كان وأخواتها
"كان" وأخواتها من الأفعال الناسخة التي تعمل عملها2، وتسمى أيضاً: الأفعال الناقصة3. وفيما يلي بيان أشهرها، وشروطه عمله، ومعنى كل فعل: إنها ثلاثةَ عَشَرَ فعلا4؛ كان - ظل - بات - أصبح - أضحْى -أمسى - صار - ليس - زال - برح - فتئ - انفك - دام. وكل هذه الأفعال تشترك فى أمور عامة، أهمها1: أنها لا تعمل إلا بشرط أن يتأخر اسمها عنها2، وأن يكون خبرها غير إنشائي؛ فلا يصح: كان الضعيف عاونْهُ3. وأن يكون الاسم والخبر مذكورين معاً، ولا يَصح - مطلقاً - حذفهما معا، ولا حَذف أحدهما. إلا "ليس"، فيجوز حذف خبرها، وإلا "كان" فيجوز فى أسلوبها أنواع من الحذف. وسيجئ البيان عند الكلام عليهما4. وألا يتقدم الخبر عليها إذا كان اسماً متضمناً معنى الاستفهام؛ وهى مسبوقة بأحد حرفى النفى: "ما" أو: "إن"؛ فلا يقال: أين ما يكون الصديق؟ ولا أين إنْ يكونُ الصديق؟ ولا أين ما زال العمل؟ لأنّ "ما" و"إنْ" النافيتين لهما الصدارة فى كل جملة يدخلان عليها؛ فلا يصح أن يسبقهما شىء من تلك الجملة، وإلا كان الأسلوب فاسداً5. وأنها إذا كانت مسبوقة بما المصدرية وجب ألا يسبقها شيء من صلة "ما"، لأن "ما المصدرية بنوعيها" لا يسبقها شيء من صلتها - كما تقدم6 -. وأن صيغتها حين تكون بلفظ الماضى، وخبرها جملة فعلية مضارعية - لا بد أن يماثلها زمن هذا المضارع؛ فينقلب ماضياً7 - عند عدم وجود مانع - ففى مثل: أصبح العصفور يغرد - يكون زمن المضارع "يغرد" ماضياً، مع أن الفعل مضارع، ولكنه - هووكل الأفعال المضارعة - يتابع زمن الفعل الماضى الناسخ، بشرط عدم المانع الذى يعينه لغيره - كما أشرنا -. وأن أخبارها لا تكون جملة فعلية ماضوية، ما عدا "كان" فإنها تمتاز بصحة الإخبار عنها بالجملة الماضوية1. بقي من شروط الخبر: أن يتمم المعنى بنفسه مباشرة مع الاسم - وهو الغالب - وقد يتممه في بعض الأحيان بمساعدة النعت، طبقا للبيان المفصل الذي سبق في باب: "المبتدأ والخبر" موضحا بالأمثلة.... ويشترط في الخبر أيضا ألا يكون معلوما من اسم الناسخ وتوابعه، كما في البيان السالف2. أما فى غير الأمور المشتركة السالفة فلكل فعل ناسخ - وكل ما قد يكون لمصدره من مشتقات 3 - معناه الخاص مع معموليه4 وشروطه الخاصة التى سنعرضها فيما يلى كان: نفهم معناها من مثل: كان الطفل جارياً؛ فهذه الجملة يراد منها إفادة السامع أن الطفل موصوف بشئ؛ هو: "الجرى"، وان الجرى فى زمن ماض؛ بدليل الفعل: "كان". ولوقلنا: يكون الطفل جارياً - لكان المراد إفادة السامع أن الطفل موصوف بشئ؛ هو: "الجرى"، وأن الجرى فى زمن حالى أومستقبل، بدليل الفعل المضارع: "يكون". ولوقلنا: كن جاريًا - لكان المراد إفادة السامع أن المخاطب موصوف بتوجه طلب معين إليه؛ هو؛ مباشرة الجرى، أى: مطالبته بالجرى فى المستقبل؛ بدليل فعل الأمر: "كُنْ". مما سبق نفهم المراد من قول النحاة: "كان" مع معموليها تفيد مجرد اتصاف اسمها بمعنى خبرها اتصافاً مجرداً1 فى زمن يناسب صيغتها. فإن كانت صيغتها فعلاً ماضياً فالزمن ماض، بشرط ألاّ يوجد ما يجعله لغير الماضى المحض. وإن كانت صيغتها فعلاً مضارعاً خالصا2 فالزمن صالح للحال والاستقبال بشرط لا يوجد ما يجعله لغيرهما، وإن كانت صيغتها فعل أمر فالزمن مستقبل؛ إن لم يوجد ما يجعله لغيره -. وإن كانت الصيغة إحدى مشتقات مصدرها فالزمن على حسب ما يناسب هذا المشتق3. حكمها: لا بد لإعمالها هي والمشتقات من تحقق الشروط العامة السالفة. وقد تستعمل "كان" الناسخة بمعنى: "صار"4 فتأخذ أحكامها، وتعمل عملها بشروطه؛ مثل: جمد الماء فكان ثلجاً - احترق الخشب فكان تراباً5 وقد تستعمل بمعنى: "بَقِىَ على حاله، واستمر شأنه من غير انقطاع ولا تَقَيُّدٍ بزمن معين"1 نحو: كان الله غفوراً رحيماً. وقد تستعمل تامة2، وتكثر فى معنى: حصل وظهر "أىّ: وُجِد" فتكتفى بفاعلها؛ نحو: أشرقت الشمس فكان النورُ، وكان الدفء، وكان الأمن. أى: حصل وظهر، ومثل قول الشاعر يصف إحدى البقاع3: وكانت، وليس4 الصبح فيها بأبيض … وأضحت5، وليس الليل فيها بأسود6 وما تقدم من الأحكام للفعل الماضى: "كان" يثبت لباقى أخواته المشتقات؛ كالمضارع، والأمر، واسم الفاعل. و. و.. هذا، وتضم الكاف من الفعل الماضى: "كان" عند اتصاله بضمائر الرفع المتحركة؛ كالتاء، ونون النسوة، طبقاً للبيان الذى سلف مفصلا7. وبقى من أحكام "كان" أربعة أخرى سيجئ الكلام عليها مفصلاً فى موضعه من آخر هذا الباب؛ وهى: أنها تقع زائدة8، وأن الحذف يتناولها كما يتناول أحد معموليها9، أوهما معاً، وأن نون مضارعها قد تحذف10، وأن خبرها قد ينفى. وهذا الأخير يجئ الكلام عليه مع باقى الأخبار الأخرى المنفية11 مصادر و المراجع: 1-شرح المقدمة المحسبة المؤلف: طاهر بن أحمد بن بابشاذ (ت ٤٦٩ هـ) 2-المفصل في صنعة الإعراب المؤلف: أبو القاسم محمود بن عمرو بن أحمد، الزمخشري جار الله (ت ٥٣٨هـ) 3-الإنصاف في مسائل الخلاف بين النحويين: البصريين والكوفيين المؤلف: عبد الرحمن بن محمد بن عبيد الله الأنصاري، أبو البركات، كمال الدين الأنباري (ت ٥٧٧هـ) 4- نتائج الفكر في النَّحو للسُّهَيلي المؤلف: أبو القاسم عبد الرحمن بن عبد الله بن أحمد السهيلي (ت ٥٨١هـ) 5- البديع في علم العربية المؤلف: مجد الدين أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد بن محمد ابن عبد الكريم الشيباني الجزري ابن الأثير (ت ٦٠٦ هـ) 6- التبيين عن مذاهب النحويين البصريين والكوفيين المؤلف: أبو البقاء عبد الله بن الحسين بن عبد الله العكبري البغدادي محب الدين (ت ٦١٦هـ) 7- سفر السعادة وسفير الإفادة المؤلف: علي بن محمد بن عبد الصمد الهمداني المصري الشافعي، أبو الحسن، علم الدين السخاوي (ت ٦٤٣ هـ) 8- شرح المفصل للزمخشري المؤلف: يعيش بن علي بن يعيش ابن أبي السرايا محمد بن علي، أبو البقاء، موفق الدين الأسدي الموصلي، المعروف بابن يعيش وبابن الصانع (ت ٦٤٣هـ) 9-الكافية في علم النحو المؤلف: ابن الحاجب جمال الدين بن عثمان بن عمر بن أبي بكر المصري الإسنوي المالكي (توفي: ٦٤٦ هـ) 10- أمالي ابن الحاجب المؤلف: عثمان بن عمر بن أبي بكر بن يونس، أبو عمرو جمال الدين ابن الحاجب الكردي المالكي (ت ٦٤٦هـ) 11- شرح الكافية الشافية المؤلف: جمال الدين أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن مالك الطائي الجياني 12- تسهيل الفوائد وتكميل المقاصد المؤلف: محمد بن عبد الله، ابن مالك الطائي الجياني، أبو عبد الله، جمال الدين (ت ٦٧٢هـ) 13-شرح تسهيل الفوائد المؤلف: محمد بن عبد الله، ابن مالك الطائي الجياني، أبو عبد الله، جمال الدين (ت ٦٧٢هـ) 14- الكناش في فني النحو والصرف المؤلف: أبو الفداء عماد الدين إسماعيل بن علي بن محمود بن محمد ابن عمر بن شاهنشاه بن أيوب، الملك المؤيد، صاحب حماة (ت ٧٣٢ هـ) 15- التذييل والتكميل في شرح كتاب التسهيل المؤلف: أبو حيان الأندلسي 16-شرح قطر الندى وبل الصدى المؤلف: عبد الله بن يوسف بن أحمد بن عبد الله ابن يوسف، أبو محمد، جمال الدين، ابن هشام (ت ٧٦١هـ) 17-أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك المؤلف: عبد الله بن يوسف بن أحمد بن عبد الله ابن يوسف، أبو محمد، جمال الدين، ابن هشام (ت ٧٦١هـ) 18- تخليص الشواهد وتلخيص الفوائد المؤلف: جمال الدين أبو محمد عبد الله بن يوسف بن هشام الأنصاري (ت: ٧٦١ هـ) 19- المساعد على تسهيل الفوائد المؤلف: بهاء الدين بن عقيل 20- نحو مير = مبادئ قواعد اللغة العربية المؤلف: علي بن محمد بن علي الشريف الحسيني الجرجاني المعروف بسيد مير شريف (ت ٨١٦هـ) 21-همع الهوامع في شرح جمع الجوامع المؤلف: عبد الرحمن بن أبي بكر، جلال الدين السيوطي (ت ٩١١هـ) 22-شرح كتاب الحدود في النحو المؤلف: عبد الله بن أحمد الفاكهي النحوي المكي (٨٩٩ - ٩٧٢ هـ) 23-شرح الإمام الفارضي على ألفية ابن مالك المؤلف: العلامة شمس الدين محمد الفارضي الحنبلي (ت ٩٨١ هـ) 24-جامع الدروس العربية المؤلف: مصطفى بن محمد سليم الغلايينى (ت ١٣٦٤هـ) 25-النحو الوافي المؤلف: عباس حسن (ت ١٣٩٨هـ)