المنشورات

المكر الصهيوني في قضية اغتيال وزير الدفاع الأميركي جيمس فورستال

ليس من الصدفة أبدا، أن يصبح الخوف والرعب هاجسا وكابوسا بقض مضاجع الكثيرين من المسؤولين الأميريكيين أمام «بعبع، متملحفي بنجمة داوود السداسية. كيف لا، والتاريخ الأميركي حافل بكثير من التجارب التي تؤكد إجرامية اليهود والصهيونية العالمية، ولم تكن عملية اغتيال الرئيس ابراهام لنكولن (محرر العبيد) على يد اليهود أنفسهم، سوى الدرس الذي يحمل في جوهره الكثير من العبر، والذي يؤخذ دوما بالحسبان في قاموس التعامل مع هذا الاخطبوط الذي يمتص دماء الشعوب بصورة عجيبة ...
إزاء هذا الواقع، ليس مستغربة ذلك التغلغل السرطاني الصهيوني في الجسم الأمريكي، وهو الذي دفع بالولايات المتحدة الاميركية ذاتها أن تكون السباقة بين دول العالم في الاعتراف بما يسمى بدولة اسرائيل»، محرزة المرتبة الأولى في هذا المضمار بعد أن كانت اغواتيمالا، تتأهب لهذه الخطوة ..
وفي الوقت الذي وقف فيه الرئيس الأميرکي رهاري ترومان، معلنا اعترافه بإسرائيل بعد دقائق معدودة، رغم نصائح الكثيرين من مقربيه بعدم الإقدام على هذه الخطوة، فإن من الطبيعي أن لا تقف أية حصانة حائلا دون الاقتصاص من جميع الذين يتجرؤون على مناهضة الصهيونية وأحابيلها مهما
101 علت مناصبهم وارتفعت درجاتهم في سلم الشهرة والمجد ...
هكذا كان حال الجنرال «جيمس فورستال وزير الدفاع الأميركي في حكومة ترومان، والذي عارضه في تأييد قيام هذه الدولة الجرثومية في قلب الوطن العربي، وكلفه هذا الموقف حياته ...
فمن هو الجنرال «جيمس فورستال»؟ وما هي أسرار عملية اغتياله؟. و إن مسؤولا لبنانية كبيرة سال دبلوماسية أميركية: لماذا لا يضع الرئيس
جونسون العهد الذي أخذه على نفسه يوم 20 مايو بالمحافظة على الكيانات الاقليمية والحدود السياسية لدول الشرق الأوسط موضع التنفيذ .. فيطالب اسرائيل بالانسحاب من الأراضي التي احتلتها أثناء عدوان الخامس من حزيران/يونيو 1997؟ ..
أجاب الدبلوماسي الأميركي: لو فعل الرئيس جونسون ذلك فسوف يقتل في أقل من 24 ساعة ....
ولم يكن الدبلوماسي الاميركي مغالية في الواقع، حيث قتل الصهيونيون رجالا كثيرين وقفوا في طريق أطماعهم في فلسطين وخارجها، ولعل حادثة الجنرال «جيمس فورستال» وزير الدفاع الأميركي في عهد ترومان وحكومته، هي أكبر دليل على عقدة الرعب التي تتحكم برجال السياسة الأميركية ...
وكما يبرز اسم السناتور دوليام فولبرايت، رئيس لجنة الشؤون الخارجية للكونغرس الأميركي في معرض الحديث حول الحرب الفيتنامية، على أساس کونه المعارض الرسمي الأميركي الأول لسياسة بلاده الخارجية في فيتنام، كذلك يبرز اسم الجنرال «جيمس فورستال» وزير الدفاع الأميركي السابق في حكومة هاري ترومان أيام بحث قضية تقسيم فلسطين وإقامة دولة الاحتلال الصهيوني في قلب الوطن العربي ..
لقد كانت قضية فلسطين في ذلك الحين، احدى القضايا التي استأثرت باهتمام الجنرال فورستال، والتي اتخذ منها موقفا معارضا لموقف حكومته، لم
102 يکسبه إلا الانتقاد الشديد، ثم الإقالة من منصبه والموت في ظروف غامضة، اسمتها السلطات الاميركية يومذاك والقضاء والقدرة، في وقت أتهمه فيه الصهاينة بالجنون. ثم دفعوه من شباك المطبخ جزاء دفاعه عن المصلحة الأميركية ..
والجدير بالذكر، قبل الخوض فيما قام به نورستال»، وفيما قاله حول القضية الفلسطينية، كما جاء في مذكراته، هو أنه قبل وفاته بعث بمذكراته الى البيت الأبيض، حيث تم التحقيق فيها بعد وفاته، ثم أرسلت إلى وزارة الدفاع لتخضع لرقابة خاصة. وقد اعترفت الوزارة بأنها قامت بحذف بعض ما جاء فيها، بحجة أنها لا تهم القارئ، وإما لأنها تضر بمصلحة البلاد العليا في حال نشرها. كما اعترفت بأنها قد زادت بعض الأشياء على هذه المذكرات، دون أن تبرر سبب هذه الخطوة. لذلك فإن قاريء المذكرات يلاحظ غياب التفاصيل في الكتاب، خاصة حول قضية الصهاينة وفلسطين، مع أن التفاصيل في طبيعة أسلوب كتابة المذكرات. كما يلاحظ القارئ في معظم الصفحات تدخل جامع المذكرات السافر، بأن أعطى لنفسه الحق بقطع ما جاء على لسان كاتب المذكرات ليكمل هو الحديث تحت ستار والاختصاره. ومما يجدر ذكره أيضا كمقدمة للحديث عن موقف نورستال من قضية فلسطين هو أنه طالما نشر، بطريقة غير مباشرة، اهتمامه العميق بالشرق الأوسط، وحرصه على عدم إثارة حكومته للدول العربية خاصة والعالم الاسلامي عامة، وبان العربية السعودية مثلا هي واحدة من أضخم ثلاث موارد للبترول مع الكاريبي والاتحاد السوفياتي. وكان يدعو الحكومة الأميركية الى توثيق عرى الصداقة مع الأقطار العربية اذا كانت حريصة على أن لا تضطر مصانع السيارات الأميركية الى انتاج سيارات تعمل على اربع اسطوانات، واذا ارادت ضمان الأسواق لإنتاجها الضخم في العالم العربي والاسلامي الذي يضم 400 مليون نسمة، على حد قوله ..
من هنا فإن حرص فورستال على أن لا توافق الولايات المتحدة على
103 قرار التقسيم وإقامة الدولة الصهيونية، لم يكن نابعة إلا من حرصه على المصلحة الأميركية في المدى الطويل. فقد كان أثقب وابعد نظرة من غيره من المسؤولين الأميركيين .. . ويمكننا حصر مراحل الحملة التي قادها رفورستال» بمفرده ضد تقسيم فلسطين وإقامة دولة الاحتلال الصهيوني في الخطوات التالية: |
وحاول اقناع الجهات المختصة ورئيس الولايات المتحدة خاصة، بعدم الموافقة على إقتراح التقسيم، لما فيه من مضاعفات خطيرة على مستقبل الولايات المتحدة ..
وقام بمحاولات مستمرة لإقناع رئيس الجمهورية بسحب قضية فلسطين من الجو السياسي ودراستها ومعالجتها بموضوعية، دون التعرض لأي ضغط من أي جهة من الجهات ..
وحاول اقناع المسؤولين بأن هناك مناطق في العالم يجب أن لا تكون فيها السياسة الأميركية منحازة، خاصة منطقة الشرق الأوسط، وقضية اليهود في فلسطين بالذات. ولانه يؤمن أيضا أن ليس لسياسة الانحياز مكان، في المجتمع الديمقراطي ...
و كان يقوم بمقابلات مستمرة مع المسؤولين والشخصيات الاميركية التي تتمتع بمراكز ذات أهمية لحملهم على الاقتناع بوجهة نظره ودعم حملته ..
و كان يقال له أن العديد من الذين مولوا حملات الحزب الديمقراطي سنة 1944، يضغطون على الحكومة للحصول منها على ضمانات بدعم اليهود ضد العرب في فلسطين، وأن هناك ثلاث ولايات سيخسرها الحزب الديمقراطي اذا لم تعط الحكومة هذه الضمانات، لأن المتنفذين في هذه الولايات مهتمون جدأ بقضية اليهود وإقامة دولة لهم في فلسطين. ولعل نورستال كان يشعر بمدى الضغط الصهيوني على حكومته خاصة والبلاد عامة.
104 وقد يكون هذا هو الخط الذي قصد الإشارة اليه عندما قال يوما لزعيم الشيوخ الديمقراطيين أنه يجب أن لا ندع أي فريق في البلاد يضغط علينا بقصد توجيه سياستنا الخارجية، الى حد يصبح فيه أمتنا الوطني في خطره. وقال أيضا أنه يفضل أن يخسر الحزب الديمقراطي ولايات بنسلفانيا ونيويورك وكاليفورنيا في الانتخابات العامة، على المخاطرة بالمضاعفات التي ستصيب الولايات المتحدة من جراء الأسلوب الذي ستعالج به قضية فلسطين واليهود ..
وكان يردد على مسامع رئيس الولايات المتحدة باستمرار ضرورة انتهاء السياسة الأميركية الداخلية على حدود المحيط الأطلسي. وكان يطلب من المسؤولين إعادة النظر بارائهم في قضية فلسطين، لأنها تضية لا تهم الغرب في الشرق الشمالي والهند وأفغانستان ..
: وفي 29 نوفمبر، عندما صوتت الجمعية العمومية با 33 صوتا مقابل 13 صوتا وتغيب 10 أصوات لصالح تقسيم فلسطين، علق فورستال على القرار بقوله: إن هذا القرار يتضمن خطرا كبيرا على مستقبل الولايات المتحدة. وانني اعرف العديد من اليهود الذين يشكون بحكمة الضغط الصهيوني وإقامة دولة يهودية في فلسطين ...
نام فورستال بمحاولات لا تحصى لإقناع أقطاب الحزبين الديمقراطي والجمهوري، بالاتفاق على عدم استغلال قضية دعم اليهود في فلسطين في حملاتهم الانتخابية، حتى تتمكن الحكومة من تغيير موقفها المنحاز الى جانب اليهود في فلسطين، وتقف الموقف الذي يحافظ على مصالحها في الشرق الأوسط، ولكنه فشل، ومع ذلك لم بيأس ..
و وقام بكتابة تقرير رفعه الى وزارة الداخلية الأميركية قال فيه ما معناه: ان علاقة الولايات المتحدة مع الشرق الأوسط هي من أهم فروع سياستها الخارجية، إن لم تكن أهم فرع فيها. كما أنها أكثرها دقة وحساسية وخطورة. لهذا فمن الغباء أن ترضي الحكومة الأميركية بأن يتطور الوضع في فلسطين في طريق سيسبب جرحا دائما لا يندمل في علاقاتها مع الدول العربية
??? والاسلامية. كما قد يتسبب في انزلاق الولايات المتحدة الى حرب ..
ودغم فورستال تقريره بقوله: أن العديد من اليهود الذين تحدث اليهم يعتقدون أن حماس الصهاينة وضغطهم سيكون له مضاعفات خطيرة إن لم يكن في المدى القصير، ففي المدى الطويل. ولن يتأثر بهذه المضاعفات. مركز اليهود في أنحاء العالم فقط بل ستتأثر بها أيضا الحياة الأميركية ..
وقال نورستال محذرة: أنه ليس من مصلحة الولايات المتحدة أيضا أن تبيع الأسلحة لليهود في فلسطين. كما أن عليها أن تسحب دعمها لإقتراح التقسيم، مشيرة الى أن الوقت لم يزل يسمح للحكومة بان تقول أن الإقتراح غير عملي ومن المستحيل تطبيقه، وبذلك يمكنها تبرير قرارها بإعادة النظر بدعمها لاقتراح التقسيم ..
وقد أشار فورستال في تقريره هذا الى الأساليب التي استعملها اشخاص وفرقاء لا علاقة لهم بالسلطة التنفيذية في البلاد، للضغط المتواصل

هذا التصرف كان فضيحة مخجلة ..
وبدأت حملات الضغط على نورستال لإيقاف حملته عندما تبين للجميع انه مصر على المضي بها.
واعترف فورستال أنه لا يتمتع بأي سلطة لتخطيط سياسة دولته الخارجية، ولكنه قال بأنه انما يقوم بواجبه تجاه ما أسماه بسياسة تتبعها حکومته ستكون ضارة بمصلحة البلاد العليا. وقال أيضا: أن عدم خضوعنا للضغط الصهيوني قد يفقدنا ولاية نيويورك وكاليفورنيا وبنسلفانيا ولكنني أعتقد بأن الوقت قد حان لأن يفكر أحد منا بإمكانية خسارتنا الولايات المتحدة بأكملها ..
واستمرت حملة الانتقاد والتهجم على فورستال. وبدات التحذيرات تنهال عليه من كل جانب. وقيل له العديد من المرات أن موقفه هذا،
??? المعارض السياسة بلاده تجاه اليهود في فلسطين قد وضعه في موقف لا يحسد عليه أبدا، واصبح في عداد الأسماء الموضوعة على اللائحة السوداء الصهيونية. ويبدو أن فورستال اقتنع بعدم جدوى حملته ولكنه لم يغير رأيه
ابدأ ..
وقد حدث في شهر سبتمبر سنة 1948، أن طلب منه البروفسور «هارولد دودز، رئيس جامعة برنستون، حيث درس فورستال، القاء محاضرة من سلسلة المحاضرات التقليدية السنوية في الجامعة، وأبلغه فورستال حينذاك أن الموضوع الوحيد الذي يهمه البحث فيه هو شخصية الحكومة الأميركية، وصعوبة رسم وتنفيذ السياسة بسبب العامة الأساسية المصابة بها السلطة الأميركية وهي فقدان النظام البرلماني الحقيقي. ولم تحتر المذكرات على أي تفاصيل حول رابه هذا ...
وبدات تنتشر الشائعات حول الإرهاق العصبي الذي يعاني منه الجنرال فورستال كمقدمة لدفعه الى الاستقالة ..
ولو أن هذه الشائعات كانت صحيحة، لكان قد ظهر أثر ذلك في مذكراته، أو كان قد اشار اليه هو بنفسه ولو إشارة عابرة. ولكن حتى الذي جمع ونقح مذكراته كان يقول إن نشاط وحماس فورستال منذ توليه منصب وزير الدفاع كان بازدياد مستمر ..
ولم تهدأ الشائعات حول مرض فورستال العصبي إلا بعد أن قدم استقالته التي بعث بها بعد شهر من كتابة بضعة رسائل الى اصدقائه المقربين، يعبر فيها عن اقتناعه بأنه سيستمر في منصبه، وبأنه شخصيا يرغب في ذلك. وفي مارس 1999 استقال جيمس فورستال، أي قبل أن يكمل فترة السنتين في منصبه. ويقال بأنه طار الى فلوريدا للإستجمام، ولكنه عاد بعد فترة قصيرة ليدخل المستشفى العسكري لاشتداد حالته العصبية ..
وفي ليلة 21 - 122 مايو، وكان قد انتقل من المستشفى الى بيته، كان
107 نورستال يقرا في كتاب للشعر العالمي. وفي الساعة الثالثة صباحا القي الكتاب جانبا ودخل المطبخ الصغير، الذي كان يشجع على استعماله ( ... )، كما قال جامع المذكرات. وهناك في المطبخ الصغير، ومن نافذته في الطابق السادس وقع فورستال ولاتي حتفه. واختتم التحقيق بالقول أن الحادث وقع قضاء وقدرا ..
أمام هذا الواقع، فإننا نؤكد بان الذين احترفوا فى المكر والخديعة وسرقة أرواح الألوف من الناس وإزهاقها، ليسوا عاجزين عن إزهاق روح
نورستال، بطريقة تبعد عنهم الاتهامات، وترضي في الوقت نفسه غريزة القتل والإجرام المتغلغلة في دمهم والمعشعشة في شرايينهم. وذلك هو معدنهم ...

المراجع
1 - رضا سلمان قتلوه لأنه عارض قيام دولة اسرائيل»، مجلة والحوادث»
البيروتية. عدد 555. الجمعة 30 يونيو 1997. ص 10 - 11. 2- أحمد عطية الله القاموس السياسي، دار النهضة العربية. القاهرة.
الطبعة الخامسة 1974. ص 889 - 887. 3 - الفرد ليلينتال ثمن اسرائيل ترجمة حبيب نحولي وياسر هواري. مطابع
دار الكشاف فبراير 1954 ط 1. بيروت. ودار الآفاق الجديدة. ط 2.
109








مصادر و المراجع :

١- موسوعة الامن والاستخبارات في العالم

المؤلف: د. صالح زهر الدين

الناشر: المركز الثقافي اللبناني للطباعة والنشر والتأليف والترجمة - بيروت

الطبعة: الاولى

تاريخ النشر:2002 م

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید