المنشورات

المخابرات السوفياتية تتغلغل في نخاع بريطانيا

اهتز الغرب وتزعزعت أركانه في فترة الثلاثينات من هذا القرن، وفقدت الثقة به كمؤسسة قائمة على القهر والظلم والاستغلال والحرية المزيفة. وقد أصبح منظر الجياع بالألوف مألوفة في الدول الغربية، وبشكل خاص في لندن وبقية المدن البريطانية، كما شهدت الحياة الثقافية في بريطانيا خاصة احدي اشد موجات النقمة على النظام القائم، متخذة من جامعتي اکسفورد وكمبردج مرکزة ومنطلقا.
هذه الفترة بالذات أنتجت أقدر الجواسيس البريطانيين من طلبة ماتين الجامعتين. والذين ينتمون الى ارفع طبقات المجتمع الأرستقراطي، والذين وضعوا أنفسهم في خدمة المخابرات السوفياتية. وقد كشف عن أربعة من هؤلاء الحواسيس في الوقت الذي بقي فيه الخامس - واسمه الحركي ايلي  Elli -  لغز حير المخابرات الانكليزية والاميركية حيث اكتشف بعد وفاته ليؤكد بانه انخاع، بريطانيا ورجلها الأول في السنوات الأخيرة من عمله المخابراتي، ومديرها العام والرجل المكلف بالتجسس على السوفيات.
هذا هو «روجر هوليس، الجاسوس السوفياتي، الذي عمل في المخابرات البريطانية مدة 29 سنة ثم أصبح مديرها العام ولم تكشف حقيقة أمره حتى وفاته.
فمن هو هذا الرجل الذي وصفته المخابرات الأميركية باخطر الجواسيس ضررة في التاريخ؟ وما هو سر حلقة الخمسة التي كان أحد رؤوسها ومدبر بها؟.
و في الحقيقة، كان لتغلغل الاخطبوط السوفياتي (المخمس الرؤوس، في المخابرات الانكليزية دور كبير في إحداث هزات وزلازل سياسية أثرت عميقة في تلك الامبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس، مؤكدا أن المخابرات تبقى ما بقيت الشمس تغيب وتشرق ومثلت حلقة شمس الاتحاد السوفياتي في بريطانيا وشملت الجواسيس التالية:
دونالد ماكلين، الذي كان موظفة رفيعة في السفارة البريطانية في أميركا ومسؤولا عن أدق أسرار الأبحاث النووية الأميركية البريطانية المشتركة في الأربعينات.
غاي بيرغيس، الموظف الكبير في الخارجية البريطانية واحد المسؤولين عن العلاقات الأميركية البريطانية حتى انکشافه في منتصف
الأربعينات.
* انطوني بلنت، من كبار رجال المخابرات البريطانية ولم يكشف أمره إلا في السنوات القليلة الماضية.
و كيم فيلبي الذي كان رئيسا للقسم السوفياتي في المخابرات البريطانية وقد كشف كل أسماء العملاء الاميركيين والبريطانيين للمخابرات السوفياتية، وأحبط كل محاولات التسلل إلى المعسكر السوفياتي، وأهمها كشفه العملية ثورة مسلحة أعدتها بريطانيا في البانيا في الأربعينات. |
روجر هوليس، وكان اسمه الحركي دايلي. فبعد الدراسة في كليفتون كوليدج في بريستول التحق روجر بجامعة أوكسفورد لمتابعة دراسته الجامعية عام 1924. لكن حياة هوليس في مرحلة التعليم كانت تتسع لأكثر بكثير من مجرد النشاطات التعليمية. فقد نشط في نار جامعي للإصلاح الاجتماعي والسياسي، وتعرف الى زميل له بعمل في جريدة «الدايلي وورکرز، الشيوعية مردکلود کولکبرن، الشيوعي، والي شيوعي آخر هو «موريس ريتشاردسونه.
وسرعان ما ترك هوليس حياة الجامعة للعمل في أحد مصارف لندن التأمين نفقاته ولتوفير بعض المال الذي يستطيع أن يذهب به إلى الصين بعد سنة، حيث استطاع أن يجد مجالا للعمل في قسم الاعلانات في شركة تبع أميركية بريطانية في شنغهاي.
ولهذه السنوات التي قضاها في الصين أهمية أخرى في حياته بالنسبة للمستقبل. فهناك التقى بصحافية أميركية يسارية هي أغنيس سميدلي، التي كانت معروفة بعلاقاتها بالكومنترن (أي الشيوعية الدولية وبحلقات الاستخبارات السوفياتية في الصين، وفي أجواء العلاقات الصينية اليابانية المتشنجة وسياسية «تشان كاي تشيك، المعادية للشيوعية ونشاط المخابرات السوفياتية لدعم النضال الصيني ضد اليابان، تعرف روجر الى أورسولا بيرتون وهي شيوعية معروفة، كما الف اجواء الصراع الطبقي المحموم الذي كان المناخ السائد في تلك الأيام. هذا وأشارت الأنباء التي نشرتها عنه وكالة المخابرات المركزية الأميركية بعد الشك في أمره الى اشتغاله آنذاك عميلا للقسم العسكري في هيئة الاستخبارات السوفياتية (KG B)  بإشراف الجاسوس السوفياتي ريتشارد سورج. وعزت تجنيده في هذا القسم الى أن المسؤولين عن الاستخبارات السوفيانية استغلوا ميوله الجنسية العنيفة وانغماسه الشديد في حياة المغامرة مما يحمل على الاعتقاد بأن روجر أصبح شيوعية او عميلا للشيوعية وهو في الصين، أي أنه دخل في خدمة الاستخبارات السوفياتية قبل دخوله في خدمة استخبارات بلاده.
ومن المعروف أن الابتزاز الجنسي والتهديد بالتشهير والفضيحة كانا م الوسائل المجدية لاختراق المخابرات البريطانية، التي كانت تضم عددا كبير من أصحاب العادات الجنسية المنحرفة المنتشرة بين الانكليز، والتي هي الأخرى احدى الصفات المشهورة للارستقراطية البريطانية. ومن أشهر حوادث التجسس التي تعبق برائحة الجنس والشذوذ قضية الجاسوس البريطاني وليم فاسال» الذي باع للسوفيات اسرار البحرية البريطانية، وهي التي تستر عليها هوليس فيما بعد حين أصبح من أكبر المسؤولين في المخابرات الانكليزية ومديرها العام. وأثناء وجوده في الصين أصيب هوليس بداء الصدر فانتقل الى سويسرا للإستشفاء، حيث التقى مرة أخرى بأورسولا بيرتون، ذات الأهمية الكبرى في حياته. . وجاءت الخطوة التالية بعد ذلك والتي تمثلت بالتحاقه بالمخابرات البريطانية، ولا سيما القسم الذي يتناول عمليات مكافحة الجاسوسية الخارجية، والسوفياتية بصورة خاصة، فكيف تسنى له ذلك وهو العضو الشيوعي في جهاز المخابرات السوفياتية؟
من المعروف أن هناك أولويات عمل للمخابرات السوفياتية في خطتها الاختراق المخابرات البريطانية. فهي تفضل أن تزرع عميلها في المجالات التالية التي نذكرها بحسب أهميتها من وجهة النظر السوفياتية::
أولا: في المخابرات البريطانية نفسها وفي قسم مكافحة النشاطات السوفياتية إن أمكن.
ثانيا: هيئة الإذاعة البريطانية (بي. بي. سي) أو في جريدة التايمز لما يوفره مثل هذا الموقع من صلات واسعة في السياسة البريطانية ومع كبار المسؤولين سواء في الحكومة أو في الجيش أو الاقتصاد او المخابرات.
ثالثا: وزارة الخارجية. رابعا: وزارة الداخلية.
والظاهر أن تحركات روجر هوليس في الصين وعلاقاته هناك كانت تتم وفق خطة موضوعة تمكنه من الالتحاق بالمخابرات البريطانية. لعل هذا ما اراده له الروس. وتمكن فعلا من الالتحاق بهيئة مكافحة التجسس سنة 1939، مساعدا لرجاين سيسمورة الموظفة الكبيرة في تلك المخابرات من غير أن يخضع للتحقيق الصارم المألوف بالنسبة لتعيين أمثال هؤلاء الموظفين، حيث من المؤكد أن بيته الدينية بصفته ابن اسقف أوحت بالاطمئنان اليه
وطبيعي أن لا يذكر روجر علاقاته اليسارية أثناء وجوده في الجامعة أو أثناء عمله في الصين، حتى أنه لا وجود لملف له عن هذه النشاطات في القسم الذي عمل فيه بعد ذلك مدة 29 عامة بصفته موظفة عادية في البداية ثم نائب مدير ثم مديرا في النهاية. وعلى الأغلب أنه هو نفسه قد أتلف ملفه وكانت مهمة روجر هوليس الرئيسية باعتباره المساعد الأول لجاين سيسمور أن يشرف على عمليات المخابرات السوفياتية في بريطانيا ومستعمراتها. وكان طبيعية وهو في هذا المنصب أن يتعرف الى هذه المحاولات من جهة وأن يطلع من جهة ثانية على محاولات المخابرات البريطانية لاختراق الحزب الشيوعي البريطاني وتجنيد أعضائه أو زرع عملاء في داخله. والملاحظ هنا أن المخابرات الانكليزية كانت قد تمكنت قبل سنة 1938 أن تفك رموز الشيفرة الاتصالات الكومنترن بالأحزاب الشيوعية وبرجال المخابرات السوفياتية.
ومن هنا كانت أهمية إصرار روجر على الدخول الى هذا القسم. والواقع أن كل الاتصالات المذكورة عبر تلك الرموز توقفت بعد انتساب هوليس الى هذا القسم
على أي حال فإن نجاح روجر في التسلل الى المخابرات البريطانية بدل بوضوح على قصور اجراءات الأمن في المخابرات البريطانية، والتي كانت تعتمد على العلاقات الخاصة بين أفرادها الذين ينحدر معظمهم من الطبقات الأرستقراطية والمحافظة، وهي صفة كانت تفتح الأبواب وتتيح الفرص دون تحقيقات جدية.
ولم تبدا الشكوك بهوليس قبل الخمسينات، أي بعد أن التجا الى الغرب عدد من ضباط المخابرات السوفياتية وكشفوا عن مدى التسلل السوفياتي في المخابرات الغربية والبريطانية بشكل خاص، وعن وجود حلقة من خمسة بريطانيين في خدمة المخابرات السوفياتية. وكان انتقال دونالد ماكلين وغاي بيرغس العاملين في المخابرات البريطانية إلى روسيا في مايو 1901 بداية تشكيك قوي وتنبيه عنيف الى هذه الحلقة وضرورة معرفة بقية أفرادها، اعتقادا بان العميلين المزدوجين الذين فرا هما اثنان فقط من بين الخمسة. والواقع أن المخابرات المركزية لم تكشف عن هذه الحلقة الخمسية قبل عام 1911 ومن الطريف أن نذكر هنا أن وكالة المخابرات المركزية الأميركية كانت واثقة من ضلوع هوليس بالخيانة، وقد قامت بالتحقيقات بمعاونة مكتب التحقيق الاتحادي (الاميرکي) وفق خطة مدروسة خاصة بالمؤسستين. وفي العام 1907 جاء شخص يدعى (اراغي) وهو موظف الشيفرة بسفارة تشيكوسلوفاكيا بواشنطن، وعميل سري لمكتب التحقيق الاتحادي بمعلومات عن وجود عميل مهم للروس في المخابرات البريطانية. والملاحظ هنا أن العملاء السوفيات عمدوا بعد ذلك الى تغيير طرقات سيرهم فيما يدل على معرفتهم بأنهم مراقبون.
وفي العام 1992 أبلغ «غوليتسين، الموظف بالسفارة السوفياتية في هلسنكي (فنلندا) وكالة المخابرات المركزية بوجود عميل كبير للسوفيات في المخابرات البريطانية، وأشار الى «حلقة الخمسة، معززة بذلك أنباء وشكوكة سابقة
في سنة 1945 کشف ايغور غوزينكو، الموظف في السفارة السوفياتية في أوتاوا في كندا لأول مرة عن وجود عميل سوفياتي في المخابرات البريطانية باسم ايلي  Elli  وقال عنه أنه موظف عالي الرتبة، واستطاعت المخابرات الغربية أن تكشف بالتالي عن حلقة من عملاء للسوفيات في الغرب. أما العميل العالي المكانة المسمى بايلي فظل مجهولا لأن اتصال السوفيات به كان عبر رسائل سرية توضع له في أمكنة سرية في شقوق أو ثقوب. وباعتبار أن «روجر هوليس مسؤول عن مكافحة المخابرات السوفياتية في بريطانيا والبلدان الأخرى التي كانت خاضعة لها، فقد انتدب هو بالذات للذهاب الى كندا للتحقيق بشأن رغوزينکو وصحة معلوماته. وقد لوحظ هنا آن رايلي، أبلغ السوفيات عن معلومات المخابرات البريطانية بشأن العملاء الروس في بريطانيا. والظريف في الأمر هنا أن «ايلي، قد ارسل للتحقيق بشأن «ايلي، بالذات.
وفي العام نفسه جاء أحد رجال المخابرات السوفياتية إلى سفارة بريطانيا في اسطنبول وأبلغها نبا وجود عميل للإتحاد السوفياتي في رئاسة المخابرات البريطانية. لم يستطع تحديد هويته لكنه أكد أنه رفيع المستوى.
وفي سنة 1946 اراد مدير المخابرات البريطانية أن يقوم بحملة واسعة المكافحة عمليات الدعاية والتخريب الشيوعية في بريطانيا. وطلب من روجر هوليس أن يجري تحقيقا حول هذا الموضوع. لكن التحقيق الذي قام به جاء تانها، لا يتضمن أية معلومات ذات قيمة برغم اعتقاد رئيس مجلس الوزراء آنذاك بوجود مثل هذه العمليات.
وفي هذه الفترة وافق هوليس،، المسؤول عن مراقبة النشاطات السوفياتية في بريطانيا، علي استخدام العالم الذري كلاوس فوخس في المحطة البريطانية للابحاث الذرية، وهو المعروف بميوله الشيوعية منذ لجوئه الى بريطانيا عام 1933 بعد قيام النظام النازي في المانيا. وكانت السلطات البريطانية قد أجرت بشان فوخس ستة تحقيقات في 1941 و 1948 ولكنها لم تسفر عن شيء. ولقد تجاهل هوليس علاقة فوخس باورسولا بيرتون، بغض النظر عن قيامها بدور المراسلة له منذ عام 1924 وعن علاقة الاثنين بحلقة مخابرات سوفياتية في سويسرا، وهي جزء من معلومات كان يفترض أنها معروفة جيدة لرجال المخابرات المتخصصين في مراقبة محاولات التسلل السوفياتية.
ولم يعترف العالم الالماني فوخس بدوره في المخابرات الشيوعية قبل سنة 1948 الا بعد تحقيق عنيف متواصل من قبل أحد المحققين البريطانيين المعروفين بالحنكة والقدرة بمشاركة وكالة المخابرات المركزية ومكتب التحقيق الاتحادي وفك رموز الشيفرة الروسية، مما كشف عن عمالة هذا العالم واضطر للإعتراف ولكن دون أن يتبين بصورة مباشرة أي دور لروجر هوليس في اخفاء حقيقته.
لقد كان افتضاح أمر كلاوس فوخس ضربة عنيفة لا من حيث القاء الشك على قدرة المخابرات البريطانية، وإنما أيضا من حيث أثرها على العلاقات الأميركية البريطانية. ذلك أن المخابرات الأميركية أصبحت لا تثق بالمخابرات البريطانية ولا تضمن أن لا يسرب العملاء السوفيات في الأجهزة البريطانية كل المعلومات التي تصلها من أميركا. وبالتالي فإن الأميركيين أصبحوا أقل تعاونا مع الانكليز في مجالات المخابرات. ولم تمض فترة قصيرة حتى حدث ما يعزز المخاوف والشكوك الأميركية في المخابرات البريطانية بعد عملية فرار ماكلين وبيرغيس الى الاتحاد السوفياتي بإيحاء من روجر هوليس نفسه
ونحم دائرة الاتهام في هوليس وحده، أن عميلا روسيا باسم در استفوروف، رفض الذهاب الى بريطانيا بعد انقلابه على بلاده خوفا من اختراق المخابرات السوفياتية للمخابرات البريطانية. وهناك نول لانطوني بلنت الضابط في المخابرات البريطانية والذي كان عميلا سوفياتية، بأن السوفيات لم يطلبوا منه معلومات عن الدائرة التي عمل فيها روجر. وتفسير ذلك أن روجر كان ينقلها اليهم بنفسه. ثم إن نجاح المخابرات البريطانية بالنسبة للمخابرات غير السوفياتية بين عامي 1901 و 1991 بالمقارنة مع فشلها المتواصل في هذه الفترة مع المخابرات السوفياتية بالذات تؤكد الشكوك حول روجر.
هذا بالإضافة إلى أن الرأي الراجح حاليا في دوائر المخابرات الغربية هو أن تسهيل فرار ماکلين وبيرغيس كان يستهدف انقاذ الجاسوس الكبير اكيم فيلبي، الذي كان يتولى إدارة الدائرة السوفياتية في المخابرات البريطانية. وقد أرسله روجر الى بيروت بصفته مراسلا لمجلة «الايكونوميست، وصحيفة والأوبزرفر، لإبعاده عن مرمي بصر المرتابين في لندن أو في الولايات المتحدة،. حيث كان الشك قد أخذ يساور وكالة المخابرات المركزية، بل ان نائب المدير فيها «بيدل سميث، كان يعرب عن تأكده من أن «فيلبي، جاسوس سوفياتي.
وفي عام 1992 برز دليل جديد على علاقة كيم فيلبي بالسوفيات، حيث وشت به احدي رفيقاته في الحزب في الثلاثينات وهي سيدة يهودية اسمها
فلورا سولومون، صديقة كيرنسکي، وكانت تعلم بصلة فيلبي بالسوفيات فابلغت المخابرات البريطانية بعد سلسلة مقالاته الصحافية في جريدة الأوبزرفر التي كان يبعثها من بيروت منتقدا فيها اسرائيل اشد الانتقاد وتأخذ جانب العرب وعبد الناصر في تلك الفترة. وقد نجح فيلبي في الفرار الى موسكو من بيروت في شهر كانون الثاني / يناير 1993.
أما انطوني بلنت فقد وشي به زميل اميرکي له اسمه ميکل هوتني سترايت، بعد أن قال بأن ضميره الوطني استفاق بعد طول نوم ودفه الى إبلاغ السلطات البريطانية معلوماته عن بلنت عام 1963. وقد بذل روجر جهدا كبيرا لوقف فتح التحقيق معه بحجة أنه حافظ الأثريات الفنية لجلالة الملكة البريطانية، وتأجلت حكاية بلنت حتى انکشافها سنة 1979. وكثيرا ما سخر هوليس من القول بوجود عملاء للروس في المخابرات البريطانية. ثم إنه وقف بوجه التوسع في التحقيق بشأن أحد رجال البحرية البريطانية «هاري موتون، في 1908 وعلاقته بالمخابرات السوفياتية، بعد أن تلقت وكالة المخابرات المركزية وشاية عنه من أحد عملائها في بولونيا باسم القناص، أو
ميکل غولينفسکي، الذي أكد أيضا وجود عميل كبير للسوفيات في المخابرات الانكليزية. وكان مبرر المدير العام هوليس لمعارضة التحقيق الموسع أن ذلك قد يضر بمنظمة حلف شمال الأطلسي (ناتو) لأنه سيتناول أشخاص آخرين أيضأ ويفضح عددا من كبار المسؤولين الغارقين في حياة الشذوذ الجنسي
لقد وجدت دوائر المخابرات البريطانية صعوبة الى درجة الاستحالة في تجنيد مواطن سوفياتي واحد من الجالية السوفياتية في لندن ليعمل المصلحتها. وتفسير ذلك أن روجر هوليس رئيس قسم مكافحة المخابرات السوفياتية كان يبلغ المخابرات السوفياتية عن مثل هذه المحاولات.
واذا لم نأخذ بمعلومات نقلها عملاء ومخبرون في سفارات غربية في دول شرقية أو مواطنون سوفيات عاملون في المخابرات السوفياتية ثم انقلبوا ولجأوا إلى الغرب عن وجود موظف كبير في المخابرات البريطانية عامل المصلحة السوفيات، فمن كان يستطيع أن يعرف بوجود ثقب صغير بقدر رأس دبوس في جدار السفارة السوفياتية في لندن للتنصت على السفارة؟ اكتشاف ذلك بالصدفة مستحيل فكيف اذا كان اكتشافه قد تم بسرعة؟.
استقال روجر هوليس من منصبه عام 1965 ليعيش حياة هادئة , ولكن ما يجدر ملاحظته أن المخابرات البريطانية ولأول مرة منذ استقالة هوليس من منصبه استطاعت أن تحقق بعض الانتصارات على المخابرات السوفياتية في
حربهما السرية الدائمة والمستمرة الى اليوم، حيث تمكنت من اعتقال «جورج بلايك، العامل في المخابرات البريطانية والذي كان في حقيقته جاسوسا سوفياتية، وكذلك في عام 1971 عندما عمدت السلطات البريطانية الى طرد أكثر من مئة ضابط مخابرات سوفياتي كانوا يعملون في السفارة السوفياتية في لندن عرفت أسماؤهم من عميل بريطاني في المخابرات السوفياتية. وهنالك من يعتقد بأنه لم يكن ممكنا الكشف عن الجاسوس السوفياتي غانتر غليوم» الذي كان يعمل مساعدة أول للمستشار الالماني السابق ويلي براندت لو بقي روجر هوليس على رأس المخابرات البريطانية لصلة هذه المخابرات في کشف غليوم. وقد بلغ الأمر ببريجنيف إلى الاعتذار من ويلي براندت عندما زار هذا الأخير الاتحاد السوفياتي في الثالث من يوليو 1970 مدعية أن غانتر غليوم كان جاسوسا لالمانيا الشرقية وليس للكرملين.
وفي سنة 1973 توفي روجر هوليس اثر نوبنين قلبيتين وهو بالطبع عالم بما كان يدور حوله من شبهات ومن إصرار على اثبات هذه الشبهات. حتى أن رئيسة وزراء بريطانيا السابقة مارغريت تاتشر قالت بأن مبرر اجراء التحقيقات بشأن السير روجر هوليس کان وجود دلائل لا اثباتات. وقد اعتبرت جريدة
التايمز» اللندنية هذا التصريح اعتراف رسميا بشكوك خطيرة ومؤكدة في الوقت نفسه أن المخابرات البريطانية كانت في الواقع مخترقة حتى النخاع
الشوكي.

هذا ونستطيع القول أن روجر هوليس وجه ضربات محكمة للجاسوسية البريطانية والاميركية والمنظمة حلف الأطلسي برمتها. ولو استطاعت هذه المخابرات مجتمعة أن تنبش قبر هوليس وتخفي عظامه في مكان لا يصل اليه نور الشمس لما تأخرت في ذلك لحظة واحدة. فهي تخشى أن تكون لها المخابرات السوفياتية بالمرصاد حتى في فبر روجر، عندئذ تعيش الكارثة بشكل مضاعف وتكبر في البلعوم الأطلسي وتضيق الأنفاس تمهيدا لمرحلة الاختناق.
وعلى هذا الأساس عدلت عن القيام بهذه الخطة حتى لا يتحول أمثال هؤلاء العملاء لانديسين، ثوريين؛ وحتى لا تتحول قبورهم ايضا الى مزارات.
المراجع
1- شابمان بينشر صناعتهم الخيانة تلخيص ميخائيل الخوري، مجلة
الجيل القبرصية. المجلد الخامس. العدد الرابع. 1984، بعنوان فضيحة العصر: مدير المخابرات البريطانية جاسوس سوفياتي
ص 145 - 156. 2 - شابمان بينشر صناعتهم الخيانة تلخيص ميخائيل الخوري، مجلة
والجبل، القبرصية. المجلد الخامس العدد الخامس، 1984. ص 144 - 100.









مصادر و المراجع :

١- موسوعة الامن والاستخبارات في العالم

المؤلف: د. صالح زهر الدين

الناشر: المركز الثقافي اللبناني للطباعة والنشر والتأليف والترجمة - بيروت

الطبعة: الاولى

تاريخ النشر:2002 م

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید