المنشورات

الأخطبوط الصهيوني واسرار عملية اغتيال الوسيط الدولي

الكونت فولك برنادوت»
من عشت في دمائه، العنصرية، لن يتنفس الا الجريمة والدم. وليس هناك أعرق وأخبر من الصهاينة بممارستهم لهذا الأسلوب في الفرن العشرين. وقد برع بينهم قيادات في الاجرام والمذابح يخجل من ذكرهم هتلر وموسوليني، والذين هم أساتذتهم في هذا الفن الدموي ..
وفي الوقت الذي نتعمق فيه بشعاراتهم المقدسة، فإننا نلمس واضحة بأن الشرايين التي تخيط أجسادهم لا تنبض الا بدم الحقد والاجرام والعنصرية؛ والعالم لا يشفق على المذبوحين .. لكنه يحترم المحاربين .. ، تلك هي العبارة التي تلخص كل رؤيا رقادة الاجرام» الصهاينة التي ترجمها الارهابي العريق «مناحيم بيغن، منذ أن تعرف على الفيلسوف الصهيوني المتطرف فلاديمير جابوتنسکي،، الى سلسلة طويلة من القتل .. «والتبشير» بالقتل. هذا ويعترف «بيغنه أن طائرة نورانيا أوحى له بتشكيل عصابة والأرغون» الارهابية الشهيرة .. وأن النبي داوود حرضه على نسف الفندق الذي يحمل اسمه في القدس .. وقرر ذات يوم أن يقتل «بن غوريون»، ثم راح يشنق الجنود البريطانيين ويغني لزهرة البرتقال.
هذه هي نماذج الارهاب العنصري الصهيوني، وبتعبير أوضح، هذه هي الجريمة التي تمشي على الأقدام .. والتي ستعود من جديد الى الائحة الشرف في الشرق الأوسط ..
وكما اشتهر هتلر النازي بعباراته وكلماته النارية التي حواها کتابه كفاحي، وأشعلت من جرائها الحرب العالمية الثانية، فكذلك الحال بالنسبة المناحيم بيغن، الذي قدم من مدينة بريست لينوفسك، الروسية الى فلسطين، لكي يحول أرضها، كما يقول في كتابه التجربة والأمل، الى
امبراطورية تتفجر عس ... وبطولة. كان تلميذا شديد التعصب للمنظر المتطرف فلاديمير جابوئنسكي، الذي اشتهر بعباراته التحريضية الصلبة والسياسة هي فن القوة ... وعندما تضرب الفولاذ بمطرقة فإن الجميع يتهيبون صوت الدوي، وعندما تستعمل القفاز فإن أحدا لا ينتبه الى وجودك .. «إن الأحذية الثقيلة هي التي تصنع التاريخ، هذه الشعارات اجتذبت مناحيم بيغن، الى حد قوله في الكتاب نفسه: «كان إنكار أو حتى تجاهل أفكار جابوتسكي يعني الخيانة. إذ لم يكن من الممكن أن نستمر في المسيرة حفاة فيما يكتظ التاريخ بالتضاريس المدببة» ..
كان «بيغن» يحلم منذ طفولته أن يصبح حاخاما، لكي تصبح «القلنسوة الحاخامية» هي الحل. إلا أن التطلعات الحاخامية السلمية لم تدم طويلا، حيث تعرف الى «فلاديمير جابوتنسكي، وأعجب به اعجابا شديدا، إلى الحد الذي دفعه الى القول في التجربة والأمل»: «في هذه اللحظة رفع الستار عن الفصل الحقيقي من حياتي .. كان علينا أن نستعمل أسناننا لا كلماتنا، في جلد التاريخ»، والتاريخ كان في نظره، على ما يبدو، والشعب الفلسطيني ..
ففي مقال كتبه عام 1944 وكان للتوقد أسس عصابة والارغونه الارهابية قال: «من العبث القول بالمشاركة والتعايش ... إن هناك حقيقة جوهرية لا يمكننا التخلي عنها، لأن في ذلك التخلي عن أنفسنا، وهي أن هذه الأرض هي أرضنا، وواجبنا أن نقضي على الاغتصاب الذي سادها رغما عناء.
وهكذا انقلبت المقاييس، وتحول المجرم الى قاض، بينما أصبح القاضي في موقع المجرمين واللصوص .. تلك هي القوة بغير حق، وذلك هو الحق بغير القوة، ولم يكن «دافيد بن غوريونه أقل تصلبأ من «بيغن»، ففي اجتماع عقد بين الرجلين في 11 يوليو 1946، عرض «بيغنه برنامجا للقتل أطلق عليه اسم «برنامج التحرير». وهو يقوم على أساس شن غارات صاعقة وواسعة النطاق على عدد من المجتمعات العربية يتم خلالها قتل أكبر عدد ممكن من العرب، بدفع العرب الآخرين إلى الهجرة القسرية عبر الحدود ..
وعلى هذا الأساس، كانت مجزرة دير ياسين وكفر قاسم، وقبية والقسطل، وغيرها، ولم يكن ذلك الا من خلال فلسفة جابوتنسكي، التي يقول عنها «بيغن، بأنها كانت هي السائدة في منظمة والارغون»، الا أنه استعان أيضا ببعض الجوانب الخلاقة في فلسفة تيودور هرتزل، الذي كان يعتبر ان الانسان هو رمخلوق سطحي ساذج لا عقل له، يخضع لإرادة العباقرة ويضحي بنفسه من أجل الرموز والطلاسم .. وهو حيوان خال من البراءة
وقد طبق «بيغن، الفهم الهرتزلي للإنسان في عملية التشكيل النفسي الأعضاء والارغون». ويقول هارون بليدي، أحد الارهابيين الكبار في هذه المنظمة (انتحر في عام 1959 لأسباب لم يعلن عنها، والمرجح أنه اغتيل)، إن بيغن يتعامل مع (الأرغونيين) وكأنه نبي حقيقي ... فعندما أمر بتفجير
فندق الملك داوود» في القدس، كان يشغل باله هاجس واحد هو: كيف ينسف فندقا يحمل اسم نبي يهودي؟ ويقول «بليدي» أن أثارة مرضية ظهرت على وجه بيغن إلى أن جاء ذات يوم وقد سطع فوق وجهه شعاع غريب، وراح يردد: «لقد شاهدت الملك داوود هذه الليلة وقال لي: لا تتردد في صنع مجد اسرائيل. إن أسمي لا يعرف الطمأنينة الا اذا كانت قلوبكم مطمئنة. وكانت هذه كلمة السر التي جعلت فندق الملك داوود» ينهار بعد اقل من أربع ساعات فوق مئة نزيل من ضباط وجنود الانتداب البريطاني. لقد كان بيغن حقا يمتلك نزعة للقتل والتمثيل بالجثث، قلما تميزت بها أعصاب مجرم قبله .. وكان الى جانبه نخبة من محترفي هذا الفن والذين برعوا في ممارسته ليس على صعيد العرب فحسب، ولا ضد البريطانيين، أولياء نعمتهم
وود هذه ال فوق دجه فقط، بل طاول اليهود أيضا في أكثر من بلد لارغامهم على الهجرة الى اسرائيل ... كما أن «بيغن، ورفاقه هم الذين نظموا عمليات التفجير والاغتيالات ضد يهود العراق لدفعهم إلى الهجرة إلى «أرض الميعاد». وكذلك ضد سفن عديدة ومن بينها سفينة «باتريا، التي كانت تقل المئات من المهاجرين، وأعلن عن حوادثها فيما بعد بأنها عمليات انتحار جماعي»، في الوقت الذي أظهره التحقيق أن أعضاء منظمة «الأراغون، هم الذين نفذوا هذة العمليات لإثارة الرأي العام ضد بريطانيا وللتحريض على الغاء القيود المفروضة على الهجرة اليهودية الى فلسطين ...
هذا وتمثل عملية اغتيال الوسيط الدولي في فلسطين والكونت فولك برنادوت، قمة الارهاب الصهيوني، مؤكدة في الوقت نفسه سخف الادعاءات القائلة «بالحصانة الدولية، على أي مسؤول مهما كانت مرتبته وأهمينه، وليس هناك من حصانة - بنظر الصهاينة - الا الحصانة الصهيونية فقط دون غيرها.
فمن هو «الكونت برنادوت»؟ وما هي أسرار عملية اغتياله؟
ولد الكونت رفولك برنادوت اوف فيسبورغ، في العاصمة السويدية، ستوكهولم، عام 1895، وهو ضابط سويدي يمت بصلة القرابة الى غوستاف الخامس، كان يتمتع بثقافة عالية وشخصية دبلوماسية محترمة. ترأس الكونت برنادوت الصليب الأحمر السويدي؛ وتقل في العام 1945 طلب المانيا بالاستسلام الذي رفضه الحلفاء وأصروا على استسلام دول المحور دون قيد أو شرط، وعند نهاية الانتداب البريطاني على فلسطين عين برنادوت في 21 مايو 1948 کوسيط دولي. ولقد أبلغه «تريغفي ليه سكرتير عام هيئة الأمم المتحدة أن صلاحياته تتلخص في النقاط التالية:
أ- اتخاذ جميع الوسائل التي تضمن سلامة السكان وصيانة الأماكن المقدسة والسعي لإحلال السلم بين العرب واليهود في فلسطين.
ب - التعاون مع لجنة الهدنة التي عينها مجلس الأمن في قراره الصادر بتاريخ 1948
/ 9/ 23.
ج - التعاون مع جميع فروع هيئة الأمم الأخرى كالمنظمة الصحية من أجل تأمين مصالح السكان ..
ويذكر «برنادوت، في مذكراته بأنه لم يكن مقيدا بقرار التقسيم الذي أصدرته هيئة الأمم المتحدة في تشرين الثاني / نوفمبر 1997.
ولقد وصل برنادوت الى فلسطين فور تکليفه، وأخذ يتنقل بين تل أبيب والدول العربية برفقة عدد من المراقبين الدوليين الموضوعين تحت تصرفه، وكان يبذل جهوده بحياء لتخفيف حدة التوتر، وإنهاء حالة النزاع. ولكنه استقبل من العرب والاسرائيليين بكثير من الحذر. فلقد رأى العرب أنه وسيلة من وسائل الأمم المتحدة لتحقيق التقسيم بالقوة، واعتبره الاسرائيليون صنيعة واشنطن ولندن للحيلولة دون توسعاتهم. بيد أنه كتب في مذكراته بأنه كان بلعم بثقة العرب، وأن الاسرائيليين كانوا يناوئونه بشدة .. وفي 1948
/ 9/ 27 اقترح برنادوت، على العرب والاسرائيليين، في اجتماعات منفردة، مقترحات أولية لبحث المفاوضات، خلاصتها: تقسيم فلسطين وشرق الأردن إلى وحدتين عربية ويهودية، وتحديد حدودهما من قبل الجنة فنية، ودخول هاتين الوحدتين في أتحاد يشرف على شؤونه مجلس مرکزي وعدد من المجالس الأخرى، مع اعطاء الحرية بالهجرة الى كل وحدة لمدة سنتين، تحدد الهجرة بعدهما، وفي حالة تعذر حل المعضلات داخل مجلس الاتحاد المركزي يجوز لأي فريق أن يرفع الأمر الى هيئة الأمم المتحدة. ولقد نصت المقترحات على حرية العبادة وحقوق الأقليات والحفاظ على الأماكن المقدسة وحق العودة للذين تركوا البلاد بسبب الحرب .. وكان من مقترحات «برنادوت» تعديل قرار التقسيم (1997
/ 11/ 29) عن طريق: ضم النقب كله أو بعضه إلى العرب، وضم الجليل الغربي كله أو بعضه الى اليهود، وضم مدينة القدس الى العرب، مع اعطاء اليهود حرية العمل بشؤون البلدية وضمان الوصول الى الأماكن المقدسة، وإعادة النظر في وضع بافا، وإقامة منطقة حرة في ميناء حيفا تضم مصائي البترول، وإقامة منطقة طيران حرة في اللد ...
ورفض العرب والاسرائيليون هذه المقترحات. وكان الموقف الاسرائيلي مشوبة بالحقد المكشوف على الوسيط الدولي، وخصوصا على اقتراحة المتعلق بالقدس. وأمام هذا الرفض، تقدم ابرنادوت، في 5 يوليو 1948 بمقترحات معدلة تتضمن: مد أجل الهدنة، وتجريد منطقة القدس من السلاح، وتجريد منطقة مصافي الزيت في حيفا من السلاح، وكان رد العرب والاسرائيليين على هذه النقاط مطاطا وغير واضح، الا فيما يتعلق بالهدنة التي راي الطرفان أن من الممكن تمديدها .. وفي 1948
/ 8/ 13، سافر برنادوت الى ستوكهولم لحضور المؤتمر السابع عشر للصليب الأحمر، وعقد هناك مؤتمرا صحفيا بين فيه تأثره لحالة اللاجئين العرب التي تتطلب سرعة الانقاذ. وكان الكونت برنادوت خلال المؤتمر محروسا بشخصين نظرة لورود معلومات تؤكد أن هناك مؤامرة الاغتياله. وفي 31 أغسطس عاد الوسيط الدولي من دمشق إلى القدس جوة. وتوجه الى مشارف الرملة ليتباحث مع العميد نورمان لاش، القائد البريطاني في الفيلق الأردني المتمركز حول القدس. ثم عاد إلى القدس، وعندما وصلت سيارته الى مقربة من جبل المكبر (سکوبس أطلقت باتجاهه طلقة جاءت من ناحية الجامعة العبرية ومستشفى هداسا، فأصيبت عجلة السيارة الخلفية ولكنه استمر في سيره، وتابع مهمته دون أن يحيط نفسه بحراسة أو بركب سيارة مصفحة، لاعتقاده بأنه ليس هناك من يجرؤ على قتل انسان ورع مثله وممثل للامم المتحدة، ويرتدي شارة الصليب الأحمر الدولي ..
وفي يوم 17 سبتمبر 1948، قام برنادوت بزيارة تفقدية لمنطقة القدس. وكان يركب سيارة للامم المتحدة ومعه سيارتان من سيارات الصليب الأحمر. وعندما وصل الرتل الى سفح تنل الخطيئة، أوقف السيارات الثلاث سنة رجال يجلسون على عربة جيب من عربات الجيش الاسرائيلي، وقفز من العربة رجلان مسلحان بمدفعي ستن، وأطلقوا النار على سيارة الوسيط الدولي، وأصاب الرصاص الكونت برنادوت، والمراقب الدولي العقيد واندريه سيروه الجالس الى يمينه، فقتل فورة، وجرح برنادوت جرحا بليغا أدى إلى وفاته بعد عدة ساعات. ونجا الضابط السابق في البوليس الأميركي «فرانك بجلي الذي كان يقود الالية، والرائد الأميركي «کوکس» الجالس إلى جواره، والجنرال را. ج. لند ستروم، الذي كان يجلس الى يسار الوسيط الدولي. ولقد وجهت تهمة قتل «برنادوت، الى أعضاء من منظمة شتيرن، الارهابية، التي انشقت عن منظمة والأراغون، وسميت بهذا الاسم نسبة إلى زعيمها
ابراهام شتيرن، الا أن السلطات الإسرائيلية مع الموقف، وأخفت حقيقة الجناة. وهكذا دفع «برنادوت، دمه ثمن كلمة الحق كما أملاها عليه وجدانه. كما سجل اسمه على اللائحة الصهيونية الى جانب أسماء ضحاياها الكثر، وفي مقدمتهم الرئيس الأميركي، محرر العبيد ابراهام لنكولن.
كما أضيف إلى قاموس البشرية عبارة تقول: الانسانية بأجمعها مطلوبة للتصفية. فحذار يا بني البشر من أعداء البشر .. فحذار من شر هذا الأخطبوط الذي يحاول ابتلاع البشرية .. وخير ضمان لاستمرار بقاء الجنس البشري يتمثل بالقضاء على الصهيونية وحلفائها المتصهينين الصغار في كل مكان ..
ولابد أخيرة من القول، أن من عشش في شرايينه دم الاجرام والمجازر لن يتورع عن ممارسة الارهاب بحق ممثلي المجتمع الدولي، الذين يعارضون سفك دم الأطفال والنساء والشيوخ في مذابح بربرية كدير ياسين وكفر قاسم، ومن يذبح الأطفال والأوطان لا يمكن أن يرحم المدافعين عنهم، ولو تمتعوا بحصانة دولية، والأجرام العنصري الفاشي تسقط أمامه جميع الحواجز والفواصل، ولا مجال لإسكاته إلا باستئصال جذوره من الأساس ...
مكان ..
المراجع
ا- الموسوعة العسكرية، الجزء الأول. ص 185 - 189. 2 - معين أحمد محمود «مناحيم بيغنه دار الأندلس. بيروت. ص 5. 10. 3- الموسوعة السياسية، عبد الوهاب كيالي وکامل زهيري. المؤسسة العربية
للدراسات والنشر. بيروت 1974. ص 117. 4 - نجدة فتحي صفوة «رسالة إلى وايزمان» مجلة العربية الكويتية. العدد
301, كانون أول/ ديسمبر 1983. ص 132.







مصادر و المراجع :

١- موسوعة الامن والاستخبارات في العالم

المؤلف: د. صالح زهر الدين

الناشر: المركز الثقافي اللبناني للطباعة والنشر والتأليف والترجمة - بيروت

الطبعة: الاولى

تاريخ النشر:2002 م

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید