المنشورات
أسرار عملية النمسا
ليس من السهل على دولة عظمي کالولايات المتحدة الأميركية أن تعترف بفشلها وهزيمتها بسهولة، خصوصا اذا كان هذا الفشل بحجم عملية خليج الخنازير، التي قامت بها ضد کاسترو ونظامه في كوبا
وعندما كانت تصفية فيديل كاسترو ونظامه الاشتراکي، هدفا استراتيجية أميركية، لذلك لم تكن الهزيمة التي منيت بها في عمليتها السابقة في نهاية المطاف، بعد أن علم التاريخ لقادة الإجرام الأمريكي أن هنالك محاولة ثانية اثر كل فشل. وعلى هذا الأساس، حاول مهندسو القتل في الولايات المتحدة التعويض عن هزيمتهم في خليج الخنازير وصولا الى هدفهم في شطب کاسترو ونظامه عن خارطة الوجود ... فجهزوا لضربتهم الكبيرة التي أطلق عليها اسم عملية النمسا.
فمن هم أبطال هذه العملية؟ وما هي أسرارها؟
ففي اليوم التالي لحملة خليج الخنازير كان الرئيس كينيدي يتحدث الى ريتشارد نيکسون، وقد غلب عليه النشاؤم، صابا جام غضبه على الخبراء العسكريين ورجال وكالة الاستخبارات الذين أكدوا له نجاح الحملة، طالبا منه رأيه في الخطوة التالية. وسرعان ما رد عليه واضع مشروع كوبا بالاستمرار بالعملية، مؤكدا له أن هنالك مبررات كثيرة منها حماية المواطنين الأميركيين في كوبا، أو الدفاع عن قاعدة رغوانتاناموا. نهز كينيدي برأسه متخوفة أن يرد
133 السوفيات على احتلال کوبا بالاستيلاء على برلين، وفي اوست بالم بيتش كان الأب کينيدي يقول لابنه جون كينيدي الرئيس أنه هو الذي نسف المشروع، حاقدة على كاسترو لفقد مصنع الكوكا كولا، معتبرة أن رجال وكالة المخابرات المركزية غير جديرين بالثقة الموضوعة بهم.
لقد كانت الولايات المتحدة مصممة على تصفية حساباتها مع كاسترو. وقد جاء الفشل في حملة خليج الخنازير حافزا لاجتماعات ومناقشات طوال شهر مايو 1991 حول الخطوات الصحيحة الناجحة بعد أن أكد الجنرال
ادوارد لانسيدال، قائد المرحلة الجديدة في تنفيذ مشروع كوبا، أن التاريخ عليه أن هنالك محاولة ثانية إثر کل فشل. ثم أن هذا الفشل أساء إلى الرئيس من جهة، والى الحزبين السياسيين الكبيرين في الولايات المتحدة من جهة ثانية، بحيث كان لابد من النار لذلك بشيء من السرعة
إن مثل هذا التصرف العاجز الذي أدى إلى هذه النتيجة لم يكن بالأمر الذي يطاق ... وسرعان ما تبين أن وكالة المخابرات المركزية لعبت دورا مزدوجة، إذ أنها أوهمت البيت الأبيض بأن الحملة ستؤدي إلى انتفاضة شعبية داخلية، في حين أن دراسة لخبراء في الوكالة نفسها، في أواخر 1990 لم تشر الى احتمال انقلاب الكوبيين على كاسترو، يضاف إلى ذلك أن الوكالة خدعت البيت الابيض بالنسبة لاستعدادات القوات الكوبية المسلحة وإرادتها القتالية، وخالفت تعليمات الرئيس بشأن عدم استخدام أي أمريكي في الحملة. كذلك تبين أن الوكالة كانت تنوي الاستمرار بالمشروع. حتي مجال الغائه من قبل السلطات العليا، منطلقة به من نيكاراغوا. غير أن الشيء الذي لم يشر اليه رآلان دالس، أنذاك هو علاقة الوكالة والمافيا باغتيال كاسترو.
إزاء ذلك تم انشاء هيئة لدراسة قضية كوبا برئاسة الرئيس جون كينيدي نفسه. وهنا وضعت هذه الهيئة الدراسية تقريرا لا يزال جزء منه سريأ، وأوصت فيه بإعادة النظر بالوضع الكوبي على اساس العوامل المعروفة ووضعت توجيها جديدا للقيام بعمل سياسي وعسكري واقتصادي وإعلامي
134 ضد کاسترو. واقترح كاتب التقرير، الجنرال ماکسويل تايلر، إجراء تعديل جذري لخوض الحرب الباردة على جميع الجبهات إذ أننا في حرب حياة أو موت». ودعا الرئيس الى إعلان حالة الطوارئ لإعادة النظر في الاتفاقيات التي تحد من الاستخدام الكامل لمواردنا في الحرب الباردة». غير أن الرئيس اكتفى من ذلك بإعادة تنظيم الحرب الباردة. وطلب معرفة ما يتوفر من موارد وقوى عسكرية وشبه عسكرية، والى تقييم أوضاعها وكفاءاتها، واحتمالات التحسين، والى ممارسة القدرة القيادية الواسعة، الدينامية، في انجاح مخططات الحرب الباردة، وكرر ضرورة التكتم، ومجال التنصل بالنسبة للعمليات السرية، ووضع أية عملية تستلزم دعم القوات المسلحة تحت قيادة البنتاغون.
اما بالنسبة لوكالة المخابرات المركزية التي أرادها في خدمة المخططات الواسعة في العالم، فعمد الى تعزيزها برغم الاستياء من ازدواجيئها ووضعها تحت السيطرة بتعيين شقيقه روبرت، المدعي العام، مسؤولا عن الحرب السرية
وأما بالنسبة للمنفيين فراح البيت الأبيض يواصل التلويح بهجوم جديد على كاسترو، وفي الرابع من مايو خرج رئيس مجلس كوبا الثورية ر وسيه ميروکاردونا، من اجتماعه بالرئيس باسما، يعلن أن الرئيس قطع له عهدا بالقيام بغزوة جديدة لكوبا. ويذيع بعد اجتماعات تالية أن الولايات المتحدة ستقدم المال والخبراء العسكريين لتدريب قوات المجلس وتجهيزها، وستنظم عمليات التخريب في داخل كوبا، وتشجع وحدات العصابات بحيث تقوى الى حد كاف للإسهام (بالضربة الكبيرة، حين يأتي موعدها.
والطريف أن الرئيس كينيدي أخذ رأي الكاتب المشهور «أيان فليمنغ» مؤلف روايات جيمس بوند في محاربة فيديل كاسترو ... ونصائح فليمنغ هي التي أعطت العملية الجديدة اسمها المتألق والاغراق بالأضواء.
130 ز
أما منظم هذه الخطة الجديدة فهو الاميركي البشع، نفسه الجنرال ادوارد لانسديل، الذي وصفه غراهام غرين في قصة الاميركي الهاديء بسفاك الدماء ومثير الفوضى. لقد كان بالنسبة للرئيس جون كينيدي الرجل المناسب في الوقت المناسب الاستخدام العبقرية الأميركية للقضاء على فيديل كاسترو، بإنشاء قيادات کوبية في أوساط المنفيين، والقاعدة السياسية التي لابد منها، وتوحيد وسائل التسلل إلى كوبا بنجاح وتنظيم الخلايا والنشاطات في الداخل، بحيث يتم سقوط نظام کاسترو بواسطة الشعب الكوبي نفسه، لا بواسطة جهود أميركية مدبرة من الخارج. ومثل هذه الخطة مناسبة للرئيس کينيدي لتجنب الاحتكاك مع روسيا حول برلين.
عند ذاك عهد الرئيس إلى الاستغناء عن دالس وعن عدد آخر من رجال الوكالة ممن كانت لهم علاقة بفشل حملة خليج الخنازير. وأصدر في الثلاثين من نوفمبر 1991 مذكرته القاضية باستخدام كل القدرات المتوفرة الأميركا ... لمساعدة كوبا للإطاحة بالنظام الشيوعي»، أو لتنفيذ ما سمي بعملية النمسا، وفي فبراير 1992 تسلم ريتشارد هيلمز مهمة تنفيذ المشروع. وعلى مقربة من جامعة ميامي، تقع بقعة أرض واسعة. وقد وضعت على أول الطريق اليها بانطة كتب عليها: «منطقة صيد. ملك خاص. الدخول ممنوع»، ولم تكن هذه البقعة غير معسكر للوكالة، أو قاعدة لعملية
النمسا، هي في الواقع احدى مراكز الوكالة وأكبرها لجمع المعلومات، وتشجيع موظفي حكومة كوبا ورجالها على الانقلاب على النظام الكوبي، روتاليب البلدان الأخرى على معاداة كوبا. وفي حرم الجامعة بالذات كانت مكاتب الوكالة ومكاتب هيئات ومؤسسات وهمية في خدمتها، ومساكن للموظفين والعملاء، وعلى مسافة قريبة تقوم مدرسة للتدريب.
هنا كان يجري اختبار الكوبيين المنفيين المناسبين بمعدل ألف منهم
في الخدمة ومنحهم الهويات أو الأسماء المناسبة للعمل في الظاهر في
139 مؤسسات ومصالح معدة خصيصا للتغطية والتضليل. وفي سبتمبر 1991 نقلت محطة البث السرية الخاصة بالوكالة من جزيرة (سوان، الى ميامي. كذلك اعدت الوكالة مجموعة خاصة بها من السفن والزوارق للنقل باسماء مؤسسات وهمية، ينسب اليها القيام بأعمال ونشاطات مشروعة علمية أو فنية أو تجارية. وهنا أيضا تم تطويع کوبيين منفيين في فريق الضفادع، للتخريب، باسم مصلحة هندسية وبأجور محددة تدفع لهم عبر مصرف في اتلانتا، عاصمة ولاية جورجيا الأميركية.
وطبيعي أن تكون الترتيبات دقيقة تتعمد أن لا تترك شاردة أو واردة. وطبيعي ايضا، أن يقوم تعاون تام بين السلطات المحلية والاتحادية والوكالة بخصوص نقل المتفجرات والأسلحة، وتزوير بيانات المداخيل، وتجاوز قوانين السلامة الصحية وأمن الطرقات، حتى خرق القوانين أو وقف تنفيذها بالنسبة لمخالفين معينين، أو لمواعيد اقلاع الطائرات التابعة للوكالة. كذلك كانت صحافة «ميامي، متعاونة بالصمت حينا، أو بنشر الأنباء التي تزود بها
وكانت دراسة طبيعة الدفاع الكوبي وفعاليته أمرا هاما. لذلك كان هنالك مكلفون معينون للقيام بتحليفات جوية لالتقاط بعض الاشارات التحليلها، أو لإلقاء النشرات فوق كوبا لدعوة الأمالي لتشكيل خلايا مقاومة داخلية، وفي 14 كانون الأول/ديسمبر 1991، انتهت احدى هذه المحاولات بكارثة. كذلك كان هنالك مكلفون للقيام برحلات بحرية بالزوارق والسفن للغرض ذاته، أو لنقل الأسلحة والمخربين. لكن هذه العملية لم تبدأ بداية ناجحة. فقد حشدت الوكالة بقايا فرقة الهجوم السابق على خليج الخنازير في قاعدة بقرب کي وست، ودفعتهم لتدمير محطة سكة حديدية وجسر على ساحل کوبا الشمالي، ولكن المهمة فشلت إزاء تيقظ خفر السواحل، واضطرار المخربين للعودة بدون الاصطدام بهم كي لا تبدو العملية خارجية. كذلك فشلت محاولة ثانية لتدمير مجمع منجم للنحاس في اماتاهابرا، لضرب
137 الاقتصاد الكوبي:.
إلا أن هذه الأساليب لم تكن كافية بالنسبة للرئيس وشقيقه. وفي مطلع عام 1992 اخذ الشقيقان يحثان على بذل المزيد من النشاط، وتم انشاء هيئة خاصة ذات مهمة وحيدة هي معالجة قضية كوبا. وأعلن روبرت كينيدي أن حل قضية كوبا في الطليعة من اهتمامات الولايات المتحدة. ودعا الى عدم توفير أي مال او جهد أو وقت في هذا السبيل. في حين راح البيت الأبيض بشدد الخناق على الاقتصاد الكوبي، وعمد العملاء الى الضغط على مؤسسات الشحن الأوروبية لوقف الشحن الى كوبا، وإقناع أصحاب المصانع بإرسال بضائع أخرى غير المطلوبة الى كوبا، أو بتخريب السيارات المعدة للشحن اليها.
وفي مساء 4 - 5 أغسطس 1992، تمكن زورقان بخاريان، يحملان سلاحا وعدد من أعضاء هيئة الطلبة الكوبيين، من النجاح باختراق شبكة الرادار الكوبية بقصد القضاء على كاسترو وهو في اجتماع عام .. مرة أخرى انكشفت المحاولة، وعاد الزورقان الى القاعدة في ماراثون کي، في فلوريدا، واتهم کاسترو الولايات المتحدة بالاشتراك بالمحاولة لاغتياله، بينما ردت وزارة الخارجية على ذلك بأنها محاولة فردية.
والواقع أن للهيئة الطلابية علاقات بالوكالة، والمقاومات السرية مفيدة في د جمع المعلومات عن الوجود الروسي في كوبا. وفي حين كانت تجري
محاولة ثانية في خريف 1992 لتدمير مناجم النحاس في مانا هامبرا، كانت کي طائرات ايو- U 22 تلتقط رسومة للدفاع الكوبي من الجو، وكان الرئيس
جون كينيدي يعلن الحصار على كوبا، ويدعو الاتحاد السوفياتي لإزالة
الصواريخ من كوبا. هنا اطمأنت الوكالة الى أن غزو كوبا من قبل القوات و الأميركية المسلحة بات وشيكا بعد إعلان حالة الاستعداد للقتال، واجتمع ع قادة المجلس الكوبي بمندوبي البنتاغون. وبعثت الوكالة بعملائها الى كوبا
ليكونوا على استعداد لدعم العمليات العسكرية الأميركية. سلام و کرمان در 138
ايرنا
ده
در بين
مروا لمالح
دي , 14 م. |
ولكن أزمة الصواريخ هذه انتهت بإزالتها مقابل تعهدات من قبل الرئيس مر کبنيدي بوقف الأعمال العدائية ضد كوبا. وحمل کاسترو هذا التعهد محمل مي الجد، وراح يعيد تنظيم دفاعه على أساس توقع الخطر المقبل من الداخل. با لكن وزارة الخارجية الأميركية كانت تعتبر التعهد لاغية على حد قول «دين {راسك، في 1993
/ 1/ 11، بحجة رفض كاسترو إجراء كشف على المواقع للتثبت من سحب الصواريخ، مما كان منسجمة مع نية الرئيس كينيدي بعدم تر التقيد بالتعهد
حقا أن عملية النمس، انتهت، ولكن الرئيس كينيدي كان غير رام عن الاستعدادات لها، وقد عبر عن ذلك في اجتماع اللجنة الخاصة بكوبا عشية ازمة الصواريخ، ولذلك قرر توجيه المزيد من اهتمامه الشخصي بالقضية وإنشاء لجنة تنسيق القضية الكوبية لتنظيم العمليات السرية، كما شكل لجنة دائمة في مجلس الأمن القومي لتحديد العمليات المقبلة في بر الحرب السرية برئاسة شقيقه. وفيما كانت العمليات التخريبية والهجومية تتواصل، وكانت الإعدادات لعمليات أخرى مستمرة، كانت هنالك خطوة. سياسية تخطوها الولايات المتحدة لعزل كوبا سياسيا.
في صبيحة أحد ايام فبراير 1992، نشرت صحيفة رايل ديا، في (بونتا ديل اسنيه خبرة جاء فيه أن سفير الولايات المتحدة الى منظمة الدول الأميركية، دي ليسبس س. موريسون، ندم فاتورة حساب النفقة يوم واحد. دون فيها مبلغ تسعة دولارات ثمن إفطار وغداء واجرة سيارات تاکسي،, وخمسة ملايين دولار لعشاء مع وزير خارجية مايتي والحقيقة أن هذا المبلغ المقدم لبناء مطار حديث في (بورت اوبرنس، كان رشوة لهايتي للتصويت على إخراج كوبا من المنظمة، في محاولة يقوم بها نسيب لفرديناند دي ليسبس الذي شق قناة السويس وحاول شق قناة باناما، وسفير ارمل يقضي بعض ليا في العلب الليلية، لعزل كوبا عن دول أمريكا اللاتينية. وفي أغسطس 1991 كان موريسون، على رأس وفد الولايات المتحدة الى مؤتمر أميركي في «بونتا ديلي (
139
)
و تو اين ق, ديد
العرب، اد" استيه في الأورغواي للشؤون الاقتصادية والاجتماعية في الدول الأميركية المناقشة موضوع انشاء حلف للتطور وعد به الرئيس الأميركي لمساعدة والأحرار والحكومات الحرة لكسر قيود الفقر، عبر عون اقتصادي بلغ بليون دولار في السنة الأولى، بأمل وقف الشعور المتزايد في أميركا اللاتينية بان الفلاح الكوبي حقق مكانه في الشمس».
وحسب مصادر وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، قدم تشي غيفارا في هذا المؤتمر صندوقة من السيجارات لأحد كبار أعضاء الوفد الأميركي مع بطاقة كتب عليها باللغة الاسبانية أنه يمد يده للعدو. وفي احتفال أقامه مندوب البرازيل بعد ذلك، اجتمع غيفارا بهذا العضو في غرفة على حدة وساله وهو يبتسم: «هل نجتمع كعدوين في بلاد محايدة أم كشخصين يودان مناقشة مشكلة مشتركة؟، ورد العضو الأميركي: «کدوين. إنما يجب أن أذكرك أنني لست مخولا بالتحدث اليك باسم الرئيس کينيدي ولا باسم الشعب الأمريكي، وهنا طلب منه غيفارا أن ينقل شكره للرئيس لأن حملة خليج الخنازير رسخت قبضة كاسترو بعد صد أكبر دولة في العالم. هنا اقترح عضو الوفد الأمريكي عليه أن يقوم کاسترو بالاستيلاء على قاعدة رغوانتانامو
لإعطاء الرئيس حجة علنية لاستخدام قوة أميركا العسكرية. فرد تشي غيفارا أن كاسترو ليس غبيا إلى هذا الحد، وعبر عن استعداده لمفاوضة الولايات المتحدة بدون شروط مسبقة وتعهد بعدم شن هجوم آخر على كوبا. ثم انتهى اللقاء
: وفي اجتماع سري مع رئيس الأرجنتين عاد تشي غيفارا الى الدعوة تنتعايش، غير أن المؤتمر قبل حلف التطور المقترح، ولكن المندوب الأميركي نبه الى ضرورة عدم انفاق أي قسم من المساعدة المالية في كوبا. وعاد العضو الأميركي إلى واشنطن وأبلغ الرئيس الأميركي ما جرى له مع تشي غيفارا. وقدم له هدية السيجار، فأخذ واحدة منها، وأشعله ثم راح ينفث دخانه وهو يقول: (كان يجب أن تكون أنت الذي يدخن السيجار الأول،.
140 وفي بيونس آيرسن، تقدم القنصل الكوبي افيتاليو دي لا توريه باستقالته فجاة حاملا معه 82 وثيقة من السفارة الكوبية وسلمها الى ممثل المجلس الثوري الكوبي على أنها تفاصيل مشروع موضوع في هافانا للإطاحة بحكومة الرئيس أرتورو فرونديزي، في الأرجنتين بواسطة نشاطات تجارية وسياسية وبتدريب رجال عصابات. وقرر المجلس استغلال هذه الوثائق الى أقصى حد اثناء زيارة فرونديزي إلى الولايات المتحدة. وقامت جريدة الاناسيون La nation، الصادرة في «بيونس آيرس، بنشر مقال مفصل عنها مرفق بصورها، مما أثار عاصفة من الاحتجاج على كوبا رغم اعلانها أنها وثائق مزورة من قبل منفيين کوبيين بالتعاون مع وكالة المخابرات المركزية. والواقع أن التزوير تم الإثبات قيام کاسترو (بتصدير الثورة بغية تسهيل محاولة عزل کوبا وإخراجها من منظمة الدول الأميركية. وذكرت مجلة رافانس، الناطقة باسم الكوبيين في المنفى أن القنصل كان يتعاون مع الكوبيين المنفيين في الأرجنتين.
ولم تقتنع الحكومة الأرجنتينية بما أعلنته حكومة الولايات المتحدة عن صحة الوثائق وأصرت على التثبت من ذلك بنفسها. وتبين لها أنها مزورة، في الوقت الذي أصدرت فيه حكومة كوبا اثباتاتها للتزوير. وبذلك فشلت هذه المحاولة كما فشلت محاولة أخرى سابقة عن تزوير رسالة من سفارة كوبا في اليما، بشأن تأمر هافانا لإثارة ثورة في البيرو، غير أن هذا الفشل لم يثن موريسون عن عزمه، وفي 1912
/ 1/ 30، عقد وزراء خارجية دول المنظمة الأميركية مؤتمرا للبحث في إقصاء كوبا عن المنظمة. وجاءت الملايين الخمسة التي قدمها موريسون لهايتي حافزا لهذه الدولة للتصويت الى جانب قرار الإقصاء. إلا أن عام 1963، يصح اعتباره عام اتساع النشاطات التخريبية ضد کوبا، لا سيما وأن الرئيس جون كينيدي أقر في يونيو من هذا العام تصعيد الحرب السرية، إعدادا لحملة في العام التالي، في حين أن اللجنة المكلفة بتنفيذ المشروع أقرت في اجتماع لاحق تنفيذ 13 عملية تخريبية على مصفاة النفط ومؤسسات أخرى، بالإضافة إلى عمليات أخرى
141 كانت قيد التنفيذ. والواقع أن الوكالة كانت منذ بداية العام تنفق نحو ربع مليون دولار شهريا، على ابنها المدلل امانبويل ارتيم، (وهو من أعنف معارضي کاسترو الكوبيين) لإحياء الثورة والقيام بعمليات تخريبية. وكان الجنرال الانسيدال، يقوم بالتفتيش شخصيا على الاستعدادات، وبتجنيد رجال حملة خليج الخنازير للخدمة، وينصل ابرولاندو کوبيلا، مندوب حكومة كوبا لاتحاد الطلاب العالمي، وعميل الوكالة، بسبب انقلابه على الحكومة لعدم احتلاله فيها منصبا يتناسب وجهوده في قيادة هيئة الطلاب الثوريين بعد انهيار باتيستا، للإسهام بتنفيذ بعض العمليات التخريبية، اذا أمدته الوكالة بما يلزم. وفي هذه الفترة وانق سوموزا على السماح لأرتيم باستخدام قاعدة في نکياراغوا للهجوم على كوبا، واتصل برئيس كوستاريكا لتأمين قاعدة ثانية تجنيبا للولايات المتحدة من التورط المباشر في عملية جديدة للإطاحة بکاسترو
وادي سخاء الوكالة الى انشاء معسكر في أدغال کوستاريکا، وتجهيز القاعدة البحرية في مانکي يونيته في نيكاراغوا، وشراء أحدث المعدات الالمانية للرجال الضفادع، وتأمين المعدات والأدوات اللازمة من الولايات المتحدة بعد إزالة الإشارات الدالة عليها. أما الأسلحة فكانت غالبيتها مستوردة من المانيا الغربية ملفوفة بصحف المانية، بحيث يصعب على کاسترو اتهام الولايات المتحدة بحال فشل العملية. وفي 1993
/ 11/ 10 أبحرت القوات التخريبية بقيادة ابيب سان رومان، المستشار العسكري غير الرسمي لروبرت كينيدي للقيام بضربات قوية ضد کاسترو، على حد قول
وفي ربيع هذه السنة أيضا بدأ الإعداد في ميامي لعملية أصحاب أندية المقامرة بإشراف المحامي ابولينا سبيرا مارتينيز، الذي ادعي مناصرة أثرياء
أميركيين له، ودعا المنفيين الى التجمع حوله لتشكيل حكومة كوبية مؤقتة، برئاسة ركارلوس بريو». ودعت صحيفة «شيكاغو تريبيونه الى هذه الحركة التي
12 تحظى بدعم أصحاب الاستثمارات، لا سيما مربي الماشية، ومالكي أندية المقامرة ممن كانوا على استعداد لإنفاق نحو 30 مليون دولار في محاولة استعادة كوبا. والواقع أنها محاولة بالتعاون بين رجال المافيا والوكالة، ضمنت دعم العديد من المجموعات السرية المعارضة لكاسترو في حكومة كوبا في المنفى لاستلام الحكم أثناء الفراغ الذي يحدث بحال النجاح باغتيال کاسترو، وقد قيل أنذاك أن مجموعة من المقامرين في الغرب، كانت على استعداد لتمويل هذه الحكومة بالإضافة إلى أصحاب (نادي سان سوسيا اللقمار في هافانا والداثرين في فلكهم. وقد جرت هذه المحاولة بعد تأمين قاعدة انطلاق من نيكاراغوا وتوفر الأسلحة. غير أن الوكالة اعتبرت هذه العملية مجرد محاولة لإبقاء لهبة المعارضة مشتعلة. وفي ليل 10
/ 21/ 1993، كانت للسفينة «رکس، مهمة خاصة ينبغي في سبيلها أن تدخل منطقة الدفاع الكوبي الساحلي، ضمن مسافة نصف ميل من الشاطئ، وفي هذه الأثناء كان ربانها يرقب سيارة كاديلاك على الرصيف بخرج منها قائد عمليات الوكالة في البحر الكاريبي حاملا حقيبة جلدية ناعمة.
وما السفينة ورکس، هذه غير واحدة من عدة سفن تابعة لوكالة المخابرات المركزية، مسجلة باسم هيئة للأبحاث الالكترونية والمحيطية للتمويه، وعليها رجال موثوقون من عملاء الوكالة ممن كانوا يعملون في قوات باتيستا البحرية للقيام بعمليات تخريبية في كوبا، وما كاد رجال هذه السفينة يقتربون من السواحل الكوبية حتى كشفتهم قوات الدفاع الكوبية، وكانت الطائرات الأميركية والسوفياتية على وشك الاصطدام، لا سيما بعد أن كانت موسكو قد أعلنت علمها بقيام وكالة المخابرات المركزية بخرق الاتفاقية التي أعقبت أزمة الصواريخ، واستطاع بعض رجال هذه السفينة الفرار بعد معركة تضليلية تورطت فيها قوات کاسترو الدفاعية مع سفينة خاصة مكنت الولايات المتحدة من رفض إتهام کاسترو لها والإصرار على مواصلة الحصار الاقتصادي على كوبا. والواقع أن هذه المحاولة كانت تنفيذا لتعليمات من
143 قبل الرئيس في يونيو 1993 للقيام بأعمال تخريبية في كوبا في ميادين انتاج النفط والمواصلات والطاقة الكهربائية.
وانطلاقا من ضرورة الاستفادة من تجارب الآخرين، فقد كانت العملية النازية التي لجأ اليها الألمان في الحرب العالمية الثانية من حيث إصدار أطنان الجنيهات البريطانية المزورة لضرب الاقتصاد البريطاني، كان قد لجا اليها أيضا «ماريو غارسيا کوهلي، لنسف الاقتصاد الكوبي. وفي شهر اكتوبر 1990 كان نائب رئيس الولايات المتحدة ريتشارد نيكسون، ونائب مدير الوكالة في المخابرات المركزية، وماريو غارسيا کوهلي، يتناولون الشؤون السياسية في لقاء حول لعبة الغولف بندير من عضو سابق في مجلس الشيوخ مكلف من کوهلي نفسه. (اذ أن هذا الكوبي المتطرف كان يتوقع نجاح نيکسون في انتخابات الرئاسة الأميركية ويأمل أن يكون بدوره الرئيس التالي الكوبا). والواقع أنه شكل حكومة الأمر الواقع وراح يعرض اسماء أعضائها على نيکسون وهو يصغي الى عمليته الجديدة التي أسماها بعملية البحيرة. والظاهر أن نيکسون تأثر بخططه فدعا الوكالة الى التعاون معه. وكانت الوكالة ترى في هذا الرجل انسانا مغرورة لا التزام له إلا نحو نفسه، وقد نافس افولجنسيو باتيستا، على مقعد في الكونغرس، ودخل السجن في عهده وعارض کاسترو بالطبع، غير أن تدخل نيکسون لصالحه فرض على الوكالة عقد اجتماعات معه أسفرت عن عدم اقتناعها بحجة صعوبة السيطرة عليه، ومعارضة مخططه مع المشروع الموضوع من قبلها لغزو کوبا. أما هو فراح يشكو من أن الوكالة اسرقت آراءه ثم زعم كذلك بأن الوكالة حاولت رشونه بنصف مليون دولار. بعد ذلك قام بالإتصال بإدارة كينيدي عبر کاردينال بوسطن، وهو يعتقد أن مشروع تزوير النقد الكوبي بشكل الضربة القاضية. على أن قلق إدارة كينيدي من مزاعم هذا الرجل لم تحل دون تاييد کوهلي من قبل أحد كبار المسؤولين في الوكالة، لا سيما بعد أن سكن بجوار «آلان دالس، في واشنطن. أما مشروع تزوير النقد الكوبي فهو من بنات افکار شاب عامل بالوكالة مكلف بمساعدة منظمة كوهلي. وقد ظن أن طبع مقادير هائلة
144 من النقد الكوبي لن ينسف الاقتصاد الكوبي وحسب، بل سيغطي نفقات تأمين السلاح والذخيرة للمقاومة السرية في كوبا أيضا. وكان رايدکندريس) صلة الوصل بين الوكالة وكوهلي، قد ضمن عدم الملاحقة القانونية، لمثل هذا العمل غير القانوني.
غير أن الشباك كانت تلقي حول القائمين بالعملية. وقد قيل في ذلك أن عميلا لكاسترو نسفها، في حين قال آخرون أن إدارة كينيدي نجحت في القضاء عليها، بينما زعمت والواشنطن أوبزرفره اليمينية الداعمة لكوهلي أن للدومينيك علاقة في إفشال العملية. على أن المعروف أن نائب مدير الوكالة أبلغ المزورين أن الرئيس كينيدي دعا النائب العام الى ملاحقة الأميركيين والكوبيين الذين يقومون بإنتاج العملة الكوبية المزورة وإمكان تسريب نبا التزوير الى السلطات الكوبية بالذات، في حين كان كاسترو في الوقت ذاته يأمر بسك نقد جديد لمكافحة التضخم. وفشلت محاولة الإسراع بطبع العملة المزورة قبل أن يدري الرئيس الأميركي بما يجري. وفي 1993
/ 8/ 16، اختفى اثنان من المشتركين بعملية التزوير، وفي الثاني من اكتوبر ألقي القبض على آخرين وجرت محاكمتهم. وفي 9/ 3/ 1990، تدخل ريتشارد نيکسون الصالح کوهلي، لكنه حكم بالسجن، ولم يخرج منه إلا بعد أن أصدر ليندون جونسون العفو عنه شرط أن لا يقوم بنشاط معاد لكاسترو.
وبعد مقتل جون كينيدي، لم تتوقف الحرب على كوبا كلية، وإنما) خفت بعض الشيء في عهد ليندون جونسون. ثم جاء ريتشارد نيكسون فبعثها بقوة مضيفا إليها أساليب والحرب البيولوجية بنقل الحمى الأفريقية لضربلاي الماشية في كوبا، وبالعمل على إسقاط الأمطار فوق جزيرة كوبا لإتلاف مزروعاتها. ثم راح يقف أمام عدسات المصورين الصحفيين لتهنئة محاربيا
وفي 1971
/ 12/ 10، استطاعت البحرية الكوبية أن تقتاد سفينة رجوني اكسبرس، الى مرفا کوبي، وأن تعتقل بعض رجالها. واعتبر البيت الأبيض هذا العمل «خرقا للأعراف الدولية، ولاذ بالصمت بعد ذلك، كما سبق له أن فعل عند اقتياد سفينة أخرى مماثلة، قبل اثني عشر يوما باعتبار القضية تتعلق ببناما، إذ أن السفينة كانت ترفع علمها. ولكن إذاعة هافانا اعلنت أن السفينة ملك العملاء وكالة المخابرات المركزية، قامت بإنزال والعملاء والأسلحة والمتفجرات في كوبا في ثلاث مناسبات في عامي 1998 و 1999، وحملت قبل شهرين زورقة بخارية سريعة لقصف بلدة ساحلية. والواقع أن السفينة كانت بقيادة اثنين غادرا کوبا عند انتصار کاسترو، وعمل أحدهما في خدمة الوكالة. وفيما كان البيت الأبيض يلوذ بالصمت حيال القضية كان ريتشارد نيکسون يبدي اهتماما كبيرا بها، وراحت وزارتا الخارجية والدفاع تحذران کوبا من مغبة تكرار مثل هذا العمل
وفي إطار الحملة على كوبا قامت الوكالة في عامي 1999 و 1970) باللجوء الى استخدام الطائرات لنشر غيوم ماطرة فوق كوبا لإحداث فيضانات) جارفة أتلفت زراعة قصب السكر. وفي مارس عام 1970 قام أحد ضباط
/ الاستخبارات بتسليم قارورة من فيروس الحمى الحيوانية لمجموعة ارهابية د نقلتها عبر قاعدة سابقة للوكالة الى كوبا. وبعد ستة أسابيع انتشرت هذه
الحمي بين قطعان الخنازير في كوبا، مما أحدث نقصأ خطيرة في اللحوم، في حين راحت منظمة التغذية والزراعة التابعة لهيئة الأمم تعمل على معرفة كيفية تسرب الداء الوبيل.
وبرغم كل أساليب المخابرات المركزية الأميركية وعملائها، ورغم كل جهود رؤساء الولايات المتحدة وأدمغتها الإجرامية، فقد بقي کاسترو وبقيت دولته كوبا: اشتراكية. وكثيرا ما يشعل کاسترو سيجاره، وينفث دخانه في وجه أميركا، وسرعان ما تعبق رائحته في أنف الرئيس الأميركي وزعماء البيت الأبيض وقادة البنتاغون ... فيتأنفون ... دون أن يقدروا حتى على منع تنشقه ... وعلى بعد تسعين ميلا فقط، يسمعون قهقهات كاسترو وهم يحركون رؤوسهم يمينا وشمالا تعبيرا عن اشمئزازهم من «زکزکات، حاکم
149 کوبا الذي يتحدى باستهزاء عجرفة غطرستهم وكبريائهم وعنجهيتهم، وهم لا يقدرون على أن يبعدوا عن عيونهم وأنوفهم دخان سيجار کاسترو الكوبي فقط ... فهم يشعرون بأنهم يتنشفون كوبا الاشتراكية بأجمعها في هذا الدخان ويعجزون حتى عن الزفيره، لأنهم أدمنوا على مالشهيق، الآتي من بعد 90 ميلا نقط، وهي المسافة التي تبعدهم عن كوبا. واستطاع كاسترو أن يتربع على صدر الولايات المتحدة الأميركية بكل جبروتها، ليمنع عنها عملية التنفس الطبيعي ... كما يدغدغ شفاهها في أية لحظة يريدها، دون أن تستطيع منعه مرة واحدة ... وكأنه يخاطبهم مرددة الأغنية الفلسطينية ضد الصهاينة قائلا: «على صدوركم باقون كالجداره
147
المراجع
ا- وارين هينکل ووليم تيرنر قصة الحرب السرية الأميركية ضد کاسترو
تقديم ميخائيل الخوري. مجلة الجيل القبرصية. المجلد الرابع.
العدد الثاني شباط / فبراير 1983. ص 143 - 154. 2? حافظ ابراهيم خيرالله. والاستخبارات المركزية الأميركية (ملف عالم الاستخبارات). العدد الخامس. بيروت. حزيران/يونيو 1971. 3 - اندرو تولي حقيقة الجاسوسية الأميركية، ترجمة د. فؤاد أيوب. دار
دمشق. دون تاريخ. ص 310 - 331. 4 - جون مارکس وفيكتور مارشيتي والجاسوسية تتحكم بمصائر الشعوب
CIA الدار المتحدة للنشر. الطبعة الأولى. بيروت 1989.
148
مصادر و المراجع :
١- موسوعة الامن
والاستخبارات في العالم
المؤلف: د. صالح
زهر الدين
الناشر: المركز
الثقافي اللبناني للطباعة والنشر والتأليف والترجمة - بيروت
الطبعة: الاولى
تاريخ النشر:2002
م
30 مارس 2024
تعليقات (0)