المنشورات
کريستوف كولومبس وإبادة الهنود الحمر في أمريكا
كثيرون من العظماء والعباقرة ذهبوا ضحية عبقريتهم ونبوغهم وتفوقهم، في مختلف العصور والأزمنة؛ ومنهم كثيرون أيضا من رحلوا عن هذه الدنيا، ولم يدركوا أنهم دخلوا قاموس الاختراع والاكتشاف، حتى ولو كان هذا الاكتشاف بحجم قارة بكاملها، إن لم يكن أكبر.
هكذا هو الحال مع مكتشف القارة الأميركية، کريستوف كولومبس، أول بحار أوروبي وطئت قدماه أراضي أميركا الوسطى والشمالية عام 1992، بعد استحصاله على مساعدات مادية من البلاط الاسباني، وبالتحديد من الملكة ايزابيلا
فكيف كان ذلك؟ وما هي أسرار عملية اكتشاف أميركا؟.
يتطرق المليونير العالمي «هنري فورد، وعبقري الصناعة الأميركي الى ذلك قائلا، بأن تاريخ اليهود في أميركا يبدأ مع كريستوف كولومبس. حيث أخرج أكثر من ثلاثمائة ألف يهودي من اسبانيا في الثاني من أغسطس عام 1992 وفي اليوم التالي، أي في الثالث منه، أبحر کولومبس الى الغرب، حاملا معه عددا من اليهود. ويؤكد بان جواهر الملكة الاسبانية ايزابيلا هي التي تولت الإنفاق على رحلة الاكتشاف.
وكان هناك ثلاثة من اليهود المتسترين»، يملكون نفوذا ضخما في البلاط الاسباني، وأولهم الويس دي سانتاغيل، وهو تاجر كبير الأهمية في فالنسيا، وملتزم الضرائب الملكية. وثانيهم غابرييل سانشيز، وكان ناظر الخزينة الملكية. وثالثهم اخوان کابريرد، أمين الملك ورئيس تشريفاته. وظل هؤلاء الثلاثة يعملون على إغراء الملكة ايزابيلا، ويشبعون خيالاتها بالأوهام، مصورين لها خواء الخزينة الملكية، واحتمال قيام كولومبس باكتشاف الذهب الخرافي في الهند الغربية، ونجحوا في اقناعها بتقديم مجوهراتها لتمويل المشروع، وهنا طلع «سانتاغيل، باقتراحه طالبة السماح له بتقديم المال من خزانته، وبالفعل قدم ما يعادل أربعين ألف جنيه استرليني اليوم.
واشترك مع كولومبس في الرحلة خمسة من اليهود على الأقل، وهم الويس دي توريزه (الترجمان)، وماركو (الجراح)، وبيرنال (الطبيب)، وألونزو دي لاكال، وغابرييل سانشيز.
وحصل أنصار كولومبس القدماء من أمثال لويس دي سانتاغيل، وغابرييل سانشيز، على عدد من الامتيازات مكافاة لهم على الدور الذي قاموا به في العمل. أما كولومبس نفسه فقد غدا ضحية المؤامرة التي حاك خيوطها الطبيب بيرنال (طبيب الباخرة)، وعاني من آلام السجن والاجحاف والعذاب في أواخر ايامه، ما لا يوصف، جزاء ما قام به من عمل.
والأكثر من ذلك، فإنه مات دون أن يعلم أنه اكتشف قارة جديدة. من هنا، كان الشاعر العربي اللبناني ابراهيم اليازجي صادقا جدة حين قال بهذا الصدد:
لو كنت أقدر أن اعاقب أبحرا ... قاسي بها كولومبس الأهوال
لنزعت منها دژها وجعلته ... فوق الضريح لمجده تمثالا
والواقع أن تدفق المستوطنين الأوروبيين إلى القارة الأميركية الجديدة، ترافق مع خطوات السيطرة الاستعمارية المباشرة، ونهب الثروات الطبيعية، وأسوأ تجارة رقيق أفرغت سكان غرب ووسط أفريقيا. وقد تزامن ذلك مع إبادة سكان أمريكا الأصليين، وتدمير سبل معيشتهم. لذلك، فقد ارتبط تاريخ
29 الهنود الحمر في القرون الأربعة الماضية، مع تاريخ الارهاب الأمريكي الاستيطاني. وقد توالت اکتشافات کريستوف كولومبس بين سنوات 1992 و 2 150، في خمس رحلات متتالية. وفي اعتقاده أنه أدرك شواطي، آسيا الشرقية، من خلال دورانه حول الكرة الأرضية.
ومنذ البدء اشفق كولومبس على سكان أمريكا الهنود الأصليين، وانحاز إليهم ضد بطش المستوطنين الأوروبيين الذين تدفقوا خلفه الى القارة الجديدة. فكتب إلى ملك وملكة اسبانيا، يصف الهنود الحمر (وهم ليسوا حمرة بل سمرة كانوا يصبغون بشرتهم بصباغ أحمر، ويشكون ريش الطيور على رؤوسهم كتقليد محلي بدائي) بهذه العبارات الرقيقة:
هؤلاء الناس طيبون جدة، ومسالمون جدا. بحيث أني أقسم الجلاليكما، أنه لا توجد في العالم أمة أفضل منهم. انهم يحبون جيرانهم اكثر مما يحبون أنفسهم. كما أن حديثهم دائم الحلاوة واللطف، ويرافق دائما بابتسامة. ورغم أنهم نسلا عراة، إلا أن سلوكهم محتشم وجدير بالإطراء
وللتدليل على صدق أقواله، أحضر معه كولومبس الى اسبانيا عشرة أفراد من قبيلة التانيوه.
ولكن انسانيته وعطفه على الهنود الحمر، وفضحه لتصرفات الغزاة الأوروبيين الوحشية، أغاظت ملك أسبانيا. نحنق عليه بدسائس مساعديه اليهود وهن عنه كل مساعدة، فمات فقيرة حزينة منسية سنة 1906. ويقال أيضا بأنه قتل قتلا، وعلى أيدي اليهود تحديدا.
إلا أن مكتشفة ايطاليا آخر عقب كولومبس وطور اکتشافاته، ووضع دائرتها، وكان يدعي اميرکو فاسبوتشي، فأطلق اسمه على القارة الجديدة، بينما لم يطلق اسم كولومبس إلا على كولومبيا فقط.
وبعد ذلك تدفق المستوطنون الأوروبيون بعشرات الألوف، من
27 بريطانيين وإسبان وبرتغاليين وهولنديين وسواهم، فارتكبوا المذابح الفظيعة ضد سكان هذه القارة البدائين البسطاء، فقضى منهم في القرون الأربعة الماضية، ما لا يقل عن عشرة ملايين شخص، وسلبوهم أراضيهم قطعة قطعة وما فيها من مواد خام، وخيرات الطبيعة. وباعوا الكثير منهم کعبيد. وقد عرف الهندي الأحمر بعلاقته الحميمة بالطبيعة، والتصاقه بالأرض وما عليها. فلا يؤذي حيوانأ، ولا يصطاد منه إلا الضار. ومجتمعه أمومي، اذ للمرأة فيه الكلمة الأولى في تعيين المسؤول عن القبيلة، وهي المرجع العائلي الأول.
فقام الهنود الحمر الغزاة الشرسين، بكل شجاعة واستبسال، وسلاحهم قوس ونشاب ورمح وسكين. ثم أخذوا يوقعون معاهدات ملم مع قادة المحاربين، الذين كانوا أعضاء في شركات سكك الحديد ومناجم الذهب ومناشر الأشجار.
ولكن ما كاد يجف حبر هذه المعاهدات، حتى كان الغزاة يخالفونها. فيحاصرون الهنود ويهجرونهم أو يبيعونهم بلا رحمة، فيتناقص عددهم دائما وباستمرار.
وكانت هذه المجازر تتكرر، حيثما مر نطار او شيدت قلعة، أو كشف ذهب، او سرح قطيع العجول البرية «بوفالو. حتى لم يبق للهنود الحمر إلا أعالي الجبال الجرداء المكسوة بالثلوج. ولم ينفع الحوار مع المستوطنين البيض، ولا الاتفاقات.
وبتاريخ 29 نوفمبر 1894، تعرضت نبيلتان من قبائل الهنود الحمر في مقاطعة كولورادو الى مذبحة هائلة على يد الأميركيين، وتسمى هذه الواقعة بمذبحة تشيفنغتون Chivington نسبة الى الضابط الأميركي الذي نفذها، ونعرف أيضا بمذبحة رساند کريك ..
وهكذا أبيدت شعوب هندية بأكملها. واندثرت لغاتها وحضاراتها. وما بقي منها إلا البستها وأزيائها، تعرض في المتاحف والأفلام السينمائية من انتاج «هوليود، خاصة، والقلة الباقية منهم، وهي دون المليون نسمة، ما
له
28 زالت تطالب بحق ملكية هذا الجبل أو ذاك، مستندة الى القانون الذي محاها من الوجود او کاد. انها في الواقع إبادة منظمة لشعب أصلي في أميركا، تحاول أميركا اليوم أن تصدر هذه الظاهرة الى الوطن العربي، لإبادة الشعب العربي في فلسطين عن طريق أحفاد أولئك الذين غدروا بكولومبس وبالهنود
الحمر ذاتهم.
انها عملية تصدير إبادة البشر بأحدث وسائل العصر وأساليبه. هذا وفي سنة 1977، أسس الهنود الحمر (حركة التحرير الهندية الأمريكية. فقبلت
في هيئة المنظمات غير الحكومية التابعة للأمم المتحدة
وفي سبتمبر 1977، عقد في جنيف مؤتمر برعاية الأمم المتحدة، لبحث التمييز الذي تتعرض له الشعوب الأصلية في أمريكا. فدرس تقريرا قدمه المجلس الدولي الخاص بمراعاة الاتفاقات المعقودة مع قبائل الهنود الحمر. وفي نفس المؤتمر قالت رئيسة حركة الهنود الحمر الأمريكيين أنه تجري في الولايات المتحدة على أطفال الهنود الحمر تجارب طبية، وكانهم خنازيره. وقدمت أدلة على ذلك كان قد جمعها السناتور (اللبناني الأصل)، جيمس ابو رزق.
كما وضعت أمام المؤتمر تقارير، حول تعقيم أربعين بالمئة من نساء الهنود الحمر، في بعض المناطق السكنية المخصصة لهن، دون موافقتهن. وفي منطقة أمريكية تدعى باين ريدج»، أفيد أن العديد من الأمريكيين البيض، ما زالوا يمارسون هواية صيد الهنود.
وقد حفزت هذه الممارسات اللا إنسانية الهنود الحمر، في أوائل 1978، للتنادي من كل أنحاء الولايات المتحدة والتجمع في واشنطن، حيث ساروا بمظاهرات كبيرة تفضح هذه الممارسات التي ما زالوا يعانونها.
يقدر عدد الهنود الحمر الأصلي، أي قبل مجيء الأوروبيين، بحوال خمسة عشر مليونا. أما اليوم، وبفعل الإبادة المتمادية، فقد تدني عددهم الى ما يقارب المليون الواحد. ولم يعد لهم من الأراضي التي كانوا يستغلونها سوي 4? من مساحتها |
و ---"
وقد بلغ عدد المعاهدات التي عقدوها مع حكومة الولايات المتحدة، أكثر من ثلاثماية، وقلما احترمت وطبقت أيا منها بالتمام.
أما حاليا، فاستخراج المواد الأولية لصناعة القنبلة الذرية، وتحضيرها، يجريان غالبا في الأراضي التي يشغلها أو كان يشغلها الهنود، وذلك ما يلحق أفدح الأضرار الصحية بهم وبمستقبل أجيالهم.
ويقول السيد ربني بارنت، المسؤول الإداري لمجلس المعاهدات الهندي الذي يضم 98 قبيلة هندية، أن معدل النمو السكاني للهنود يبلغ و الصفر، بسبب استمرار حملات التعليم الإلزامي ضدهم، لمنعهم من
الإنجاب. وأن العديد منهم ما زالوا يتعرضون للتهجير القسري من أماكن ن وع إقامتهم، من قبل الحكومة الأمريكية، بحجة البحث عن مناجم الفحم د واليورانيوم. . أما مجموع عدد الهنود الحمر في الأمريكيتين، الشمالية والجنوبية،
في زهاء الثمانين مليونا
ومن أبرز المهتمين الحاليين بالدفاع عن قضايا الهنود الحمر، الرئيس الجزائري الأسبق أحمد بن بتلا،. ففي مقابلة صحفية معه صرح بأن الهنود ما زالوا يتعرضون حتى الآن لحملات القتل الجماعي. وفي البرازيل، تنظم أسبوعيا رحلات صيد عليهم. وهذه الرحلات تجري في جميع فصول السنة، بينما صيد الحيوانات تمنع في بعضها. وإن جلودهم وشعورهم تباع في أسواق أميركا، مثلما تباع جلود الغزلان والنمور. ومنذ خمس سنوات فقط بيعت كمية من جلود الهنود الحمر في كركاس باثمان غالية، وبعض الأمريكيين الأثرياء يقصدون شراء هذه الجلود للإحتفاظ بها في بيوتهم كهدايا ثمينة أو كتحف نادرة.
ويصرح الرئيس بن بتلا أن الهنود اطلعوا على فيلم يصور تعذيبهم ومحاولة إبادتهم من قبل الأمريكيين. وكان الفيلم يروي قصة جزيرة كاتراس التي أبادها الأمريكيون البيض.
وفي حياتهم الخاصة لا يوجد أي مظهر للسلطة الخارجية أو الفوقية. فمجالسهم العائلية هي التي تسير أمورهم، كما أنهم يمنعون أي شرطي أو حرس امريكي او کندي من التدخل في أمورهم، لأنهم يتصورونه الرجل البشع الذي يريد إبادتهم.
أما دينهم فيحرم عليهم أكل بعض النباتات أو قتل الحيوانات غير الضارة. فالأرض برأيهم هي أمهم الأولى. ولا يجوز اصطياد النسر لأنه يرمز إلى الحرية.
ولا يحبون التعامل بالأموال النقدية بناتا، ويخافون التلوث من ملامستها، لأنها تتعارض مع نمط عيشهم. كما أنهم يغارون على ثقافتهم ودينهم، ويطردون القساوسة الذين يأتونهم مبشرين بالدين المسيحي. ومنعوا تشييد أية كنيسة في مناطقهم.
ويذكر الرئيس بن بنلا أنه دخل مرة أحد المطاعم برفقة بعض أصدقائه من السود، ولكن الخادم رفض تقديم الطعام بسبب اصطحابه للملونين. فاغتاظ وخرج من المطعم بعد توبيخ مديره على هذه العنصرية الفاضحة.
ان التمييز العنصري في الولايات المتحدة الأميركية متجذر فيها منذ أن استباحها المستعمرون الأوروبيون، مذعو المدنية والحضارة والديمقراطية. ولكن العالم كله، من أقصاه الى أقصاه، يدرك تماما عن أية مدنية وحضارة وديمقراطية يتكلم هؤلاء العنصريون.
وهل هناك غير ديمقراطية الإبادة البشرية، وحضارة القتل والنهب، ومدنية المتاجرة بالإنسان كسلعة تباع وتشري في أسواق النخاسة؟
وفوق كل ذلك، يعودون ليوقعوا على شرعة حقوق الانسان وحرياته. فصدقوا أو لا تصدقوا.
المراجع
1 - هنري فورد واليهودي العالمي، ترجمة خيري حماد. دار الأفاق الجديدة.
بيروت 1992. ص 18 - 19. 2 - محمد ميشال غريب. (حقوق الانسان وحرياته الأساسية، بيروت 1989.
ص.110 - 119. 3 - الموسوعة العسكرية بإشراف المقدم الهيثم الأيوبي. المؤسسة العربية
للدراسات والنشر. بيروت. الجزء الثالث. ص 192 - 993. 4 - دين براون وتاريخ الهنود الحمر، ترجمة توفيق الأسدي. منشورات دار الحوار. اللاذقية - سوريا 5 - فارس غلوب «جريدة السفير البيروتية بتاريخ 1978
/ 12/ 12. 1 - الوموند ديبلوماتيك Monde Diplomatique ماه. مجلة اسبوعية تصدر في
باريس. تشرين الأول/ أكتوبر 1981.
مصادر و المراجع :
١- موسوعة الامن
والاستخبارات في العالم
المؤلف: د. صالح
زهر الدين
الناشر: المركز
الثقافي اللبناني للطباعة والنشر والتأليف والترجمة - بيروت
الطبعة: الاولى
تاريخ النشر:2002
م
30 مارس 2024
تعليقات (0)