المنشورات
الادراك في الفرنسية/ noitpecreP في الانكليزية/ noitpecreP في اللاتينية/ oitpecreP
الادراك في اللغة هو اللحاق والوصول، يقال أدرك الشيء بلغ وقته وانتهى، وادرك الثمر نضج، وادرك الولد بلغ. وادرك الشيء لحقه، وأدرك المسألة علمها، وادرك الشيء ببصره رآه. فمن رأى شيئا، ورأى جوانبه ونهاياته، قيل: إنه ادركه، ويصح: رأيت الحبيب وما أدركه بصري، فيكون الادراك بهذا المعنى أخصّ من الرؤية.
1 - وللادراك في الفلسفة العربية عدة معان:
فهو يدل أولا على حصول صورة الشيء عند العقل، سواء كان ذلك الشيء مجردا او ماديا، جزئيا او كليا، حاضرا أو غائبا، حاصلا في ذات المدرك او آلته، قال (ابن سينا): «ادراك الشيء هو ان تكون حقيقته متمثلة عند المدرك يشاهدها ما به يدرك، فاما ان تكون تلك الحقيقة نفس حقيقة الشيء الخارج عن المدارك اذا ادرك، فتكون حقيقة ما لا وجود له بالفعل في الأعيان الخارجة مثل كثير من الأشكال الهندسية، بل كثير من المفروضات التي لا تمكن اذا فرضت في الهندسة مما لا يتحقق اصلا، أو تكون مثال حقيقته مرتسما في ذات المدرك غير مباين له، وهو الباقي». (ابن سينا، الاشارات ص 122) فالحقيقة المتمثلة عند المدرك ليست نفس حقيقة الشيء الخارجي، وانما هي مثال لها مرتسم في ذات المدرك، فاذا دلّ الادراك على تمثل حقيقة الشيء وحده، من غير حكم عليه بنفي أو اثبات سمّي تصورا واذا دل على تمثل حقيقة الشيء مع الحكم عليه باحدهما سمي تصديقا الجرجاني، التعريفات) والادراك بهذا المعنى مرادف للعلم، وهو يتناول جميع القوى المدركة، فيقال ادراك الحس، وإدراك الخيال، وإدراك الوهم، وإدراك العقل. ولكن بعض الفلاسفة يحدد معنى الإدراك، فيطلقه على الإحساس وحده، وحينئذ يكون أخص من العلم، وقسما منه، كما انّ بعضهم يوسع معناه، فيطلقه على حضور صورة المشعور به في الشاعر، أو يطلقه على الكمال الذي يحصل به مزيد كشف على ما يحصل في النفس من الشيء المعلوم من جهة التعقل بالبرهان. وهذا الكمال الزائد على ما حصل في النفس بكل واحدة من الحواس هو المسمّى إدراكا (كليات أبي البقاء).
وكما يتناول الإدراك الحس والخيال والوهم والعقل، فكذلك يتناول معرفة أعلى من المعرفة العقلية، وهي المعرفة الحاصلة من الكشف الباطني، فيقال إدراك الذوق وإدراك الحدس. قال الغزالي:
«و أما ما عدا ذلك من خواص النبوة انما يدرك بالذوق، من سلوك طريق التصوف» (المنقذ- ص 139)، وقال ايضا: «بل الإيمان بالنبوة أن يقر باثبات طور وراء العقل، تنفتح فيه عين يدرك بها مدركات خاصة، والعقل معزول عنها، كعزل السمع عن إدراك الألوان، والبصر عن إدراك الأصوات، وجميع الحواس عن إدراك المعقولات».
وفي اصطلاحات الصوفية، الإدراك البسيط هو إدراك الوجود الحق سبحانه مع الذهول عن هذا الإدراك، وعن أن المدرك هو الوجود الحق سبحانه، والادراك المركب هو عبارة عن إدراك الوجود الحق سبحانه مع الشعور بهذا الإدراك، وبأن المدرك هو الوجود الحق سبحانه (كشاف اصطلاحات الفنون للتهانوي).
والإدراك عند معظم الفلاسفة إما أن يكون إدراك الجزئي أو إدراك الكلي، وإدراك الجزئي قد يكون بحيث يتوقف على وجوده في الخارج، وهو الحس، أو لا يتوقف، وهو الخيال. وإدراك الجزئي على وجه كلي هو إدراك كليّه الذي ينحصر في ذلك الجزئي. أما إدراك الكلي، فهو ان الأشخاص الانسانية، مثلا متساوية في معنى الانسانية، ومتباينة بأمور زائدة عليها، كالطول والقصر، والشكل، واللون. ومما به المشاركة غير ما به المخالفة، فالإنسانية من حيث هي هي تكون أمرا مغايرا لهذه الزوائد، فإدراكها، من حيث هي هي، هو المسمّى بالإدراك الكلي (لباب الإشارات للرازي ص 74).
2 - أما في الفلسفة الحديثة فان الإدراك يدل أولا على شعور الشخص بالإحساس أو بجملة من الاحساسات التي تنقلها اليه حواسه، أو هو شعور الشخص بالمؤثر الخارجي والرد على هذا المؤثر بصورة موافقة.
وهذا المعنى العام يدل على ان الادراك يختلف عن الاحساس.
فالظاهرة النفسية التي تحصل في ذات المدرك، عند تأثر أعضاء الحس، تشتمل على وجهين أحدهما انفعالي ( evitceffA) والآخر عقلي ( elleutcelletnI)، فاذا تناول الشعور هذه الظاهرة من ناحيتها الانفعالية سميت إحساسا، وإذا تناولها من ناحيتها العقلية سميت إدراكا.
فليس الإدراك والاحساس إذن ظاهرتين مختلفتين وإنما هما وجهان مختلفان لظاهرة واحدة. ولكن بعض الفلاسفة يطلق لفظ الإحساس على هذه الظاهرة بوجهيها، فيكون الإحساس حالة انفعالية وعقلية معا، ويكون الادراك عبارة عن الاحساس مع الحكم عليه بأنه ناشئ عن مؤثر خارجي. فالادراك بهذا المعنى هو الادراك الخارجي noitpecreP) erueiretxe) كما يقول (ريد dieR) والايكوسيون، أو هو الاحساس المصحوب بالانتباه كما يقول (مين دوبيران nariB ed eniaM). والواقع أن الاحساس والادراك كليهما مصطبغان بلون انفعالي وعقلي معا، ولكن الادراك يزيد على الاحساس بأن آلة الحس تكون فيه أشد فعلا، والنفس أكثر انتباها، فيكون الشيء الخارجي أبين، والصورة المرتسمة في النفس أوضح وأميز. وعلى كل حال فالادراك يقتضي الاحساس، فإما أن يطلق على الشعور بالاحساس ويكون عند ذلك حالة عقلية، ويكون الاحساس حالة انفعالية.
وإما أن يكون الاحساس دالّا على الشعور بالتغير الذي أحدثه المؤثر في النفس، فيكون الادراك عبارة عن الاحساس، بأنه مع الحكم على ذلك الاحساس بأنه ناشئ عن سبب خارجي، أو يكون عبارة عن الاحساس المصحوب بجهد الانتباه.
وكما يختلف الادراك عن الاحساس فكذلك يختلف عن العاطفة، لأن الادراك كما يقولون حالة عقلية، والعاطفة حالة وجدانية انفعالية، وهذا الفرق بين الادراك والعاطفة تناوله (ليبنيز) في مذهبه على وجه أتم وأوفى قال: «ان الحالة الموقتة التي تنطوي على كثرة في الوحدة، ليست سوى الشيء الذي يسمّى إدراكا بسيطا ( noitpecreP)، ويجب تمييزها عن الادراك الواعي ( noitpecrepA) أو الشعور» (المنادولوجيا فقرة 14). فالادراك البسيط عند ليبنيز هو التبدل الذي يحدث في (الموناد)، وهو يهب (الموناد) فرديته وذاتيته، ويجمع الكثرة فيه الى الوحدة، والاشتهاء ( noititeppA) هو القوة الداخلية أو النزوع الذي يولد الادراكات، والادراك الواعي هو الشعور بالادراكات البسيطة. ولذلك كان للادراك عند (ليبنيز) درجات أعلاها الادراك الواعي أو الادراك المميز الواضح، وأدناها الادراك المبهم الغامض، وهو ما يسميه (ليبنيز) بالإدراك غير المحسوس noitpecreP) (elbisnesni).
والادراك في الاصطلاح الديكارتي يطلق على جميع أفعال العقل، وهو مقابل للارادة والرغبة. قال ديكارت:
«إن فينا نوعين من الأفكار هما إدراك العقل وفعل الارادة» (المبادي، القسم الأول، 32).
وكلمة (أفكار) تدل عنده على ما نسميه اليوم بظواهر الشعور.
وقد يطلق لفظ الادراك على القوة المدركة (- ecreP ed etlucaF riov)، أو على فعل الادراك ( riovecrep ed etcA)، أو على المعرفة ( ecnassiannoC) التي تنتج من هذا الفعل.
وكما يكون الادراك خارجيا ( enritxe noitpicrep) فكذلك يكون داخليا ( enrietni noitpecreP) والمقصود بهذا الادراك الداخلي هو الشعور أي معرفة النفس بأحوالها.
وفرقوا بين الادراكات الطبيعية ( sellerutan noitpecreP)، والادراكات المكتسبة ( snoitpecreP sesiuqca)، فقالوا: الادراكات الطبيعية هي المعارف التي تنشأ مباشرة عن فعل أعضاء الحس، كرؤية الألوان، فهي إدراك طبيعي لحاسة البصر، أما الادراكات المكسبة، فهي المعارف التي تتولد في النفس من تربية الحواس. ان هذه الادراكات المكتسبة ليست في الحقيقة ادراكات، وإنما هي أحكام وتأويلات، ولو لا هذه الأحكام التي نستنبطها من منظر الجسم، ونواحيه المضيئة والمظلمة، وتغيرات هيئته المقابلة لحركاته، وتقارب محوري العينين بالنسبة اليه، وعدم تطابق الصورتين الشبكيتين المتولدتين منه، لما أدركنا المسافة ولا التحديب والتقعير.
ومن اصطلاحات ليبيز الادراكات الصمّ ( sedruos snoitpecreP)، والادراكات الغامضة ( snoitpcreP serucsbo)، والادراكات غير المدركة ( seucrepani snoitpecreP)، والادراكات الصغيرة ( setiteP snoitpecrep). والمحدثون يطلقون الادراك الحسّي على تمثل الشيء الخارجي وحده، فيقولون ان هذا الادراك هو الفعل الذي ينظّم به المدرك إحساساته الحاضرة، فيئولها، ويكملها بالصور والذكريات، ثم يعزوها الى شيء مقاوم له، مع الحكم عليه حكما تلقائيا بأنه شيء خارجي معلوم عنده، ومتميز عنه
مصادر و المراجع :
١- المعجم الفلسفي
(بالألفاظ العربية والفرنسية والإنكليزية واللاتينية)
المؤلف: الدكتور
جميل صليبا (المتوفى: 1976 م)
الناشر: الشركة
العالمية للكتاب - بيروت
تاريخ الطبع:
1414 هـ - 1994 م
25 مارس 2024
تعليقات (0)