المنشورات
المخابرات السوفياتية تتغلغل في نخاع بريطانيا
كم هي عظيمة بالفعل تلك العبارة القائلة بأن الذين يتنقلون على رؤوس أصابعهم غير الذين يضربون الأرض بأقدامهم الثقيلة، هذا ما ينطبق على السوفيات الذين يتسللون في المدن والمناطق والدول كما يتسلل الهواء من خرم الإبرة، وكذلك على الاميركان الذين يوهمون البشرية بان التاريخ لا يكتب إلا بالأحذية التي يشعلونها .. وشتان ما بين الأسلوبين ...
إلا أن ما يجب الإشارة إليه هو أنه ليس من السهل علينا أن نفهم كيف يمكن اللجواسيس الحمره أن يعملوا بنجاح لسنين في بلد أجنبي دون أن يفتضح أمرهم. أما ما يجب الاعتراف به هو أن نجاحهم الرائع يعود الى تدريبهم الفريد من نوعه والي کون الجاسوس الروسي لا يشغل باله بالأمور المالية ..
وعندما كانت هناك مدارس ومعاهد كبرى في الاتحاد السوفياتي، تعمل على تخريج الجواسيس الحمر، وفرزهم للعمل في الدول الغربية، فقد كانت بريطانيا تلك الامبراطورية التي كانت لا تغيب عنها الشمس، على رأس اهتمامات الجاسوسية الروسية ..
ولعل نموذج والدكتور جفري نوبل، من أهم هذه النماذج واشهرها فما هو سر هذا الجاسوس الروسي؟ وماذا كانت مهمته؟. ففي تشرين الثاني / نوفمبر 1902، تسلل الى انكلترا، شخص غريب، كان اسمه (مارك بوريسوفتش زاغورسکي، وكان عميلا للمخابرات الروسية. ولد عام 1921 في «نورونييز، وصنف عام 1939 على انه اصالح للمهمات الخاصة، ووضع على لائحة المنوي إرسالهم اللخدمة في المملكة
المتحدة».
عند دخول مارك الى معهد رغاکزينا، عرف باسم الدكتور جفري نوبل وكان رقم تسجيله ب. 410211/ 211 - ج - وقد أمضى سبعأ من سنين تدريبه العشر في غاکزينا، حيث كان الجاسوس السوفياتي الكبير «غوردون الونديل، ولكن هذين العميلين اللذين لانبا حتفهما لأنهما لم يستطيعا الخروج من انكلترا في الوقت المناسب، لم يلتقيا في غاکزينا، لأن كلا منهما كان يتدرب في قسم مختلف عن الآخر.
وفي نوفمبر 1902، عندما أصبح الدكتور جفري نوبل، صالحة للعمل في الخارج جرى تهريبه الى انكلترا، حيث كان قسم المواصلات في القيادة العامة للمخابرات في موسكو بحاجة ماسة إلى جاسوس في انكلترا رغم عدم توفر الطريقة المشروعة لإدخاله الى هذا البلد وعدم توفر النقل الأمين. لذلك وضع الدكتور نوبل على غواصة تابعة للبحرية الحمراء ليجري تهريبه الى انكلترا، وعندما وصلت الغواصة الروسية الى شواطئ انكلترا تحت ستار الظلام وتحقق نبطانها أن أمر وصولها لم يعلم به أحد، أمر الدكتور نوبل بالسباحة في المياه الباردة الى وطنه الجديد. كانت المسافة قصيرة وكان نوبل مجهزة أحسن التجهيز لمهمة خاصة. كان يرتدي ثيابا صوفية وكان يحمل حقيبة انكليزية محفوظة في عوامة صممت خصيصا بحملها السابح الوحيد ..
من على ظهر الغواصة كان ضابط أمن الدولة يراقب الدكتور نوبل. ولما وصل هذا الأخير الى الشاطيء دون عناء ودون أن يكتشف أمره، تقيد بالتعليمات فأخرج محفظته الناشفة من الراحة العازلة للماء ووضع في مكانها ثياب الغوص والملابس الصوفية وبينما كان يرتدي ثيابة انكليزية الصنع كان الرجال على الغواصة يسحبون اليهم حوائج الجاسوس بواسطة حبل رفيع مربوط بالغواصة. لما تحقق نوبل من أن أحدا لم يره، توجه الى البر وفق الخطة المرسومة بدقة. ولم تقلع الغواصة إلا عندما شوهد نوبل يبدأ رحلته بأمان.
وصل الدكتور جفري نوبل الى امدلز بوره، دون صعوبة، ومن هناك توجه إلى أدنبرة، حيث مكث يومين ليتأكد من أنه غير ملاحق. وبعد أن ادعى أنه طبيب انكليزي في اجازة، عرج نوبل في طريقه إلى «کازلايل، وكل ما عرف عنه أنه كان لطيفا للغاية ومنطويا على نفسه لا يستقبل الزائرين. ولكن خلف هذا القناع كان يختفي جاسوس سوفياتي لامع حصل على أعلى الدرجات خلال تدريبه في «غاکزينا». وكان ملفه في مديرية الخارجية في موسكو يحمل الملاحظة التالية: أكثر العملاء تبشيرة بالخير» ..
نفذ الدكتور نوبل خلال الشهر الأول من اقامته في «بيمليكو، التعليمات المعطاة له وهي أن لا يقوم بأي نشاط، وأن يعود نفسه على محيطه الجديد. ورغم أنه عمل وفق التعليمات بمضمونها العام، فقد راح يبحث عن عملاء يساعدونه في مهمته. استطاع نوبل أن يصادق العديد من الشباب والشابات من خلال تردده الى البار القريب من منزله والى المطعم المتواضع قرب محطة فيكتوريا والي الحفلات الراقصة في الفنادق الشعبية. فكان حالما توثقت أواصر الصداقة مع أحد هؤلاء يسعى الى معرفة المزيد عنه فيستطيع بذلك التأكد اذا كان صالحا للعمل ام لا ..
كانت مهمة الدكتور نوبل - أحد الجواسيس الروس المقيمين في انكلترا - أن ينشئ جهازا من ضباط الاتصال والمخبرين ور مستلمي البريد ليكون عملهم تزويد موسكو بالمعلومات الهامة. أما القيادة العامة للمخابرات في موسكو التي يزودها مخبروها باستمرار بأسماء الأجانب الصالحين للعمل وبالتفاصيل الكاملة عنهم لم تعط نوبل أيا من أسماء هؤلاء. فقد كان عليه أن يجدهم بنفسه ..
تعرف نوبل في حفلة رقص قرب ابيكاديللي سرکس، الى فتاة جميلة حمراء الشعر تدعى «سوزان، وسرعان ما أصبحت ? دون علمها - أول عضو في جهازه الجاسوسي. كانت سوزان تعمل في شركة إعلان شهيرة وتملك شقة مستقلة في ماربل ارتش، فاعتبرها الدكتور نوبل صالحة لأن تلعب دور الصندوق البريد، فقد كانت انكليزية الأصل لا يمكن أن تثير الشبهات ويؤهلها عملها أن تستلم رسائل من الخارج. فاستغل إعجابها وسعى بكل الطرق الى تحويل صداقتهما الى حب. لكن لم يرتكب خطا دعوتها للعمل معه بادي ذي بدء. فقد كان خريج غاکزينا، حذرة للغاية، لم يكن من داع لكي بتعجل الأمور ويخاطر بإثارة شكوك الفتاة. فقد كان من الطبيعي بالنسبة لطبيب مثله أن ترده الرسائل والبطاقات البريدية من دول صديقة في القارة الأوروبية. وبما أن تنظيم جهازه سيستغرق بضعة أشهر فيضطر آنذاك تأمين الاتصال مع موسكو بواسطة البريد غير المباشر فلا داعي للعجلة ..
لذلك بعد ست اسابيع من تعرفه الى سوزان طلب منها أن يستعمل شقتها لاستلام رسائله من الدانمرك وفرنسا وسويسرا أو الدول الغربية الأخرى. وكان تبريره لهذا الطلب أن الرسائل التي تصل إلى منزله لا توزع على السكان إلا دفعة واحدة. وقد كان بسبب الاهمال في التوزيع يتأخر في استلام بريده. في ذلك الحين كانت أواصر الصداقة ند توطدت بين نوبل وسوزان. وغالبا ما كانا يتحدثان عن مشروع خطوبة في المستقبل. لذلك رضيت سوزان، والتي لم تذهب الى منزل نوبل، أن تصل رسائله الى عنوانها وقد كانا يلتقيان يوميا ويستلم منها بريده دون تأخر.
منذ ذلك الوقت حتى آخر أيام تجسسه في انكلترا، أصبح عنوان سوزان - صندوق البريد - واسطة لاستلام الرسائل السرية من القيادة العامة للمخابرات في موسكو. ورغم أن الفتاة غالبا ما كانت تعطى حبيبها رسائل عادية وبطاقات بريدية ملونة، فهي لم تشك مطلقا أن تحت طوابع البريد الأوروبية كانت توجد تعليمات حول النشاط الجاسوسي. وطوال علاقة سوزان مع «جيف، كما كانت تسميه. لم يساورها الشك مرة واحدة أن صديقها اللطيف الطيب القلب الذي وعدها بالزواج لم يكن طبيبة بريطانيا شابا بل جاسوسة روسية خطيرة له أهميته ..
استطاع الدكتور نوبل خلال الشهر الأول من اقامته في لندن أن يجمع لائحة من الناس اعتبرهم صالحين للعمل. ورغم أنه كان مستعدا للبدء في العمل، فقد تذكر تدريبه في غاکزينا، وأدرك أنه من العبث أن ينشئ جهازا من المخبرين وضباط الاتصال والعملاء المختلفين دون أن يجد مكانا يجتمع فيه بهم وينظم اتصالا مستمرة معهم. فلم تكن شقته أو منازلهم أو المطاعم المجاورة أو أية أمكنة أخرى صالحة للإجتماع، وكانت كلها معرضة لأن تثير الشبهات عاجلا أم آجلا ..
ومن الخطأ الكبير أن نفترض أن استعجال الدكتور نوبل للحصول على نتائج كان بدافع إصرار القيادة العامة في موسكو. على العكس تماما، كان رؤساؤه يؤكدون عليه في كل الرسائل أن يأخذ الوقت اللازم لتنظيم جهاز جاسوسية فعال.
وكان أن وقع بصره على دكان صغير لتصليح الأحذية. واعتقد انه صالح کمركز للإجتماع. فدخله ليتحقق من عدد الذين يعملون فيه، وبينما كان يشتري علبة دهن لمسح الأحذية، بدأ يحادث الرجل الذي كان يبيعه اياها. وسرعان ما علم أنه صاحب الدكان. تحدث نوبل طويلا معه وعلم أنه فتح دكانه حديثا ووضع فيه كل ما ادخره من مال، ولكنه لاني مضاربة شديدة من جيرانه مما جعله لا يكاد يحصل على لقمة العيش. وكان هذا تمامأ ما بريده الدكتور نوبل. وتبين له أنه اكتشف بطريق الصدفة الرجل الذي كان يبحث عنه. لكنه لم يعرض على مصلح الأحذية العمل معه، بل قال له أن حذاءه الأخر بحاجة الى تصليح وأنه سيصبح زبونا دائما اذا ما رضي عن
العمل.
منذ ذلك الوقت، اخذ الدكتور نوبل يتردد باستمرار الى الدكان الصغير يجلب أحذية للتصليح أو يشتري دهنأ للمسح أو اشرطة لأحذيته. وكان في كل مرة يجر صاحب الدكان الى حديث ويعلم منه أكثر فأكثر دون أن يفضح أمام الرجل اهتمامه البالغ.
بعد ثلاثة أسابيع من زيارته الأولى، دخل ليشتري دهنأ لمسح الأحذية وكان قد صمم على أن يدعو الرجل العمل معه. ولكنه قبل أن يقدم عرضه قال له صاحب الدكان أنه مضطر الى إقفال دكانه في نهاية الأسبوع. وللمرة الثانية يحالف الحظ الجاسوس نوبل، فقال للرجل أنه على استعداد لمساعدته حاليا حتى يستمر في عمله ..
كانت تلك المرة الأولى التي يعرض فيها مساعدة مالية على مصلح الأحذية دون أن يطلب منه ضمانات فكاد الرجل أن لا يصدق أذنيه. ولكن عندما أخرج الدكتور نوبل ورقة المائة جنيه من جيبه رساله اذا ما كانت كافية، - تأكد صاحب الدكان أن العرض صادق. لذلك وقع دون معارضة على وصل استلام المبلغ الذي كتبه الدكتور نوبل ..
بعد انتهاء العمل، دعا نوبل شريکه الجديد لتناول كاسا من المشروب في منزله. وبعد أن شربا بضعة كؤوس طلب منه أن يعود معه الى الدكان حيث يمكنهما التحدث دون خوف ..
كان الجاسوس السوفياتي البارع مصممة على الشروع في استعمال الدكان دون تأخير، وفي سبيل المزيد من الحذر أضاف الى الإيصال باستلام المائة جنيه أن هذا المبلغ دفع ثمنا لمعلومات سرية بغية التهديد بفضح الرجل اذا ما اقتضى الأمر. وكم كانت دهشته عظيمة عندما لم يمانع صاحب، الدكان في أن يستعمل نوبل دكانه، بل سال فقط عن المبلغ الذي ستدفعه المخابرات الروسية.
سر الدكتور نوبل في أن اتقاقهما السريع لم يكن مناورة للتخلص منه أو إخبار البوليس عنه. فالرجل كان بحاجة ماسة للمال فعرض عليه مبلغ مائة جنيه شهريا، هكذا رضي الطرفان .. فالدكتور نوبل وجد مرکز اجتماع أمين، ومصلح الأحذية سنحت له الفرصة ليكسب أضعاف ما كان يكسب ..
بعد أن وجد الدكتور نوبل مركزا للإجتماع، بدا البحث بسرعة عن مخبرين. كانت لائحته نحوي اسم موظف في الحكومة مسؤول عن الوثائق السرية، ومهندس في مؤسسة للأبحاث الالكترونية لمشاريع عسكرية سرية ورجال محترمين آخرين صالحين للإنضمام إلى الجهاز .. و كان المهندس الضحية الأولى .. فرغم أنه يتقاضى راتبا محترما، كان يتذمر دومأ من وضعه المالي ويقول أنه يعمل ساعات اضافية ولكن ما يتبقى له من راتبه بعد دفع الضريبة لا يكفي لفك الرهن عن بيته ولإعالة زوجته وولديه على مستوى يليق برجل في مهمته. كان بحب الويسكي ويلبي دعوات الدكتور نوبل الدائمة للشراب.
وفي ذات يوم طلب منه الجاسوس أن يأتي له بنشرة تقنية ودفع له خمسة وعشرون جنيها ثمنا لها. تعجب المهندس من هذا وأبلغه أن بالإمكان شراء هذه النشرة من أية مكتبة بنصف جنيه، وأن الدكتور نوبل يستطيع أن يجد نسخة عنها في شارعه بالذات. ولكن عندما أوضح له الجاسوس الذي يملك جوابا ملائمة لكل مناسبة أن تدرج كمية من المال في رهان كرة القدم، وأن هذا المبلغ إعانة له لدفع ديونه، وأصر على أن يشتري له ويسکي آخر، ولم بجد المهندس أي خطر في أن يقبض المبلغ، ففعل.
وهكذا أوقع نوبل فريسنه في الشرك. فعند لقائهما الثاني جلب المهندس النشرة التقنية واجترع كاسا من الويسكي قدمه له نوبل. شعر هذا الأخير بالارتياح نعرض على صديقه مساعدات جديدة. ولما أجاب المهندس الذي لم يرتب بشيء أنه دوما على استعداد لكسب المال، اقترح عليه نوبل أن يوصله بسيارته الى ماربل آرتش،.
وعندما اختلى الرجلان في السيارة طلب منه الجاسوس معلومات سرية عن الأبحاث الالكترونية في مؤسسته. غضب المهندس في باديء الأمر وصاح أنه لن يبيع معلومات سرية لأحد مهما كان الثمن. لكن نوبل هدده بالخمسة والعشرين جنيها التي أعطاها له قائلا أنها كافية كدليل على جرمه، وطمأنه أنه سيدفع له مثات الجنيهات ثمن معلومات مهمة. وعندما أوشك المهندس على أن يوافق أعاد الدكتور نوبل تطبيق ما تعلمه في اغاکزينا، وقال لصديقه أنه لا بطلب قرارا مستعجلا بل يفضل منه أن يفكر بالأمر مليا قبل أن يتخذ قرارا خطيرا كهذا. واقترح على المهندس أن يبلغه قراره النهائي في اليوم التالي. وحتى يعطيه مزيدا من التشجيع دون أن يجعله يرتاب في شيء أعطاه مئة جنيه ركعربون صداقة.
وبدا الجاسوس يقلق عندما لم يصل صديقه الى البار في الموعد المحدد. وأخذ يشك أنه قد قرر عدم العمل معه أو أنه كان يحفر له فخا المساعدة البوليس، ولكن رغم ذلك، قرر ان ينتظر مدة أطول. وبعد اربعين دقيقة وصل الرجل الذي قال أنه تأخر بسبب عمل مهم. وبعد أن شرب الويسكي اقترح على نوبل الخروج في نزهة بالسيارة .. و لم يفاجا الدكتور نوبل عندما سمع أن صديقه قرر قبول العرض بعد أن فکر به مليا، لكنه فوجيء عندما علم أن السبب الحقيقي لتأخره أنه كان يتحين الفرصة لجلب وثيقة مهمة موجودة على القائمة السرية. وقد استطاع الحصول عليها لتصبويرها. وفي بداية فبراير 1903، صنفت القيادة العامة للمخابرات في موسكو جهاز التجسس الذي بدا الدكتور جفري نوبل من لا شيء على أنه أكثر الأجهزة نشاطأ وأهمية. ورغم أن هذا الجهاز لم يكن مسؤولا عن الجاسوسية العسكرية، فقد استطاع أن يوفر معلومات هامة عن الأبحاث الالكترونية المتعلقة بالأسلحة السرية. وتزايد نشاط نوبل لكنه استطاع بحذره وحرصه الشديدين أن لا يثير الشبهات حوله. فرغم أنه توفر لديه عدد هائل من المعلومات والوثائق المصورة، كان يحرص على أن لا يزيد نسبة البريد الذي يتلقاه او يرسله، وكان يفضل صرف كميات كبيرة من مال المخابرات لإرسال أشخاص الى الخارج ..
وأعلن نوبل خطوبته على سوزان. وأعلن أمام أصدقائه في الحفلة التي أقيمت بهذه المناسبة أن موعد الزواج سيكون يوم عيد الميلاد التالي، ظنا منه أن هذا يساعده على أن يظهر أكثر استقرارا ووجاهة أمام الناس.
ورغم أن خداعه للناس كاد أن بقرب حد الكمال، فإن اسكوتلانديارد،، وامرکز م. ا. 5، استلما اخبارية من الخارج تقول أن جاسوسا سوفياتية قد دخل بريطانيا سرا في نوفمبر 1952، والمفروض أن يكون اسمه «کولين وورد، وأدت تحريات الشرطة إلى الشقة المتواضعة في بيمليكو»، حيث وجدوا أن أوصاف کولين وورد مطابقة للدكتور نوبل. وقد كان الجاسوس الروسي الماهر قد ارتكب خطا واحدا. كان يحتفظ في شقته بأربع جوازات سفر بريطانية مزورة. ورغم أن رجال المباحث لم يجدوا معدات الجاسوسية أو لائحات أعضاء جهاز التجسس، فقد عثروا على دليل يثبت أن الإخبارية القادمة من الخارج صحيحة. كانت الجوازات البريطانية المزورة معطاة من قبل سلطات في مناطق مختلفة من انكلترا وتحمل الأسماء التالية: الدكتور نوبل، موريس وورد وكانت كلها تحمل صورة الرجل المعتقل. فني واحدة كان راسه مكسوة بالشعر وفي الثانية كان أصلعا وفي الثالثة كان يرتدي نظارة شمسية أما في الرابعة فقد كان أصلع الراس ويرتدي نظارة طبية ...
اعتقل «مارك بوريسوفتش زاغورسکي، الملقب بالدكتور جفري نوبل وكولين وموريس وورد، وأخذ الى مركز الشرطة في شارع جرالد، حيث رفض الإدلاء بأي اعتراف، وقبل أن يبدا ضباط الشعبة بالتحقيق معه، وجد مشنوقا في زنزانته بعد اثنتي عشرة ساعة من اعتقاله. وبعد انتحاره، تفرق الجواسيس الذين كانوا يساعدونه. وهكذا خسرتهم المخابرات الروسية ..
والواقع أن الدكتور جفري نوبل وشبكته التجسسية لعبوا دورا هاما وكبيرا في التغلغل في أعصاب بريطانيا وشرايينها وحتى في عظامها ايضا. كما كانت الخسارة التي منيت بها المملكة عبر هؤلاء الجواسيس الحمر، عظيمة جدا من خلال تلك المعلومات والوثائق السرية التي كانت على جانب كبير من الخطورة ..
وهكذا أثبتت هذه الشبكة أن الامبراطورية التي كانت لا تغيب عنها الشمس معرضة لأن تتغلغل فيها اشعة الشمس السوفياتية، ولكن لمصلحة السوفيات هذه المرة وليس لمصلحة بريطانيا وعظمتها الاستعمارية ..
المراجع
ا- ج. برنارد هاتون مدرسة الجواسيس، ترجمة غسان درويش. المؤسسة
الوطنية للطباعة والنشر، بيروت 1993. ص 113 - 120. 2 - مجلة الجيل، القبرصية. عرض ميخائيل الخوري بعنوان: فضيحة
العصر: مدير المخابرات البريطانية جاسوس سوفياتي، العدد الرابع. المجلد الخامس: ابريل 1989. ص 140 - 109. والمجلد الخامس. العدد الخامس. مايو 1984. ص 144 - 100.
مصادر و المراجع :
١- موسوعة الامن
والاستخبارات في العالم
المؤلف: د. صالح
زهر الدين
الناشر: المركز
الثقافي اللبناني للطباعة والنشر والتأليف والترجمة - بيروت
الطبعة: الاولى
تاريخ النشر:2002
م
31 مارس 2024
تعليقات (0)