
«أبو علي غلام الهرّاس».
توفي «محمد بن علي» ثالث عشرين جمادى الآخرة سنة إحدى وثلاثين وأربعمائة.
رحمه الله رحمة واسعة.
ومن شيوخ «أبي علي» ببغداد: «علي بن محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن أبو الحسن الحذّاء البغدادي». وهو شيخ عدل، ضابط، ثقة، مشهور.
أخذ القراءة، وحروف القرآن عن مشاهير علماء عصره، وفي مقدمتهم:
«إبراهيم بن الحسين بن عبد الله الشطّي».
وبعد أن اكتملت مواهب «علي بن محمد» تصدّر لتعليم القرآن، وذاع صيته بين الناس، وعرفه الخاصّ والعام بجودة القراءة، وصحّة الأحكام، وأقبل عليه الطلاب وحفاظ القرآن من كل مكان، يأخذون عليه، ويقرءون عليه، وفي مقدمة من أخذ عنه القراءة: «أبو علي غلام الهرّاس» و «أبو بكر محمد بن علي الخياط».
توفّي «علي بن محمد» يوم الأربعاء لأربع خلون من المحرّم سنة خمس عشرة وأربعمائة، رحمه الله رحمة واسعة، وأسكنه فسيح جناته.
ومن شيوخ «أبي علي غلام الهراس» ببغداد: «الحسن بن محمد بن يحيى بن داود، أبو محمد الفحّام، المقرئ، البغدادي، وهو من حذّاق القراءات، ومن الأئمة البارزين المعروفين، أخذ «الحسن بن محمد» القراءة عن خيرة علماء عصره، وفي مقدمتهم: «جعفر بن عبد الله السامري، وسلامة بن الحسن الموصلي».
وبعد أن اكتملت مواهبه تصدّر لتعليم القرآن، واشتهر بالثقة، وصحة الضبط، وأقبل عليه الطلاب ينهلون من علمه، ويقرءون عليه، ومن الذين أخذوا عنه القراءة: «أبو علي غلام الهرّاس»، والحسن بن عليّ العطّار».
توفي «الحسن بن محمد» سنة ثمان وأربعمائة.
ومن شيوخ «أبي علي غلام الهرّاس» ببغداد: «علي بن أحمد بن محمد بن داود بن موسى بن بيان أبو الحسن الرزّاز البغدادي»، وهو من مشاهير القراء الضابطين، ومن الثقات البارعين. ولد سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة.
أخذ «أبو الحسن الرزاز» القراءة عن خيرة العلماء. وفي مقدمتهم: «زيد ابن عليّ، وهبة الله بن جعفر».
احتلّ «أبو الحسن الرزاز» مكانة سامية بين العلماء مما جعلهم يثنون عليه، وفي هذا يقول «الخطيب البغدادي»:
كان «أبو الحسن الرزّاز» صدوقا، ديّنا، فاضلا، تفرّد، بأسانيد القرآن، وعلوّها (1).
وبعد أن اكتملت مواهبه تصدّر لتعليم القرآن، وحروف القراءات، واشتهر بالثقة، وعلوّ الإسناد، وأقبل عليه الطلاب يأخذون عنه ومن الذين قرءوا عليه: «أبو علي غلام الهرّاس، وأحمد بن مسرور».
توفي «أبو الحسن الرزاز» يوم الأحد الرابع من شعبان سنة سبع عشرة وأربعمائة، رحمه الله رحمة واسعة.
ومن شيوخ «أبي علي غلام الهرّاس» ببغداد: «الحسن بن ملاعب بن محمد ابن الحسن، أبو محمد الحلبي ثم البغدادي الضرير». وهو من القراء الثقات، ومن الضابطين المجوّدين.
أخذ «الحسن بن ملاعب» القراءة عن عدد من القراء، وفي مقدمتهم:
«عمر بن محمد بن سيف».
جلس «الحسن بن ملاعب» لتعليم القرآن، وحروف القراءات واشتهر بالثقة والضبط، وصحة الإسناد، وأقبل عليه الطلاب، ومن الذين أخذوا عنه القراءة: «أبو علي غلام الهرّاس، وعلي بن محمد بن فارس الخياط».
رحل «أبو علي غلام الهراس» إلى «الكوفة» وأخذ عن شيوخها ومن الذين قرأ عليهم بالكوفة: «محمد بن عبد الله بن الحسين بن عبد الله بن يحيى، أبو عبد الله الجعفي، الكوفي، القاضي، الفقيه الحنفي، النحوي»، وهو من خيرة العلماء الثقات، أثنى عليه الكثيرون.
قال «الخطيب البغدادي»: كان ثقة، حدّث ببغداد، قال: وكان من عاصره بالكوفة، يقول: لم يكن بالكوفة من زمن «ابن مسعود» رضي الله عنه، والى وقته أحد أفقه منه (1).
وقال «أبو علي المالكي»: كان «محمد بن عبد الله» من جلة أصحاب الحديث، فقيها على مذهب العراقيين جليل القدر.
وقال «أبو العز» عن «أبي علي الواسطي»: كان «الجعفي» جليلا في زمانه يرحل إليه في طلب القرآن، والحديث من كل بلد (2).
أخذ «محمد بن عبد الله الجعفي» القراءة عن خيرة العلماء. وفي مقدمتهم:
«محمد بن الحسن بن يونس النحوي».
وبعد أن اكتملت مواهبه، وأصبح من المؤهلين جلس لتعليم القرآن، وحروف القراءات، واشتهر بالثقة، وصحّة السند، وأقبل عليه الطلاب يأخذون عنه، ومن الذين أخذوا عنه القراءة «أبو علي غلام الهرّاس» وغيره.
توفي «محمد بن عبد الله الجعفي» سنة اثنتين وأربعمائة.
ومن شيوخ «أبي علي غلام الهرّاس» بالكوفة: «محمد بن جعفر بن محمد ابن الحسن بن هارون أبو الحسن التميمي الكوفي». وهو من مشاهير القراء، ومن المحدثين، ومن علماء العربية. اثنى عليه الكثيرون، قال «أبو علي البغدادي»: كان «أبو الحسن التميمي» من جلة أهل العربية، ومن أهل الحديث، متقنا، فاضلا.
وقال «الحافظ الذهبي»: عمّر دهرا طويلا، وانتهى إليه علوّ الإسناد (1).
أخذ «محمد بن جعفر» القراءة، وحروف القرآن، عن عدد من العلماء وفي مقدمتهم: «محمد بن الحسن بن يونس».
وفي مقدمتهم: «محمد بن الحسن بن يونس».
كما أخذ حديث الهادي البشير صلّى الله عليه وسلم عن خيرة العلماء.
وبعد أن اكتملت مواهبه تصدّر لتعليم القرآن، والقراءات، وسنة النبي عليه الصلاة والسلام.
ومن الذين أخذوا عنه القراءة «أبو علي غلام الهرّاس».
ومن الذين أخذوا عنه الحديث: «أبو القاسم عبيد الله الأزهري».
توفي «محمد بن جعفر» بعد حياة حافلة بطلب العلم، وتعليم القرآن، والقراءات، وسنة النبي عليه الصلاة والسلام في جمادى الأولى سنة اثنتين وأربعمائة بالكوفة.
كما أن «أبا عليّ غلام الهرّاس» رحل إلى «دمشق» وأخذ العلم عن شيوخها.
ومن شيوخه بدمشق في القراءة: «الحسين بن عليّ بن عبيد الله بن محمد أبو علي الرهاوي السّلمي». وهو من خيرة العلماء، وشيخ القراء بدمشق مع «الأهوازي».
أخذ «أبو علي الرهاوي» القراءة عن خيرة العلماء، وفي مقدمتهم: «الحسن ابن سعيد البزّار» وغيره كثيرون.
ثم تصدّر لتعليم القرآن، وذاع صيته بين الناس، ومن الذين أخذوا عنه القراءة «أبو علي غلام الهرّاس».
توفي «أبو علي الرهاوي» بدمشق سنة أربع عشرة وأربعمائة، رحمه الله رحمة واسعة، إنه سميع مجيب.
ومن شيوخ «أبي علي غلام الهراس» بدمشق: «الحسن بن علي بن إبراهيم ابن يزداد بن هرمز، أبو علي الأهوازي» وهو شيخ قراء دمشق في عصره، وأعلى القراء إسنادا، وهو من مشاهير القراء ومن المحدثين الثقات، ومن المؤلفين الكبار، قال عنه «الحافظ الذهبي»: «لقد تلقى الناس رواياته بالقبول، وكان يقرئ بدمشق من بعد سنة أربعمائة، وذلك في حياة بعض شيوخه» (1).
ولد سنة اثنتين وستين وثلاثمائة بالأهواز من بلاد خوزستان، وقرأ بها، وبتلك البلاد على شيوخ عصره، ثم قدم «دمشق» سنة إحدى وتسعين وثلاثمائة فاستوطنها وأكثر من الشيوخ والروايات.
أخذ «أبو علي الأهوازي» القراءة عن خيرة العلماء عصره وفي مقدمتهم:
«إبراهيم بن أحمد بن محمد بن أحمد الطبري» ببغداد.
وأبو القاسم عبد الله بن نافع بن هارون العنبري» بالبصرة، وغيرهما كثير.
كما أخذ رحمه الله تعالى حديث الهادي البشير صلّى الله عليه وسلم عن مشاهير علماء الحديث.
وبعد أن اكتملت مواهبه تصدر لتعليم القرآن، وسنة النبي عليه الصلاة والسلام وذاع صيته في الآفاق، وأقبل عليه الطلاب من كل مكان ينهلون من علمه ويأخذون عنه، وفي مقدمة من أخذ عنه القراءة أبو علي غلام الهرّاس.
توفي «أبو علي الأهوازي» رابع ذي الحجة سنة ست وأربعين وأربعمائة بدمشق، رحمه الله رحمة واسعة.
ومن البلاد التي رحل إليها «أبو علي غلام الهرّاس» من أجل العلم «الجامدة» بكسر الميم، وهي قرية كبيرة جامعة من أعمال «واسط» تقع بين البصرة وواسط (1).
ومن شيوخه الذين أخذ عنهم القراءة بالجامدة: «محمد بن نزار بن القاسم ابن يحيى بن عبد الله أبو بكر التكريتي» بكسر التاء، وسكون الكاف، وهذه نسبة إلى «تكريت» وهي بلدة كبيرة فيها قلعة حصينة على «دجلة» على بعد ثلاثين فرسخا من بغداد (2).
ومحمد بن نزار من خيرة علماء القراءات، ومن الثقات المشهورين، أخذ  رحمه الله رحمة واسعة.
كما رحل «أبو علي غلام الهرّاس» إلى «البصرة» للأخذ عن قرّائها، ومن الذين أخذوا عنهم القراءة: «علي بن محمد بن علّان بن الحسن، أبو الحسين البصري»، المقرئ، وهو من مشاهير علماء القراءات، ومن الثقات، أخذ القراءة عن «عبد الله بن عبدان». ثم تصدّر للقراءة، وأقبل عليه الطلاب يأخذون عنه، ومن الذين أخذوا عنه القراءة عرضا «أبو علي غلام الهرّاس».
كما رحل «أبو علي غلام الهرّاس» إلى «مكة المكرمة» للأخذ عن قرّائها، ومن الذين قرأ عليهم: «محمد بن الحسين بن محمد أبو عبد الله الكارزيني» بفتح الكاف، والراء، وكسر الزاي، وهي نسبة إلى «كارزين» وهي من بلاد فارس، بنواحيها مما يلي البحر (1).
وهو إمام مقرئ مشهور، انفرد بعلو الإسناد في وقته.
أخذ حروف القراءات عن مشاهير العلماء، وفي مقدمتهم: «الحسن بن سعيد المطوعي» يقول «ابن الجزري»: وهو آخر من قرأ عليه. وبعد أن اكتملت مواهبه تصدّر لتعليم القرآن والقراءات، واشتهر بالثقة، وصحة القراءة، وأقبل عليه الطلاب يأخذون عنه، ومن الذين قرءوا عليه «أبو علي غلام الهرّاس».
لم يذكر المؤرخون تاريخ وفاته، إلا أن «الحافظ الذهبي» قال: «أبو عبد الله الكارزيني» مسند القرّاء في زمانه، تنقّل في البلاد، وجاور بمكة، وعاش تسعين سنة، أو دونها، لا أعلم متى توفي، إلا أنه كان حيا في سنة أربعين وأربعمائة، سألت الإمام «أبا حيان» عنه فكتب إليّ، إمام مشهور لا يسأل عن مثله (2).
ومن شيوخ «أبي عليّ غلام الهراس» «بمكة المكرمة»: «محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الله بن يعقوب أبو عبد الله»، ويقال: أبو علي العجلي، وهو صاحب تلك القصيدة الرائية أولها:
لك الحمد يا ذا المنّ والجود والبرّ ... كما أنت أهل للمحامد والشكر
وهو من خيرة القراء المشهورين، ومن الثقات المعروفين. أخذ القراءة عن خيرة العلماء، وفي مقدمتهم: «أحمد بن نصر الشذائي، وأبو الأشعث محمد بن حبيب الجارودي».
وبعد أن اكتملت مواهبه تصدّر لتعليم القرآن، واشتهر بالثقة وأقبل الطلاب يأخذون عنه، ومن الذين قرءوا عليه: «أبو علي غلام الهرّاس».
ومن شيوخ «أبي علي غلام الهرّاس» بمكة المكرمة: «محمد بن عمر بن إبراهيم أبو الحسن» المقرئ المحدث، الفقيه البصري، المعروف بالذهبي، أحد مشاهير القراء، أخذ القراءة عرضا عن «الحسن بن محمد بن عبد الرحمن الرصافي».
ثم تصدّر لتعليم القرآن، واشتهر بصحة القراءة، وجودة الأداء، وأقبل عليه الطلاب من كل مكان، ومن الذين أخذوا عنه القراءة: «أبو علي غلام الهرّاس».
ومن شيوخ «أبي عليّ غلام الهرّاس» بمكة المكرمة: «علي بن الحسين بن عبد الله أبو القاسم القاضي البصري»، وهو من مشاهير القراء المعروفين بالثقة والأمانة، أخذ القراءة عرضا عن كل من: «محمد بن الحسن النقاش، وأبي بكر بن مقسم» ثم تصدر لتعليم القرآن، وعرف بالثقة، وحسن الأداء، وتزاحم عليه الطلاب، ومن الذين أخذوا عنه القراءة عرضا: «أبو علي غلام الهرّاس» فقد روى عنه القراءة عرضا.
ومن شيوخ «أبي علي غلام الهرّاس» في «مكة المكرمة»: «أحمد بن عبد الكريم بن عبد الله أبو الحسين الشينيزي، وهو من القراء المشهورين المتصدّرين، أخذ القراءة عن مشاهير العلماء، وفي مقدمتهم، «علي بن محمد بن إبراهيم بن خشنام».
ثم تصدّر لتعليم القرآن، واشتهر بالثقة، وجودة القراءة، وأقبل عليه الطلاب يقرءون عليه، ومن الذين أخذوا عنه القراءة «أبو علي غلام الهرّاس».
ومن شيوخ «أبي علي غلام الهراس» في «مكة المكرمة»: «عبيد الله بن عمر بن محمد بن عيسى أبو الفرج المصاحفي»، وهو من مشاهير القراء الضابطين، أخذ القراءة عرضا عن: «ابن بويان، وزيد بن أبي بلال» وغيرهما.
وبعد أن اكتملت مواهبه جلس لتعليم القرآن، وأقبل الطلاب عليه، ومن الذين أخذوا عنه القراءة: «أبو علي غلام الهرّاس».
توفي «عبيد الله بن عمر» سنة إحدى وأربعمائة.
ومن شيوخ «أبي علي غلام الهرّاس» في القراءة: «محمد بن العباس أبو الفوارس الصّريفيني»، بفتح الصاد المهملة، وكسر الراء، وهذه نسبة إلى «صريفين» وهي قرية عظيمة.
أخذ «محمد بن العباس» قراءة «عاصم الجحدري» عن «عمر بن إبراهيم الكتاني، وعاش طويلا، ورحل إليه «أبو العزّ القلانسي» فقرأ عليه وبهذا ينتهي الحديث عن شيوخ «أبي علي غلام الهراس».
وحينئذ يتبيّن بجلاء ووضوح مدى اهتمام القراء بالرواية، وصحة السند والأخذ عن الثقات.
وبعد أن اكتملت مواهب «أبي علي غلام الهرّاس» تصدّر لتعليم القرآن، وفي هذا يقول «الإمام ابن الجزري»: وأقام بمصر فرحل الناس إليه من كل ناحية، يأخذون عنه، ويقرءون عليه، ومن الذين قرءوا عليه:
«محمد بن الحسين بن بندار، أبو العزّ الواسطي القلانسي»، شيخ العراق، ومقرئ القراء بواسط، صاحب التصانيف.
ولد سنة خمس وثلاثين وأربعمائة بواسط، وقرأ بما قرأ به «أبو علي غلام الهرّاس» من الروايات عليه، ورحل إلى «أبي القاسم الهذلي» فقرأ عليه بكتاب «الكامل» في القراءات ثم دخل بغداد فقرأ بها لعاصم على: «محمد بن العباس الأواني». ثم تصدّر للإقراء بواسط، ورحل إليه من الأقطار الطلاب، يأخذون عنه، وفي مقدمة من قرأ عليه: «أبو الفتح بن زريق الحدّاد».
احتلّ «محمد بن الحسين» مكانة سامية مما جعل العلماء يثنون عليه، وفي هذا يقول «الإمام ابن الجزري»: كان بصيرا بالقراءات وعللها، وغوامضها، عارفا بطرقها، عالي الإسناد، وحصلت له سعادة بشيخه «أبي علي» وذلك أنه طاف البلاد، وحصّل الروايات، وجاء إلى «واسط» فقرأ عليه «أبو العزّ القلانسي» بما قرأ به على شيوخه، وألف «كتاب الإرشاد» في القراءات العشر، وهو مختصر كان عند «العراقيين» كالتيسير عندنا، وكتاب «الكفاية» وهو أكبر من «كتاب الإرشاد» (1).
ومن تلاميذ «أبي علي غلام الهرّاس» في القراءة: «علي بن عليّ بن جعفر ابن شيران: بكسر الشين المعجمة، أبو القاسم الواسطي الضرير».
وهو من القراء المشهود لهم بالثقة، وصحّة الإسناد، وجودة القراءة.
ولد سنة إحدى وأربعين وأربعمائة، ونشأ في بيت من البيوت العامرة بنور  القرآن، فقد كان والده رحمه الله تعالى من علماء القراءات، وقد استفاد «عليّ ابن عليّ» من هذه النشأة فقرأ القراءات على والده ببلدة «قيجطة».
كما أخذ القرآن والقراءات أيضا على غير والده من مشاهير العلماء، وفي مقدمتهم: «أبو علي غلام الهرّاس».
وبعد أن اكتملت مواهبه تصدّر لتعليم القرآن، واشتهر بالثقة وحسن الأداء، وصحّة السند، وأقبل عليه الطلاب.
ومن الذين قرءوا عليه: «أبو الفتح نصر الله بن الكيّال، وأبو بكر عبد الله ابن الباقلاني» وغيرهما كثير.
احتلّ «عليّ بن عليّ» مكانة سامية، ومنزلة رفيعة مما جعل العلماء يثنون عليه، يقول «الحافظ الذهبي»: حدّث «عليّ بن شيران» ببغداد بعد الخمسمائة، وبقي إلى بعد العشرين وخمسمائة.
وقال «ابن الجزري»: توفي سنة أربع وعشرين وخمسمائة. رحمه الله رحمة واسعة.
ومن تلاميذ «أبي علي غلام الهرّاس» في القراءة: «المبارك بن الحسين بن أحمد، أبو الخير، البغدادي»، الغسّال الشافعي وهو من مشاهير القرّاء، ومن المحدثين الثقات.
وكان رحمه الله تعالى من الأدباء، والحذّاق.
احتل «المبارك بن الحسين» مكانة سامية، ومنزلة رفيعة بين العلماء مما جعلهم يثنون عليه، وفي هذا يقول «الحافظ الذهبي»: عني «المبارك بن الحسين» بالقراءات عناية كليّة، وتقدّم فيها، وطال عمره، وعلا سنده، وقصده الطلبة لحذقه، وبصره بالفنّ (1).
أخذ «المبارك بن الحسين» القراءة عن مشاهير علماء عصره، وفي مقدمتهم:
«أبو علي غلام الهرّاس، وأبو بكر محمد بن الخياط»، وغيرهما كثير.
وبعد أن اكتملت مواهبه تصدّر لتعليم القرآن، وذاع صيته بين الناس وأقبل عليه الطلاب، ينهلون من علمه، ويأخذون عنه، ومن الذين قرءوا عليه: «المبارك بن أحمد بن الناعورة».
توفي «المبارك بن الحسين» سنة عشر وخمسمائة، رحمه الله رحمة واسعة.
وهكذا أدّى «أبو علي غلام الهرّاس» رسالته، وقضى حياته متجوّلا في المدن، والقرى، من أجل الوقوف على قراءات القرآن، وأخذ عن الشيوخ الكبار، وعلا سنده، وبعد صيته، ثم توج حياته، وختمها بأفضل ما يكون، إذ جلس لتعليم كتاب الله تعالى، فكان ممن قال فيهم الهادي البشير صلّى الله عليه وسلم «خيركم من تعلم القرآن وعلّمه».
وظل رحمه الله تعالى على ذلك حتى وافاه الأجل المحتوم يوم الجمعة سابع جمادى الأولى سنة ثمان وستين وأربعمائة على الصحيح. رحمه الله رحمة واسعة، إنه سميع مجيب.






مصادر و المراجع :

١- معجم حفاظ القرآن عبر التاريخ

المؤلف: محمد محمد محمد سالم محيسن (المتوفى: 1422هـ)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید