المنشورات
الحرباء الإسرائيلية وأسرار اختفاء الغواصة داكار
البشرية ميدان واسع لمختلف العلوم والفنون، التي كان للإنسان، الفصل الأول، في اكتشافها واظهارها إلى النور. وقد اختلف اهتمام البشر، على مر العصور والتاريخ، بهذه العلوم والفنون، حتى لازم بعضهم علم معين، كما التصق بالبعض الآخر فئ، قلما برع فيه غيره كبراعته هو، وليس الصهيونيون إلا أحد هذه النماذج التي احتكرت مرتبة الأولوية في فن المكر والكذب والخديعة، حتى وصل إلى حد و الإدمانه ... ومن أدمن على فن ما، ليس سهلا أن يتخلى عنه، وليس هناك من نية للتخلي عنه، باعتباره مصدر حياة وبقاء ووجود.
هكذا يتنفس الصهيونيون فن الكذب والتضليل، كما يتنفسون الهواء. ومتى تعودت شرايين الجسم على دم من هذا النوع، يصبح معرضا لأية حساسية عند تغذيته بدم من نوع آخر.
ومنذ وجدت دولة الاحتلال الصهيوني على أرض فلسطين العربية، لم يتخل قادتها عن هذا الفن، بل كان نهجا استراتيجيا في قاموسهم العنصري الارهابي الجرائمي، وقلما كشفوا حقيقة أمام الرأي العام في فلسطين المحتلة، أو أمام الرأي العام العربي والدولي.
وتبقى سياستهم لغزة يتعمدونه لإشغال بال الكثيرين في حل رموزه. الا أن سر الغواصة الاسرائيلية «داكارة التي اختفت بتاريخ 25 بنابر سنة 1998، ما زال يشكل هاجسا وكابوسا يثقل كاهل الصهاينة.
فما هو سر هذه الغواصة؟ وكيف اختفت؟ وهل كان السبب وراء اختفائها أمام الشواطئ المصرية التعديلات التي أدخلت عليها أم أن المصريين اغرقوها؟.
ذلك ما يقلق الاسرائيليين منذ تسعة عشر عاما - ولا يزال .. فبعد هذه المدة يعود الاسرائيليون الى بعث هذا السؤال بمناسبة الاتفاق على بدء عملية موسعة للبحث عن الغواصة رداکار، في أعماق البحر المتوسط.
في الخامس والعشرين من شهر يناير سنة 1998، وفي الساعة الثامنة صباحا، انتظرت قيادة س لاح البحرية الإسرائيلية برقية اعتيادية من الغواصة «داکار». كانت هذه الغواصة واحدة من ثلاثة غواصات حصلت عليها اسرائيل من بريطانيا بعد إدخال بعض التجديدات عليها. وكانت في طريقها من بريطانيا إلى ميناء حيفا في فلسطين المحتلة، وعلى متنها طاقم مكون من تسعة وستون ضابطا ومجندة. ولم تصل البرقية، وفقدت الغواصة «داکار»؛ وبقي سؤال أو لغز لم يفشر ولم يحل إلى اليوم ويدور حول ملابسات اختفائها ومصيرها المجهول.
وفي العشرين من شهر آب / أغسطس 1989، مع بدء تقضي اسباب اختفاء الغواصة «داکار»، طرح جدعون راز، وكان يشغل منصب نائب قائد البحرية الاسرائيلية آنذاك، فرضية جديدة حيث قال: «ان الغواصة داكار التي تم بناؤها في عام 1954 أدخلت عليها تجديدات في ترسانة البحرية البريطانية التتوافق مع احتياجات سلاح البحرية الاسرائيلية. وقد تسببت هذه التجديدات في اضعاف هيكل الغواصة، مما أضعف من مقدرتها وإمكاناتها على مواجهة ضغط المياه في الأعماق وقيد من كفاءتها على الغوص. وقد أورد دراز، أنه استند لهذه الفرضية بناء على الاختبارات والفحوص التي خضعت لها الغواصة الهرکول، بعد اختفاء «داکار»، والتي أدخلت عليها تجديدات مماثلة في الترسانة البحرية البريطانية. وقد ظهرت نقاط ضعف كانت هناك ضرورة الإصلاحها، لكن لم تكن نقاط الضعف هذه سبأ مباشرة في مصيرها. بل ان هذه الفرضية التي يطرحها ترجح احتمال أن يكون ضعف الهيكل الخارجي د اداکار، عنصرة إضافية للعوامل التي أودت بها، وأن يكون السبب في ذلك مجموعة متشابكة من الأخطاء الفنية والبشرية، بحيث هبطت بالغواصة لأعماق صحيفة، مما نتج عنه اندفاع الماء الداخلها دون أن يتمكن طاقمها من فعل شيء.
بعد اختفاء هذه الغواصة طرحت عدة أسباب لذلك، وخضعت كلها الفحص علماء سلاح البحرية الإسرائيلية سواء احتمال اغراقها على يد أطراف معادية أو الاستيلاء عليها أو احتمال حدوث مواجهة بينها وبين سلاح بحري معادي، او اصطدامها بجسم غريب تحت سطح الماء. وقد رفض الخبراء الاسرائيليون كل هذه الافتراضات واحدا تلو الآخر، وذلك بناء على معطيات أمنية مؤداها عدم رصد أي حادث غير عادي في البحر الأبيض المتوسط في تلك الفترة، ولم يستثن إلا نرضية واحدة وهي الفشل الفني. ويقول رجدعون رازه في هذا الصدد: بعد إدخال التجديدات على هيكل الغواصة في ترسانة البحرية البريطانية تم فحص الغواصات الثلاث، ولم يكتشف أي عيب أو خلل في غلافها الخارجي. الا أن هذه الاختبارات والفحوص تمت في قناة بحر المانش ولم تتم في المياه العميقة.
والتقدير الحالي الذي يورده الاسرائيليون للغواصة «داکار» أنها غرقت وامتلات بالمياه، ولكن لم يتحطم هيكلها، وما زالت على أقل تقدير ترقد في أعماق البحر على عمق يتراوح ما بين 100 و 100 مترا تحت سطح البحر. ويستند هذا التقدير على طوافة الغواصة التي عثر عليها بعد عام من غرقها بالقرب من شواطئ البحر.
وقد دحض زئيف الموج، قائد الغواصة والهرکول، ما ادعاه درازه بقوله: «ان ما يدعيه دراز، من أن التجديدات التي أدخلت على الغواصة داکار وكانت سببا في غرقها، إدعاء يفتقر للصحة والحقيقة.
وأضاف قائلا: ربما انني كنت قائدا للهرکول - الغواصة الشقيقة الداكار - فإنني أؤكد أن ما أدخل من تجديدات على الغواصات الثلاث قد تم فحصه نظرية وعملية، وكان طاقم الغواصة ملما بكل ما أدخل عليها،.
وهكذا تنهار بشهادة الاسرائيليين أنفسهم كافة النظريات التي صاغوها التفسير اختفاء الغواصة «داکار». وهناك أيضا دليل أكثر قوة على أن هذه النظريات بعيدة عن الحقيقة، هذا الدليل هو أن اللجنة العسكرية التي شكلت للتحقيق في الحادث، وكانت برئاسة الجنرال اسرائيل طل، نائب رئيس الأركان في ذلك الوقت، توصلت الى نتائج محددة، ولكن كبار المسؤولين في اسرائيل، وفي الجيش الصهيوني، أمروا بعدم نشر نتائج هذا التحقيق حتى الأن. ويبقى سؤال مهم حول طبيعة الغواصة داكار، ومميزاتها.
فهي غواصة تفقد واستطلاع. تم بناؤها في ترسانة دون بورت، في بريطانيا سنة 1954. وكانت ضمن غواصات الأسطول البحري البريطاني. وتم ادخال تجديدات عليها في نفس الترسانة، وذلك بزيادة طولها ثلاثة أمتار. هذه الغواصة فيها ست فتحات طوربيد سعة 21 بوصة، وفيها محرکين ديزل وأربعة محركات كهرباء. وتبلغ سرعتها تحت سطح الماء 17 عقدة.
حصلت عليها البحرية الاسرائيلية سنة 1995 بعد إدخال تجديدات أخرى عليها وضمت للخدمة سنة 1997. وأطلق عليها اسم «داکار» - وهو اسم نوع من الأسماك الضخمة التي تألف المياه الدافئة العميقة ..
بعد عدة تدريبات أبحرت الى اسرائيل في 9 كانون الثاني / يناير 1998، وعلى متنها طاقم بحري اسرائيلي مكون من تسعة وستين فردا منهم احد عشر ضابطأ. ورست يوما واحدا في جبل طارق في 19 كانون الثاني / يناير 1998، وكان متوقعة. وصولها الى ميناء حيفا في 29 کانون الثاني / يناير. واستمر الاتصال اللاسلكي معها بكافة الطرق وبانتظام.
في 24 كانون الثاني / يناير، وفي الساعة السادسة وعشر دقائق أبرقت الغواصة القيادة البحرية الإسرائيلية تحدد موقعها بأنها على درجة عرض 11 و 34 شمالا وخط طول 29 , 29 شرقا. وفي نفس اليوم ايضة أرسلت الغواصة برقيتين اعتياديتين.
في 20 بناير، وفي الساعة الثانية عشرة ودقيقتين ظهرا، التقط مقر القيادة اتصالا لاسلكية متقطعأ اعتقد خطا أنه من الغواصة «داکار»، وفي الساعة الثامنة صباحا كانت قيادة سلاح البحرية في انتظار اتصال لاسلكي اعتيادي مع داکار. الا أنه لم يتم. فتم تركيز الاستماع ونادى عليها عدة مرات، ولم نتلق القيادة ردة، فقامت وحدات بحرية وطائرات من كل من اسرائيل وبريطانيا وأميركا واليونان بالبحث عنها حتى يوم 30 يناير، حيث أعلن مركز البحث في قبرص بأنه لا يوجد أمل في العثور على طاقم الغواصة على قيد الحياة، وتوقفت وحدات باقي الدول عن البحث. واستمرت اسرائيل فيه الى يوم 4 فبراير، وأعلن بعده عن فقد الغواصة، وتم تعيين الجنرال اسرائيل طل، نائب رئيس الأركان الإسرائيلي رئيسا للجنة العسكرية للتحقيق في حادثة اختفاء الغواصة. لكن نتائج تحقيق هذه اللجنة لم تنشر الى اليوم، واضطر حاخام الجيش الصهيوني في اسرائيل، لإصدار شهادات وفاة لطاقم الغواصة المفقودين.
وفي 9 فبراير 1969، أي بعد مرور ثلاثة عشر شهرا من اختفائها، عثر أحد مواطني خان يونس من العرب على شاطئ البحر، على عوامة الطواريء الخاصة بالغواصة، والمزودة بجهاز إرسال يعمل دورية كل عشرة دقائق بإرسال استغاثة انقاذ ورقم هوية الغواصة. وبعد فحص حالة عوامة الطواريء، حدد الخبراء الإسرائيليون المنطقة التقديرية التي فقدت بها الغواصة «داکار»، وذلك في المنطقة الوسطى شرقا للبحر الأبيض المتوسط وعلى بعد ما بين 40 و 70 ميلا بحريا من شواطيء ميناء حيفا.
وأخيرا نستطيع القول، أنه اذا حدد الخبراء الإسرائيليون منطقة اختفاء الغواصة أو لم يحددوا، فليست هذه هي المشكلة، وإنما المشكلة في تحديد موقع اسرائيل، ذاتها، والمنطقة التي يجب أن تغرق فيها، وبأي أسلوب، تمهيدا لاختفائها من الوجود، تماما كغواصنها اداکاره.
ولو عثر بعد ذلك على بعض أجزائها، فلن تعود بمشكلة، شانها شان الغواصة المختفية
- المراجع
1- د. أسماء ابراهيم سيف. مجلة الدفاع، القاهرية. العدد التاسع. سنة
1981. ص 19 - 17. 1- الموسوعة العسكرية الجزء الثاني، بإشراف المقدم الهيثم الأبويين
المؤسسة العربية للدراسات والنشر، الطبعة الأولى. بيروت 1978. ص 30.
مصادر و المراجع :
١- موسوعة الامن
والاستخبارات في العالم
المؤلف: د. صالح
زهر الدين
الناشر: المركز
الثقافي اللبناني للطباعة والنشر والتأليف والترجمة - بيروت
الطبعة: الاولى
تاريخ النشر:2002
م
1 أبريل 2024
تعليقات (0)