المنشورات
صراع العمالقة
بين نابليون بونابرت وجوزف فوشيه
الكل عصر رجاله، وقليلون جدأ أولئك الرجال الذين يستمرون خالدين في العصور التي تلي عصرهم. انهم يولدون من جديد في كل عصر ويضر، بفضل نبوغهم وعبقريتهم وشهرتهم، فتتحطم أمام هذه الصفات جميع الحواجز والفواصل، كما تتحطم الحدود والمسافات، للارتقاء الى سلم المجد والشهرة، ليس على صعيد وطنهم الأم، بل على صعيد البشرية جمعاء، باعتبار أن العبقرية والنبوغ ليست حكرا على أمة من الأمم، وعلى دولة دون أخرى، والانسان في النهاية هو الهدف والمبتغى ومن هذا المنطلق، يعتبر «جوزف فوشيه، وزير شرطة نابوليون بونابرت أحد أعاظم الرجال في عصره، كما في العصور اللاحقة، وهو أول من أدار جهاز مخابرات شامل وواسع وأخطبوطي، والذي أصبح نموذجا لاجهزة المخابرات بعد ذلك، حتى يصح فيه القول أنه مؤسس صناعة المخابرات بمفاهيمها وأشكالها الحديثة ..
فمن هوه جوزف فوشيه، هذا؟ وما هي أسرار مهماته؟.
يروى أن نابوليون شكا مرة الى أخيه بمرارة، وهو في نوبة غضب شديد، من وزير الشرطة الذي كان يستطيع أن يكون حاضرة في كل مكان، بقوله: اليوم بدس أنفه في سريري، وفي اليوم التالي يتجسس على أوراقي الخاصة
أول من أدار جه
و يصح فيه الني، والذي أصبح نمو التهمتان صحيحتان. والواقع أن «جوزف فوشيه، دوق أوترانتو، وزير الشرطة، كان يعلم عن شؤون نابوليون المالية والغرامية ما لا يعرفه الامبراطور نفسه. وفي احدى المناسبات وجه نابوليون خطا بعض التأنيب الى افوشيه على ما اعتبره تفصيرأ منه في التيقظ والرقابة، ولكن قائد شرطته سرعان ما بادر الى عرض وصف مفصل للزيارات الليلية التي كان يقوم بها ارجل قوي، بدين الجسم لمغنية الأوبرا الايطالية الشهيرة، غراسيني الحسناء، ولم يكن ذلك الرجل الصغير غيرك انت. أما تلك المغنية المتقلبة الأطوار فكانت غير مخلصة لك. كانت تفضل عازف الكمان درود، عليك .. ولم يعش فوشيه اليروي هذه الحكاية فحسب، ولكنه غين في المنصب المهم ذاته في وقت لاحق أثناء الأيام المئة التي عاد فيها نابوليون الى تولي السلطة بعد عودته من المنفى الأول. ولقد كان نوشيه مرهوبة في حياته، وقد أخذ على نفسه أن يكون ضرورية لأية حكومة، ولا مجال لها للإستغناء عنه. أنه ولا ريب أبع الجميع وأكثرهم مکرا. هكذا وصفه نابوليون قبل ان عينه قائدا للشرطة والأمن للمرة الثالثة. وليس لنا أن نغالط نابوليون في رابه بفوشيه وامتداحه له، حتى بالمقارنة مع مواهب وزير خارجيته الداهية تاليران، منافسه وخصمه. وكالكثيرين من الرجال الذين يملكون السلطة والنفوذ في زمن التغيرات العميقة، كان فوشيه يؤثر أن يعمل في الظل بدلا من وضح النهار. كان بحائة خبيرة ينقب في اكداس المعلومات التي يأتيه بها أفراد شبكته التجسسية الواسعة، ويرفض مظاهر السلطة الخارجية في سبيل السلطة الحقيقية الدائمة. وفيما كان معاصروه يسعون لجمع أمجاد القنصلية والامبراطورية وامتيازاتها، كان هم فوشيه الوحيد أن يجمع المعلومات التفصيلية التي تمكنه من لعب الدور البارز في الدولة. صحيح أنه لم يكن غير مكترث بالألقاب والثروة، ولكن ذلك كان عرضية اذا قيس بالرضى الذي ينال من السيطرة على حياة الملايين. كان تبريره لأعماله بسيطة ركل حكومة تتطلب شرطة يقظة خاضعة الرؤساء حازمين، اصحاب رؤية واضحة ونافذة كضمانة رئيسية لسلامتهاي هكذا كتب في مذكراته التي يقال فيها أنه، وهو الرجل الذي نعرف، لم يكتبها، وقد قال الشاعر هايني، بسخرية «إن فوشيه بلغ به الخداع والتضليل الى حد نشر مذكرات مزورة بعد موته، تلك عملية مدهشة حتى بالنسبة الفوشيه. غير أن ملاحظة تاليران، الجارحة جاءت أكثر دقة اذ قال: «إن مدير الشرطة رجل يهتم بشؤونه، ويعمل على الاهتمام بشؤون الأخرين» ..
ولكن ما بالنا نتحدث عنه وهو في الذروة، وقد كانت بداياته متواضعة جدأ؟.
ولد رجوزف فوشيه بجوار ميناء رنانته على المحيط الأطلسي، سنة 1709، وسرعان ما اتضح أن الشاب النحيل البنية لن يتحمل حياة البحر، ولذلك عهد بتربيته إلى جماعة دينية معنية بالتعليم بالدرجة الأولى معروفة
بالخطباء). وفي المدرسة في باريس تلقن فوشيه أصول التنظيم العقلي وضبط النفس، منحاشية الانغماس في اللهو والرذيلة. وقد بقيت سه هذه الخصائص طيلة حياته. وأضاف اليها شعورة داخلية عميقة بالحذر والشك. على أن فوشيه لم ينتسب إلى هذه الجماعة الدينية ولم ين ز نفسه لها ولو أنه ظل معها بدرس العلوم والرياضيات في أراس. هناك تعرف الى اکولو الذي أصبح جنرالا فيما بعد، والى المحامي الناشئ ماکسيميليان روبسبيير) أحد قادة الثورة الفرنسية الرهيبين فيما بعد أيضا، حتى إنه أعاره مبلغا من المال كفاه لرحلته إلى باريس بعد أن صادق شقيقته لفترة قصيرة. غير أن المغامرة لم تسفر عن شيء، وبعد اندلاع الثورة الفرنسية بوقت قصير، عاد فوشيه الى بلدته.
كانت جماعة والخطباء، الدينية مؤيدة للإصلاح. ولكن فوشيه استطاع في فبراير، أي بعد الثورة الفرنسية بسنتين، أن يضمن انتخابه رئيسا لجمعية أصدقاء الدستور المحلية، ثم نجح بنشاطه واعتداله وهو ليس بالخطيب المفوه، أن يقنع مواطنيه في نانت المؤيدين للملكية بان ينتخبوه عضوا في المجلس الوطني، (أي البرلمان أيامها في باريس، حيث التقى هناك «بون جان کواکند، التي أصبحت زوجته فيما بعد. ثم ظل وفية ومخلصة لها مدى حياته، ولو أنها لم تكن تلك المرأة الجميلة اللبقة. كان فوشيه ليبرالية بشكل عام، لكنه لم يلتزم بتنظيم أو حزب، ألا أنه مال الى التعاون مع احدي الفئات السياسية في تلك الفترة وهي «الجيروند بون، أو الجناح المعتدل منهم بكلمة أدق.
وراح يعمل بنشاط وجهد من وراء الستار في مختلف اللجان، والقيام ببعض المهمات الخاصة، غير أن هذه السرية لم تكن لتدوم الى ما لا نهاية في زمن كان الاستقطاب والعنف الثوري والتعصب يتزايد ويشتد، وكان إصرار روبسبير على الاستفتاء العام بشأن مصير الملك لويس السادس عشر الذي كانت تحتجزه الثورة، والأراء في مصيره متضاربة، يجعل مواصلة التهرب مستحيلة. ولعل فوشيه كان يفضل التصويت للإبقاء على حياة الملك، ولكنه لاحظ الحماس الراديكالي المتزايد فايد إعدام الملك. وكان هذا الانقلاب غير المبدئي في موقفه كافية لتأمين الصوت الواحد للأكثرية المطلوبة. وبعد ذلك ظل فوشيه حتى مماته يوسم بأنه: «قاتل الملكه.
وبعد نجاته من المصير الذي انتهى اليه الجيرونديون الذين صفتهم احدى تطورات الثورة الرهيبة، أدرك فوشيه أن صديقه السابق روبسبيير بنظر إلى تقلباته بحذر وريبة. وحين أرسله المجلس الوطني الى انان» لتنظيم الميليشيا لضرب الانتفاضية الملكية في منطقة (الفانديه) فوشيه بهذه المناسبة التي أتاحت له الفرار من الارهاب. وفي هذه الأونة كان هذا المدرس الذي تربى على أيدي جماعة والخطباء، الدينية قد أصبح منحمسة واشتراكية ثورية. وفي نيفير، واثر ويس، صادر الأملاك الخاصة واستولى على الذهب والفضة في الكنائس لدعم الوضع المالي للحكومة في باريس، وللفت انتباه ذوي السلطة اليه.
وبمبادرة منه حث رجال الدين على الزواج أو تبني الأبناء، وأنكر في الوقت ذاته وجود حياة أخرى معلنا أن الموت نوم أبدي ...
وفي فرنسا الثورة، مثل هذا الحماس يستحق المكافأة. ولما ثارت اليون، كما فعلت مدن أخرى كثيرة، على سلطة حكومة باريس، كان لابد من بد حديدية لإخضاع الثورة. وبعد استلام المدينة التي سميت بالمدينة المحررة. أرسل «فوشيه وركولوديربواء، الممثل سابقا، من قبل المجلس الوطني لتدمير المدينة، وتلقينها درسا، وجعلها مثالا لبقية المدن، وإعدام جميع المواطنين الذين اشتركوا في الانتفاضة. وفي بضعة أسابيع لفي على الأقل 1900 شخص من معارضي الثورة، حتفهم على أيدي فوشيه، ودفنوا في مدفن جماعي، أو ألقوا في نهر الرون ..
وفي السادس من شباط / فبراير 1794، اصدر فوشيه امرأ بوقف عمليات الإعدام الجماعية بالرصاص، ولكن ذلك لم يمن وقف الإرهاب. فقد لقي عدد من الناس حتفهم بعد ذلك على المفصلة. أدرك فوشيه أن عمليات الإعدام لم تعد تحقق الهدف المطلوب، از خلقت جوا من الاتهام والعداء قضى على المذنب والبريء معا. وكان لهذا الدرس أثره العميق على سيرته في وقت لاحق. أصبح يرى أنه من الافضل من جميع النواحي أن يندم زعيم أو اثنان ثم يترك أتباعهما يتأملون مصائرهم. ومما له مغزاه أن آخر اثنين أمر فوشيه بإعدامهما في ليون هما الجلاد ومساعده. ولكن المجلس الوطني لم يقنع بذلك، بل طلب عودة نوشيه الى باريس لتفسير «اعتداله .. كانت التهمة الخطيرة الموجهة اليه هي إلحاده الصارم، لأن إلحاده يخالف إلحاد قادة الثورة في باريس. فقد أعلن روبسبيير عندئذ إلحاده الخاص القائم على مبدا الكائن الأسمى، مشيرا بذلك إلى عصمته، ثم دعا فرشيه لشرح موقفه أمام لجنة السلامة العامة الرهيبة، وهي دعوة تعادل الحكم بالإعدام .. .
لقد وجد فوشيه نفسه في وضع محرج للغاية. وبصفته مندوبا من المجلس الوطني طلب أن يرفع تقريره أمام المجلس لا أمام الهيئة التي اختارها روبسبيير .. لم يكن فوشيه يبقى أكثر من ليلة أو ليلتين في بيت واحد تجنبا لاعتقاله، ثم عمل على زعزعة مركز منافسه الخطر ببث روح الشجاعة والوحدة بين الأعضاء، حتى أنه انتخب رئيسا لنادي اليعاقبة، مما أغاظ روبسبيير أشد الإغاظة. والواقع أن الكثيرين من أنصار هذا الرجل المعصوم كانوا قد أخذوا يبدون استياء متزايدة من عجرفته واستبداده. حتى أن المقاعد الفارغة في المجلس كانت دليلا بليغة على هذه الأشياء عرض عن ضعف بلاغة فوشيه الخطابية. وجاءت نهاية روبسبيير سريعة وأكيدة. فشل في اقناع أعضاء المؤتمر بسلامة اتهاماته، فهتفوا بسفوطه، ثم اعتقل وأعدم. وبذلك انتهى عهد الإرهاب. لكن فوشيه، نفسه، وهو الارهابي السابق، الذي واجه خطر النفي والموت في مستعمرات غيانا، أصر على إلقاء اللوم على الآخرين، بمن فيهم زميله رکولره، وأنكر أن يكون مسؤولا عن أعمال الإرهاب، فاستطاع أن ينجو من الموت. لكنه كان قد فقد كل شيء: منصبه، ثروته وسمعته، إلا حياته وزوجته الوفية.
قليلة في المعلومات عن تحركات فوشيه بين 1793 و 1797. ولكنه وجد نفسه، على ما يبدو، مضطرة بأن يحيا حياة بائسية في غرفة زرية. والظاهر أنه تورط في هذه الفترة بأعمال مصرفية مشبوهة وبالتهريب قبل أن يعمل جاسوسا في خدمة «باراس، أحد رجال الإدارة الخمسة الذين كانوا يحكمون فرنسا آنذاك. كما أنه بدأ عمله ذاك في المناطق النائية ثم عاد الى باريس لمساعدة «باراس، في القضاء على ثورة «بابيف، التي توخت المحافظة على ظهر الثورة ونقاوتها، ليعمل بعد ذاك في الإعداد لانقلاب استهدف هيئة المديرين بالذات، وكان باراس يود أن يكانيء هذا الرجل الذي خدمه اعترافا له بجميله. ولكن نوشيه، كما ينون بنفسه، ثابر على رفض المكافآت الصغيرة التي كانت تعرض عليه: اکنت مصمما على القبول بالمهمات الكبيرة فقط، المهمات التي تدفعني على طريق الأعمال السياسية الكبيرة. تحليت بالصبر، صبرت طويلا، ولم يذهب صبري سدي». وفي وقت لاحق عين سفيرة الى جمهورية سفوح الألب التي أنشأهانابوليون شمالي ايطاليا سنة 1797، ثم الى هولندا. وفي المنصبين حققت سياسة الليبرالية المستنيرة نجاحا ملحوظا، مما ترك انطباعا جيدا على «باراس، الذي كان يواجه وضيعة قلقا في الوطن، فاستدعاه الى باريس وعينه مديرة للشرطة ..
كانت إدارة الشرطة التي تسلمها نوشيه موبوءة بالفساد والعجز في مجتمع منشغل، بالحياة المترفة. ولكنه سرعان ما نجح في تركيز السلطة بيديه، ثم عمد لتأمين تمويل شبكة الجواسيس الأخذة بالاتساع، الى فرض الضرائب على القمار والبغاء، وهما مصدران لا ينفذان. اکانت الخزينة فارغة. بدون المال يستحيل قيام أية شرطة. وسرعان ما توفر المال في الخزينة اذ جعلت الموبقات والرذائل الملازمة للمدن الكبيرة، موردا لتمويل الشرطة، ولتوفير حرية أوسع للعمل ولتجنب نقد الرأي العام، أوقف عددا من الصحف، ثم قام بنفسه بإغلاق أبواب نادي اليعاقبة - المعروفين بتطرفهم وتطهرهم - الذي يدين اليه بالكثير. وواصل مراقبة النشاطات الملكية باستمرار، لكنه سمح للكثيرين من صغار النبلاء المهاجرين بأن يعودوا الى البلاد، وحجته في ذلك أن اعتماد سياسة التساهل أكثر جدوى وفعالية اذ يجعل الكثيرين من النبلاء مدينين له. وقد استطاع أن يبرر انشاء شبكة التجسس الواسعة، وحفظ الملفات الضخمة عن الوف المواطنين بقوله أن فرنسا ستعرف بنتيجة ذلك استقرارة داخلية لم تعرفة من قبل. والواقع أن ذلك تحقق بحدوث الإنقلاب الذي أوصل نابوليون إلى السلطة .. |
وبصفته مديرة للشرطة، كان فوشيه على علم بأن هنالك انقلابا آخر بعده نابوليون نفسه في وجه رباراس، المتواطئ ورجال الإدارة. كان «باراس قد عين فوشيه في هذا المنصب بغية الحؤول دون نجاح هذه المؤامرة، لكن فوشيه كان يخلص للجهة التي تبدو مضمونة النجاح. وبواسطة جوزفين التي قدم لها رشوة كبيرة، عرف فوشيه بعودة نابوليون الباكرة من مصر وبمخططاته للمستقبل، وتصرف بالتالي على هذا الأساس، وحين وجه المتامرون ضربتهم، كان باراس محجوزة في حمامه على يدي مدام تاليران، في وضع محرج في كل حال. وبينما كان الإنقلاب يأخذ مجراه في «سانت كلود، على مسافة قصيرة من العاصمة، كان فوشيه قد حمل المجلسين التشريعيين لعقد الاجتماع هنا بحجة الأمن.
ثم عمد الى سد جميع المنافذ والمداخل الى باريس بعدد من رجال الفرق الخاصة لتأمين مزيد من السيطرة والسلامة. ثم نظم فوشيه جيشا من المخبرين ينقلون اليه تطورات الوضع كل نصف ساعة. وهكذا أصبح في وضع يمكن وزير الشرطة أن يرحب بالإنقلاب اذا نجح او ينقض عليه بكل قوة اذا فشل. فقد تعلم دون شك درسأ من مغامري سباق الجياد بضرورة الرمان على كل الجياد لئلا يفلت واحد منه.
هكذا قام تحالف مصلحي ورخيص، ولكنه لم ينته إلا بانتهاء سلطة نابوليون السياسية بعد 15 سنة، كان في أحد طرفيه ذلك الرجل نابوليون الذي وسم نفسه بالعبقرية وانطلق إلى الأعمال والمغامرات البطولية والمزاجية والعاطفية. وكان في طرف الأخر فوشيه، رجل الشرطة والأمن الذي لا پستسلم للعاطفة، بل يجمع بجد ونشاط معلومات عن جميع الناس والأمور، بتحفظ وحذر، ولو أنه كسيده راغب كل الرغبة في ممارسة السلطة. ولولا كفاءة نوشيه ومعرفته الدائمة لجميع الأحداث في فرنسا، لكان من المشكوك به أن يستطيع نابوليون التغيب تلك الفترات الطويلة لشن حروبه في الخارج. والواقع أن وجود فوشيه، على رغم العداء الشخصي بينهما، كان عاملا حيوية في تنفيذ سياسيات نابوليون في الداخل والخارج على السواء ..
ولو أن القنصل الأول، ثم الامبراطور بعد ذلك، اكتفى بالاعتماد على وزير شرطته للحصول على المعلومات السرية، لكان بالإمكان على ما يظن، تجنب الكثير من الأخطاء اللاحقة. ولكن فوشيه وجد نفسه في صراع مع مجموعات أخرى كثيرة من الجواسيس، منها من يعمل لنابوليون مباشرة، ومنها من يعمل لتاليران أو للوسيان بونابرت، بالإضافة الى جواسيس آخرين للعسكريين وللوزراء. ثم ان الكثيرين من هؤلاء الجواسيس والمخبرين كانوا يعملون في خدمة أكثر من سيد واحد. كما أن الكثيرين من الموظفين الكبار كانوا يؤمنون مداخيل اضافية لهم بإفشاء بعض المعلومات.
وقد اعترف فوشيه فيما بعد أنه كان يدفع إلى ديروك، السكرتير الشخصي لنابوليون مبلغ 20 ألف فرنك شهرية للتجسس له على سيده، ولقاء مبلغ آخر محترم کان طباخ لويس الثامن عشر في انكلترا يعمل لحساب وزير الشرطة. مثل هذه الشبكة الواسعة من أجهزة المخابرات المتنافسة كانت مصدر أربعة تقارير مستقلة ومتناقضة أحيانا، أو غير دقيقة أحيانا أخرى، يتلقاها نابوليون صباح كل يوم ..
وهكذا مثل «جوزف فوشيه، قوة وسلطة لا مثيل لها في عصره، وكان الشخصية الأولى في الظل، كما في العلن، بحسب حسابه في جميع الأمور، باعتباره بملك أضخم واغني بنك للمعلومات في فرنسا، ومن يملك المعلومات يكون الأقوى دائما ..
فما هي أهم المحطات الحاسمة في حياته؟ وكيف كانت نهايته؟ هذا ما سيوضحه الفصل القادم عنه.
مصادر و المراجع :
١- موسوعة الامن
والاستخبارات في العالم
المؤلف: د. صالح
زهر الدين
الناشر: المركز
الثقافي اللبناني للطباعة والنشر والتأليف والترجمة - بيروت
الطبعة: الاولى
تاريخ النشر:2002
م
1 أبريل 2024
تعليقات (0)