المنشورات

التجريد في الفرنسية/ noitcartsbA في الانكليزية/ noitcartsbA في اللاتينية/ oitcartsbA

التجريد في اللغة، التعرية من الثياب والتشذيب، تقول جرّد الشيء قشره، وجرد الجلد نزع شعره، وجرد السيف من غمده سلّه، وجرد الكتاب عرّاه من الضبط، والزيادات، والفواتح.
وله عند علماء العربية عدة معان: منها تجريد اللفظ الدال على المعنى عن بعض معناه، ومنها عطف الخاص على العام، ومنها أن ينتزع من أمر ذي صفة أمر آخر مماثل له في تلك الصفة مبالغة في كمالها فيه، حتى كأنه بلغ من الاتصاف بتلك الصفة الى حيث يصح أن ينتزع منه موصوف آخر بتلك الصفة (كليات أبي البقاء)، ومنها مخاطبة الانسان نفسه بحيث ينتزع من نفسه شخصا آخر مماثلا له في صفته أو حاله فيخاطبه.
والمقصود بالتجريد جملة المبالغة في كون الشيء موصوفا بصفة، وبلوغه النهاية فيها، بأن ينتزع منه شيء آخر موصوف بتلك الصفة.
والتجريد عند الفلاسفة هو انتزاع النفس عنصرا من عناصر الشيء، والتفاتها اليه وحده دون غيره. مثال ذلك: ان العقل يجرد امتداد الجسم من كتلته، مع ان هاتين الصفتين لا تنفكان عن الجسم في الوجود الخارجي. ومثال ذلك أيضا: إنني أستطيع أن أجرد محيط الدائرة عن سطحها، فأنظر الى محيطها تارة والى سطحها أخرى، مع أن لكل دائرة متصورة في الذهن محيطا وسطحا لا ينفكان عنها. قال (دوغالد استوارت):
التجريد هو تقسيم ما نصيبه من معان مركبة بغية تبسيط الموضوع الذي نتناوله بالبحث. فليس التجريد إذن تقسيما حقيقيا، وإنما هو تحليل ذهني. والفرق بينه وبين التحليل ان الفكر ينظر في التحليل الى جميع صفات الشيء على حد سواء، في حين أنه لا ينظر في التجريد إلّا الى صفة واحدة من صفات ذلك الشيء. وقال (لارو ميغير-  ereiugimoraL):
الحواس آلات تجريد، فالعين تجرد اللون، والأذن تجرد الصوت الخ ..
ومعنى ذلك أن كل حاسة تنتزع صفة من صفات الجسم، وتأخذها أخذا مجردا عن الصفات الأخرى.
وهاهنا فائدة، وهي أن إدراك الشيء الخارجي ليس إدراكا بسيطا وإنما هو عمل انشائي، ومعنى ذلك أن إدراك الصفات متقدم على إدراك الشيء، ونحن إنما نؤلف معنى الشيء من صفاته المدركة بحواسنا إدراكا مباشرا. وإذا قيل إن إدراك معنى الشيء متقدم على إدراك الصفات، قلنا: لو صح ذلك لأمكن إبطال تصور الشيء بعزل صفاته بعضها عن بعض. وهذا محال.
وللتجريد درجات، فاذا نظرت الى الورقة التي أمامك، فانتزعت منها لونها أو شكلها، كان تجريدك عبارة عن فرز المجتمع في الإدراك الحسي، وهو أبسط درجات التجريد، وإذا نظرت الى اللون عامة، من دون أن يكون هذا اللون أحمر أو أزرق، أو نظرت الى الشكل عامة، من دون أن يكون هذا الشكل مستطيلا أو مربعا، لم تقتصر في ذلك على درجة الفرز أو الفرق، بل تجاوزتها الى درجة أعلى منها، ولا تزال ترتقي من تجريد أدنى الى تجريد أعلى حتى تصل الى تصور المعاني الكلية والمفاهيم العالية. لذلك قال ابن سينا: «إن أصناف التجريد مختلفة ومراتبها متفاوتة» (النجاة- 275)، فتارة يكون النزع نزعا لبعض الصفات، وتارة يكون نزعا كاملا، فالحس يأخذ الصورة عن المادة من دون أن يجردها من المادة ومن لواحق المادة، والخيال يبرئ الصورة عن المادة تبرئة أشد، فيجردها عن المادة من دون أن يجردها عن لواحقها، أما العقل فيأخذ الصورة مجردة عن المادة من كل وجه، فينزعها عن المادة، وعن لواحق المادة، ويفرزها عن كل كم وكيف وأين ووضع، الخ. (ابن سينا، النجاة، ص 276 - 279) (ر: كلمة: مجرد).
وقولنا: بالتجريد ( otcartsbA nI)  مقابل لقولنا بالتشخيص الحسي ( otercnoC ni).  فالاستدلال بالتجريد هو أن تستخرج نتائج بعض المبادي المسلّم بها من دون أن تنظر الى تحقق تلك النتائج في الطبيعة، وقد يكون تحققها غير ممكن وإن كانت صحيحة، لأنه قد يحول دون تحققها في الوجود أمور لم نلاحظها في استدلالنا المجرد.
والتجريد عند المتصوفة هو إماطة السوى والكون عن السر والقلب. (تعريفات الجرجاني).









مصادر و المراجع :

١- المعجم الفلسفي (بالألفاظ العربية والفرنسية والإنكليزية واللاتينية)

المؤلف: الدكتور جميل صليبا (المتوفى: 1976 م)

الناشر: الشركة العالمية للكتاب - بيروت

تاريخ الطبع: 1414 هـ - 1994 م

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید