المنشورات
العدوان الثلاثي على مصر وأسرار عملية «حامل البندقية»
عندما انطلق المارد العربي جمال عبد الناصره، من القمقم، في ثورته العملاقة عام 1952، ظنت الدول الغربية، أنها قادرة على تدجينه وقولبته وفق ما تقتضيه مصلحة الامبريالية العالمية ومطامعها وأهدافها. لكن حساب الحقل لم يطابق حساب البيدر، وأصيبت أوروبا الاستعمارية، وكذلك الولايات المتحدة الأميركية، بخيبة أمل، قل أن شهدتها في منطقة الشرق الأوسط بأكملها حتى ذلك التاريخ. وما أن استفاقت من هول الصدمة، حتى وجدت نفسها أمام سلسلة من القرارات الثورية، لم ينحصر أثرها وتأثيرها على مصر وحدها، بل تجاوزها الى مختلف أنحاء الوطن العربي، وحتى الى القارة الأفريقية أيضا.
وكان قرار الرئيس جمال عبد الناصر بتأميم قناة السويس عام 1956، بمثابة اللكمة - الصاعقة على دماغ الغرب، والتي أفقدته صوابه. وكان لابد إزاء ذلك من وضع حد لشموخ هذا المارد وإعادته بالقوة - الى القمقم
وعلى هذا الأساس، كان العدوان الثلاثي على مصر في 29 اکتوبر 1959، في عملية سميت رمزية «حامل البندقية».
فما هي أسرار هذه العملية؟ وماذا كانت نتائجها؟.
لم يكن العدوان الثلاثي على مصر عملا عفوي ومرتج، ولم يتم بطريق الصدفة على الاطلاق. بل كان عملا مدروسة بدقة، ومخطط له على أعلى المستويات.
فقد استغرق الاجتماع السري في فندق ماتينيون، في باريس خمس ساعات. كان ذلك في يوم 16 اکتوبر من سنة 1956؛ حيث اتخذ رئيسا وزراء بريطانيا وفرنسا أنطوني إيدن وغي موليه مع وزيري خارجيتهما سلفين الريد وكريستيان بينو، قرار البدء بالعدوان الثلاثي على مصر. أما موافقة الطرف الثالث النهائية على العملية المرتقبة - اسرائيل - فكانت قد وردت قبل يومين من ذلك، في الرسالة الشخصية التي بعث بها رئيس الوزراء الإسرائيلي دافيد بن غوريون الى رئيس الوزراء الفرنسي
ولم يمض سوى شهر على اعلان الرئيس المصري جمال عبد الناصر الذي أمم قناة السويس، أن مرور أية سفينة عبرها من دون إذن السلطات المصرية سيعتبر انتهاكا لسيادة البلاد. وحذر عبد الناصر من أن مصر ستدافع عن القناة». وأضاف: «نحن مستعدون للكفاح من أجلهاه.
أما في فندق ماتينيون، فقرروا، كما جاء قبل ذلك على لسان وزير الخارجية الأميركية «جون فوستر دالاس»، إرغام عبد الناصر على «بصق ما كان يحاول ابتلاعه». أو على الأصح، كما أعلن إيدن نفسه أثناء اجتماع البرلمان الانكليزي «يجب انتهاز هذه الفرصة لإطاحة عبد الناصر».
وكانت خطة العدوان في غاية البساطة، كما هي الحال عادة حين يعول المعتدي كلية على قوة السلاح. فقد جاء في الخطة أنه بعد هجوم اسرائيل على مصر في منطقة شبه جزيرة سيناء، يجب على بريطانيا وفرنسا أن تتدخلا في النزاع بحجة وقف العمليات الحربية بغية إقرار السلام
کلا، لم ينس المشتركون في الاجتماع قط أن ثمة في العالم هيئة الأمم المتحدة وميثاقها، والولايات المتحدة ومطامعها العالمية، والاتحاد السوفياتي وسعيه الدائم لدعم ضحايا العدوان. بل على العكس، لقد وضعوا في الاعتبار، وهم يتخذون القرار، كل ما كان في أمكانه أن يعرقل تحقيق مخططاتهم
فقد سلموا مثلا بأن هيئة الأمم المتحدة يمكنها استنكار العدوان، ولكنها ريثما تشرع في اتخاذ إجراء ما، تكون العمليات الحربية قد انتهت. وعندئذ ... فلتتخذ «توصياتها، كما يحلو لها. وفي ما يتعلق بالولايات المتحدة فإنها، كما أكد إيدن، ستؤيد حلفاءها، إلا أنها ستظهر طبعة دمزاجها السيء، ولكنها مع ذلك لن تكون حجر عثرة في طريق انكلترا وفرنسا. وكان رئيس الوزراء البريطاني يعرف ما يقول. فقبل أسبوعين من ذلك قال له وزير الخارجية الأميركية دالاس أنه لا يستبعد استخدام القوة عند الضرورة القصوى.
ولقد ساعدت الولايات المتحدة العدوان مساعدة مباشرة حين ألغت في العام 1956 الحظر الذي فرضته على إرسال الأسلحة إلى الشرق الأوسط، الأمر الذي كان يعني عملية رفع الحظر المفروض على إرسال السلاح الى اسرائيل. وكتبت صحيفة «واشنطن ايفننغ ستاره في هذا الصدد: «إن الجيش الاسرائيلي الجيد التسليح سوف يكون عونا قيمة للقوات الانكليزية والفرنسية في حال قيامها بهجوم على مصر». .
وماذا عن الاتحاد السوفياتي؟ لقد انكل المجتمعون في باريس، كما كتب الصحفيون الفرنسيون فيما بعد، على اعتدال الروس النسبي، وعلى أنهم لن يرضوا بإشعال حريق عالمي من أجل التوافه». وأكد وزير الخارجية الفرنسية بينو: «أنه عملية لن يفعل شيئا. ووافقه الآخرون على ذلك، وأضافوا عن ادراك ودراية أنه لن يكون لدى الاتحاد السوفياتي لا الوقت ولا الامكانات من اجل التصدي للعدوان.
لماذا؟ وعلام اتكل أولئك الذين حاكوا المؤامرة على مصر؟ لقد اتضح ذلك بعد أسبوع من الاجتماع السري في فندق رماتينيون، الذي وصفه الصحفيون به مجلس 16 تشرين الأول/ أكتوبر العسكري». .
ففي ليلة 23 - 24 اکتوبر من السنة 1956، قام في المجر، وهي في عامها الثامن من بناء الاشتراكية، تمرد على الثورة. واتخذ هذا التمرد الذي استفزوه والهموه من الخارج طابع الثورة البرجوازية الفاشية الشرق الاالشعبي في البلاد على حسب مخطط
المضادة. وكان على التمرد، على حسب مخططات ملهميه، أن يصفي النظام الديمقراطي الشعبي في البلاد، ويصرف أنظار الاتحاد السوفياتي عن قضايا الشرق الأوسط.
وحتى 23 تشرين الأول/ أكتوبر، كانت قد شكلت في مراكز تجمعات المهاجرين المجريين الفاشيين في النمسا والمانيا الغربية، جماعات تخريبية نقلت فيما بعد إلى الحدود المجرية. فعلى أثر بدء التمرد كتبت صحيفة انورنبرغ ناخريختن، أن رجال الاتصال من المهاجرين المجريين الفاشيين، كانوا في أثناء نقل الجماعات التخريبية الى الحدود النمساوية - المجرية على اتصال وثيق بمنظمة «سي. أي. سي، التجسسية الأميركية
وكان من الواضح للعيان منذ بداية الحوادث أن الذين نظموا ووجهوا مسار التمرد هم من «المحترفين، وعلى مستوى رفيع من التدريب، ولم يكونوا من الهواة» أبدأ، وفي ليلة 23 - 24 اکتوبر بدأت في بودابست أعمال ارهابية ضد الشخصيات المجرية التقدمية والعمال النشطاء
واستغلالا للصعوبات الناشئة في البلاد نتيجة أخطاء وقعت في سياسة القيادة المجرية، ولعبة على أوتار مشاعر الشعب القومية، استار المحرضون مشاعر شوفينية عدوانية ثم حولوها بفن المحترف الى مجرى الثورة المضادة.
في 24 اکتوبر، أذاع راديو بوادبست بيان الحكومة المجرية حول ضرورة التوجه الى القوات السوفياتية المرابطة في المجر بموجب معاهدة فرصوفيا بطلب اعادة النظام في البلاد. وقال البيان تطلب الحكومة المجرية الى القوات السوفياتية، حفاظا على مصلحة إقرار الأمن، دعم الاجراءات الرامية إلى قمع الهجوم الدموي.
ومن أين أخذ المتمردون السلاح؟.
ظهرت في بودابست في 20 اکتوبر تحت شارات الصليب، الأحمر، 40 من سيارات الشحن والركاب، أفرغوا منها من أجل المتمردين شحنات، وبينها السلاح، وقد اتضح فيما بعد أن المتمردين كانوا يطلقون في أثناء الحوادث رصاصة صنع في الولايات المتحدة وبريطانيا والمانيا الغربية. وفي 27 اکتوبر دعا وزير الخارجية الأميركية دالاس صراحة في كلمة "القاها في ولاية تكساس الى تغيير الحكومة المجرية. وفي تلك الأيام، كان شاهد الأميركيون في بودابست الذين وصلوا على ظهر الشاحنات بشارات الصليب الأحمر»، وهم يوزعون السلاح. وبعد أن اتخذت القوات السوفياتية اجراءات إعادة النظام، بدا وكأن التمرد يقترب من نهايته. ولكن رئيس الوزراء وأمري ناجي، الذي عين في هذا المنصب منذ بداية الحوادث، اقترح نزولا عند رغبة المتمردين بدء مفاوضات حول انسحاب القوات السوفياتية. وبموجب الاتفاق انسحبت القوات السوفياتية من بودابست في 30 تشرين الأول/ اکتوبر. وسرعان ما اجتاحت العاصمة المجرية موجة من الارهاب المضاد للثورة
وفي اليوم ذاته علم أن جيش اسرائيلية قوامه مئة ألف جندي اقتحم أراضي مصر، وإذا أخذنا في الحسبان أن العدوان الثلاثي كان مخططا له أن يبدا في 1 نوفمبر، فإن تغيير موعد بدايته وتوافقه مع الثورة المضادة في المجر لا يمكن الا أن يحملا الانسان على التفكير في أن اللعبة كانت مدبرة احسن تدبير، وعن هذه الناحية بالذات كتب مراقبو حوادث ذلك الخريف المأساوي من السنة 1959. فمثلا، رأى الصحفي البلجيكي «دزيلبي،، والفرنسيان برومبرجيه وبينوا ? ميشان، أن السبب الرئيسي في تغيير موعد العدوان على مصر هو التمرد في المجر.
وبديهي أن المجتمعين في فندق رماتينيون، علقوا آمالهم على ذلك بالذات، حين قالوا أنه لن يكون لدى الاتحاد السوفياتي لا الوقت ولا الامكانات للتصدي للعدوان على مصر.
ترى، هل كان في استطاعتهم أن يعرفوا مسبقا أن تمردة سيحدث؟ نعم كان في استطاعتهم، بل عرفوا. فبهذا يفسر بالذات التوافق بين موعدي التمرد والعدوان. ولقد صرح رألان دالاس، رئيس الاستخبارات المركزية الأميركية، في أثناء الجلسة المفتوحة للجنة مجلس الشيوخ الخاصة بالشؤون الخارجية قائلا: أن الحكومة الأميركية كانت على علم مسبق بالتمرد المنتظر في المجر. . أما تبادل المعلومات بين واشنطن ولندن وباريس وتل أبيب فكان على المستوى المطلوب، وقبل بدء عدوان أسرائيل على مصر أصدرت الحكومة الأميركية أمرها بإجلاء الأميركيين عن مصر فورا
بعد مرور 24 ساعة على بدء عدوان اسرائيل على مصر، وجهت الحكومتان الانكليزية والفرنسية إلى الحكومة المصرية انذارة نهائيا يقول: يجب وقف العمليات العسكرية وسحب القوات المصرية من قناة السويس مسافة 10 أميال والموافقة على احتلال القوات البريطانية والفرنسية للمواقع الرئيسية في بور سعيد والاسماعيلية والسويس. وأعطيت لكل ذلك مهلة 12 ساعة. وهددت لندن وباريس القاهرة بالتدخل المسلح في حال رفض الانذار. وجاء رد عبد الناصر بالرفض القاطع.
وفي 31 اکتوبر انتهت مهلة الانذار وبدا التدخل المسلح، وقد اشتركت في العملية التي سميت رمزية وحامل البندقية قوات انكليزية وفرنسية ضخمة: 229 ألفا من الجنود والضباط، و 150 طائرة، وأكثر من 130 سفينة بينها 1 حاملات طائرات. وصاحب الاعتداء أعنف نصف للمدن المصرية بالقنابل، وعانت ذلك على الأخص مدينة بور سعيد، فقتل الألوف من السكان وبقي عشرات الألوف بلا مأوى.
وطرحت الحكومة السوفياتية على مجلس الأمن للامم المتحدة بعد عدوان اسرائيل على مصر وقبل التدخل الانكليزي - الفرنسي مشروع قرار يطالب بوقف العمليات العسكرية وسحب القوات الإسرائيلية من الأراضي المصرية. غير أن انكلترا وفرنسا أستعملنا حق النقض (الفيتو) ضد الاقتراح السوفياتي، وامتنعت الولايات المتحدة عن التصويت.
وقد تخطى اهتمام الحكومة السوفياتية بأحداث الشرق الأوسط بعيدا نطاق حسابات الذين علقوا الأعمال على أن العصيان المضاد للثورة سيأخذ بيد
حامل البندقية، وما هي محطة أوروبا الحرة التي نقت أعمال المتمردين في المجر تذيع في اليوم ذاته، أي في 31 تشرين الأول/ اکتوبر، النداء التالي: افليلغ المجريون معاهدة فرصوفيا ويعلنوا أن المجر ليست عضوا في هذه المعاهدة منذ اليوم
أجل لقد التصق التمرد والعدوان وكأنهما توأمانه. ففيما كان ممثلو مختلف البلدان يصوتون في الأمم المتحدة بنيويورك ضد العدوان الثلاثي، ظهرت على صفحات جريدة الى نيويورك تايمز، وغيرها من الصحف الأميركية اعلانات أرباب العمل وكبار الساسة الأميركيين تدعو الى جمع مليون دولار لمساعدة المجر، ولم يكن من الصعوبة بمكان معرفة غرض هذا المليون دولار من المساعدة.
ففي الثاني والثالث من تشرين الثاني / نوفمبر أصدرت الحكومة المجرية تعليماتها بتفتيش الشحنات التي حملتها الى المجر مئة طائرة ارسلت باسم
الصليب الأحمر، على أنها «مستحضرات طبية». وقد عثر بين هذه الشحنات على أسلحة. ثم تبين كذلك أن بعض الذين رافقوا الشحنات بوصفهم مندوبين عن الصليب الأحمر، كانوا من الضباط الفاشيين في جيش ودرك هورتي، (دكتاتور المجر السابق الذين أقاموا سابقا في المانيا الغربية
وفي الوقت الذي كانوا يرسلون فيه السلاح الى المتمردين في المجر، تقرر إنزال جنود المظلات في مصر. ففي الثالث من نوفمبر اقترح الجنرال الفرنسي بورجو، في أثناء اجتماع ممثلي الحكومتين الانكليزية والفرنسية خطة سميت رمزية والتلسكوب،. وفي 5 نوفمبر، أي قبل يوم واحد من إقرار التلسكوب»، نزل المظليون الفرنسيون والانكليز في أراضي بور سعيد وبور فؤاد. وقد احتلوا بور فؤاد بسهولة نسبيا. أما في بور سعيد نلقي المظليون مقاومة عنيفة، ولكن بفضل جهود الاتحاد السوفياتي قضي على ارهاب الفاشيين في المجر، وقوات المظليين الاستعمارية في مصر،وخابت حساباتهم حول أن الاتحاد السوفياتي ولن يفعل شيئا عملية ..
ففي 3 نوفمبر، شكلت في المجر حكومة العمال والفلاحين الثورية برئاسة ربانوش کاداره. وفي اليوم التالي توجهت الى قيادة القوات السوفياتية في المجر بطلب مساعدة الشعب المجري في دحر قوى الثورة المضادة وضمان الأمن والنظام في البلاد. فلبت الحكومة السوفياتية هذا الطلب، وأحبطت عملية تصدير الثورة المضادة الى المجر
أما على صعيد الشرق الأوسط فأمعنت انكلترا وفرنسا واسرائيل في عملياتها الحربية ضد مصر، رافضة تنفيذ قرار مجلس الأمن. وفي هذه الحالة توجهت الحكومة السوفياتية بمذكرات الى كل من انكلترا وفرنسا واسرائيل مطالبة اياها بوقف العدوان المسلح على مصر. وقد جاء في الرسالة الموجهة الى رئيس الوزراء البريطاني على الأخص «نحن نتوجه اليكم والى البرلمان وحزب العمال والنقابات والشعب الانكليزي قائلين: «كفوا عن العدوان المسلح وأوقفوا إراقة الدماء». وأعلنت الحكومة السوفياتية قائلة: انا مليئون عزما على تحطيم المعتدين وإعادة السلام في الشرق الأوسط باستخدام القوة».
وفي 5 نوفمبر بعث وزير الخارجية السوفياتية الى رئيس مجلس الأمن الدولي باقتراح يقضي باتخاذ قرار بطالب المعتدين بوقف العمليات الحربية في خلال 12 ساعة وبسحب القوات من الأراضي المصرية وفي غضون ثلاثة أيام. واقترح الاتحاد السوفياتي تقديم مساعدات عسكرية وغير عسكرية إلى مصر في حالة عدم إذعان المعندين لمطالب مجلس الأمن. وفي الوقت ذاته تقدمت الحكومة السوفياتية الى الرئيس الأميركي دوابت ايزنهاور» باقتراح حول توحيد الجهود واستخدام قوى الدولتين من أجل وقف العدوان. الا ان الحكومة الأميركية لم تقبل الاقتراح السوفياتي.
ولكن تصميم الاتحاد السوفياتي على إنهاء العدوان كان له أثره الفعال. ففي 6 نوفمبر، وفي الساعة الرابعة عشرة دعي غي موليه، الذي
ع السوفياتي.
نوم تصميم الاتحاد السري كان يتناول في فندق رماتينيون طعام الغداء مع المستشار الالماني الغربي
كونراد اديناور، الى مكالمة هاتفية. وكان على الخط انطوني إيدن الذي أبلغ أنه أصدر أمره الى اكيتلي، القائد العام للقوات الانكليزية، بوقف اطلاق النار في الساعة التاسعة عشرة. ولم تكد تمضي ساعات معدودات على تسليم السفيرين السوفياتيين في لندن وباريس مذكرتي حكومتهما، حتى أوقفت العمليات العسكرية الانكليزية والفرنسية في مصر، وفي تشرين الثاني/نوفمبر أوقفت القوات الإسرائيلية أيضا إطلاق النار.
وبعد مماطلة المعتدين سحب قواتهم من مصر، نشرت وكالة «تاس» السوفياتية بيانا في 11 نوفمبر في هذا الصدد، قوم واقع وقف العمليات العسكرية بالايجابية، ولكنه إلى جانب ذلك عبر عن الخشية من ألا تكون هذه المماطلة الا مناورة تهدف الى كسب الوقت. وقال البيان: اذا لم تسحب انكلترا وفرنسا واسرائيل جميع قواتها من أراضي مصر، خلافا لقرارات الأمم المتحدة، وهددت باستئناف العمليات العسكرية ضد مصر فإن «الجهات المختصة في الاتحاد السوفياتي لن تمانع في سفر المتطوعين السوفيات الراغبين في الاشتراك في كفاح الشعب المصري من أجل استقلاله»، ولقد تجسم التصميم على وقف العدوان، هذا الذي عبرت عنه المذكرة السوفياتية بتاريخ 5 تشرين الثاني / نوفمبر في نفوس المتطوعين السوفيات المستعدين للقتال إلى جانب الشعب المصري.
وكتبت صحيفة نيويورك هيرالد تريبيون، في هذا الصدد تقول: «إن السبب الرئيسي الذي حمل انكلترا وفرنسا واسرائيل على اتخاذ قرار الانسحاب كان مذكرة الانذار السوفياتية
وفي 15 نوفمبر لفت رئيس الوزراء السوفياتي في رسائله التي بعث بها إلى رؤساء حكومات انكلترا وفرنسا واسرائيل الانتباه إلى ضرورة انسحاب القوات المعقلية من الأراضي المصرية في أسرع ما يمكن.
وفي 24 نوفمبر اصطرت حكومات المعتدين الى اعلان موافقتها على سحب قواتها من مصر. وهكذا مني بالفشل العدوان الذي هدد بتصفية مكتبات الشعب المصري الثورية ودفع البشرية الى حالة حرب عالمية جديدة.
وبقيت عملية وحامل البندقية ولا زالت لطخة عار، وصفحة سوداء في تاريخ سياسة الغرب إزاء المشرق العربي. ومن نعود عن وسم سجله بلطخات العار والخزي، فلن يستغرب إضافة لطخة جديدة إلى تاريخه الذي لا تفوح منه الا روائح العار والهزائم
المراجع
1 - بيوتر ميخايلوف «أزمة السويس وفشل العدوان. مجلة والمدار»
(السوفياتية). العدد 10. شهر نوفمبر 1989، ص 21418. 2 - مجلة الى الأمام، (الناطقة بلسان الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - القيادة العامة)، العدد 916. الجمعة بتاريخ 1989
/ 11/ 7. ص 39.
مصادر و المراجع :
١- موسوعة الامن
والاستخبارات في العالم
المؤلف: د. صالح
زهر الدين
الناشر: المركز
الثقافي اللبناني للطباعة والنشر والتأليف والترجمة - بيروت
الطبعة: الاولى
تاريخ النشر:2002
م
1 أبريل 2024
تعليقات (0)