المنشورات
الجدل في الفرنسية/ euqitcelaiD في الانكليزية/ citcelaiD واصله في اليونانية/ ekitkelaiD
جدل جدلا اشتدت خصومته، وجادله مجادلة وجدالا ناقشه وخاصمه، وفي القرآن الكريم:
«و جادلهم بالتي هي أحسن».
والجدل في اصطلاح المنطقيين قياس مؤلف من مقدمات مشهورة، او مسلّمة، والغرض منه الزام الخصم، وافحام من هو قاصر عن ادراك مقدمات البرهان (تعريفات الجرجاني)، فان كان الجدلي سائلا معترضا، كان الغرض من الجدل الزام الخصم وإسكاته، وان كان مجيبا حافظا للرأي، كان الغرض منه ان لا يصير ملزما من الخصم.
والجدل في الاصل فن الحوار والمناقشة. قال افلاطون: «الجدلي هو الذي يحسن السؤال والجواب» (كراتيل، ص 390)، والغرض منه الارتقاء من تصور الى تصور، ومن قول الى قول، للوصول الى أعم التصورات وأعلى المبادي.
وهذا الذي ذهب اليه أفلاطون كان سقراط قد قرره قبله، فزعم ان العلم لا يعلّم، ولا يدوّن في الكتب، بل يكشف بطريق الحوار ( eugolaiD)، فلا يمكنك ان تلزم الخصم بنتيجة القياس، الّا اذا استخرجتها من مبدأ مسلّم به عنده، ولا يمكنك ان تخطو خطوة واحدة الى الأمام من دون ان تتيقّن ان الخصم يتبعك.
على ان الوصول الى الحقيقة لا يقتضي اتباع طريقة الحوار دائما، لأنك تصل اليها بتعريف المعاني الكلية وتصنيفها، مثال ذلك ان الجمال هو المعنى الكلي المحيط بالأشياء الجميلة، والعدل هو المعنى الكلي المحيط بالأمور العادلة. فما على الفيلسوف إذن إلّا أن يعرّف هذه المعاني، ويصنفها، لتحديد محل كل منها في سلسلة المعقولات. والفرق بين المنطقي والجدلي أن الأول يرى أن الأجناس كلما كانت أفقر مفهوما كانت أغنى شمولا، وأن العقل كلما ارتقى في سلسلة التصورات من جنس أدنى إلى جنس أعلى أفقر المفهوم وأغنى الماصدق، حتى يصل الى تصور الوجود الذي هو أعلى الأجناس وأقلها تعيّنا، على حين أن الثاني (أعني الجدلي) يرى أن الجنس مركب من الأنواع، لأنه يتضمن مفاهيم الأنواع، وشيئا آخر زائدا عليها، ولأنه أغنى من كل واحد منها على حدته. وعلى ذلك فالجنس الأعلى عند الجدليين هو تصور الكمال أو الخير، لا تصور الوجود، لأن الكمال الكلي محيط بجميع الكمالات الجزئية، والجنس الأعلى محيط بما يندرج فيه من الأنواع، لا من جهة شموله فحسب، بل من جهة مفهومه أيضا.
فالجنس إذن أحق بالوجود من النوع، والجنس الأعلى هو الموجود الأعلى.
والجدل عند افلاطون قسمان جدل صاعد (- necsa euqitcelaiD etnad) وجدل هابط ( euqitcelaiD etnadnecsed) فالصاعد يرفع الفكر من الاحساس الى الظن، ومن الظن الى العلم الاستدلالي، ومن العلم الى العقل المحض، والهابط هو النزول من اعلى المبادي الى ادناها ووسيلته القسمة.
ذلك مجمل رأي أفلاطون، وخلاصته أن الغرض من الجدل الارتقاء من تصور الى تصور للوصول إلى أعم التصورات. وقد اقتبس المحدثون هذا المعنى، فأطلقوه على الارتقاء من المدركات الحسية الى المعاني العقلية، ومن الحقائق المشخصة الى الحقائق المجردة، ومن الأمور الجزئية الى الأمور الكلية.
أما (أرسطو) فقد فرق بين الجدل والتحليل المنطقي، لأن موضوع التحليل المنطقي عنده هو البرهان، اعني الاستنتاج المبني على المقدمات الصحيحة، على حين أن موضوع الجدل هو الاستدلال المبني على الآراء الراجحة او المحتملة.
فالجدل إذن وسط بين الأقاويل البرهانية، والأقاويل الخطابية.
ومعنى ذلك أن الأقاويل الجدلية تهدف الى أمرين: أحدهما أن يلتمس السائل، بالاستناد الى الأشياء المشهورة والمسلمة، الزام الخصم وإفحامه، والثاني أن يلتمس إيقاع الظن القوي في رأي قصد تصحيحه حتى يوهم أنه يقبني. وهذا المعنى كما ترى قريب من المعنى الذي نجده عند سقراط وأفلاطون.
وأما المتأخرون من فلاسفة اليونان فقد أطلقوا لفظ الجدل على معنيين: الأول هو القدرة على الاستدلال الصحيح، والثاني هو المراء المتعلق باظهار المذاهب وتقريرها، والتفنّن في ايراد ما لا نفع فيه من البيانات الدقيقة.
وأما (كانت) فقد أطلق لفظ الجدل على المقاييس الوهمية. قال ان الجدل هو منطق الظاهر، بخلاف التحليل الذي هو منطق الحقيقة.
وهذا الظاهر إما أن يكون منطقيا كما في المصادرة على المطلوب، أو يكون تجريبيا كما في تضخم حجم القمر عند تقربه من الأفق، أو يكون متعاليا نتيجة لطبيعة العقل الذي يتوهم أنه يستطيع أن يذهب إلى ما وراء التجربة، وأن يدرك حقيقة اللّه والنفس والعالم بالمقاييس العقلية. ويسمّى هذا التوهم في فلسفة (كانت) بالجدل المتعالي.
وهو القسم الثاني من المنطق المتعالي في كتاب نقد العقل المحض.
وأما (هيجل) فقد زعم أن الجدل هو التطور المنطقي الذي يوجب ائتلاف القضيتين المتناقضتين واجتماعهما في قضية ثالثة. ولهذا التطور، الذي هو تطور الفكر والوجود معا، ثلاثة أركان: الأول هو الدعوى أو الإيجاب، والثاني نقيض الدعوى أو السلب، والثالث التركيب، وهو التأليف بين الرأيين المتناقضين والجمع بينهما في رأي واحد أعلى منهما. وعلى ذلك فالمنطق عند (هيجل) مبني على عدم تساوي النقيضين في الإمكان، أما الجدل فمبني على تقابل الضدين لاستخراج نتيجة جامعة بينهما.
وجدل السيد والعبد عند (هيجل) هو التطور الذي يجعل السيد عبدا والعبد سيدا، لأن فراغ السيد، وسعيه في سبيل اللذات يجعلانه عبدا لحاجاته وشهواته، ويهبطان به إلى مستوى الحيوان، على حين أن عمل العبد يكسبه سيطرة على نفسه وعلى الطبيعة، ويجعله في النهاية سيدا.
والجدل عند الماركسيين هو التوفيق بين مثالية (هيجل)، ومادية زعيمهم (كارل ماركس)، لأن التطور الجدلي عند (هيجل) هو تطور الفكرة، أما عند (ماركس) و (إنجلس) فهو تطور المادة.
ويطلق الجدل في أيامنا هذه على المعاني الآتية:
1 - الجدل هو طريقة الفكر الذي يعرف ذاته، ويعبر عن موقفه بتأليف حكم مركب جامع بين الأحكام المتناقضة.
2 - الجدل هو طريقة الفكر الذي يوجه حركته الى وجهات متعارضة تؤثر فيه تأثيرا متقابلا يفضي في النهاية الى تقدمه، كجدل الحدس والقياس، والحب والواجب، والعبد والسيد.
3 - الجدل هو موقف الفكر الذي يقرر أن حكمه على الأشياء لا يمكن أن يكون نهائيا، وان هناك بابا مفتوحا لإعادة النظر فيها دائما.
4 - الجدل هو اتصاف الفكر بالحركة، وميله إلى مجاوزة ذاته، على أن تكون طريقته في تفهم كل شيء ارجاعه الى المحل الذي يشغله في تيار الوجود المتحرك.
والمحمولات الجدلية أربعة: التعريف، والجنس، والخاصة، والعرض.
والقياس الجدلي ضد القياس اليقيني.
واللحظة الجدلية هي الانتقال من حد الى آخر مناقض له، أو هي انطلاق الفكر، بتأثير حاجته، الى مجاوزة التناقض.
والجدلي أخيرا هو الحركي، أو التقدمي، أو التطوري.
مصادر و المراجع :
١- المعجم الفلسفي
(بالألفاظ العربية والفرنسية والإنكليزية واللاتينية)
المؤلف: الدكتور
جميل صليبا (المتوفى: 1976 م)
الناشر: الشركة
العالمية للكتاب - بيروت
تاريخ الطبع:
1414 هـ - 1994 م
26 مارس 2024
تعليقات (0)