المنشورات
الحدس في الفرنسية/ noitiutnI في الانكليزية/ noitiutnI في اللاتينية/ oitiutnI
الحدس في اللغة: الظن، والتخمين، والتوهم في معاني الكلام والأمور، والنظر الخفي، والضرب والذهاب في الأرض على غير هداية، والرمي، والسرعة في السير، والمضي على غير استقامة، أو على غير طريقة مستمرة.
والحدس الذي اصطلح عليه الفلاسفة القدماء مأخوذ من معنى السرعة في السير.
قال ابن سينا: «الحدس حركة إلى إصابة الحد الأوسط إذا وضع المطلوب، أو اصابة الحد الأكبر إذا اصيب الأوسط، وبالجملة سرعة الانتقال من معلوم الى مجهول» (النجاة، ص: 137). وقال الجرجاني في تعريفاته: «الحدس هو سرعة انتقال الذهن من المبادي إلى المطالب»، وقال التهانوي: «الحدس هو تمثل المبادي المرتبة في النفس، دفعة من غير قصد واختيار، سواء بعد طلب أو لا، فيحصل المطلوب» والمقصود بالحركة وسرعة الانتقال تمثل المعنى في النفس دفعة واحدة في وقت واحد، كأنه وحي مفاجئ، أو وميض برق.
والحدس عند بعض الاشراقيين هو ارتقاء النفس الانسانية إلى المبادي العالية حتى تصبح مرآة مجلوة تحاذي شطر الحق، فتمتلئ من النور الإلهي الذي يغشاها، من دون أن تنحل فيه انحلالا تاما.
ويسمى هذا الامتلاء من النور الإلهي كشفا روحيا، أو إلهاما.
وللحدس في الفلسفة الحديثة عدة معان:
1 - الحدس عند (ديكارت) هو الاطلاع العقلي المباشر على الحقائق البديهية. قال (ديكارت):
«أنا لا أقصد بالحدس شهادة الحواس المتغيرة، ولا الحكم الخداع لخيال فاسد المباني، انما أقصد به التصور الذي يقوم في ذهن خالص منتبه، بدرجة من السهولة والتميز لا يبقى معها مجال للريب، أي التصور الذهني الذي يصدر عن نور العقل وحده» (القواعد لهداية العقل، القاعدة 3). ومعنى ذلك ان الحدس عنده عمل عقلي، يدرك به الذهن حقيقة من الحقائق، يفهمها بتمامها في زمان واحد، لا على التعاقب. والأمور التي يدركها العقل بالحدس ثلاثة أنواع، وهي: (1) الطبائع البسيطة، كالامتداد والحركة، والشكل، والزمان.
(2) الحقائق الأولية التي لا تقبل الشك، كعلمي أني موجود، لأني أفكر.
(3) المبادي العقلية التي تربط الحقائق بعضها ببعض، كعلمي ان الشيئين المساويين لشيء ثالث متساويان. لذلك سمى (ديكارت) هذا الحدس نورا طبيعيا ( ellerutan ereimuL)، أو غريزة عقلية. ومعنى الحدس عند (ليبنير) مبني على هذا الأصل الديكارتي، والدليل على ذلك قوله:
الحقائق الأولى التي نعرفها بالحدس نوعان: حقائق العقل، وحقائق الواقع.
2 - الحدس هو الاطلاع المباشر على معنى حاضر بالذهن، من حيث هو ذو حقيقة جزئية مفردة، وهذا المعنى الذي نجده عند (كانت) في كتاب نقد العقل المحض، وعند هاملتون وديوي، يوجب أن تكون الحقيقة الجزئية المفردة إما مثالية، كما في الحدس العقلي الذي يجمع بين تصور الشيء ووجوده، وإما مستفادة من الحساسية بصورة قبلية، كادراك الزمان والمكان، وإما بعدية، كما في الحدس التجريبي.
3 - الحدس هو المعرفة الحاصلة في الذهن دفعة واحدة من غير نظر أو استدلال عقلي، وهذا المعنى الذي أخذ به (شوبنهاور) لا يصدق على تمثل الأشياء فحسب، بل يصدق أيضا على تمثل علاقاتها كتمثل خواص الأعداد والأشكال الهندسية من جهة ما هي مدركة ادراكا مباشرا. وأكمل صور الحدس عنده الحدس الجمالي، الذي ينسى فيه الإنسان نفسه في لحظة معينة من الزمان، فلا يدرك إلا حقيقة الشيء الذي يتأمله.
4 - والحدس عند (هنري برغسون) عرفان من نوع خاص، شبيه بعرفان الغريزة، ينقلنا إلى باطن الشيء، ويطلعنا على ما فيه من طبيعة مفردة لا يمكن التعبير عنها بالألفاظ، بخلاف المعرفة الاستدلالية أو التحليلية، التي لا تطلعنا إلا على ظاهر الشيء. قال (برغسون): الحدس هو التعاطف العقلي الذي ينقلنا إلى باطن الشيء، ويجعلنا نتحد بصفاته المفردة التي لا يمكن التعبير عنها بالألفاظ.
5 - والحدس هو الحكم السريع الموكد، أو التنبؤ الغريزي بالوقائع والعلاقات المجردة. قال (هنري بوانكاره): ان هذا الحدس، أو هذا الشعور بالنظام الرياضي، يكشف لنا عن العلاقات الخفية.
6 - والحدسية ( emsinnoitiutnI) مذهب من يرى أن للحدس المكان الأول في تكوين المعرفة. ولهذه الحدسية في تاريخ الفلسفة معنيان.
الأول اطلاقها على المذاهب التي تقرر ان المعرفة تستند الى الحدس العقلي، والثاني اطلاقها على المذاهب التي تقرر ان ادراك وجود الحقائق المادية ادراك حدسي مباشر لا ادراك نظري (هاملتون).
7 - ونحن نطلق الحدس على اطلاع النفس المباشر على ما يمثله لها الحس الظاهر، أو الحس الباطن من صور حسية أو نفسية، أو على كشف الذهن عن بعض الحقائق بوحي مفاجئ، لا على سبيل القياس، ولا على سبيل الاستقراء أو الاستنتاج، ولكن على سبيل المشاهدة التي ينبلج فيها الحق انبلاجا. وله أربعة أنواع:
الحدس التجريبي، والحدس العقلي، والحدس الكشفي، والحدس الفلسفي أو الصوفي، أعني حدس الاشراقيين الذين يزعمون أنهم يرتقون من مشاهدة الصور والأمثال إلى ادراك الحقائق المطلقة.
مصادر و المراجع :
١- المعجم الفلسفي
(بالألفاظ العربية والفرنسية والإنكليزية واللاتينية)
المؤلف: الدكتور
جميل صليبا (المتوفى: 1976 م)
الناشر: الشركة
العالمية للكتاب - بيروت
تاريخ الطبع:
1414 هـ - 1994 م
26 مارس 2024
تعليقات (0)