المنشورات
الحضارة في الفرنسية/ noitasiliviC في الانكليزية/ noitaziliviC
الحضارة في اللغة هي الاقامة في الحضر، بخلاف البداوة، وهي الاقامة في البوادي. قال القطامي.
ومن تكن الحضارة اعجبته فأي رجال بادية ترانا ومع أن استعمال هذا اللفظ قديم، فان اول من اطلقه على معنى قريب من معناه الحاضر هو ابن خلدون، ففرق في مقدمته بين العمران البدوي والعمران الحضري، وجعل اجيال البدو والحضر طبيعية في الوجود.
فالبداوة أصل الحضارة، والبدو أقدم من الحضر، لأنهم يقتصرون على انتحال الزراعة والقيام على الحيوان لتحصيل ما هو ضروري لمعاشهم. اما الحضر فان انتحالهم للصنائع والتجارة يجعل مكاسبهم اكثر من مكاسب أهل البدو، وأحوالهم في معاشهم زائدة على الضروري منه. واذا كانت البداوة أصل الحضارة، فان الحضارة غاية البداوة ونهاية العمران.
وللحضارة عند المحدثين معنيان احدهما موضوعي مشخص والآخر ذاتي مجرد.
اما المعنى الموضوعي فهو اطلاق لفظ الحضارة على جملة من مظاهر التقدم الأدبي، والفني، والعلمي، والتقني التي تنتقل من جيل الى جيل في مجتمع واحد او عدة مجتمعات متشابهة. تقول: الحضارة الصينية، والحضارة العربية، والحضارة الأوربية، وهي بهذا المعنى متفاوتة فيما بينها، ولكل حضارة نطاقها ( eriA)، وطبقاتها ( sehcuoC) ولغاتها، ( seugnaL).
فنطاقها هو حدودها الجغرافية، وطبقاتها هي آثارها المتراكمة بعضها فوق بعض في مجتمع واحد، أو في عدة مجتمعات. ولغاتها هي الأداة الصالحة للتعبير عن الأفكار السياسية والتاريخية والعلمية والفلسفية.
واما الحضارة بالمعنى الذاتي المجرد فتطلق على مرحلة سامية من مراحل التطور الانساني المقابلة لمرحلة الهمجية والتوحّش، أو تطلق على الصورة الغائية التي نستند اليها في الحكم على صفات كل فرد او جماعة، فاذا كان الفرد متصفا بالخلال الحميدة المطابقة لتلك الصورة الغائية قلنا انه متحضر، وكذلك الجماعات، فان تحضرها متفاوت بحسب قربها من هذه الصورة الغائية أو بعدها عنها.
ومع ان الصورة الغائية للحضارات مختلفة باختلاف الزمان والمكان، فان اختلافها لا يمنع من اشتراكها في عناصر واحدة. وتتألف هذه العناصر في زماننا من التقدم العلمي والتقني، وانتشار اسباب الرفاه المادي، وعقلانية التنظيم الاجتماعي، والميل الى القيم الروحية، والفضائل الاخلاقية. فالكلام على الحضارة بهذا المعنى لا يخلو من التقويم والتقدير، اي من الحكم على الحضارات بنسبتها الى المثل العليا المتصورة في الأذهان، ويدل تطور هذه المثل العليا على اتجاهها الى الاشتراك في عناصر متشابهة، لسرعة انتقال الأفكار والأشياء من اقليم حضاري الى آخر.
والحضارة بمعنى ما مرادفة للثقافة، الا ان هذين اللفظين لا يدلان عند العلماء، على معنى واحد، فبعضهم يطلق لفظ الثقافة على تنمية العقل والذوق، وبعضهم يطلقه على نتيجة هذه التنمية، أي على مجموع عناصر الحياة وأشكالها ومظاهرها في مجتمع من المجتمعات.
وكذلك لفظ الحضارة، فان بعضهم يطلقه على اكتساب الخلال الحميدة، وبعضهم يطلقه على نتيجة هذا الاكتساب، أي على حالة من الرقي والتقدم في حياة المجتمع بكاملها، واذا كان بعض العلماء يطلق لفظ الثقافة على المظاهر المادية، ولفظ الحضارة على المظاهر العقلية والادبيّة، فان بعضهم الآخر يذهب الى عكس ذلك. دع ان لفظ الثقافة يدل عند علماء الانتروبولوجيا على مظاهر الحياة في كل مجتمع، متقدما كان أو متخلفا، على حين ان لفظ الحضارة عندهم يدل على مظاهر هذه الحياة في المجتمعات المتقدمة وحدها.
وخير وسيلة لتحديد معنى كل من هذين اللفظين اطلاق لفظ الثقافة على مظاهر التقدم العقلي وحده، وهي ذات طابع فردي، واطلاق لفظ الحضارة على مظاهر التقدم العقلي والمادي معا، وهي ذات طابع اجتماعي (ر: الثقافة).
مصادر و المراجع :
١- المعجم الفلسفي
(بالألفاظ العربية والفرنسية والإنكليزية واللاتينية)
المؤلف: الدكتور
جميل صليبا (المتوفى: 1976 م)
الناشر: الشركة
العالمية للكتاب - بيروت
تاريخ الطبع:
1414 هـ - 1994 م
26 مارس 2024
تعليقات (0)