المنشورات
مياجي
اما مياجي، فقد كان فنانة يابانية هاجر الى الولايات المتحدة حيث فوجيء هناك بالفوارق الشاسعة في مستويات المعيشة بين الطبقات المختلفة، الأمر الذي اجتذب نكره نحو المبادئ الشيوعية وجعله يتحمس لها، وأسفر ذلك في النهاية عن التحاقه بالحزب الشيوعي الأميركي. وادركت المخابرات السوفياتية نتيجة للنشاط الذي مارسه في صالح موسكو ولجنسيته اليابانية أنه يصلح بدرجة كبيرة لخدمة أهدافها في اليابان، حيث كان يندر توفر نظير له
بين فئات الشعب هناك.: استمر مياجي في عمله القديم لأنه أتاح له إقامة اتصالات واسعة بعدد
كبير من اليابانيين ذوي النفوذ، بما في ذلك كبار ضباط القوات المسلحة اذ حازت لوحاته شهرة كبيرة نظرا لدقتها وارتفاع مستواها، وهو ما كان له أثر كبير في خدمة أغراض الشبكة سواء بالحصول على معلومات جديدة أو تأكيد معلومات أخرى أو استكمال النقص عن ثالثة. ويظهر بوضوح مما سبق أن السواتر التي اتخذها أعضاء الشبكة الرئيسيون كانت جيدة وإن كان قد بقي شيء آخر يعادل ذلك في الأهمية ويرتبط في نفس الوقت بهذه السواتر، وهو تبرير المقابلات الدائمة التي كانت تتم بينهم لعدم اجتذاب أنظار اجهزة مقاومة الجاسوسية، أو شكوك أعضاء السفارات الغربية. وقد نجحوا في أن يجعلوا هذه المقابلات تتخذ طابعة عادية وذلك على الوجه التالي:
? اجتماع الصحفيين الثلاثة (سورج وأوزاكي وفوكولويتش) في الأماكن التي يرتادهاعادة الصحفيون والفنانون، بإيهام الآخرين أن صداقتهم ومقابلاتهم المستمرة جاءت نتيجة لاشتراكهم معا في امتهان العمل الصحفي.
تدبير اجتماعات بين الصحفيين الثلاثة وبين كل من مياجي وكلاوزن في بعض المتاحف اليابانية والحفلات الرسمية للسفارة الالمانية بحيث تبدو انها نتيجة للمصادفة البحتة التي تطورت بعد ذلك الى صداقة وطيدة، خاصة وان كلاوزن كان يتردد دائما على السفارة الالمانية بحكم جنسيته ومهنته، كما كان مياجي يجيد الفن الياباني الذي يقدره باقي أعضاء الشبكة
- اقامة حفلات ساهرة في منزل سورج بعد اجتياز المراحل التمهيدية لذلك والتي كانت تتم فيها دراسة كل ما يتعلق بالشبكة وإدارة شؤونها.
وانطلاقا من هذه السواتر كانت قائمة الاحتياجات التي كلفت الشبكة السوفياتية في اليابان بتحقيقها، والتي تمثلت بما يلي:
اولا: معرفة ما اذا كانت نوايا اليابان تتجه نحو غزو الأراضي السوفياتية الآسيوية والنوايا الحالية والمستقبلية للحكومة اليابانية تجاه مصالح الاتحاد السوفياتي الأخرى.: ثانيا: الحصول على أية معلومات تتعلق بالقوات المسلحة اليابانية البرية أو البحرية أو الجوية سواء من حيث التسليح أو التعداد او المواقع أو الإمدادات والتموين فضلا عن مدى تأثيرها على سياسة الدولة الداخلية والخارجية.
ثالثا: معرفة الصناعات الثقيلة في القطاعات المختلفة، ومنتجاتها ومواصفاتها الفنية واحصائيات انتاجها وتطورها وعلاقاتها بالصناعات الحربية.
رابعا: موقف اليابان من الصين ومنشوريا والتحركات المختلفة لقواتها هناك.
خامسا: العلاقات الالمانية اليابانية وأوجه التقارب بين الدولتين.
سادسا: تطور العلاقات بين اليابان وكل من الولايات المتحدة وبريطانيا.
وهكذا اكتسبت هذه الشبكة أهميتها من كبر حجم الانجازات التي حققتها والتي فاقت جميع أعمال أجهزة المخابرات الأخرى خلال الحرب العالمية الثانية. وقد تميزت هذه الانجازات بارتفاع مستواها لدرجة غير عادية، وتعددها وشمولها لعدد كبير من الموضوعات الهامة. وفيما يلي أهم هذه الانجازات
حصول اوزاكي على البرنامج الذي أقرته الوزارة اليابانية والذي يوضح بالتفصيل الخطوط الرئيسية لسياسة اليابان في المجالات السياسية والاقتصادية خلال سنة لاحقة، وقد تأكد سورج من صحته بالاتصال بالسفير الألماني في طوكيو. وقد أوضحت هذه الوثيقة أن النوايا التوسعية لليابان لا تتجه نحو الاتحاد السوفياتي خلال عامي 1930 - 1934 بل تجاه غزو الأراضي الصينية، كما أشارت الى بعض الحقائق المتعلقة بعلاقة اليابان بألمانيا وانجلترا والولايات المتحدة وفرنسا. وقد أسفرت المعلومات التي احتواها هذا البرنامج عن:
1 - تغيير بعض الخطط العسكرية السوفياتية في سيبيريا وتدعيم الخطط الدفاعية في الغرب.
2 - تغطية جانب هام من العلاقات بين الدول الكبرى التي يهتم بها الاتحاد السوفياتي، واستخدام سورج وفوکولويتش لهذه المعلومات في توثيق صلاتهما مع السفارات الغربية على أساس أنهما وثيقو الصلة بالمصادر الموثوق بها
3. ابلاغ موسكو بتاريخ استيلاء الجيش الياباني على السلطة في فبراير 1939، أي قبل حدوثه بنحو شهر حيث كانت العاصمة الوحيدة التي لم تفاجا بذلك وإبلاغها في نفس الوقت بتوقيت الغزو الياباني للصين.
4 - الحصول على تفاصيل المحادثات بين المانيا واليابان حول عقد اتفاقية عسكرية بينهما، ورغبة الأولى في عقد تحالف مع طوكيو ضد الاتحاد السوفياتي ثم الحصول بعد ذلك على النصوص الكاملة لهذه الاتفاقية بعد 48 ساعة فقط من التوقيع عليها، وقبل تقديمها للوزارة اليابانية وللقيادة العليا الالمانية. ويلاحظ في هذا الشأن أن كل من سورج واوزاكي ومياجي ند تعاونوا في الحصول على هذه المعلومات: الأول عن طريق السفير الألماني والملحق العسكري، والثاني بواسطة رئيس الوزراء، والأخير باتصال بكولونيل في الجيش الياباني.
5 - تزويد موسكو بتقارير عن الفرق اليابانية التي أعيد تنظيمها في الصين ومنشوريا واليابان وعن برنامج إعادة تكوين الأسطول الياباني والتركيبات الجديدة بالسفن الحربية
6 - التعرف على التصميمات الحديثة للدبابات، وتشكيلات الطائرات الجديدة في الأسراب التي كونت حديثة ومدى قوتها. . 7 - تزويد موسكو عن طريق الشركة التي كونها کلاوزن بالاشتراك مع باقي أعضاء الشبكة بمطبوعات وكتالوجات الحكومة اليابانية الخاصة بالآلات الصناعية والأسلحة الجديدة وجداول الآلات اللازمة للطائرات المقاتلة وقاذفات القنابل وخرائط البحرية. 8 - تحذير الاتحاد السوفياتي من الهجوم الألماني على اراضيه في ايونيو 1941. ويلاحظ أن التوقيت الذي قدرته الشبكة يقل بيومين فقط عن التاريخ الحقيقي للغزو. 9 - المساهمة في الحيلولة دون هزيمة الاتحاد السوفياتي أمام المانيا بعد تزويد موسكو في الوقت المناسب بمعلومات هامة عن التحركات الالمانية وكذلك قرار الحكومة اليابانية بالتوسع نحو الجنوب وصرف النظر نهائيا عن مهاجمة الاتحاد السوفياتي نتيجة للضغط الذي مارسه قواد الجيش والبحرية
وبالرغم من هذه الانجازات والنجاحات التي احرزتها الشبكة السوفياتية في اليابان، فقد تمكن جهاز الكمبتاي، (الجهاز الرئيسي لمقاومة الجاسوسية باليابان من القبض على أعضاء الشبكة بمعظمهم بعد أن شعرت اليابان بتسرب المعلومات السرية جدا الى الخارج، وبالتحديد الى الاتحاد السوفياتي. وبعد المراقبة الدقيقة والدائمة وقع عناصر الشبكة في قبضة والكمبتاي، حين أعدم معظمهم بعد أن كان الاتحاد السوفياتي قد نخر النخاع الياباني نخرة، وفات الأوان، ولم يعد للندم جدوى.
المراجع
أ. د. حمدي مصطفي. (حرب الجاسوسية دار الوثبة. دمشق. ص 19 -
2? حافظ ابراهيم خيرالله. (الاستخبارات السوفياتية، بيروت 1971.
ص 18.
3 - سعيد الجزائري والمخابرات والعالم، ص 82 - 10. 4 - کيرت سينجر اعلام الجاسوسية العالمية، ترجمة بسام العسلي. م ص 190 - 219. . أحمد هاني الجاسوسية بين الوقاية والعلاج. ص 50. 6 - كبار جواسيس الحرب العالمية الثانية. بإشراف البير دي مازيير. بالتعاون
مع جان مارسيپاك ولويس غازوس، منشورات ريب (RYB). جنيف 1978 (باللغة الفرنسية).
مصادر و المراجع :
١- موسوعة الامن
والاستخبارات في العالم
المؤلف: د. صالح
زهر الدين
الناشر: المركز
الثقافي اللبناني للطباعة والنشر والتأليف والترجمة - بيروت
الطبعة: الاولى
تاريخ النشر:2002
م
31 مارس 2024
تعليقات (0)