المنشورات
المجرم الصهيوني يحاكم المجرم النازي اسرار عملية اختطاف أدولف آيخمان الى اسرائيل»
النازية والصهيونية وجهان لعملة واحدة ... والصراع بينهما هو صراع قائم على الاجرام والمذابح ... ومن جمع في سجله العدد الأكثر، من الجثث، وفاحت منه رائحة الدم والموت اكثر من الأخر ... استحق لنفسه لقب: البطولة.
ويبقى الانسان في النهاية هو الهدف والضحية
وتبقى مصيبة العصر أن يعمد مجرم محترف لمحاكمة مجرم محترف آخر .. هذا هو الحال في محاكمة المجرم النازي أدولف آيخمان من قبل المجرم الصهيوني ايسر هرئيل، وسيده بن غوريون.
انها محاكمة غريبة بالفعل وتحمل في جوهرها الكثير من الخفايا والأسرار ... كيف حصل ذلك؟ وكيف انتهت؟ وكيف تمكن «الموساده الصهاينة من اختطاف أيخمان من الأرجنتين .. ويحاكمونه أمام محاكمهم في اسرائيل؟ ولماذا؟.
كان أدولف آيخمان من رؤوس النازية ومن مساعدي هتلر الأقوياء. عين في عام 1934 بالقسم اليهودي من خدمات الأمن التابعة للقمصان الزرقاء س. س. . s , s بوصفه خبيرة في قضايا الصهيونية، ولعب دورا أساسيا في صياغة الحل النهائي للمسألة اليهودية وتنفيذه أيضا. كان يعتز كثيرة بسهولة تنفيذ العمليات التي نظمها. وفي محاكمات انورمبرغ، ندمت الأدلة على أنه كان يفتخر بمساهمته في تصفية ملايين اليهود، وقد اشتملت تلك المساهمة على الدور الكبير الذي لعبه في الوسيع أوشفتس، الذي أصبح أكبر معسكر للإبادة بالجملة، حيث لقي حوالي مليونين من اليهود مصرعهم حسب الدعاية الصهيونية.
تمكنت دول الحلفاء من القاء القبض على عدد من كبار النازيين بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية وقدموا للمحاكمة في «نورمبرغ». في حين جرت تصفية حساب عدد آخر منهم على أيدي جماعة صهيونية أطلقت على نفسها اسم المنتقمين»، وهي من اللواء اليهودي التابع للجيش البريطاني بمساعدة رجال عسكريين متعاطفين معهم من فرنسيين وانكليز وأميركان وغيرهم من قوات الاحتلال. هذا في الوقت الذي تمكن عدد قليل منهم من الفرار والافلات من بد رالمنتقمين السريعة. وكان من بينهم أدولف آيخمان بالذات الذي عرف عنه الذكاء والخبرة في شؤون البوليس وقضايا الأمن، وتمكن من اخفاء مسالكه فيما يبدو اخفاء تاما، حتى حل خريف 1907.
في هذا الوقت كان رئيس الموساد الصهيوني دايسر هرئيل، قد حصل على معلومات موثوق بها من الدكتور «فرتس باور، المدعي العام في مقاطعة هيسي بألمانيا مفادها أن آيخمان يعيش في الأرجنتين.
درس ايسر هرئيل ملف أخمان دراسة عميقة، وصمم على ضرورة الإتيان به ومحاكمته. وإن القاء القبض على هذا المجرم الخطير، الذي ما من شك في انه يحيا باسم مستعار، وتحوطة رعاية أصدقائه في الحكومة الأرجنتينية وخارجها، سوف تكون واحدة من أصعب المهمات التي واجهها في حياته، ثم، ما العمل به اذا تم القاء القبض عليه؟ سيكون من السهل اليسير القضاء عليه بالأسلوب الذي يتبعه والمنتقمون،. ولكن ايسر هرئيل لم يكن يعتزم قتل ايخمان، بل كان ينوي الإتيان به الى اسرائيل ليمثل للمحاكمة أمام نازية جديدة بأسلوب قديم جديد على أرض الميعاد، حيث بذل ايخمان قصارى جهده لإبادة شعب الله المختار، الذي يدعى بأن فلسطين العربية هي «أرض الميعاد.
ذهب ايسر هرئيل فورا لمقابلة رئيسه دايفيد بن غوريون، ولم يكن الرجلان يناقشان عظائم الأمور على الهاتف. وقد تميز اللقاء بينهما بالقصر، اذ دخل ايسر مکتب بن غوريون وأخبره بأن لديه معلومات عن مكان اقامة آيخمان وقال: أود أن تمنحوني الضوء الأخضر لجلبه الى اسرائيل،، قال بن غوريون: رافعل ذلك،،
ومنذ تلك اللحظة اعطي لايسر هرئيل الأولوية رقم (1) لهذه المهمة
أما المدعي العام الالماني اقرتس باور، فقد استدل على أيخمان من يهودي أعمى في بيونس آيرس .. كان شاب بطلق على نفسه اسم نيکولاس أيخمان يتودد لابنته، وكان هذا هو اسم أحد أبناء أدولف آيخمان الذين ولدوا له في المانيا، وأدى ذلك إلى التعرف على عنوان عائلة أيمان، وهر 4291 شارع شاكابوكو في ضاحية أوليفوس في مدينة بيونس ايرس. وفي وقت مبكر من عام 1958 أرسل هرئيل أحد العملاء للإشراف على مراقبة المنزل. بيد أن خطأ ما قد وقع، وأحس أيخمان بالمطاردة، ومنيت الملاحقة بالفشل.
وفي آذار/ مارس من ذلك العام بعث ايسر الي بيونس آيرس رجلا حنكته التجارب يدعى «أفرايم الروم،. وقد انتقي ايسر ذلك الرجل بنفسه لأنه وجد فيه الشخص المطلوب لهذه المهمة.
وصل الروم، الى بيونس أيرس، فذهب على الفور لزيارة الوثار هرمان، وهو المحامي الألماني الأعمى الذي كانت ابنته تواعد نيکولاس ايخمان، وسمع والروم، منه كيف ثارت شکوکه لمباهاة ذلك الشاب بالدور الخطير الذي لعبه أبوه في جهود الحرب بألمانيا
وسارت الاستفسارات التي قام بها الرجلان عن المشتبه بأنه أدولف أبخمان في نريث ودقة. ولم يكن المنتحريان يريدان الوقوع في المخاطر.
وتم تسليح العملاء بملفات تحتوي على جميع النتف المعلوماتية التي تتيح لهم التحقق من هوية ايخمان، ومن هذه المعلومات سماته البدنية وصوته الاجش، ويوم الاحتفال بزفافه أيضا، وقد حرص النازي السابق على إتلاف كل صورة من صوره رقت يده عليها، فلم يدع لمطارديه سوى صور باهتة تعود إلى أيام ما قبل الحرب.
وفي ديسمبر 1909 تعرف بعض عملاء الموساد على أيخمان في هيئة رجل ينتحل اسم: اريکاردو کليمنت، وقد أفلح الفريق «الموسادي، بعد اقتفاء أثر الابن في تحديد موقع المنزل الذي تعيش فيه العائلة، وهو يقع في شارع اغاريبالدي، في منطقة سان فرناندو، المنخفضة بالمدينة، ودأبوا على مراقبة البيت وصوروه من جميع زواياه باستعمال عدسة مقربة مع عائلته في ذلك المنزل، واطمأنوا إلى أنه لابد من أنه سيكون أدولف آيخمان»، ولم يبق عليهم سوى الظفر بالبرهان القاطع على هوية الرجل.
ويوم 21 آذار / مارس ظفروا بالبرهان ...
ففي غسق ذلك اليوم، نزل ريكاردو کليمنت من سيارة الباص وسار متمهلا نحو المنزل، وفي يده باقة من الزهر، وحتي کليمنت راسه من تحت الأسلاك التي تحد ارضه، ثم قدم باقة الزهر الى المرأة التي قابلته بحرارة لدى الباب. وبدا طفلهما الأصغر الذي كان في العادة مهمل الملابس أو بلعب وهو عار في الحديقة، بدا أنيقا حسن الهندام آنذاك، ومن بعد علت ضحكات المحتفلين من وراء ستائر المنزل المسدولة.
ولكن، فيم كان يقام هذا الاحتفال؟.
وتناول أحد العملاء نسخته من ملف آيخمان فوجد فيه أن 21 مارس هذا هو العيد الخامس والعشرون لزفاف ابخمان.
وهنا انقشعت جميع الريب المتبقية حول «ريکاردو کليمنت، فقد كان هو أدولف ايخمان. ولم ينقض وقت طويل بعد تحقق عملاء ايسر هرئيل من هوية ابخمان، حتى قرر الذهاب الى الأرجنتين ليشرف بنفسه على عملية القاء القبض عليه، كما اختار ايسر بنفسه كل رجل في تلك المهمة من خيرة رجاله السريين، وكلهم كان قد قام بمهمة في الخارج مجازفة بحيائه. وجميعهم كانوا ممن بقوا على قيد الحياة ونجوا من الاضطهاد النازي ولاهدوا اخوتهم وآباءهم وأمهاتهم يساقون بعيدة الى معسكرات الاعتقال للمرة الأخيرة في حياتهم، وكان بعضهم - كما تقول الموساد - الوحيدين الذين بقوا أحياء من عائلات ابيدت تماما. وكان أحد هؤلاء شالوم دانيا، وقد ترعرع هذا في أحياء الغيتو، ثم نقل من معسكر الى آخر بعد الغزو النازي لمسقط راسه في المجر. أما أبوه فقد سيق الى الموت في غرف الغاز في بيرغن بنزن، حسب ما تروج له الدعاية الصهيونية
وذاق شالوم داني، عذاب السجن بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية على يد البريطانيين. أما دوره في هذه العملية، فقد تمثل بإعداد الوثائق اللازمة لأعضاء فريق الموساد ولايخمان نفسه من أجل تسهيل عملية اختفائه من الأرجنتين. هذا وقد بلغ أعضاء الفريق اثنين وثلاثين شخصا عامة ومساندة داخل الأرجنتين.
وبدات العملية بدون إحداث مناعب في نهاية شهر ابريل. وطار العملاء من جميع أرجاء المعمورة الى الأرجنتين، ولم يكن أي اثنين منهما من مدينة واحدة، وقليل منهم من كانوا من البلد نفسه، وقد شرع هؤلاء على الفور في استئجار منازل وآمنة لتكون قواعد انطلاق لعملياتهم. كما استأجروا ارتالا من السيارات، كانوا يبدلونها دائما وباستمرار كي لا ينتبه اليهم احد.
واعدت الترتيبات سلفة لنقل الأسير جوأ بإحدى طائرات شركة العال الذاهبة إلى بيونس ايرس لإنزال وفد اسرائيلي، يشارك في الاحتفال المقام في الذكرى المئة والخمسين لاستقلال الأرجنتين. وكان الحظ مواتية كل المواثاة لتمكن ايسر من المشاركة الفعالة في تحديد زمن السماح للطائرة بالاقلاع من الأرجنتين.
وفي 11 مايو كانت قد أنجزت جميع الاستعدادات، وتقرر أن يتغلب رجال الموساد على أيخمان في ذلك اليوم حين يعود الى بينة مساء، وان يختطف ويودع في أحد منازل الاسرائيليين والأمنة.
وفي الساعة السابعة والدقيقة 34 وقفت سيارتان في شارع غاريبالدي، وكان غطاء إحداهما مكشوفة، ورجلان يتذارسان ما بدا أنه عطل مافي السيارة، وفي المقعد الخلفي كان رجل متأهب للوثوب.
وكان لدى السيارة الأخرى الواقفة على بعد 30 مترأ رجل آخر يحاول تبين العلة في توقف محرك سيارته.
وكان آيخمان يعود الى البيت في سيارة الباص في الساعة السابعة وأربعين دقيقة، وسيقومون بالقبض عليه وهو يسير في طريقه إلى البيت.|
وصل الباص في الوقت المحدد. ولكن أيخمان لم يكن فيه. وازدادت حدة التوتر بين أفراد الجماعة، وقرروا انتظار قدوم الباص التالي، الذي لم يكن فيه أيضا، وكذلك في الباص الثالث. وعقد العملاء مؤتمرا عاجلا، فلو بقيت سياراتهم طويلا، لبدأت الشكوك تحوم حولهم، وسيؤدي ذلك إلى احباط المهمة بتمامها، بيد أنه لم يكن من السهل عليهم التراجع بعد كل ما فعلوه، اذن، بضع دقائق أخرى ...
وفي الساعة الثامنة تماما، لاحن سيارة باص أخرى، وهبط منها شخص وحيد. وفي أثناء مسيره تجاه العملاء عرفوا فيه رجلهم المطلوب. لحظات من الصمت، بقي فيها العملاء ينتظرون وصول أبخمان الى المكان
ا لم
دخولهم، ومن مؤتمر
ع
ان من السهل
الملائم.
وفجأة بهرت عيني ايخمان أضواء السيارتين. ألقى رجلان القبض عليه، فصدرت عنه صيحة فزع وحيدة، ثم ألقي في المقعد الخلفي من احدى السيارتين، ورأسه مضغوط بين ركبتي أحد رجال الموساد، رشد وثاق أبخمان، وسد فمه بسداد ما، ووضعت نظارتان قائمتان على عينيه، کيلا يعرف مختطفيه، ويكون أية فكرة عن الغاية التي يساق اليها، وقد دثر ببطانية وطرح على أرض السيارة. وانحني أحد رجال الموساد من فوقه وقال له بالالمائية: «اذا قمت بحركة واحدة، فسنطلق عليك الناره.
وفي أقل من ساعة بعد الاختطاف، كان أيخمان يستلقي معصوب العينين في الفراش بمنزل بقع في الجانب الآخر من المدينة، وكانت احدي ساقيه مشدودة الى هيكل السرير، وقد استبدلت ثيابه ببيجاما اشتريت له مؤخرة.
وعندما تفحم رجال الموساد خصائصه المميزة الواحدة تلو الأخرى، وجدوها مطابقة بأجمعها لمدوناتهم، وذهبت الى غير رجعة عجرفة ضابط القمصان الزرقاء. S . S. وكانت طريقة تهريب أيخمان الى الخارج قد خطط لها سلفا، في كثير من العناية والحرص. فقد وضع أحد العملاء في مستشفى محلي، بادعاء أنه يعاني من ضرر في الدماغ اثر حادث مزعوم، وكان أحد أقاربه طبيب الموساد يعوده كل يوم فيخبره كيف بصف أعراض حالته. الخطة تقضي بان يحدث تحسن بطيء ومنتظم لهذا المريض.
وفي صباح 20 مايو استعاد المريض صحته مما أتاح لأطبائه المسرورين أن بامروا بإخراجه من المستشفى، انهم منحوه شهادات صحية وإذنا خطية حسب طلبه بالعودة إلى وطنه بالطائرة.
ولم يكد المريض يخرج من المستشفى حتى أخذت منه أوراقه على عجل، واستبدلت بها صورة أبخمان ووثائقه الشخصية
كانت أصعب فترة في حياة ايسر هرئيل هي تلك الفترة الحرجة التي سيتم فيها تهريب أيخمان من بين موظفي الجمارك والجوازات، وعبر شبكة الأمن التي تحيط بالمطار ايضا. وقد نقل ايسر مقره المتنقل الى منضدة في مطعم الموظفين بالمطار، حيث بقي جالسا طوال اليوم يتلقى التقارير من عملائه.
والى جانب ايسر هرئيل، أمام أبصار سلطات بيونس ايرس كان شالوم داني جالسا يضع اللمسات الأخيرة على جوازات السفر المزيفة، ويتأكد من أن الوثائق التي وصلت اليه قد تم دمغها بأختام حكومة الأرجنتين الرسمية
وفي أثناء ذلك كان رجال الموساد يعتنون بحلاقة أيخمان واغتساله ونظافته، وقد ألبسه رجال الموساد بذلة مما يستخدمها رجال طيران شركة العال، وقام طبيب من الفريق بحقنه بإبرة خاصة فيها عقار تم تركيبه بحيث بشوش احساسات آيخمان فلا يعي شيئا مما يدور حوله، ولكنه يظل واعية في الوقت نفسه مما يتيح له السبر اذا أسنده رجلان عن يمينه وشماله.
وفي السيارة الثانية، من قافلة مؤلفة من ثلاث عربات ممتلئة جميعا بملاحي الطيران، سبق آيخمان الى مدخل الموظفين في المطار، وعندما اقتربت القافلة من مقر الحراس، أخذ رجال السيارة الأولى يغنون ويقهقهون،
جماعته ند استمتعوا بحياة الليل في بيونس آيرس كثيرة، حتى أنهم كادرا ينسون أنهم سيسافرون الى وطنهم في ذلك المساء نفسه. وكان بعض الرجال بهرمون من النعاس، مما جعل الحراس يتندرون بأنهم لن يتمكنوا من استعمال الطائرة مع هذا الخبل الذي أصابهم وقال السائق: أنهم على ما يرام، وما هؤلاء سوى الملاحين البدلاء، وفي وسعهم أن يكملوا نومهم في داخل الطائرة. عندها أشار الحراس للقافلة بالتقدم.
واخذ اثنان من عتاة الفريق يضغطان أيخمان بينهما بذراعيهما، وهما پسندانه عن يمينه وعن شماله ويساعدانه في تسلق المجاز المؤدي إلى الطائرة.
وعلى متن الطائرة تم دفع آيخمان، وجره ثم وضعه في مقعد مجاور للشباك، بالقسم الأمامي من الطائرة، ومن حوله كان الملاحون يتظاهرون بانهم يغطون في نوم عميق، ثم أطفا ربان الطائرة الأنوار في ذلك الموقع، ومضى الملاحون الأخرون يقدمون وثائقهم الواحد تلو الأخر الى موظفي الجمارك والجوازات، وكان كل شيء يسير بدون أدني متاعب.
معد للإنطلاق. وبعد قليل، هدرت محركات الطائرة، واندفعت في الممر بالمطار. وما هي إلا لحظات حتى كانت تحلق في الجو. وكانت الساعة حينذاك قد تجاوزت منتصف الليل بخمس دقائق، وبعد 24 ساعة من إقلاع الطائرة من بيونس آيرس، هبطت في مطار اللد وساق ايسر هرئيل سيارته على الفور الى مكتب بن غوريون، ولأول مرة أتاح لنفسه أن يتبسط في حديثه معه وقال: أتيتك بهدية صغيرة.
واعتري بن غوريون الوجوم لعدة ثوان. فقد كان يعرف أن ايسر يطارد أيخمان، ولكنه لم يكن يعلم أنه على وشك الاتيان به.
وبلغت فترة غياب ايسر عن اسرائيل، 23 يوما. وعندما عاد الى منزله في تلك الليلة سألته زوجته درنكة، اين كان، فكان جوابه الوحيد في مكان ما. غير أنها حصلت على معلومات أوسع في اليوم التالي عندما ألقى بن غوريون خطابة قصيرة بالغ الأهمية في الكنيست قائلا: «يتوجب على الاعلان عن أن الاستخبارات الاسرائيلية قد عثرت قبل وقت قصير على واحد من كبار مجرمي النازية وهو أدولف آيخمان الذي كان مسؤولا مع سواه عما سموه بالحل النهائي للمشكلة اليهودية، أي ابادة ستة ملايين يهودي في أوروبا. |
إن أيخمان رهن الاعتقال في اسرائيل الآن، وسيقدم فريبا للمحاكمة. وكان صوت بن غوريون يتهدج من فرط الانفعال. وبينما كان بن غوريون يلقي خطابه اتجهت أنظار الحاضرين في الكنيست من رجال ونساء الى مكان في القسم الذي لا يشغله أعضاء الكنيست، وهناك كان ايسر هرئيل الذي قلما ظهر علانية في الاجتماعات، وكان لا ينبس ببنت شفة.
وكان طبيعية أن يحكم على ايخمان بالاعدام في دولة قامت على الاجرام والدم والجثث.
إلا أنه من الطبيعي أيضا أن نعادي كل ما يمثله ايخمان والنازية من قيم واتجاهات لا انسانية وأن نعادي في الوقت نفسه وبمنطق ذات الموقف، بن غوريون والصهيونية العالمية كحركة وكيان عدواني باسرائيل.
فإذا كانت النازية عدوانا تدثر بالعنصرية وأثار عاصفة الحرب العالمية الثانية ضد الانسانية فكذلك الصهيونية، تيار استعماري عدواني يقتات بالعنصرية ويؤسس بالقتل وسفك الدماء ومعونة أعتى القوى الاستعمارية، قاعدة عدوانية في فلسطين تنطلق منها حملات التخريب المسلحة والسياسية الحركات التحرر في آسيا وأفريقيا.
واذا كان ايخمان النازي مسؤولا عن قتل الملايين من اليهود في أوروبا فكذلك بن غوريون .. الصهيوني - وتلاميذه الكثر - مسؤول عن قتل آلاف من العرب، وتشريد ما لا يقل عن مليون منهم ..
واذا كانت الدماء التي أهدرت في معتقل أوشفت النازي تلطخ جبين أيخمان والنازية، فكذلك الدماء العربية التي سفكت ولا تزال تسفك كل يوم في فلسطين المحتلة، وفي الدول العربية المجاورة، تلطخ جبين بن غوريون والصهيونية .. وإذن فالجريمة في الحالتين من نوع واحد، ولا يهم أمامهما عند المقارنات بين كمية الدماء المهدرة في اسرائيل، الصهيونية والمانيا النازية. فإبادة انسان واحد كابادة الف. كل منهما جريمة قتل، ولا يستطيع المجرم - كما قال الفيلسوف أرنولد توينبي في مناظرته التاريخية مع سفير اسرائيل في كندا. أن يكون قاتلا أكثر من مائة في المائة.
وحقا لابد من محاكمة المجرم وإنزال العقاب به. ولكن من يملك سلطة المحاكمة؟ من الواضح أنه اذا كان المجرم «محلية، فحق محاكمته منوط بالدولة التي ارتكبت الجريمة في اقليمها، أما اذا كان المجرم دولياء فحق محاكمته بتعلن عندئذ بالانسانية جمعاء.
وأبخمان النازي هو مجرم حرب دولي وبالتالي فالانسانية ممثلة في تنظيماتها الدولية، لا اسرائيل، هي سلطة الاتهام والمحاكمة المختصة. وهذا تقليد دولي سبق اتباعه بعد الحرب العالمية الثانية في محاكمات نورمبرغ، أما أن يحاكم مجرم مجرمأ آخر وتقف الصهيونية موقف الاتهام من النازية نهر وضع أقرب إلى الصورة الكاريكاتورية الساخرة منه إلى محاكمة موضوعية تلقي الأضواء على جرائم النازية وتكشفها أمام الضمير الإنساني فتمنع تکرارها بصورة أخرى.
والحق ان اسرائيل تخشى المحاكمة الموضوعية لآيخمان لان فيها كشفة ايضا لجرائم الصهيونية كامتداد لجرائم النازية. ولهذا لم تكن محاكمنه عادلة. وهكذا لم يكن إعدام أيخمان إعداما لشخص، بقدر ما كان إعدامة الوثائق والمعلومات التي يمتلكها أيخمان في تعاون النازيين مع الصهيونية والوكالة اليهودية، قبل الحرب العالمية الثانية وأثناءها.
ويوما ما، قرب هذا اليوم أو بعد، سيقف حتمأ بن غوريون وغيره من زعماء الصهيونية في تنص اتهام الإنسانية، بحاكمون محاكمة موضوعية عن
جرائم اسرائيل المرتكبة لا ضد العرب فحسب بل وضد اليهود أيضا الذين غرر بهم تحت شعار الوطن القومي، تعصف باستقرارهم وأمنهم ومصالحهم في كل بقعة من العالم.
المراجع
اس دينيس ايزنبرغ وآخرون. الموساد جهاز المخابرات الاسرائيلية السري،.
المؤسسة العربية للدراسات والنشر ودار الجليل للنشر. الطبعة الأولى.
بيروت 1981، ص 17 - 29 2 - لطفي الخولي وايخمان بين النازية والصهيونية، جريدة الأهرام، القاهربة
3- مجلة «نحن والعالم. العدد السادس، دار النشر العربية، بيروت 1991. ص 18 - 21. 4 - نزار عمار والاستخبارات الاسرائيلية المؤسسة العربية للدراسات
والنشر. الطبعة الأولى. بيروت 1979. ص 77 - 84.| ه - زفي الدويي وجيرولد بالينغر والجاسوسية الاسرائيلية وحرب الأيام السنة تعريب غسان النوفلي. بيروت 1972، ص 12
مصادر و المراجع :
١- موسوعة الامن
والاستخبارات في العالم
المؤلف: د. صالح
زهر الدين
الناشر: المركز
الثقافي اللبناني للطباعة والنشر والتأليف والترجمة - بيروت
الطبعة: الاولى
تاريخ النشر:2002
م
1 أبريل 2024
تعليقات (0)