المنشورات

«مكّي بن أبي طالب» ت 437 هـ

هو: مكي بن أبي طالب حموش بن محمد بن مختار أبو محمد القيسي، القيرواني ثم الأندلسي القرطبي. إمام علامة محقق عارف أستاذ القراء والمجوّدين.
ذكره «الذهبي» ت 748 هـ، ضمن علماء الطبقة العاشرة من حفاظ القرآن كما ذكره «ابن الجزري» ت 833 هـ، ضمن علماء القراءات.
ولد «مكّي بن أبي طالب» بالقيروان سنة خمس وخمسين وثلاثمائة من الهجرة.
حفظ «مكّي بن أبي طالب» القرآن منذ نعومة أظفاره، ثم بعد ذلك رحل إلى البلاد الإسلامية في سبيل طلب العلم، ففي سنّ مبكرة لم يتجاوز الثالثة عشرة من عمره شدّ الرحال إلى مصر، فكان يقيم سنتين وثلاثا ثم يعود إلى القيروان، وكان يرحل إلى بلاد الحجاز ليؤدي فريضة الحج، وكان يلقى الشيوخ، ويأخذ عنهم، ويستدرك، ويستكمل، ولا يقصّر، واستمرت رحلاته في سبيل العلم مدّة خمس وعشرين سنة، قضاها متردّدا بين القيروان، ومصر، والحجاز، والشام.
قال صاحبه أبو عمر أحمد بن مهدي المقرئ: «كان مكي بن أبي طالب من أهل التبحر في علوم القرآن والعربية، حسن الفهم والخلق، جيّد الدين والعقل، كثير التأليف، في علوم القرآن، محسنا مجوّدا، عالما بمعاني القراءات، أخبرني أنه سافر إلى «مصر» وهو ابن ثلاث عشرة سنة، وتردد إلى المؤدبين بالحساب، وأكمل القرآن، ورجع إلى القيروان، ثم رحل فقرأ القراءات على «طاهر بن غلبون» سنة ست وسبعين وثلاثمائة، وقرأ بالقيروان أيضا بعد ذلك، ثم رحل سنة اثنتين وثمانين وثلاثمائة وحج، ثم حج سنة سبع وثمانين، وجاور ثلاثة أعوام، ودخل الأندلس سنة ثلاث وتسعين وثلاثمائة وجلس للإقراء بجامع قرطبة، وعظم اسمه، وجلّ قدره» اه (1).
تلقى «مكّي بن أبي طالب» العلوم المختلفة على خيرة العلماء بالقيروان، ومصر، ومكة المكرمة. فمن شيوخه الذين أخذ عنهم «بالقيروان» الحافظ أبو الحسن القابسي وهو من جلة شيوخه، وكان موضع الإجلال، أخذ عنه «مكي» القراءة والحديث ومن شيوخه «بالقيروان» «أبو محمد بن أبي زيد».
انتهت إليه رئاسة المذهب المالكي بالمغرب، وذكر «القاضي عياض» أنه حاز رئاسة الدين والدنيا، وكان يسمى مالكا الأصغر، وقد تفقه عليه «مكي ابن أبي طالب» ت 389 هـ.
ومن شيوخه «بمصر» «محمد بن علي أبو بكر الأدفوي».
ذكر «الذهبي» أنه برع في علوم القرآن، وكان سيّد أهل عصره، وقد لزم «أبا جعفر النحاس» وروى عنه كتبه، وأخذ القراءة عرضا عن «المظفر ابن أحمد بن سمعان».
وذكر «الإمام الداني» أنه تفرد بالإمامة في قراءة «نافع» راوية «ورش» ت 388 هـ.
ومن شيوخ «مكّي بن أبي طالب» بمصر «أبو الطيب طاهر بن غلبون» الذي يرجع إليه ضبط «مكي» للقراءة.
ومن شيوخه أيضا «أبو عديّ بن الإمام» أخذ عنه «مكي» رواية ورش.
وكان لمجاورة «مكي» بمكة أثر واضح في تلمذته على بعض الشيوخ ولقائه إياهم، ومن أبرزهم: «أحمد بن إبراهيم أبو الحسن العبقسيّ» مسند أهل الحجاز في وقته.
تصدر «مكّي بن أبي طالب» لتعليم القرآن وعلومه، واشتهر بالثقة والضبط، وحسن الأداء، والأمانة، وذاع صيته، وأقبل عليه طلاب العلم، يأخذون عنه، ومن الذين أخذوا عنه القراءة القرآنية: يحيى بن إبراهيم بن البياز، وموسى بن سليمان اللخمي، وأبو بكر محمد بن المفرّج، ومحمد بن أحمد ابن مطرف الكناني، وعبد الله بن سهل، ومحمد بن محمد بن أصبغ، ومحمد بن عيسى بن فرج المغامي، ومحمد بن محمد بن بشير، وحازم بن محمد، وأحمد بن محمد الكلاعي، وهو قرطبي، وكان مقرئا فاضلا، عالما بالقراءات، ضابطا لها، له عدة مؤلفات» ت 432 هـ، وصلى عليه شيخه «مكي».
ومن تلاميذ «مكي» ابنه «أبو طالب محمد» وقد روى عن أبيه أكثر ما عنده، وكان «أبو طالب» وافر الحظ من الأدب، حسن الخطّ، جيّد التقييد، وكثير من مصنفات أبيه إنما كان تصنيفها عن طريقه، ولي أحكام الشرطة وأمانة الجامع بقرطبة. ت 474 هـ.
ترك «مكي» للمكتبة القرآنية والعربية عدة مصنفات مفيدة بلغت أكثر من ثمانين مصنفا، قال رحمه الله: «ألفت كتابي» «الموجز في القراءات» بقرطبة سنة أربع وتسعين وثلاثمائة، وألفت كتاب «التبصرة» بالقيروان سنة اثنتين وتسعين وثلاثمائة، وألفت «مشكل الغريب» بمكة سنة تسع وثمانين وثلاثمائة، وألفت «مشكل الإعراب» ببيت المقدس سنة إحدى وتسعين وثلاثمائة، وألفت باقي تواليفي بقرطبة سنة خمس وتسعين وثلاثمائة.
احتلّ «مكي» مكانة سامية بين العلماء مما استوجب الثناء عليه، وفي هذا يقول «ابن بشكوال»: «قلّده أبو الحزم جهور خطابة قرطبة، بعد وفاة «يونس بن عبد الله القاضي» وكان قبل ذلك ينوب عنه، وله ثمانون تأليفا، وكان خيّرا، متدينا، مشهورا بالصلاح، وإجابة الدعوة» اه (1).
وقال «الإمام ابن الجزري»: ومن تأليف «مكي» التبصرة في القراءات والكشف عليها وتفسيره الجليل، ومشكل إعراب القرآن، والرعاية في التجويد، والموجز في القراءات، وتواليفه تنوف عن ثمانين تأليفا. اه (2).
توفي «مكي» في ثاني المحرم سنة سبع وثلاثين وأربعمائة. رحمه الله رحمة واسعة، وجزاه الله أفضل الجزاء.






مصادر و المراجع :

١- معجم حفاظ القرآن عبر التاريخ

المؤلف: محمد محمد محمد سالم محيسن (المتوفى: 1422هـ)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید