المنشورات
التضامن في الفرنسية/ etiradiloS في الانكليزية/ ytiradiloS
ضمن الرجل ضمانا: كفله، أو التزم أن يؤدي عنه ما قد يقصر في أدائه، وقد ولّد المحدثون من فعل ضمن فعل تضامن، فقالوا: تضامن القوم: التزم كل منهم أن يؤدي عن الآخر ما قد يقصر عن أدائه، والتضامن عندهم التزام القوي أو الغني معاونة الضعيف أو الفقير (ر: المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية، القاهرة 1960)، والتضامن، في الأصل، اصطلاح حقوقي، ومعناه أن يكون كل من المدينين ملتزما تأدية الدين عن الآخرين بحيث تؤدي تأديته إلى تبرئتهم جميعا. ولفظ ( etiradiloS) مشتق من لفظ ( mudilos) المستعمل في الحقوق الرومانية. تقول إن المدينين متضامنون ( mudilos ni) أي أن كلّا منهم ملتزم تأدية الدين عن الآخرين، ثم استبدل الحقوقيون الفرنسيون بهذا اللفظ لفظ ( etidiloS) وأطلقوه على تضامن الدائنين والمدينين وغيرهم. كأن الأشخاص الذين التزموا أن يؤدوا فرضا واحدا أشبه شيء بالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا. قال (رينان) «كان عهد التضامن حالة الانسان الأولى، فلم تكن الجريمة عند أهل ذلك العهد أمرا فرديا، بل كان أخذ البريء بجريرة المجرم عندهم أمرا طبيعيا تماما. هكذا كانت الخطيئة تنتقل من جيل إلى جيل، وتصبح وراثية» (مستقبل العلم-، naneR 307. p, ecneics al ed rinevA)
ثم إن هذا الاصطلاح الحقوقي أطلق بعد ذلك على علاقات الأشياء وقوفها بعضها على بعض، فالشيئان المتضامنان بهذا المعنى هما اللذان يكون أحدهما غير مستقل عما يؤثر في الآخر، والرجلان المتضامنان هما اللذان يكون لفعل أحدهما أو شعوره تأثير في الآخر، كالتعاطف فهو عبارة عن شعور المرء بما يشعر به أخوه، أو كالوراثة، فهي عبارة عن تضامن الأجيال المتعاقبة. وشاع هذا المعنى في القرن التاسع عشر شيوعا كبيرا، حتى أطلقه العلماء على تضامن العلم والفن، وعلى تضامن علم الأخلاق وعلم اللاهوت، وعلى تضامن الظواهر الطبيعية في الأجسام الحية، وهذا التضامن الذي أشار إليه (اوغوست كومت) و (كلود برنارد) إنما هو تضامن طبيعي طوعي يحدث من تلقاء نفسه على خلاف التضامن الواجب الذي يأمر به القانون.
وإذا كانت علاقة الشيء بالشيء مقصورة على تأثير الأول في الثاني، كان التضامن بينهما من جهة واحدة، كعقرب الدقائق الذي يقود عقرب الساعات من دون أن يكون لحركة الثاني تأثير في حركة الأول. ومعنى ذلك أن حركة عقرب الساعات متضامنة مع حركة عقرب الدقائق، على حين أن حركة عقرب الدقائق مستقلة عن حركة عقرب الساعات، وهذا التضامن المقصور على جهة واحدة شبيه بتضامن العلة والمعلول في علم (المكانيك): العلة تؤثر في المعلول، ولكن المعلول لا يؤثر في العلة. ومن قبيل ذلك أيضا ما ذكره (اوغوست كومت) عن تأثير الأجيال المتعاقبة بعضها في بعض، فالجيل السابق يؤثر في الجيل اللاحق، وكل ظاهرة اجتماعية حاضرة تحمل آثار الماضي، كأن الحاضر كما يقول (ليبنيز)، مثقل بالماضي وممتلئ من المستقبل. على أن (اوغوست كومت) لا يسمي هذا التأثير تضامنا بل يسميه اتصالا، وهو إذا شئت تضامن طبيعي، يمكن أن يتخذ أساسا لقاعدة خلقية عامة، توجب على كل جيل أن يعطي الجيل الذي يليه ما أخذه عن الجيل السابق، وأن يضيف إليه ما عنده، حتى تتصل الأجيال بعضها ببعض، وتبلغ الحضارة غايتها.
ويسمى هذا الواجب الملقى على عاتق كل جيل بواجب التضامن ( etiradiloS ed rioveD). ويطلق واجب التضامن أيضا على التزام أفراد المجتمع إعانة بعضهم بعضا.
وإذا كان التعاون بينهم واجبا فمرد ذلك إلى كونهم أعضاء جسم واحد، قال ابن خلدون: «إن اللّه سبحانه خلق الانسان وركبه على صورة لا يصح حياتها وبقاؤها إلا بالغذاء، وهداه إلى التماسه بفطرته، وبما ركب فيه من القدرة على تحصيله، إلّا أن قدرة الواحد من البشر قاصرة عن تحصيل حاجته من ذلك الغذاء غير موفية بمادة حياته منه» (المقدمة، الباب الأول من الكتاب الأول في العمران البشري، ص 69 من طبعة دار الكتاب اللبناني) واذن لا بدّ في ذلك كله من التعاون، ولا بدّ من أن يفضي هذا التعاون الطبيعي إلى وجوب التضامن بين أفراد النوع الانساني حتى تتم به حياتهم. ومعنى ذلك كله أن التضامن واجب خلقي مبني على ضرورة طبيعية.
ومن قبيل ذلك أيضا أن (ليون بورجوا)، لما وجد أن الأجيال الحاضرة مدينة للأجيال السابقة، استخرج من ذلك واجبا خلقيا سماه بواجب التضامن، فقال: هناك تضامن واقعي، وتضامن واجب، لا ينبغي أن نخلط أحدهما بالآخر، انهما متضادان ولكن لا بد لك من الاقرار بالأول حتى تدرك وجوب الثاني، ( eihposolihP, sioegruoB noeL 13 - p etiradiloS al ed).
وقد فرق (دوركهايم) بين التضامن المكانيكي، أي التضامن المبني على التشابه (كردّ الفعل المشترك الذي تثيره الجريمة)، والتضامن العضوي، أي التضامن المبني على تقسيم العمل الحيوي، أو الاجتماعي (كتضامن الزارع والحداد، وتضامن الآباء والأبناء)، إلّا أن هذا التمييز، على ضرورته، لا يخلو من الالتباس، لما في الجمع بين لفظي التضامن والمكانيكي من تناقض، وسبب هذا التناقض تشبيه التضامن المكانيكي بالتحام أجزاء الجسم الصلب وحركتها معا في نظام واحد، وهذا خطأ لأن الجسم الصلب إذا تحرك رسمت أجزاؤه في بعض الأحيان حركات متنوعة (كالدوران والانتقال)، ولأن التضامن المبني على التشابه بين أفراد المجتمع (كاستنكارهم للجريمة مثلا) ليس نتيجة طبيعية لحادثة واقعية فحسب، وانما هو نتيجة ضرورية لإيمان الإنسان بالمثل الأعلى، لذلك كله استبدل العلماء باصطلاح التضامن المكانيكي اصطلاح التضامن المبني على التشابه أو الاتحاد.
وفرقوا أيضا بين التضامن والاحسان، فقالوا: «ان الاحسان هو التزام القوي أو الغني معاونة الضعيف أو الفقير.
على حين أن التضامن هو علاقة متبادلة بين الأفراد تجعل الأمر الذي يصيب أحدهم ذا تأثير في الآخر.
فالاحسان ذو اتجاه واحد يذهب من الغني إلى الفقير، أما التضامن فهو ذو اتجاهين. والفرق بينه وبين العدالة أن العدالة ضيقة وهو واسع، لأنه بذل وحب، فإذا كان العمال المتضامنون يلزمون أنفسهم بتضحيات كثيرة في سبيل تحسين الحياة أحيانا، فمرد ذلك إلى أنهم يعدون التضامن فضيلة اجتماعية رئيسة، حتى لقد أصبح القول بضرورة التضامن emsiradiloS مذهبا خلقيا كاملا عند الاقتصاديين والحقوقيين والفلاسفة الذين يرون ان اصلاح المجتمع الانساني لا يتم الّا بقلب ظهر المجن للفردية الضيّقة من جهة، وللجماعية الثوريّة من جهة ثانية.
واذا قيل ان التضامن حالة واقعية، قلنا ان هذه الحالة الواقعية لا تنقلب الى حق الا بتأثير المثل العليا، فلا بدّ اذن من معرفة الغاية التي يهدف اليها التضامن الواقعي، ولا بدّ كذلك من اعطاء هذا التضامن الواقعي مضمونا مثاليا. والدليل على ذلك ان التضامن الطبيعي ينظم حياة الأشرار، كما ينظم حياة الأخيار، فهو اذن قانون عام كالتقليد والعادة، فلا يمكن ان ينقلب الى قانون خلقي الّا في ضوء الغايات التي يهدف اليها.
ومعنى ذلك كله ان للتضامن ثلاثة شروط: الأول ان يدل على العلاقات الواقعية او المتصورة، والثاني ان يدل على العلاقات المتبادلة (كعلاقة الجزء بالكل، او علاقة الكل بالكل، او علاقة الجزء بالجزء في الكل)، والثالث ان تكون العلاقات التي ينظمها ذات اتجاه معين اي ان يدل على علاقات وجدانية ذات اتجاه انساني، فهو بهذا المعنى حادث انساني بالذات، ومن صفة هذا الحادث الانساني ان يكون اساسا لأحكام خلقية تصل الواقع بالمثل الأعلى.
مصادر و المراجع :
١- المعجم الفلسفي
(بالألفاظ العربية والفرنسية والإنكليزية واللاتينية)
المؤلف: الدكتور
جميل صليبا (المتوفى: 1976 م)
الناشر: الشركة
العالمية للكتاب - بيروت
تاريخ الطبع:
1414 هـ - 1994 م
26 مارس 2024
تعليقات (0)