المنشورات

«قاسم بن قطلوبغا» ت 879 هـ

هو: قاسم بن قطلوبغا زين الدين أبو العدل السودوني، نسبة لمن أعتق أباه «سودون الشيخوني» نائب السلطنة الجمال الحنفي، ويعرف بقاسم الحنفي.
وهو من حفاظ القرآن، ومن العلماء العاملين، والمؤلفين.
ولد في المحرم سنة اثنتين وثمانمائة بالقاهرة، ومات أبوه وهو صغير فنشأ يتيما، وحفظ القرآن، وكتبا أخرى، عرض بعضها على «العزّ بن جماعة» وتكسب بالخياطة وقتا وبرع فيها، ثم أقبل على الاشتغال بالعلم على مشاهير العلماء: فسمع تجويد القرآن على «الزراتيتي» وبعض التفسير على «العلاء البخاري» وأخذ علوم الحديث عن «التاج أحمد الفرغاني» قاضي بغداد، والفقه عن عدد من العلماء منهم «السراج قاري» و «العز بن جماعة» وأصول الفقه عن «الشريف السبكي» وأصول الدين عن «البساطي» والعربية عن «المجد» والصرف عن «البساطي».
وقرأ غالب الفنون، واشتدت عنايته بملازمة «ابن الهمّام» بحيث سمع عليه غالب ما كان يقرأ في هذه الفنون وغيرها، وذلك من سنة خمس وعشرين وثمانمائة حتى توفاه الله تعالى، وكان معظم انتفاعه به. وارتحل «قاسم بن قطلوبغا» إلى بعض المدن للأخذ عن علمائها: فارتحل إلى «الشام» مع شيخه «التاج النعماني» ودخل «الاسكندرية» وقرأ بها على «الكمال بن خير» وغيره.
وحج غير مرّة، وزار بيت المقدس، وقال: إنه شملته الإجازة من أهل الشام، والاسكندرية.
احتل «قاسم بن قطلوبغا» مكانة سامية بين العلماء مما جعلهم يثنون عليه، وفي هذا يقول «شمس الدين السخاوي»: «ونظر في كتب الأدب ودواوين الشعر فحفظ منها شيئا كثيرا، وعرف بقوة الحافظة والذكاء، وأشير إليه بالعلم، وأذن له غير واحد بالافتاء والتدريس، ووصفه «ابن الديري» بالشيخ العالم الذكيّ، وشيخنا بالإمام العلامة المحدث، الفقيه الحافظ».
ثم يمضي «السخاوي» في الثناء عليه فيقول: «وتصدى للتدريس والإفتاء، قديما، وأخذ عنه الفضلاء في فنون كثيرة، واسمع من لفظه جامع مسانيد أبي حنيفة، المشار إليه بمجلس «الناصر بن الظاهر جقمق» بروايته له عن «التاج النعماني».
وقال «السخاوي»: وترجمه الزين رضوان في بعض مجاميعه بقوله: «هو من حذّاق الحنفية، كتب الفوائد واستفادوا وأفاد» (1).
وقال «الإمام الشوكاني»: وحفظ القرآن، وكتبا عرض بعضها على «العز ابن جماعة» ثم أقبل على الاشتغال على جماعة من علماء عصره، كالعلاء البخاري، وابن الهمّام، وقرأ في غالب الفنون، وتصدر للتدريس، والإفتاء، وأخذ عنه الفضلاء في فنون كثيرة، وصار المشار إليه، في الحنفية، ولم يخلّف بعده مثله، وله مؤلفات منها:
«شرح منظومة ابن الجزري» في مجلدين، وحاشية شرح الألفية للعراقي وشرح النخبة لابن حجر، وخرّج أحاديث عوارف المعارف للسهروردي وكذلك خرّج أحاديث البزدوي في أصول الفقه، وخرج أحاديث تفسير أبي الليث، والأربعين في اصول الدين، وجواهر القرآن، وبداية الهداية وإتحاف الأحياء بما فات من تخريج أحاديث الإحياء، ومنية الألمعي بما فات الزيلعي، وبغية الرائد في تخريج أحاديث شرح العقائد، ونزهة الرائض في أدلة الفرائض، ورتب مسند أبي حنيفة لابن المقري، والأمالي على مسند أبي حنيفة في مجلدين، والموطأ برواية «محمد بن الحسن»، ومسند «عقبة بن عامر» الصحابي، وعوالي كل من أبي الليث والطحاوي، وأسئلة الحاكم للدارقطني، وسنن الدارقطني على الستة، والثقات ممن لم يقع في الكتب الستة في أربعة مجلدات، وتقويم اللسان في الضعفاء في مجلدين، وحاشية على كل من المشتبه والتقريب لابن حجر، والأجوبة على اعتراض ابن أبي شيبة على «أبي حنيفة» في الحديث، وكتاب ترجم فيه لمن صنف من الحنفية، وسمّاه «تاج التراجم» ومعجم شيوخه.
وشرح كتبا من كتب فقه الحنفية كالقدوري، ومختصر المنار، ودرر البحار في المذاهب الأربعة، وأجوبة على اعتراضات «العز بن جماعة» على أصول الحنفية، ومختصر تلخيص المفتاح، وله مصنفات غير هذه، وقد برع في عدة فنون».
وقال «شمس الدين السخاوي»: هو إمام علّامة قويّ المشاركة في فنون، ذاكر لكثير من الأدب، ومتعلقاته، واسع الباع في استحضار مذهبه وكثير من زواياه، وخباياه، متقدم في هذا الفنّ طلق اللسان، قادر على المناظرة، وإفحام الخصم، وحافظته أحسن من تحقيقه، وكلامه أفصح من قلمه، مع كونه غاية في التواضع، وطرح التكلف، وصفاء الخاطر، وحسن المحاضرة لا سيّما في الأشياء التي يحفظها، وعدم اليبس والصلابة، والرغبة في المذاكرة للعلم، وإثارة الفائدة والاقتباس ممن دونه مما لعله لم يكن أتقنه، وقد انفرد عن علماء مذهبه الذين أدركناهم بالتقدم في هذا الفن، وقصد بالفتاوى في النوازل والمهمات، فغلبوا باعتنائه بهم مقاصدهم غالبا، واشتهر بذلك، ولم يجد مع انتشار ذكره وظيفة تناسبه، ثم استقر في تدريس الحديث، بقبّة «البيبرسيّة» عقب «ابن حسان» ثم رغب عنه بعد ذلك لسبط شيخنا، وقرره «جانبك الجدّاوي» في مشيخة مدرسته التي أنشأها بباب القرافة، ثم صرفه وقرّر فيها غيره، ولكنه كان قبل ذلك ربما تفقده الأعيان، والأمراء ونحوهم فيسارع إلى إنفاق ما يأخذه منهم ثم يعود إلى حالته مع كثرة عياله. ولما استقر رفيقه «السيف الحنفي» في مشيخة المؤيديّة، عرض عليه السكنى بقاعتها لعلمه بضيق منزله، أو تكلفه الصعود إليه لكونه بالدور الأعلى من ربع «الخوندار» فما وافق.
ولما استقر «الشمس الأمشاطي» في قضاء الحنفية رتب له في كل شهر ثمانمائة درهم لمزيد اختصاصه به، وتقدم صحبته معه.
وعظم انتفاع «الشرف المناوي» به، وكذا «البدر بن الصواف» في كثير من مقاصدهما.
ثم يقول «شمس الدين السخاوي»: وقد صحبته قديما، وسمعت منه مع ولدي «المسلسل» بسماعه له على «الواسطي» وكتبت عنه من نظمه وفوائده أشياء، بل قرأت عليه شرح ألفية العراقي.
ثم يقول «السخاوي»: وقد ذكره «المقريزي» في عقوده، فقال: وبرع في فنون من فقه، وعربية، وحديث وغير ذلك، وكتب مصنفات عديدة (1).
ظلّ «قاسم بن قطلوبغا» في عمل مستمر وحياة حافلة بالعلم تدريسا وتصنيفا، حتى توفاه الله تعالى في ليلة الخميس رابع ربيع الآخر سنة تسع وسبعين وثمانمائة.
رحمه الله رحمة واسعة، وجزاه الله أفضل الجزاء.






مصادر و المراجع :

١- معجم حفاظ القرآن عبر التاريخ

المؤلف: محمد محمد محمد سالم محيسن (المتوفى: 1422هـ)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید