المنشورات

النازيون الأميركيون وأسرار عملية بيير كليب

- في ظل بسياسة الخداع والتضليل، خاضت الدول الاستعمارية، باسم الديمقراطية، الحرب العالمية الثانية، ضد عنصرية الدول الفاشية والدكتاتورية. وبعد ذلك، ظن العالم، أن والديمقراطية ما زالت بألف خير، وليس من خطر على وجودها ..
ولكن الدعاية شيء، والواقع شيء آخر. اذ أن الولايات المتحدة الأميركية، التي تدعي زعامتها اللعالم الديمقراطي،، تؤهل نفسها، على الأرض، للدور الذي شغلته المانيا الهتلرية النازية عام 1939، ولو كان ذلك بعيدا عن التهويل والتشويش الإعلامي، وبهرجة النزعة العنصرية، التي كان أدولف هتلر رمزها الأقوى في تلك الفترة، حيث عمل رونالد ريغان على تمثيل دور هتلر، ولكن من خلف الكواليس ويفشل هو ذاته، يوم كان ممثلا في هوليوود، وفق المبدا القائل: والممثل الفاشل لا يمكن أن يكون إلا رئيسا فاشلا
وبالرغم من محكمة نورمبرغ الدولية، التي حكمت على القادة النازيين كمجرمي حرب، بالإعدام، ونفذت قراراتها بالمئات منهم، إلا أن الولايات المتحدة الأميركية ادركت أهمية العلماء النازيين، للعسكرية الاميركية فلجات الى تهريبهم وتشغيلهم لديها، ضمن عملية سرية بالغة الخطورة، أطلق عليها اسم رمزي هو ابيبر کليب، ...
فما هو سر هذه العملية؟ ومن هم أبطالها؟.
51 في سنة 1969، قلات الإدارة الوطنية للطيران ودراسة الفضاء الكوني (ناسا) في الولايات المتحدة، آرثر رودولف، ميدالية القاء الخدمة البارزة وكافاه البنتاغون بميدالية القاء الخدمات الوطنية البارزة. حصل ذلك بعد أن أوصلت مركبة الفضاء «أبولو في يوليو 1969، بواسطة الصاروخ استاتورن - 0 ثلاثة رواد فضاء أميركيين إلى القمر: أرمسترونغ، وأولدرين، وكولينز. وكان آرثر رودولف الذي كرس كل حياته لإعداد أسلحة الإبادة الجماعية هو مدير برنامج استاتورن - 15، ومنذ سنتين غادر رودولف الالماني الأصل الولايات المتحدة فجأة، وتخلى عن الجنسية الأميركية وهو يعيش منذ ذلك الحين في هامبورغ (المانيا الغربية). فلماذا تصرف على هذا النحو؟.
تعني ابيبر کليب، بترجمتها من الانكليزية رمشبك الورق». ولقد أطلقت هذه التسمية الرمزية على برنامج سري أعدته الاستخبارات في الولايات المتحدة. وفي إطاره جلب من المانيا الى الولايات المتحدة في الأعوام 1945 - 1900 ما يربو على الخمسمئة من العلماء والمهندسين والأطباء الذين أسهموا في صنع الأسلحة القاتلة للرايخ الثالث. وقد أدرجوا جميعا، بصورة عامة، في قوائم مجرمي الحرب. وكانت بينهم مثلا شخصيات أسطورية، مثل «غوبيرتوس، استروغ هولد، فالتر شرايبر، فالتر دورنبيرغر، افيرنو فون براون»، «آرثر رودولف» ..
في سنوات الحرب العالمية الثانية أدار استروغ مولد معهد طب الطيران في برلين. ومنذ العام 1942، باشرت المجموعة، التي كان يتراسها، تجارب على الناس في معسكر الاعتقال رداهاو،. وفي خلال التجارب على نبريد جسم الانسان وفي ظروف الجو المتخلخل، قتل استروغ مولد، في داهاو، أكثر من مشي معتقل ..
ويرتبط اسم اشرايبر، كذلك أبداهاوي، حيث أجرى تجارب الاختبار جسم الانسان في الماء البارد وتأثير المركبات الفوسفورية في الجروح. ان التجارب على المادة البشرية في داهاو، أفادت فيما بعد السلطات الأميركية التي خلصت استروغ هولد واشرايبر»، ومن على شاكلتهما من المجرمين النازيين، من القصاص الذي يستحقونه.
وأدار «دورنبيرغرارافون براون» وارودولف، في المانيا الهتلرية صنع سلاحين سريين هما الطائرة - القذيفة رف - 1، والصاروخ اف - 2، وأطلقت القذيفة الأولى من اف -1 علي لندن في يونيو العام 1984. فأطلق في سبتمبر من السنة ذاتها وفيما بعد أصبحت «أنتويربين، وبروكسل، والبيج، أهدافا كذلك. وقد قتل في هذه المدن برف -1) راف.2 أكثر من 13 ألف شخص، وجرح مايقرب من 40 ألف شخص، ودمرت 406 بنايات ..
وفي العام 1943، أصبح «آرثر رودولف، مسؤولا عن انتاج الصواريخ ف. 2، في مصنع «ميتيلفيركي»، وهو المصنع - معسكر الاعتقال دورا تحت الأرض الواقع في سراديب مجهزة في سفح جبل اکونشتين، قرب
نوردهاوزن»، وحينما ظهر رودولف في أنفاق «دوراء تحت الأرض كان عمره 37 سنة، أمضى اثنتي عشرة سنة منها عضوا في الحزب النازي الذي انتسب اليه حتى قبل تسلم هتلر الحكم ..
وفي نيسان/ أبريل عام 1945، احتلت فرقة الدبابات الاميركية الثالثة انوردهاوزن، فاكتشفت في دورا جبالا من الجثث وجموعة من السجناء المنهكين. وفي تلك اللحظة كان درودولف، قد فر واختبأ قرابة الشهر في القرى المجاورة التي اعتقل في احداها في نهاية المطاف. وإن ضابط الاستخبارات الأميركية الذي أجري أول استجواب لرودولف كتب في تقريره: نازي مئة بالمئة. خطرلا يبعث على الثقة. يوصي باعتقاله.
وعثر الأميركيون في «دوران على مئة صاروخ اف - 2، والعديد من قطع التبديل، وقد حملوها الى انتويربين، ومن هناك نقلوها بحرة الى الولايات المتحدة. ولكن حينما كان الأميركيون ينفذون هذه العملية استنتجوا انه من الضروري للعمل اللاحق بهذه الصواريخ جذب أولئك الذين صنعوها، أي العلماء النازيين. وهكذا ظهرت العملية التي تحمل الاسم الرمزي «أوفير کاست، والتي اطلق عليها فيما بعد «بيبر كليب، وقد جمع في ثكنة غامريس -
53 بارتينكيرخين العسكرية قرابة خمسمئة من العلماء والمهندسين الذين أسهموا في صنع الرف - 1، والرف - 2، والبرامج النازية الأخرى. وعرض عليهم الأميركيون أن يتوجهوا، مقابل منحهم الحرية، إلى الولايات المتحدة ويتابعوا أعمالهم هناك. ومن الذين قادوا عملية «بيبر کليب، العقيد «هولغير توفتوي رئيس الاستخبارات العسكرية التقنية الجيش الولايات المتحدة في أوروبا، الذي أصبح فيما بعد في الخمسينات والستينات مسؤولا عن برنامج الصواريخ الأميركية اريد ستون، ..
وفي نوفمبر من العام 1945، صار «دورنبيرغر، ووفون براون رارودولف، وأضرابهم في أميركا. وفي ربيع السنة التالية اتخذت قيادة الجيش قرارا بإبقاء هذه المجموعة من العلماء في الولايات المتحدة في صورة دائمة بعد أن برهنوا عن جدارتهم کاختصاصيين في صنع أسلحة الإبادة الجماعية، ولكن الصعوبة كانت تكمن في أن كونغرس الولايات المتحدة أقر بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية قانونا خاصا يمنع النازيين، وكل من قاتل ضد الولايات المتحدة من دخول البلاد. وعلاوة على ذلك، تسربت في العام 1946، بعض المعلومات عن ابيبر کليب، على الرغم من إحاطة العمل بسرية شديدة. ووجه أربعون عالما بارزة، بينهم البرت اينشتاين، برقية احتجاج إلى الرئيس الأميركي ترومان، طالبوا فيها بمنع اقامة العلماء النازيين في الولايات المتحدة وعدم منحهم الجنسية الأميركية. ولكن كانت السلطات العسكرية في الولايات المتحدة مراميها البعيدة في هذا الخصوص. وعلى الرغم من قوانين الهجرة المعقدة، لم يتسن للعلماء النازيين تجنب العقاب فقط، بل تسنى لهم نيل الجنسية الأميركية أيضا. كيف؟.
لقد أجرت الصحافية الاميركية اليندا هانت، تحقيقا خاصا في هذه القضية، ونشرت نتائجه مؤخرا في ال كوليتين اوف أتوميك ساينس، وقالت ان تقارير الاستخبارات الأميريكية عن العلماء الألمان التي وضعت في المانيا أدخل عليها العاملون في الإدارة العسكرية في الولايات المتحدة تعديلا جذرية، فقد
ها اختفت منها نعوت مثل نازي مسعور بشكل خطرا على أمن الدولة بالنسبة الى الولايات المتحدة. ثم روجعت هذه التقارير في الاستخبارات مرة أخرى، اذ اختفت من اضبارة رودولف، مثلا الى جانب الاستنتاج الذي اوردناه، وهو أنه «نازي مئة بالمئة، جملة من الوثائق. وغاب أيضأ تقرير عن استجواب ارودولف الذي أجراه الرائد سميث في الولايات المتحدة عام
1947
وقد تناول هذا التقرير احدي حوادث حياة معتقل «دورا، حيث حضر درودولف، إعدام اثني عشر سجينا سوفياتية شنقوا في سرادب على عارضة رافعة شاحنة، وقد اعترف درودولف، في الاستجواب بهذه الواقعة. ولكن الوثيقة اختفت من ملفه. وبالنتيجة وصلت أوراق ارودولف، لنيل الجنسية. الأميركية الى وزارة الخارجية ووزارة العدل مرفقة برسالة من الاستخبارات تقول أنه لم يتسن استيضاح أية حقائق تثبت عليه الجرائم الحربية أو التعاطف مع النازية ..
وحل العام 1949. بيد أن العلماء النازيين الذين عملوا على ندم وساق لمجد القدرة العسكرية الأميركية لم يحصلوا على الجنسية. وعندئذ قامت الاستخبارات الأميركية بخدعة ماكرة. فقد نقلتهم سرا من فورت بليس» عبر الحدود المكسيكية وأبقتهم هناك. وبعد عدة أيام اجتازوا الحدود الواحد اثر الآخر في الاتجاه المعاكس وقدموا أنفسهم الى سلطات الهجرة. وهكذا ظهر على أوراقهم ختم يشهد على أنهم دخلوا أراضي الولايات المتحدة لأول مرة في العام 1949، لا العام 1945، وهذا الختم مکن والشكليين، في وزارتي الخارجية والعدل من مراعاة قواعد اللياقة فأغمضوا أعينهم عن الباقي ..
ان کون سلطات الولايات المتحدة استخدمت بنشاط بعد الحرب ملاكات، الرايخ الثالث حقيقة ليست جديدة بالمرة. ويكفي أن نستند الى شهادة صحيفة الى واشنطن بوست» التي أشارت إلى أنه استقر في الولايات
وه المتحدة بعد الحرب ما لا يقل عن عشرة آلاف نازي. وهم يتحملون المسؤولية عن مقتل مليوني شخص على الأقل، كما أكد «مايکل اوكونوره وانيم او برايين، اللذان عرضا في التلفزيون الأميركي الفيلم الوثائقي هاربون من القصاص». ولكن اليوم يكتسب مغزي مشؤوما بشكل خاص والواقع أن المجرمين النازيين أرسوا أسس التقنية الصاروخية الفضائية الأميركية. وبرنامج عسکرة الفضاء الذي تقدم به إدارة ريغان ينسجم جدأ وأفكار الجنرال الهتلري ددورنبيرغر، الذي أصبح في اميركا رئيسا لقسم أنظمة الطيران الكوني لكونسيرن دبيل،، وفد علم دورنبيرغر، في حينه حماته الأميركيين:
من الواضح تماما أن الفضاء هو بالنسبة الى الاستراتيجي العسكري توسيع الميدان العمليات العسكرية عموديا .. وفي هذا الفضاء يمكن، مع مراعاة صعوبات معينة، وضع كل ترسانة الأنظمة الأكثر عصرية من الأسلحة واستخدامها، آن استيعاب الفضاء ضروري للأهداف العلمية والسياسية والاقتصادية والعسكرية، وكل هذه الأهداف مهمة. ولكني اعتبر استيعاب الفضاء للأغراض العسكرية هو الهدف الأساسيا.
وفي العام 1949، قررت السلطات العسكرية في الولايات المتحدة البدء ببناء مجمع ضخم لإنتاج الصواريخ. وقد وقع الاختيار على بلدة رهانتسفيل، في الاباما التي كانت تنصب فيها منذ نهاية الحرب الترسانات الحاوية للاسلحة الكيميائية لشركة «ريد ستون». وكلف «آرثر رودولف» بمهمة إقامة مجمع للصواريخ في هذا المكان. في ذلك الحين كان عدد سکان دهانتسفيل، يبلغ 17 , 500 نسمة، واليوم يعيش 100 الف شخص هناك، في جوار المؤسسات المتخصصة بإنتاج المعدات الفضائية والصاروخية. ويحمل احد المباني العامة في دهانتسفيل،، بمبادرة من سلطات المدينة العارفة الجميل، أسم النازي فيرنر فون براون، ..
ان ما بناه وآرثر رودولف، في هانتسفيل تحول فيما بعد إلى مركز مارشال الفضائي ومركز قيادة الصواريخ في جيش الولايات المتحدة. ومن
اه العام 1951، إلى العام 1961، قاد درودولف، صنع صاروخ «ريد ستون بصفته مديرة تقنية للبرنامج. ثم وضعت السلطات العسكرية له وللعلماء النازيين الآخرين الذين جلبوا من المانيا مهمة صنع صاروخ بسيط ويعول عليه، ينطلق بضغطة زر ويصيب الهدف بدقة. وهكذا ظهر برنامج أبحاث دبيرشينغ، الذي عين آرثر رودولف، مديرا له.
وفيما بعد أسهم في إعداد وصنع صاروخ «بيرشينغ - 12.
واليوم يجب أن يعرف الجميع هذه الحقيقة التي لا تدهش، وهي أن صواريخ بيرشينغ، الأميركية التي نشرت في أوروبا الغربية والمصوبة نحو الاتحاد السوفياتي والبلدان الاشتراكية الأخرى، قد صنعت بإسهام النازيين ..
ولكن لماذا غادر «آرثر رودولف، الولايات المتحدة منذ سنتين ونخلي عن الجنسية الأميركية؟ أن فضلا كبيرا في ذلك يعود إلى أعمال المرأة الجسورة راليزابيت هولتسمان»، عضو مجلس النواب في كونغرس الولايات المتحدة، فبمبادراتها بالذات أنشيء في وزارة العدل في الولايات المتحدة عام 1979 رقسم للتحريات الخاصة، كلف بالبحث عن المجرمين النازيين. ونشير إلى أن قسم التحريات الخاصة لم يتسن له إلا فعل القليل خلال سبعة أعوام من وجوده. وهذا مرده الى وجود توي متنفذة جدا في الولايات المتحدة تعرقل تحري فظائع النازيين. وقد كتب الصحافي اروبرت ليفتون، في
النيويورك تايمز» أن مجرمي الحرب يتلقون أكبر دعم وحماية من وكالة الاستخبارات المركزية. ويصعب طبعا، على قسم التحريات الخاصة مجابهة وكالة الاستخبارات المركزية. وفي المدة الأخيرة تكللت بإخراج بضعة نازيين فقط من الولايات المتحدة. فقد كان لأعمالهم دوي خاص في الصحافة مما أرغم وكالة الاستخبارات المركزية على عدم التدخل ..
أما أن «بطل، اميركا الوطني آرثر رودولف، قد ضلع في الجرائم النازية، فهذا ما تسنى لأحد العاملين في قسم التحريات اکتشافه بفعل الصدفة البحت. فقد وقع تحت نظره كتيب صغير ألفه جان ميشال، المسهم
7 ه في المقاومة الفرنسية الذي اعتقل في باريس العام 1943، وارسل الى معسكر الاعتقال «دوراء. وقدر لميشال أن يعيش، نكتب بعد سنوات عديدة مذكراته عن دورا التي ذكر فيها اسم درودولف». وكون وزارة العدل في الولايات المتحدة لم تعرف ماضي رودولف إلا في مستهل الثمانينات الا بشهد على سعي الحقوقيين الأميركيين النشيط لإحالة النازيين على القضاء .. و ان ايوليوس مادير، الباحث المعروف في النازية، الذي يقطن في برلين، أصدر منذ العام 1993، کتاب اسر هانتسفيل، الذي وصف فيه جرائم الهتلريين، ومنهم رودولف، في دوراء.
وهكذا ظهرت قضية رودولف. ان موظف قسم التحريات الخاصة الذي كان ينوي إعطاء الاتهام مجري رسميا صرح للصحافيين: «أحتاج الى دقيقة ونصف فقط لأبرهن للمحكمة على أن درودولف، ارتكب أعمالا تصنف على حسب حكم المحكمة العسكرية الدولية في نورمبرغ کجريمة ضد البشرية ..
المرجع
1. انظر مجلة والمدار» (السوفياتية). العدد العاشر. شهر تشرين الثاني |
نوفمبر 1981. 







مصادر و المراجع :

١- موسوعة الامن والاستخبارات في العالم

المؤلف: د. صالح زهر الدين

الناشر: المركز الثقافي اللبناني للطباعة والنشر والتأليف والترجمة - بيروت

الطبعة: الاولى

تاريخ النشر:2002 م

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید