المنشورات
ممر حلفاية وأسرار قائده الناري
في ممر الجحيم
ما أعظم القائد الحكيم وما أكبر قيادته في تاريخ الشعوب والأوطان، وكم كان مصيبة في قوله، فريدريك الأكبر، حين قال: «لا يحتاج القائد الناجح إلى أن يكون قديرا فحسب، بل يجب أن يحالفه الحظ أيضا، هو واحد من هؤلاء لقبه جنوده بالشيطان المراوغ، والقس. وأطلق عليه أعداؤه البريطانيون لقب والقس ألناريا. إنه الرائد الألماني باخ، بطل مسارك ممر حلفاية، والمحافظ عليه حتى بعد استيلاء البريطانيين على المنطقة المحيطة به. ولم يسقط الممر إلا بالجوع والعطش وليس بالقتال. و لا يمكن للإنسان أن ينام جيدا بملابسه كاملة. فذلك مثير للاعصاب، وخصوصا اذا كانت هناك براغيث ترعى. لقد وشم الرقيب رأهراردت، من أعلى رأسه إلى أخمص قدميه من لسعاتها المؤلمة. الجنود في حاجة الى الراحة، وهذه البراغيث الدقيقة جعلتهم أقرب إلى الجنون ... فالمقاتل الصلب بقف عاجزة أمام هذه المخلوقات الصغيرة المؤذية، ولا يدري كيف يقاومها. ولسوء الحظ فليس لها رؤوس كبيرة مثل الثيران حتى يطلق عليها الرصاص. ولم تكن البراغيث وحدها هي التي تثير الفعال الجنود. كانت هناك الاشاعات أيضا. ذلك الطنين الذي انتشر في كل مكان. لقد جاء الرقيب «براندل، بإشاعة جديدة إلى الوادي: «عند البريطانيين دبابة جديدة تقف أمامها المقذوفات المضادة للدبابات كانها لسعات البراغيث، تدعى ماركة 2،. لم يشاهد أحد منهم واحدة بعد، ورغم ذلك كان الجميع بعددون معجزات هذه الدبابة البريطانية ... وبالتدريج أخذ رعب اماركة 2، يتمكن من النفوس، وبقي الجنود في حال الطوارئ منتظرين فترة طويلة، والانتظار يثير الأعصاب كذلك. خلال نيسان/ابريل من العام 1941، اتخذت الوحدات المتقدمة من الفرقة الخامسة الالمانية الخفيفة مواقعها في ممر حلفاية - ذي الأهمية الاستراتيجية - على الحدود المصرية - الليبية. بذلك أمكن للألمان الحصول على مراكز متقدمة أمام جبهة السلوم .. وكان على الانجليز لتخفيف الضغط على قواتهم، أن يستولوا على مر حلفاية اولا. وفي منتصف أيار /مايو/ وعلى وجه التحديد بين يومي 15 و 17، هاجم الجنرال ويفل الممر بقوات من لواء الحرس الثاني والعشرين وطرد سرايا اللواء 15 مشاة المحملة، وبطارية مدفعية ايطالية، من مواقعها في الممر، واسر الحامية الالمانية بأكملها، عدا 12 رجلا، لكنه لم يحقق أهدافه الأخرى. فبعد احتلال قواته للسلوم وكابوتزو، تمكن الألمان من استردادها، بعد هجوم مضاد دموي، قامت به مجموعة قتال «هرف،.
وفي 29 أيار / مايوا، صدرت الأوامر لمجموعة قتال هرف، باحتلال ممر حلفاية. ما أسهل على ما يبدو تنفيذ هذا الأمر .. وخصوصا على الخريطة .. يتقدم الآلاي الثامن البانزر بقيادة العقيد کرامر، من السلوم جنوبا عبر الصحراء، ثم يغير اتجاهه الى الشمال، ويهاجم المدافعين البريطانيين عن الممر من الخلف. بعاون مدرعات الآلاي البانزر في الهجوم، كل من مدفعية الألاي 33 بانزر الثقيلة، والكتيبة الأولى من الآلاي 104 مدفعية الممر، بالمواجهة سيرا على الأقدام.
يقوم بهجوم مخادع في الجنوب والجنوب الشرقي - لجذب انتباه البريطانيين عن الممر - الألاي الخامس بانزر، مع بطارية مدفعية وخمسة مدافع 88 ملم ووحدات من المدفعية الايطالية، تتقدم من منطقة تجمعها غربي كابوتزو. قتل قائد الكتيبة الأولى من الألاي 104 مدفعية، في اليوم التالي للخدمة في أفريقيا، في معركة أمام دفاعات طبرق، وحل محله الكابتن ولهم باخ»، الذي كان يصفه الجنود بالشيطان المراوغ، ويصفه ضباط الصف بالقس. ولم تكن كلمة قس كنية، فقد كان قائدهم الجديد ضابطأ احتياطية، وكان قبلها قسيسا وراعية للكنيسة الأنجليكية في مانهايم. وحين قدم «فريدل شميدت، نفسه اليه، فوجي، بلطفه الزائد. فقد كان يبدو أبعد ما يكون عن الصورة التي كانت مرتسمة عنه في مخيلته، صورة الرجل العسكري الصارم، اذ كان ودودا فاضلا نبيلا، في حوالي الخمسين من عمره، تزيد قامته، عن الستة أقدام، وله شارب. قابل الملازم بلطف، وانحني له، وقال: «حسنا .. لقد وصلت سالما الى هنا يا صديقي .. كان يتكلم وهو يدخن سيکاره بشغف، ويميل برأسه قليلا مع كل نفحة دخان. واستطرد «حسنا يا صديقي .. أرجو أن تجد المتعة والهناء في وجودك معنا.
و لم يسبق للملازم شميدت أن سمع في كل خدمته العسكرية أن ضابطة أقدم تمنى للأحداث متعة وهناء، وخصوصا في وقت الحرب، وفي ممر حلفاية بالذات ... ولكن كان هذا هو القس باخ.
ضرب هذا القس المثل الرائع للجندية الحقة في تاريخ الحملة الأفريقية، فلم يعط أمرأ قط، لم يكن مستعدة لتنفيذه بنفسه. لذلك أحبه جنوده، وقلما كان القائد محبوبة من جنوده. أما البريطانيون، فقد استمروا في الاشادة بحميد خصاله حتى لقبته الجرائد الانكليزية ببطل ممر حلفاية ودبالقس الناري،،
كانت كتيبته مختبئة في خنادقها في وادي القلال، ودرجة الحرارة قد وصلت الى؟؟ درجة فهرنهيت في الظل، لم يكن أحد يجرؤ على الزحف في الوادي، فمجرد أن يرفع أحدهم رأسه، كانت طلقات الرصاص تتطاير حول خوذته الفولاذية، كالمطر المنهمر، كما أخذت المدافع البريطانية 70 ملم، تطلق نيرانها من فترة إلى أخرى، دون أن يدري أحد من أين تطلق هذه المدافع. وهنا تحرك رباخ، في الوادي بحذر، واتخذ لنفسه موقعأ على الطلقات، ولكنه تمكن من اتخاذ ساتر له، في الوقت المناسب، وحدد تماما مكان المدفع البريطاني، وأرسل المعلومات الى بطارية المدفعية، وفي ربع ساعة سكت المدفع المخيف. وتهامس الجنود اهل رأيتم ما فعل الرجل العجوز؟، وأحنوا رؤوسهم الى الأرض، ولكنهم تقدموا للهجوم عندما رفع الرجل العجوز بده بالإشارة. ونجع الهجوم، وأخلى الحرس البريطاني الممر، وهكذا أصبح ممر حلفاية، مرة أخرى، في يد الألمان.
ابتدأ الهجوم البريطاني في العملية باتل اکس)، وهدرت الدبابات في الرابعة بالضبط من يوم 15 حزيران / يونيو/ 1941. تلك الدبابات الجديدة ماركة 2 التي وصلت الى الجبهة محملة على ناقلات دبابات خاصة. ودبابات المشاة الضخمة ماتيلدة ماركة 2 أيضا.
استمر المهندسون الألمان لمدة أربعة عشر يوما يحصنون ممر حلفاية، الذي استولوا عليه بعد عناء شديد. وكانوا سعداء للنتائج التي حصلوا عليها من مجهودهم، ومن العجيب أن هناك أشياء تسبب السرور في الحرب .. ويعلم الله أن المدفع 88 ملم الموجود في الدشمة - مما لا يسهل اخفاؤه. قد اختفى جيدا وبنجاح. ابتعد الملازم درشتر، لمسانة 100 باردة من المدفع، واستلقي على بطنه، لمعرفة مدى إخفاء المدفع وتمويهه، ولم يكن هناك أثر حتى للدشمة، ظاهر للعيان. وهناك سبب آخر، فسراب الصحراء الدائم يخفي كل شيء حتى ارتفاع ثلاثة أقدام، وكل ما هو أعلى من هذا الارتفاع، يظهر أكبر من حقيقته.
دق جرس تلفون الميدان في مساء 14 حزيران / يونيو، وكان المتكلم هو الكابتن باخ .. قال بهدوء: هناك ما يشير الى وجود شيء في الجو الليلة أو في صباح الغد الباكر، ولكنكم مقاتلون قدامي محنكون، ولديكم جماعة مهندسين قديرة، ثم قال للملازم شميدت. الك عندي مهمة خاصة ... ستكون احتياطي مهندسين، فإذا اخترق انجليزي أي مكان تطرده منه فورة» .. كانت مهمة بسيطة للغاية .. اذا اخترق جندي انجليزي مكانة اطرده فورا، يا لها من مهمة واضحة وجلية تماما .. لا شيء يمكن أن يكون أوضح من ذلك .. إنها تبدو وكأنها وصفة في كتاب طهي ... ضع هذا على ذاك، فتكون الكعكة معدة ... وفي المساء أغلق المهندسون الثغرة، التي كانت في حقل الألغام بين السرية الثالثة وجماعة المدفع المضاد للدبابات، وضوعفت الحراسة، وأرسلت الدوريات الى الخارج، وكان كل جندي متيقظة في خندقه في الساعة 21?57، سمع صوت المذيع من محطة الإذاعة العسكرية الألمانية في بلغراد. ثم أغنية اليلي مرلينا. استمع الجنود لهذه الأنغام العذبة من أجهزة الاستقبال، في عرباتهم ودباباتهم. فقد كانت اغنية عذبة انتشرت في كل أنحاء المعمورة. إنها تعود بهم إلى التفكير في الوطن وفي السلم وفي الزوجات وفي المدن وفي القرى، وتستطيع أن تجعل الدموع تترنرق حتى في عيون ثعالب الصحراء الخشنين الأشداء، ولم تكن تجلب الدموع في عيون الجنود الألمان وحدهم، فقد كتب آلان مورهيد، في كتابه عن أفريقيا يقول: الم يطرب هذا اللحن الجنود الألمان وحدهم، بل أطرب الجنود البريطانيين كذلك، هذه هي أغنية اليلي مرلين»، التي كانت قطعة من تاريخ الحرب. وكان عواء ابن آوى، يقاطع صوت اللحن في ممر حلفاية، مذكرا بالحقيقة المرة. إنهم ليسوا في أوطانهم، وأنهم بعيدا في الصحراء الموحشة
أشارت الساعة إلى الرابعة، وسيبزغ الفجر عما قريب. وظهرت سحابة ضخمة من الأتربة في الأفق ... إنهم قادمون. الفرقة الرابعة الهندية مدعمة باللواء الرابع المدرع، واتخذ الكابتن باخ موقعه مع المدفع المضاد للدبابات، ذلك المدفع 88 ملم الذي كان عليه أن يلعب الدور الرئيسي خلال الساعات القليلة المقبلة.
الأوامر صريحة رلا تطلق النار تحت أي ظرف من الظروف، دعهم يقتربون،. أوامر من السهل إعطاؤها .... سليمة ومناسبة للموقف. كان الجميع يرقدون في خنادقهم. وتقدمت الوحوش الهائلة ببطء، وارتعشت الأيدي .. وغشت الأنظار، وقلت الرؤيا، فالعدو قادم من الشرق ووراءه الشمس، وزادت ضربات القلوب ... وكان السكون ناتة .. وأسرعت الدبابات ... وحوش هائلة ثقيلة سوداء. إذن هذه هي ماركة 2، المفزعة
المخيفة.
ثم سمع انفجار يصم الآذان ويمزق الجو. نطق المدفع 88 ملم، وصدرت الأوامر بفتح النيران. إصابات مباشرة واعمدة من النيران. ثم إصابات مباشرة أخرى، وتمزقت أبراج الصلب المقسى من فوق الدبابات
ماركة 2)، لم يتراجع البريطانيون، فهم مصممون على احتلال الممر والطريق الساحلي توطئة لاحتلال ميناء السلوم، ليكون قاعدة للتموين.
تقدم رجال اللواء الحادي عشر الهندي، واللواء الثاني والعشرين حرس، کانوا فتيانا ممشوقي القوام، يتقدمون في الأرض المنبسطة إلى مواقع الألمان، حيث ينتظرهم الموت في أطراف الأصابع الموضوعة على الزناد. كان لهم امهات وزوجات وحبيبات ويحبون الحياة .. ولكن تسلطت عليهم جميعا فكرة واحدة، هي طرد الألمان الملاعين من خنادقهم في ممر حلفاية .. و ... فتحت أبواب جهنم ... هذه هي الحرب الحديثة ... قتل بطريقة فنية وتدمير شامل. ووقفت دستة من الدبابات المحترقة أمام المواقع الألمانية، لا حول لها ولا قوة. وانطلق المدفع 88 ملم على تشكيلات المشاة المنضمة أيضا، يقتل فيها ... فتمزق المهاجمون شذر مذر. ومنذ هذه اللحظة، أطلق على ممر حلفاية اسم ممر جهنم).
يقول التاريخ الرسمي للحرب الأفريقية، الذي نشر بواسطة الحكومة البريطانية عام 1956، بعد دراسة مستفيضة لكل المصادر القد فشلت عملية رباتل اكس»، التي بدات بأمل كبير، لعدم إمكان الاستيلاء على ممر حلفاية او المرور من النقطة 208 لعزم الدفاع وشدة نيرانه. وبرهنت المدافع 88 ملم التي كانت مختفية تماما، إنها مؤثرة على أية دبابة بريطانية، كما العب عامل المفاجاة دورا مهما وبارزة في هزيمة البريطانيين،. في صبيحة 18 تشرين الثاني/نوفمبر/ 1941، انفجرت الحدود المصرية - الليبية بالهجوم البريطاني في معركة الكروسيدره. وفي ممر حلفاية القريب، أغلق الرائد باخ وجنوده الطريق الساحلي في وجه تقدم البريطانيين. ولمعرفة ما حدث في ممر الجحيم، مفتاح الطريق إلى مصر، الذي طال التنازع عليه، فلنستمع الى رواية جنديين عن هذه المأساة، التي اكسبت الرائد باخ، الاسم الذي اشتهر به عند البريطانيين والقائد الجهنمي،،، وذلك بعدما تجاوزته القوات البريطانية، وأصبح مع رجاله معزولين في قلب الممر.
اکانت مياهنا تتناقص باستمرار، وبسقوط السلوم السفلي، احتل البريطانيون بئر مياهنا، وبدات شفاهنا تتشقق وحلوقنا تجف. وكان علينا أن نعمل شيئا. أمر الأب باخ قوات الصاعقة بالاستيلاء ثانية على بئر المياه، الفترة قصيرة، حتى نتمكن من إعادة الملء .. يا لها من معركة من أجل
المياه.
نجح الملازم انيجهولز، وجنوده، وبوغت البريطانيون تماما. ولكن في فوضى المعركة والظلام الدامس، أطلقت كل من المجموعتين الألمانيتين - اللتين هاجم بهما الملازم انيجهولز بئر المياه من كلا الجانبين - النيران على الأخرى. وقتل عريف، وكشفت صرخة أطلقها أحد الجرحي طالبأ حملة النقالات - عن المأساة. وعادت القوة ومعها جندي قتيل وآخر جريح وعربة محملة بالمياه، وكاد العريف «جنج، أن يفقد حياته في أثناء هذه الاغارة، كي يحصل على صفيحة مياه اضافية لنفسه ولزملائه. وأنقذه زميله برون، وحمله على دراجته النارية، قبل أن يبزغ ضوء النهار. ونجح جنج، في إنقاذ صفيحة المياه، وظل متعلقة بها كما لو كانت کنزة .. وفي الحقيقة فإن صفيحة المياه هي کتز في ممر حلفاية .. وخلال أيام عيد الميلاد في العام 1942، لم نرسل معايدات إلى الوطن، ولم نقم شجرة عيد ميلاد. فقط قرا لنا الأب باخ، قائدنا وقسيسنا، بعضا من الانجيل، وصرف لنا تعيينات من المياه خاصة. واستبدلت أجراس أعياد الميلاد، بقذائف 20 رطل البريطانية، التي كانت ترعد فوق خنادقنا وبين الصخور .. يا لها من ليلة عيد ميلاد. .
وعبثا حاول ارومل، تنظيم امدادنا، بالطعام والمياه، بواسطة الطائرات، من جزيرة كريت. ففي الرحلة الجوية الثانية، انتظرت المقاتلات الليلية البريطانية، الطائرات واليونکرز، وأسقطتها في البحر ... وبعد ذلك لم يصلنا شيء.
وفي الوديان ووسط الصخور، كان الجنود ينتظرون حال الاستعداد عند الغروب. وفي الخنادق والمخابيء ومواقع المدافع وفي الحملة ومطابخ الميدان المتنقلة .. كانوا يظهرون كالأشباح الشاحبة أو كاناس من عالم
آخره.
وفي المساء كنا نعود الى الحياة مرة أخرى. فتوزع التعيينات، فناجين من الحساء وعلبة من اللحوم المحفوظة وإبريق من القهوة المغلية في الماء المالح، لكل ثلاثة رجال في اليوم ... وهو مقدار لا يكفي للموت أو للحياة ... يكفي فقط للحرب. وتداولت السرية الثالثة المزحة التالية: «بهذا المقدار من الغذاء .. يمكن أن يحتمل الانسان الحياة وهو مستلق فقط
وكان من الطبيعي أن يعرف البريطانيون، الوضع على حقيقته، في الممر، وبعد تجاربهم الدموية في محاولة الاستيلاء عليه، اعتمدوا على أن بميتوا الحامية جوعا.
وفي إحدى ليالي منتصف كانون الثاني / يناير، وصل الى الممر، بضع مئات من فرقة سافونا الايطالية. شقوا طريقهم من نقطتهم القوية غرب الممر، إلى مواقع باخ، بموافقة رومل، فكانوا تعزيزة قوية، ولكنهم أضافوا عبئا على التموينات القليلة. وبعد اسبوع، انتهت التعيينات، فأرسل الكابتن نوبخت، وكان أندم قادة السرايا، للتفاوض مع قوات جنوب أفريقيا، وبعد الاتصالات الابتدائية للتسليم ذهب الرائد باخ والملازم شميدت من مهندسي الفيلق في عربتهم، للإتفاق على ترتيبات التسليم وشروطه. كان المسؤولان في قوات جنوب افريقيا معقولين، فتقدمت المفاوضات بسرعة وسهولة ويسر. وعندما وقع باخ الوثيقة وغادر الخيمة، أوما الملازم شميدت الى سائق العربة .. وفهم الجندي، ودون أن ينبس بكلمة رفع العلم الأبيض من على الرفراف اليمين للعربة ووضعه على الرفراف اليسار .. لماذا؟ ...
كان ضمن شروط التسليم، أن على باخ بعد التوقيع، عدم إعطاء أي أوامر بتدمير الأسلحة والمعدات. لذلك رئب مع ضباطه خدعة. وأصدر أوامره قبل أن يركب العربة ويذهب الى المفاوضات بالأتي: «أول حارس الماني بشاهد العربة قادمة والعلم الأبيض يرفرف في الناحية اليسرى، عليه أن يرسل فورة إلى رئاسة الكتيبة العلم الأبيض على الرفراف اليساره. وكانت هذه هي الإشارة المتفق عليها لتنسف كل المواقع مدافعها وعربانها ومعداتها .. ولو أن المفاوضات لم تصل الى شروط تقسيم شريف لبقي العلم الأبيض على الرفراف اليمين للعربة. ومعنى ذلك أن تبقى كل الأسلحة محشوة بالذخيرة ومستعدة لإطلاق النيران. ونجحت الخدعة ... ولم تتحقق ابدأ رغبة نادة جنوب أفريقيا في الاستيلاء على أي من مدافع 88 ملم سليما.
وأعلنت القيادة العليا الألمانية في بلاغ لها، أنهم قاتلوا حتى آخر طلقة .. وبدا ذلك رائعة ... ولكن الحقيقة كانت خلاف ذلك. والحرب لم تكن أبدأ رائعة. كان لا يزال لديهم بعض الطلقات، ولكن الجوع والظمأ جعلهم يجثون على ركبهم .. وسقط الصقر في قبضة أعدائه ... حين لم يعد يقوى على التحليق ... وانطبق على الرجل ما قاله فريدريك الأكبر الا يحتاج القائد الناجح الى أن يكون قديرة فحسب ... بل يجب أن يحالفه الحظ، أيضأ
ويبقى القائد رباخ، في النهاية مثالا للتقدير والاحترام، ليس من قبل جنوده فقط، بل من قبل أعدائه، ومن قبل البشرية جمعاء. نهو جدير بمنصب القيادة، كما هو جدير ايضأ بأن يقتدى به كجندي وقائد وإنسان. وأمثال رباخ، قليلون في هذا العصر، ولكنهم جديرون بالخلود.
المرجع
أ. حسن أبو لبدة. مجلة الجيل، القبرصية. العدد الأول المجلد الرابع.
شهر كانون الثاني / يناير 1983. ص 34 - 40.
مصادر و المراجع :
١- موسوعة الامن
والاستخبارات في العالم
المؤلف: د. صالح
زهر الدين
الناشر: المركز
الثقافي اللبناني للطباعة والنشر والتأليف والترجمة - بيروت
الطبعة: الاولى
تاريخ النشر:2002
م
1 أبريل 2024
تعليقات (0)