المنشورات

الاصل في الفرنسية/ enigirO في الانكليزية/ nigirO في اللاتينية/ ogirO

الأصل أسفل الشيء، وهو في اللغة عبارة عما يفتقر اليه، ولا يفتقر الى غيره، وفي الشرع عبارة عما يبنى عليه غيره، أو هو ما ثبت حكمه بنفسه، وبني عليه غيره. والابتناء إما أن يكون حسيا، وإما أن يكون عقليا. فالابتناء الحسي مثل ابتناء السقف على الجدار، والابتناء العقلي مثل ابتناء الأفعال على المصادر، والمجاز على الحقيقة، والأحكام الجزئية على القواعد الكلية، والمعلولات على العلل، وما يشبه ذلك.
وللأصل في اصطلاحنا عدة معان:
1 - الأصل بدء الشيء، أي أول ظهوره ونشأته، كما في قول ابن خلدون: «زعم انه الفاطمي المنتظر تلبيسا على العامة هنالك بما ملأ قلوبهم من الحدثان بانتظاره هنالك، وان من ذلك المسجد يكون أصل دعوته» (المقدمة، ص: 284). وهذا البدء قد يكون زمانيا، كما في قول ابن خلدون أيضا: «ان البدو أقدم من الحضر، وسابق عليه، وان البادية أصل العمران ... وأن الضروري أقدم من الحاجي والكمالي وسابق عليه، لأن الضروري أصل والكمالي فرع ... وذلك يدل على أن أحوال الحضارة ناشئة عن احوال البداوة، وأنها أصل لها». (المقدمة، ص: 213 - 214 من طبعة دار الكتاب اللبناني). أو يكون مكانيا، كما في قولنا ان نقطة الصفر تعتبر أصلا بالنسبة الى تبدل قيم المتغير، وقد يكون مطلقا، كما في كلامنا على أصل الوجود، أو مبدأ الوجود، فهو لا يتضمن معنى زمانيا، بل يشير الى ابتناء العالم كله على علة أولى قديمة.
2 - وقد يطلق الأصل على أقدم صورة لشيء متبدل، فيكون مبنى وأساسا لذلك الشيء، كما في قول (رينان): «يجب أن يشتمل تاريخ أصول المسيحية على تاريخ العهد المظلم الذي امتد من أوائلها الى الوقت الذي أصبحت فيه حادثا عاما، شائعا، ومعلوما لدى الجميع» -
III XXX p .dort )
-ni I .t ,emsinaitsirhC ud sen
igirO sed eriotsiH ,naneR ,E )
وكما في قول (دوركهايم): «ان الدراسة التي شرعنا فيها ضرب من اعادة النظر في مسألة أصول الأديان بشروط جديدة. لا شك اننا اذا عنينا بكلمة أصل بدءا مطلقا وجب استبعاد هذه المسألة لخلوها من أية صفة علمية.
فالمسألة المقصودة هنا هي غير هذه تماما. إنا نريد أن نجد وسيلة لابراز الأسباب الدائمة التي تتوقف عليها الصور الأساسية للتفكير والعمل الديني. فكلما كانت المجتمعات التي نشاهدها أقل تعقيدا كانت ملاحظتها أسهل، ذلك هو السبب الذي من أجله حاولنا التقرب من الاصول»:
-
(11.  p ,esucigiler eiv al ed seriatn
emele semrof sel ,miehkruD )
وكما في قوله أيضا: «أنت ترى أن لكلمة أصول عندنا معنى اضافيا ككلمة بدائي. ان هذا اللفظ لا يدل على البدء المطلق، بل يدل على أبسط حالة اجتماعية معلومة، لا يمكننا في الوقت الحاضر أن نرتقي الى حالة أبسط منها، فاذا تكلمنا على الأصول، أو على بدايات التاريخ أو على التفكير الديني، فليفهم من هذه الألفاظ ما عنينا». (-
دوركهايم، م. ن، ص: 11).
3 - الأصل هو الواقع القديم الذي تبدل فخرج منه شيء آخر، كما في قولنا: أصل المسيحية اليهودية والهلينية. وقد يطلق الأصل على مجرد الحالة القديمة، كما في قولنا:
الأصل في الأشياء الإباحة، والأصل في الماء الطهارة، والأصل في الأشياء العدم، أي العدم فيها متقدم على الوجود.
4 - وقد يطلق الأصل على المبدأ والقاعدة، فاذا أطلق على المبدأ، سمي أصلا منطقيا، بخلاف الأصل الزماني والتاريخي، واذا أطلق على القاعدة، دلّ على قضية كلية، من حيث اشتمالها بالقوة على جزئيات موضوعها، وتسمى تلك الأحكام الجزئية فروعا، واستخراجها منها تفريعا.
وحمل المفهوم الكلي على الموضوع على وجه كلي، بحيث تندرج فيه أحكام جزئياته، يسمى أصلا وقاعدة، وحمل ذلك المفهوم على جزئي معين من جزئيات موضوعه يسمى فرعا ومثالا.
والأصول من حيث انها مبنى وأساس لفروعها سميت قواعد، كما في قول (الغزالي): «و لكن مجموع ما غلطوا فيه يرجع الى عشرين أصلا يجب تكفيرهم في ثلاثة منها». (المنقذ، ص 95)، ومن حيث انها مسالك واضحة لها سميت مناهج، ومن حيث انها علامات لها سميت أعلاما.
والعلوم الأصلية هي العلوم المشتملة على المبادي والقواعد الكلية. قال (ابن سينا): «و هذه- الكلام على العلوم المتساوية النسب الى جميع أجزاء الدهر- منها أصول ومنها توابع وفروع، وغرضنا هنا هو في الأصول، وهذه التي سميناها توابع وفروعا فهي كالطب والفلاحة» (منطق المشرقيين، ص: 5).
5 - وقد يطلق الأصل على السبب، كما في قولنا: «إن حب الذات أصل الخجل». فالسبب أصل من جهة احتياج المسبب اليه، وابتنائه عليه، والسبب المقصود أصل من جهة كونه بمنزلة العلة الغائية، كما في قول صاحب الرسالة الجامعة:
«و أنا آخذ عليك فيها عهد اللَّه المأخوذ على أول مبدع أبدعه وجعله أصلا لخلقه بما أفاض عليه من جوده» (الرسالة الجامعة، الجزء الأول، ص 12 - 13). ولكن الأصل لا يطلق في اللغة إلا على العلة المادية فتقول أصل هذا السرير خشبه أو نحاسه، ولا تقول:
أصله الغاية التي صنع من أجلها.
6 - وقد يطلق الأصل على الدليل بالنسبة الى المدلول عليه، كما في قولنا: الأصل في هذه المسألة الكتاب والسنة. وقد يطلق على الراجح بالنسبة الى المرجوح، أو على ما هو الأولى، كما يقال: الأصل في الانسان العلم، أي العلم أولى به من الجهل.
وقد يطلق على المحتاج اليه، كما في قولنا الأصل في الحيوان الغذاء. وقد يطلق على حادث كان سببا في استعمال لفظ أو حدوث خطأ، أو نشوء عادة، أو اكتساب نمط من أنماط الفعل. وقد يكون الأصل مرادفا للتكوين (راجع هذه الكلمة). وقد يدل على الوالد بالنسبة الى الولد، كما في قولهم: ليس له أصل ولا فصل، فالأصل الوالد، والفصل الولد، وقيل الأصل الحسب، والفصل اللسان، والأصيل المتمكن في أصله.
7 - ويستعمل الأصل في منطوق كثير من المسائل الفلسفية. من هذه المسائل:
(آ) أصل تصوراتنا أو معارفنا
seedised enigiro'l ed emelborP )-nassiannoc soned enigiro'l ed uo sec )
يطلق الأصل هنا إما على نشوء التصورات والمعارف بالنسبة الى الفرد، وإما على نشوئها بالنسبة الى الانسانية عامة، أو يطلق، في ترتيب أحوال النفس، على الأحكام، والتصورات التي لا يمكن إرجاعها الى الاحساس، أو يطلق في نقد مبادئ العلوم، وفرضياتها، ونتائجها، وأصلها المنطقي، على الأسباب الفاعلة أو الظرفية المؤثرة في تكوين معارفنا، أو يطلق في نظرية المعرفة على المبادي القبلية الموجودة في الادراك الحسي والتفكير.
(ب) أصل الأنواع ( emelborP: (secepse sed enigiro'l ed  هل الأنواع الحية ثابتة على حالها لا تتغير، أم هي متبدلة تنتقل من صورة الى صورة على التعاقب؟، واذا صح أنها متبدلة، فما هي أسباب تبدلها، وما هي مراحله؟
(ج) أصل الحياة ( emelborP: (eiv al ed enigiro'l ed  هل الحياة مجرد تفاعل فيزيائي- كيميائي، أم هي ظاهرة أصيلة دائمة؟، واذا كانت ظاهرة أصيلة، فكيف حدثت في الماضي على كوكب كالأرض لم يكن مشتملا على جميع الشروط اللازمة لحدوثها.
(د) أصل اللغة ( emelborP cgagnal ud enigiro'l ed)  وهي مسألة عويصة: هل تولدت اللغة من وحي إلهي، أم من غريزة أو وحي طبيعي، أم هي نتيجة تواطؤ واختراع، أم نتيجة تطور تاريخي؟:
(انظر كتاب رينان:،  naneR. (egagnal ud enigiro
(  ه) أصل الشر ( emelborP lam ud enigiro'l ed)  وهي أعوص من المسألة السابقة: لما ذا وجد الشر في عالم خلقه إله خيّر كامل.
أ فلا يتعارض وجود الشر ووجود اللّه، ألا يبطل كذلك وجود الخير إذا كان اللّه غير موجود.
ينتج من هذه المسائل أن لكلمة (أصل) معنيين أساسيين، فهي تطلق أولا على الأصل المطلق ( enigirO eulosba)،  الذي تريد الفلسفة الوضعية أن تجتنب البحث فيه، وهي تطلق ثانيا على معنى اضافي نسبي، أي على مجموع العوامل التي توضح نشوء الشيء: كالمواد، أو الأسباب والظروف التي أدت الى حدوثه. وهذا المعنى الثاني لا يتعارض وشروط البحث العلمي. على أن في هذا المعنى الأخير التباسا، لأنك اذا بحثت عن الأصل، ولم تعين البدء الزماني، انقلب بحثك في التاريخ الواقعي الى بحث في التاريخ الخيالي المجرد، كبحث فلاسفة القرن الثامن عشر في «الحالة الطبيعية» التي اعتبروها أصلا للاجتماع الانساني، دع أن بحثك عن الأصول لا بدّ من ان يتضمن إشارة الى أصل واحد تفرعت عنه الأشياء، أو إشارة الى حالة قديمة لم يكن الشيء المبحوث عن أصله موجودا فيها، كبحث (جان جاك روسو) مثلا عن أصل التفاوت بين الناس. ان العقل العلمي الفلسفي يبحث دائما عن الوحدة، ويريد أن يرجع الأشياء الى أصل واحد، أو الى مبدأ واحد معين.
وهذا أمر بعيد المنال، لأن هناك في الواقع أحوالا كثيرة لا يمكن تعيين أصل لها، كما ان هناك لكل حالة معلومة أصولا كثيرة أثرت في تكوينها.









مصادر و المراجع :

١- المعجم الفلسفي (بالألفاظ العربية والفرنسية والإنكليزية واللاتينية)

المؤلف: الدكتور جميل صليبا (المتوفى: 1976 م)

الناشر: الشركة العالمية للكتاب - بيروت

تاريخ الطبع: 1414 هـ - 1994 م

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید