المنشورات
الاشارة في الفرنسية/ engiS في الانكليزية/ ngiS في اللاتينية/ mungiS
أشار اليه أومأ، يكون ذلك باليد، والرأس، والعين، والحاجب، والمنكب الخ ... وأشار به عرّفه، وأشار عليه بالرأي إذا ما أمره، ونصحه، ودلّه على وجه الصواب، ومبلغ الاشارة كما يقول الجاحظ أبعد من مبلغ الصوت، وحسن الاشارة باليد والرأس من تمام حسن البيان باللسان (البيان والتبيين، الجزء الأول، ص: 70 مصر 1926):
أشارت بطرف العين خيفة أهلها إشارة مذعور ولم تتكلم فأيقنت أن الطرف قد قال مرحبا وأهلا وسهلا. بالحبيب المتيم.
والاشارة قسمان: اشارة حسية، واشارة ذهنية. أما الاشارة الحسية، فتطلق على معنيين: أحدهما أن يقبل الاشارة بأنه هنا أو هناك، وثانيهما أن يكون منتهى الاشارة الحسية، أعني الامتداد الموهوم الآخذ من المشير، منتهيا الى المشار اليه. وأما الإشارة الذهنية فهي كاشارة ضمير الغائب وأمثالها مما يحتاج في اثباته الى استدلال العقل، او كاشارة المتكلم الى معان كثيرة لو عبر عنها لاحتاج الى ألفاظ كثيرة. مثال ذلك قوله تعالى: وغيض الماء، فانه أشار بهاتين اللفظتين الى انقطاع مادة المطر، وبلع الأرض، وذهاب ما كان حاصلا من الماء على وجهها.
والاستدلال باشارة النص اثبات الحكم بالنظم غير المسوق له، كما ان الاستدلال بدلالة النص اثبات الحكم بالنظم المسوق له.
وابن سينا يسمي الفصل المشتمل على حكم يحتاج في اثباته الى دليل وبرهان، بالاشارة، كما يسمي الفصل المشتمل على حكم يكفي في اثباته تجريد الموضوع والمحمول من اللواحق، أو النظر فيما سبقه من البراهين، بالتنبيه. (ر: شرح الاشارات للطوسي، الجزء الأول ص: 4، من الطبعة الأولى بالمطبعة الخيرية 1325 ه). فالاشارة في اصطلاحه هي الحكم الذي يحتاج اثباته الى دليل، ويقابله التنبيه، وهو الحكم الذي لا يحتاج اثباته الى دليل.
وللاشارة في اصطلاحنا ثلاثة معان:
1) الاشارة شيء مدرك بالحواس يجوّز التصديق بشيء آخر غير مدرك، أو غير ممكن الادراك. كازدياد النبض، فهو اشارة الى وجود الحمّى، وكإضاءة المصباح الأحمر على الخط الحديدي، فهي اشارة الى مرور القطار، وكزمر سيارة الاطفائية فهو اشارة الى اندلاع الحريق، وكذلك الدخان فهو اشارة الى النار، كما أن البكاء اشارة الى الحزن.
2) الاشارة فعل خارجي مدرك الغرض منه التعبير عن ارادة. والمثال من ذلك: انك تشير بيدك الى الرجل فتستوقفه، أو تطلب منه المجيء اليك، أو تضع السبابة على فمك طالبا منه السكوت. فأنت تعبر بهذه الاشارات كلها عن ارادتك، فتأمر وتنهى، أو تبلغ باشارتك ما تريد من الأفكار والعواطف.
3) الاشارة شيء متحقق في الخارج من شكل أو صوت ينوب عن شيء غائب أو غير ممكن الادراك، وهو يساعد على اخطار هذا الشيء الغائب في الذهن، كالاشارات الدالة على المعادن في علم الكيمياء، أو ينضم الى غيره من الاشارات المجانسة له لإجراء عمليات متعلقة بالأشياء المشار اليها، كاشارات اللغة واشارات الحساب والجبر، وغيرها.
لا جرم ان هذه المعاني الثلاثة تشترك في معنى عام واحد، وهو أن الاشارة شيء يخبر بشيء آخر، أو يعرّف به، ويحل محلّه. وهذا يفرض وجود سبب يمنع الوصول الى الشيء المشار اليه، أو يجعل الوصول اليه صعبا.
لذلك كانت الاشارة في غالب الأمر إدراكا حسيا حاضرا، أو شيئا ماديا، أو شيئا بسيطا، يحل محل الأشياء المشار اليها وهي حقائق بعيدة، أو حقائق غير مادية، أو عمليات ذهنية، أو مجموعات معقدة. ولكن هذا المعنى العام لا يخلو من الالتباس، لأن الاشارة لا تحل دائما محل الشيء المشار اليه. ان الدخان مثلا لا يحل محل النار وهبوط (البارومتر) لا يحل محل العاصفة.
وتنقسم الاشارات بنوع آخر من القسمة الى اشارات طبيعية ( sengis slerutan)، واشارات اصطلاحية ( sleicifitra sengis) فالاشارات الطبيعية لا تدل على الشيء المشار اليه إلا لعلاقة طبيعية بينها وبينه، كالدخان الذي يشير الى وجود النار، أو كالسحب التي تشير الى قرب هطول المطر. ويطلق اصطلاح الإشارات المعبّرة ( sengis sfisserpxe) على الإشارات التي تعبر عن حالات النفس وحركاتها، كاصفرار الوجه المعبر عن الخوف، واحمرار الوجه الدال على الخجل، (ر:
ظواهر الهيجان في مادة هيجان).
وهذه الإشارات الطبيعية اما بصرية، واما سمعية، فالحركات الدالة على الهيجان إشارات بصرية، والصراخ الدال على الألم اشارة سمعية.
والاشارات الاصطلاحية هي الإشارات التي تكون علاقتها بالشيء المشار اليه مبنية على حكم ارادي جماعي. وهي ثلاثة أنواع: بصرية، وسمعية، ولمسية. فمن الإشارات البصرية: اشارات الجبر، واشارات الموسيقى، والإشارات البحرية واشارات الصم والبكم، واشارات السير، وحروف الكتابة، ومن السمعية: ألفاظ اللغة، ومن اللمسية، حروف الكتابة المستعملة في تعليم العميان على طريقة (برايل- elliarB).
وبين الاشارات الطبيعية والإشارات الاصطلاحية درجات متوسطة. فأبسط اشارات اللغة الصراخ، وأصوات التعجب والنداء، وتقليد أصوات الطبيعة، وأعلاها الألفاظ الواضحة التعبير، والاصطلاحات العلمية المستعملة في الفلك، والرياضيات، والفيزياء، والكيمياء، وغيرها.
والناس لا يتفاهمون بالإشارة الا اذا عرفوا تأويلها، وأدركوا علاقتها بالشيء المشار اليه. ان الإشارات لا تدل على علاقات مادية فحسب، بل تدل على علاقات مادية ممزوجة بتصوراتنا وعواطفنا، وعلاقة الإشارة بالمشار اليه انما هي علاقة متصوّرة، لا علاقة وجودية.
ان البحث في علاقة الإشارات بالعقل موضوع فلسفي بالغ الخطورة، لأن اللغة كما قلنا جملة من الاشارات (ر: لفظ اللغة).
ومن الإشارات ما يستعمل للدلالة على بعض الاعتقادات، والمذاهب، كاشارة الصليب عند النصارى، أو اشارات السرّ عند الماسونيين، ومنها اشارات بروج السماء، واشارات الجيوش، واشارات البواخر الحربية.
واذا دلت الاشارة على جملة من التصورات المتشابهة واقتصر عملها على اخطار هذه التصورات في الذهن اصبحت رمزا (ر: هذا اللفظ).
ويشترط في ذلك (1) أن تكون الاشارة دالة على معنى خاص (2) وان تكون علاقتها بالتصورات المتشابهة واحدة.
مصادر و المراجع :
١- المعجم الفلسفي
(بالألفاظ العربية والفرنسية والإنكليزية واللاتينية)
المؤلف: الدكتور
جميل صليبا (المتوفى: 1976 م)
الناشر: الشركة
العالمية للكتاب - بيروت
تاريخ الطبع:
1414 هـ - 1994 م
25 مارس 2024
تعليقات (0)