المنشورات

تقرير سري جدا من رئيس «الموساد» إلى رئيس الوزراء الاسرائيلي

مناحيم بيغن أو «عملية نشر الغسيل»
الانسان وريث كل العصور، بسلبياتها وأيجابياتها. أنه يحمل كل التركة الزاخرة بحسناتها ومثالبها، على امتداد زمن تاريخ طويل، وما قبل التاريخ، وصولا الى الانسان الحاضر في القرن العشرين. وكم كان صادقا ومحرر العبيد، الرئيس ابراهام لنكولن، بقوله: تستطيع أيها الإنسان أن تخدع كل الناس بعض الزمن، وأن تنش بعض الناس كل الزمن. ولكنك تعجز من أن تخدع كل الناس كل الزمن.
فإذا كان هذا على صعيد الانسان الفرد، فكيف اذا كانت الحال على صعيد جماعة لها من القوة والامكانات ما لا بوصف؟ أو على صعيد دولة رضعت العنصرية والاجرام يوم كانت جنينا في رحم التاريخ، كما هو الحال مع دولة الاحتلال الصهيوني على أرض فلسطين، والمتمثلة ب «اسرائيل»؟ ونظرا لاحتراف مهنة، الدجل والتضليل عند قادة الدولة العبرية، فإن نهجهم الاستراتيجي يقوم على دعائم وأسس ثابتة، لا مجال لتجاوزها أو التخلي
يرتكز هذا النهج على اظهار اسرائيل بمظهر الدولة الديموقراطية المتقدمة، التي يتمتع فيها الانسان بكل الحقوق التي ضمنها له القانون المحلي والدولي، وقد ضغطت هذه الدولة على نفسها أكثر فأكثر لتظهر للعالم بمظهر الدولة العلمانية الراقية التي لا يضيع فيها أي حق. لذلك عمدت الى تشكيل لجنة راغرانات، عقب حرب رمضان / اکتوبر سنة 1973، بعد أن تحطمت أسطورة «جيشها الذي لا يقهر، على صخرة ارادة الانسان العربي المستندة إلى قرار القتال، ... وشكلت لجنة التحقيق) عقب مجازر مخيمي صبرا وشاتيلا في بيروت عام 1982. وإن أي مرائب حيادي (بمعني أن لا يكون مع اسرائيل ولا مع العرب) بمقدوره أن يؤكد أن تشکيل مثل هذه اللجان ما هو إلا مهزلة لذر الرماد في العيون. وقد أثبتت نتائج التحقيق والتوصيات المتحدة في هذه اللجنة، صحة التدجيل والتمثيل الاسرائيلي على أعلى المستويات.
وعندما تصل الأمور داخل الكيان الصهيوني الى حد الخطر، يهرع المسؤولون عن المخابرات ويدلون بدلوهم الاستخباري لتنبيه المسؤولين الى ما وصلت اليه الأمور من الانحلال، من أصغر موظف حتى الأشخاص ذوي المرتبة الثانية في الدولة كنائب رئيس الوزراء، ونائب رئيس الأركان، ومعاون الوزير، وحتى الوزير نفسه ... وجميعهم من تحت الغربال في الكيان الصهيوني، حسبما جاء في تقرير أعدته رئاسة المخابرات الاسرائيلية، ورفعته الى رئيس الوزراء (مناحيم بيغن) بعد حرب وسلامة الجليل»، وكانه لا يعلم سلوك أهل البيت والجيران معا ...
ان هذا التقرير ممهور بكلمة اسري جدة، وتحت رقم 74332/غ.: وهذا نصه: من المدير العام للمخابرات الاسرائيلية الى السيد رئيس مجلس الوزراء مناحيم بيغن المحترم
في هذه الأوقات الحرجة التي تمر بها، والتي تعتبر من أصعب الأوقات التي مرت بها بلادنا منذ عام 1948، حيث وصلت الأمور الادارية إلى حدود الانقلاب التام من أكثر المسؤولين المدنيين والعسكريين، لذلك نرى من واجبنا أن نطلعكم على حقيقة الأمور بحذافيرها، لتخذوا الاجراءات التي ترونها مناسبة، ونكون بذلك قد أذينا الواجب الذي يفرضه علينا وجودنا في هذه المؤسسة، متمتعين بثقتكم الغالية والأمر لكم:
اولا: استهتار الضباط الكبار وعدم أطاعتهم الأوامر حتى أثناء الحرب: تعاني القوات الإسرائيلية من ظاهرة انعدام الطاعة داخل الهرم القيادي على مستوى القطعات الكبرى.
وتتمثل هذه الظاهرة في أن قادة المجموعات الاحتياطية (الألوية. الفرق التي تدعي أثناء الحرب، يرفضون الخضوع لأوامر قادة المناطق أو الاعتراف بسلطتهم، وترجع هذه المسالة إلى أن قادة الألوية الاحتياطية كانوا سابقة قادة في الجيش العامل، وتسلموا خلال خدمتهم الفعلية مراكز عالية، وكان تحت امرتهم عدد من الضباط الذين بقوا في الخدمة، ووصلوا الآن إلى مناصب قيادية. وعندما تجري التعبئة العامة ويستدعي الاحتياط، يضطر قادة الألوية الاحتياطية للعمل تحت قيادة ضباط كانوا قبل عدة سنوات في عداد مرؤوسيهم، ويقفون أمامهم باحترام حسب الأقدمية في حينه. أما الآن فهم يجدون غضاضة في ذلك، بل ويرفضون أوامر رؤساء اليوم مرؤوسي الأمس. ويحدث من جراء ذلك احتكاكات ومصادمات تعرقل سير العمل وتفقد قادة المناطق السيطرة العملية على القوات أثناء المراحل الحاسمة من المعركة.
وأثناء ذلك نقدم مثالا مضى عليه الوقت، لكن نفس الأمور تتكرر الأن في حرب سلامة الجليل»، والمثال يا سيادة رئيس الوزراء - يضيف رئيس المخابرات الاسرائيلية. هو أنه في حرب 1973 استدعي اللواء أربيل شارون وزير الدولة إلى الخدمة الاحتياطية وسلم قيادة ألوية في المنطقة الجنوبية سيناء). وكان شارون قد عمل كفائد لتلك المنطقة في فترة 1999. 1971. حيث كان من بين الضباط العاملين تحت أمرته آنذاك «العقيد شموئيل غونين)، ونشاء الصدف أن يرقي العقيد غونين الى رتبة لواء ويغدو في عام 1973 قائدا للمنطقة الجنوبية. لذا فقد كان على شارون (رئيسه السابق) أن يعمل تحت امرته، مما اضطره الى رفض ذلك. وبرر شارون رفضه هذا بثلاثة أسباب هي:
ا- أن اللواء غونين كان مرؤوسه، ولهذا فهو يرى أن العمل تحت أمرته يسيء الى كرامته ...
2- أنه أقدم من اللواء غونين، نظرا لأنه وصل إلى رتبة لواء) قبله بخمس سنوات.
3 - انه أكثر منه كفاءة وأقدر منه على العمل وتقييم الموقف والتصرف في عمليات سيناء.
ويضيف رئيس المخابرات الاسرائيلية بقوله: ولم يقتصر هذا الوضع على شارون وحده، بل شمل مجموع الألوية التي خصصت للقتال على الجبهة المصرية. فقد كان جميع رؤسائها (قادتها) يحملون رتبة لواء) وسبق لهم أن تولوا مناصب عالية في المنطقة الجنوبية عندما كان غونين لا يزال برتبة (رائد أو مقدم). لذا فإنهم نظروا اليه باستعلاء ورفضوا الانصياع الاوامره. ونشأ عن هذا الموقف غير الانضباطي وضع خطير، اذ اخذ كل قائد لواء يعمل على هواه، وبقي قائد المنطقة (غونين) في مقر قيادته عاجزة عن تنفيذ خطته، أو تحريك القطعات الموضوعة تحت تصرفه؛ وتحول من قائد الى شاهد، يتابع ما يفعله مرؤوسوه دون أن يملك سلطة تنفيذ أوامره وقراراته. وكان من الممكن أن يؤدي هذا الوضع الى عواقب وخيمة لو أن القيادة المصرية كان لها مقدرة ملاحظة الخلل الناجم عن انعدام السيطرة المركزية داخل القوات الإسرائيلية في المنطقة وعملت على استغلاله.
وبعد اتصالات شموئيل غونين، أدركت القيادة الاسرائيلية بسرعة خطورة الوضع، فقرر رئيس الأركان دافيد اليعازر، إصدار امره بعزل شارون واعتقاله حسب الأنظمة العسكرية بتهمة رفض أوامر قائد الجبهة، ولكنه لم يستطع كما تعلمون تنفيذ أمره في حينه. وفي تلك الفترة الحرجة من القتال خاصة وأن مجموعة شارون كانت على وشك العبور الى الضفة الغربية لقناة
إصدار امره بعزل بسرعة
خاصة كما تعلمون تنفيذ مصرية بتهمة رفض السويس، حيث تدخلت غولدا مائير ورأت أن الحل الأمثل هو تعيين قائد من الاحتياط أعلى رتبة من غونين وجميع قادة الألوية ليتولى قيادة الجبهة الجنوبية وفرض السلطة على الجنرالات الخمسة الذين يعتبرون أنفسهم اعلى من غونين بما فيهم شارون .. ؟.
وعلى هذا الأساس طلبت غولدا مائير من وزير التجارة والصناعة اللواء الاحتياط (حاييم بارليف الذي رفع الى أول رتبة فريق) في اسرائيل لدى إحالته للتقاعد كما تعلمون، وطلبت منه التخلي عن وزارته والالتحاق بالجبهة الجنوبية (كرئيس أركان خاص)، وقد التحق بارليف فورا، وفي أول زيارة الغونين أعلمه أنه لم يأت ليحل محله بل لمساعدته في ضبط الأمور وحل معضلات الانضباط ومساعدته للسيطرة على قادة الألوية، ومع ذلك فإن وجود بارليف مع غونين أفقد هذا الأخير سلطته القيادية، وحوله الى ضابط أركان لدى بارليف ...
ثانيا: تجاوزات الجنرالات ... وکسبهم غير المشروع .. ؟.
يضيف رئيس الموساد، في تقريره الى مناحيم بيغن بقوله: تعلمون أن شعبنا الاسرائيلي أصبح يقدس القوة ويعتبرها أساس قيامه ومبرر وجوده، والضمانة الأولى لبقائه في بحر العداء العربي. وتتجسد القوة في نظره بالقوات المسلحة التي استطاعت احتلال فلسطين (بالقوة) ثم حافظت على الأراضي رغم المحاولات العربية لاستردادها. ولذلك فإن للعسكريين والضباط (بشكل خاص وضعا اجتماعية متميزة داخل المجتمع الاسرائيلي. ويستغل الضباط هذا الوضع المتميز لتحقيق المكاسب الشخصية خلال وجودهم في الخدمة، ثم يتابعون الاستغلال بعد ترك الخدمة والالتحاق

مثلا أن جزءا كبيرا من الأموال المخصصة لبناء «خط بارليف، قد تسب الى جيوب المقاولين المدنيين والضباط المتواطئين معهم، لقاء عمولات معينة. وجاء سقوط «خط بارليف، عام 1973 ليثير هذا الموضوع من جديد، وليدفع شعبنا الاسرائيلي إلى التحدث عن منفعة «خط بارليف، في بناء الشيلات الفخمة للمقاولين والضباط في اسرائيل فقط ... ومن أشهر الأسماء اللامعة في مجال التجاوزات: 1- الجنرال الراحل موشيه دايان، الذي استغل منصبه كوزير دفاع، والسمعة
التي اكتسبها في حرب 1997 وبعدها، وقام باستخدام عمال وخبراء الدولة لمساعدته في التنقيب عن الآثار و استخراجها، لا ليقدمها هدية
للدولة أو للمتاحف، بل أنه باعها بأسعار خيالية الى تجار ومهربي الآثار 2 - الجنرال ارييل شارون، نفسه وزير الدفاع قبل إعادته للخدمة، وأثناء
ترکه الخدمة العسكرية قام بشراء أرض في النقب بأموال لم يكشف مصدرها، وزرعها بالبطيخ (المسمى جبس). واستغل منصبه عندما كان وزيرة للزراعة فاستخدم موظفي ومعدات الوزارة في مزرعته، فأطلق عليه اسم «جنرال البطيخ، كما أنه استخدم الأحداث من سكان غزة العرب للعمل في مزرعته، مخالفة بذلك القوانين التي تمنع تشغيل الأحداث الذين يقل عمرهم عن 16 سنة. ووجد الهستدروت (أي اتحاد نقابات العمال) الذي يسيطر عليه حزب العمال المعارض، الفرصة المناسبة لتفجير أزمة للإطاحة بجنرال البطيخ (شارون) والاساءة الى تكتل اليكود اليميني الحاكم. لذلك طلبت وزارة العمل من وزارة الزراعة (شارون نفسه) إيقاف استخدام الأحداث، ولما رفض ذلك قامت وزارة العمل باستصدار أمر من المحكمة العليا الاسرائيلية بمنع الأحداث من مغادرة قطاع غزة بسيارات العمال المتجهة إلى النقب، وهددت أهالي الأحداث بإحالتهم للمحاكمة في حال السماح لأبنائهم بالعمل قبل بلوغ السن القانونية. 3- المستشار العسكري الخاص لرئيس الوزراء السابق اسحاق رابين لشؤون
مكافحة الارهاب ارحبعام زنيفي،. فقد تمثلت تجاوزاته في تهريب الأسلحة الاسرائيلية وتسويقها في بعض دول أميركا اللاتينية وأفريقيا، ولقد كشفت الشرطة الاسرائيلية العلاقة بين هذا الجنرال ورمافيا) تهريب الأسلحة التي جندها «رحبعام، للقيام بعمليات جمع الأسلحة وتسويقها وشحنها ومن ثم تدريب الزبائن عليها.
وبعد ذلك حل الجنرال غونين، مکان «رحبعام، في هذا المجال. فقامت الشرطة بتفتيش منزله حيث عثرت على كميات كبيرة من الأسلحة. وكان للجنرال دييغال بادين، (الذي شغل منصب نائب رئيس مجلس الوزراء) دور في كشف تعامل غونين بتهريب الأسلحة مستغلا مرکزه العسكري. فأمر بتفتيش منزله بعد أن تأكد من وجود الأسلحة المعدة للتهريب فيه. وقد صودرت كمية كبيرة منها فعلا. ويبدو أن العلاقات الشخصية المتوفرة بين «يادين، واغونين، دورا في عملية الكشف، نظرة لأن بادين، كان عضوا في لجنة اغرانات، التي أدانت رغونين، بعد حرب 1973، فهاجمه اغونين، بشدة، وكال له الاتهامات
ووجد ريادين، أن الفرصة قد حانت للانتقام، فانتهزها. وقد وجدت الشرطة العسكرية في منزل رغونين، بالاضافة الى الأسلحة، عددا من الوثائق السرية والتقارير الميدانية الخاصة بحرب 1973. كما وجدت الصفحات الضائعة من السجلات العسكرية التي لم يقدمها رغونين، الى لجنة اغرانات) عندما حققت هذه اللجنة معه.
ويظهر من كل ذلك مدى استهتار القادة الاسرائيليين بالتعليمات العسكرية واستغلالهم الكبير لوضعهم الخاص المتميز، خاصة اذا كانوا مثلما ذكرنا، من الضباط الذين حققوا بعض الانجازات العسكرية خلال الحرب مع العرب، وحصلوا على سمعة شعبية يحتمون بها لخدمة مصالحهم الخاصة كما تبين.
وعندما يمعن السوس نخرا في جذوع الشجر، يصبح مظهرها الخارجي البراق والشامخ، غير ذي فائدة إطلاقا. ومهما رأت نفسها متعالية على شجيرات صغيرة تتمتع بمناعة المقاومة، سرعان ما تنتصب الحقيقة، لتثبت زيف المظهر الخارجي، وتؤكد أن الواقع هو عكس ذلك، وليس بمقدور أي طلاء أن يحجب الجوهر الى الأبد، مهما كانت قوة لمعانه وفعاليته.
وهكذا هي حال اسرائيل في منطقة الشرق الأوسط. شجرة في غابة المنطقة، تحاول جاهدة إيهام العالم أنها سليمة من كل أمراض العصر وأوبشه ... ولكن الدعاية شيء والواقع شيء آخر ... ولم يقتصر واقعها على السوس فقط، إذ قلما وجد نوع من الفساد والانحلال إلا وتغلغل مع الدم في شرايينها ...
وليس أصدق من أهل البيت، في وصفهم لكل ما أصاب «إسرائيل» بعد حوالي 38 عاما على قيامها. واصاحب البيت أدرى بالذي فيه، كما يقولون.
ففي تقريره ال س ي جدا الى رئيس وزراء العدو الصهيوني مناحيم بيغن، يضيف رئيس المخابرات الاسرائيلية (الموساد) على:
استهتار الضباط الكبار وعدم اطاعتهم الأوامر حتى أثناء الحرب. - وتجاوزات الجنرالات ... وكسبهم غير المشروع ... ثالثا: تدني المستوى الخلقي والانضباطي داخل الجيش ... ويخاطب مناحيم بيغن بقوله:
نعرض لكم أيضا أن المستوى الانضباطي في القوات المسلحة دائما في مستوى أدنى من المستويات العالمية. ولكن التدقيق في اختيار القيادة الاعضاء الجيش العامل المتطوعين)، ووضع الشروط الأخلاقية المتشددة خلال دعوة المجندين، كانت تخفف من شدة هذه الظاهرة الى حد ما. وبعد حرب يوم الغفران، ظهرت الحاجة الى توسيع القوات المسلحة بغية موازنة التفوق العددي (عند العرب). ولكن الواقع الديمغرافي في اسرائيل لم يكن يسمح بإجراء توسع طبيعي. لذا خففت القيادة الشروط النفسية والاخلاقية المفروضة عند اختيار الجنود المتطوعين للإحتراف، وحتى عند سوق المجندين إلى الخدمة، ونجم عن هذا التساهل الذي ساهمت به مخابراتنا، زيادة عدد القوات المسلحة (150 ألف فرد) لم يكن ضمهم للقوات المسلحة ممكنا قبل حرب 1973.
ومن المؤكد أن أغلبية هؤلاء الجنود كانوا معفيين لأسباب دينية أو جسدية. والقسم الأكبر كان معفيا لأسباب نفسية أو أخلاقية، أو لارتكابهم جرائم مختلفة كالسرقة، والتهريب، والقوادة (أي. تسهيل الدعارة) والمخدرات ... الخ ...
ويضيف رئيس الموساد قائلا: وبسبب هذا السيل الكبير من المرضى النفسيين أو الشاين أو المنحرفين، (تدني المستوى الأخلاقي) في القوات المسلحة، وتدني معه بالتالي المستوى الانضباطي وظهر وضع جديد أقلقنا وأقلق القيادة، مما دفع رئيس الأركان السابق «مردخاي غوره الى الاحتجاج والمطالبة بتغيير هذا الوضع الذي يصعب على قادة الوحدات التغلب عليه. ونذكر لسيادتكم أنه لوحظ منذ تطبيق سياسة التوسع في عام 1974 انتشار عدد من المظاهر غير الانضباطية على الشكل الآتي: أ. عدم احترام الضباط ذوي الرتب العالية ب. عدم ارتداء الضباط الصغار وحتى الكبار (راقية الرأس المسماة (القبعة أو
السيدارة) وترك الحبل لشعرهم على الغارب کالهبيين. ج - تکاثر حالات الغياب من الثكنات. د. عجز الشرطة العسكرية عن فرض هيبتها السابقة وضبط المخالفين. م. سرقة الأسلحة من المستودعات وبيعها، بالاضافة الى سرقة معدات
وتجهيزات الزملاء في الخدمة و - تعاطي المخدرات داخل الثكنات وخارجها. ز. اغتصاب النساء سواء من جوار الثكنات أو خارجها. ح - تعاطي الشذوذ الجنسي بين مختلف الرتب ويضيف رئيس المخابرات الاسرائيلية موجهة خطابه الى مناحيم بيغن قائلا: ولقد احتج قادة الوحدات على هذا الوضع، وطالبوا باتخاذ التدابير التي تضمن حماية الانضباط في القوات المسلحة، ولكن رئاسة الأركان كانت ترد على التقارير التي تصلها من الوحدات بالتأكيد على أن التخلص من هذا الوضع الشاذ يتطلب العودة إلى تطبيق قوانين التجنيد (السابقة التي تمنع المنحرفين من دخول القوات المسلحة، وأن هذه العودة متعذرة بسبب الحاجة الماسة لاعداد كبيرة من الجنود لأسباب تتعلق بالمصلحة العامة لاسرائيل. وان المجتمع الاسرائيلي ليس له قدرة على تأمين العدد الكافي من الجنود الأسوياء. ونحن نعلم أنه في عام 1970، اتخذت تدابير في حصر خدمة الجنود المنحرفين بالوحدات الإدارية، وعدم ضمهم إلى الوحدات المقاتلة حتى لا ينقلوا اليها عاداتهم السيئة. ومع هذا فقد انتشرت ظواهر الاجرام وتعاطي المخدرات في وسط الوحدات الادارية وخاصة بين سائقي سيارات الضباط وعمال المصانع العسكرية والورشات وحراسات المستودعات الخلفية
وقد أدى انتشار تعاطي المخدرات بين القوات المسلحة الى بروز ظاهرة الانتحار بين العسكريين. ولدينا تقرير يفيد أن نسبة المتحرين من العسكريين قد زادت 65? عن السابق، وأن الدوافع الى الانتحار هي الياس والقنوط الذي يصيب العسكريين ويدفعهم إلى تعاطي المخدرات. وفي حال فشل المخدرات في حل مسالة اليأس والقنوط يلجأون إلى الخيار الأخير المتمثل بالهروب من الحياة الى الموت انتحارة.
ويؤكد رئيس الموساد، بقوله: ولا زالت مشكلة الانتحار تقلقنا حني الآن رغم تعيين مئات الباحثين النفسيين والأطباء في مختلف وحدات القوات المسلحة لدراسة ظاهرة الانتحار المتفشية ووضع الدراسات اللازمة المعالجتها. وبدل ما اطلعنا عليه حتى الآن أن الياس قد تغلغل في نفوس أغلب العسكريين لعدة أسباب أهمها: 
ا. فقدان الثقة بالزعماء السياسيين لاسرائيل. ب - اهتزاز الثقة بإمكانية بقاء دولة اسرائيل. ج- الشكوك التي تحيط بتصرفات الحكومات المتعاقبة. د. خيبة الأمل الناجمة عن عدم قدرة الجيش الاسرائيلي على تحقيق انتصار
حاسم ونهائي على العرب. ه. شعور العسكريين الاسرائيليين بان الانتصار التاريخي على العرب متعذر الأسباب ديموغرافية واستراتيجية، خاصة بعد تنامي الثورة العربية ويقظة القومية العربية والدعم العسكري والمعنوي والسياسي الذي يقدمه الاتحاد
السوفياتي للعرب. و- الشعور بأن جميع التضحيات السابقة قد ذهبت أدراج الرياح، وأن كل
حرب جديدة ستكون أقسى من سابقتها وتتطلب تضحيات اكثر. ز- التجاوزات المالية لكبار العسكريين والسياسيين التي يلمسها العسكري
الاسرائيلي مما يدعوه للتساؤل: هل أقاتل من أجل هؤلاء الذين يختلسون ويسرقون ويصبحون من الأثرياء على حساب دمي وحياتي؟ .. .
ويضيف رئيس المخابرات الاسرائيلية قائلا: وتقول هذه الدراسات في نهايتها بأن رفع المستوى المعنوي والأخلاقي للجندي الاسرائيلي يتطلب تبديلا جذرية في المجتمع نظرة لاعتماد الجيش الاسرائيلي على المجندين الذين يفدون اليه من المجتمع رأسا، على أن يشمل هذا التبديل تطهير أجهزة الدولة من القاعدة الى القمة، والعمل على أن يستعيد الشعب الاسرائيلي ثقته بالقوات المسلحة من خلال انتصار باهر على العرب، وطمأنة المواطنين الاسرائيليين الى مستقبلهم، ولفت نظرهم الى فضل الصلح التعاقدي الذي عقد مع مصر أقوى دولة عربية، والأمل بان يؤدي هذا الصلح الى إجبار الدول العربية الى التصالح معنا.
ويستطرد رئيس الموساد، مخاطب مناحيم بيغن حول:
وضع المجندات الأخلاقي في الجيش الاسرائيلي، فيقول: إن قضية خدمة الفتيات الاسرائيليات في الجيش تشكل مشكلة بحد ذاتها، نظرا لان الأحزاب الدينية تعارض تطبيق الخدمة الالزامية على الفتيات. ولكن حاجة القوات المسلحة الاسرائيلية للقوة البشرية وعدم كفاية الرجال لإشغال كل الخدمات، جعل حكوماتنا المتعاقبة ترفض الانصياع لمطالب الأحزاب الدينية، وتكتفي بحل وسط يتمثل في تجنيد الفتيات غير المتدينات، وبوسع كل فتاة أن نتخلص من الخدمة الالزامية بعد حصولها على وثيقة من الحاخامية اليهودية تثبت أنها متدينة. ونظرا لأن الحاخامية تسهل الحصول على هذه الوثيقة بحكم تعاطفها مع الأحزاب الدينية، فإن من الممكن القول أن مجنداتنا عبارة عن متطوعات باختيارهن تقريبا.
وليس وجود الفتيات في الجيش أمر مقلقة لو كان المجتمع الاسرائيلي متمسكا بأهداب الفضيلة، ولكن وجود المجندات مع الانهيار الخلقي العام في اسرائيل الذي نتحدث عنه، واختلاط الجنسين في ظروف غير طبيعية يؤدي الى نشوء علاقات جنسية لا تخضع للضوابط الاجتماعية، ولا يحرم القانون العسكري الاسرائيلي على المجندة إقامة مثل هذه العلاقات مع أي جندي أو ضابط، شريطة أن يتم اللقاء الجنسي خارج القواعد العسكرية، وعلى بعد لا يقل عن ستة أمتار منها، ولكن القانون نفسه يحرم على المجندة الحمل غير الشرعي، وتكون عقوبة المجندة الحامل (الطرد من الخدمة). ولعلمكم يا حضرة رئيس الوزراء، فقد ذكر عزرا وايزمان، عندما كان وزيرة للدفاع ردا على سؤال عضو الكنيست رغيئولا كوهين، بأن عدد المجندات اللواتي يطردن من الخدمة سنويا بسبب الحمل غير المشروع يصل الى /1000/ مجندة.
ومن المعلوم أن المجندات لا يخدمن في جميع الأسلحة، بل تقتصر خدمتهن على الخدمات الادارية التابعة لقطعات المدفعية والمدرعات. ولكن وجود قواعد هذه القطعات في أماكن بعيدة عن المدن، جعلت الجنود المعزولين عن الجنس الآخر، بلاحقون مجندات الشؤون الادارية بشكل مفضوح، بل ويعتدون عليهن بالقوة أحيانا، الأمر الذي زاد من معضلة الانضباط داخل الوحدات، ويشغل قادة هذه الوحدات بمشاغل يومية اضافية. لذلك تم استبعاد الفتيات من سلاح المدفعية والمدرعات، واقتصر عملهن على الخدمة في الوحدات الادارية الخلفية وسلاح البحرية.
ومع ذلك، فقد تزامن وصول الفتيات بأعداد كبيرة إلى الوحدات الادارية مع تجميع المنحرفين في هذه الوحدات ايضأ، بعد إبعادهم عن القطعات المحاربة كما ذكرنا. ونجم عن ذلك وضع غير طبيعي تمثل في انتشار الفساد على نطاق واسع، بل والى اقامة حفلات دعارة داخل الثكنات نفسها، وانتقال تعاطي المخدرات الى المجندات، الأمر الذي أثار اهالي المجندات ودفعهم الى الاحتجاج. وأعطى الأحزاب الدينية مبررة للضغط أكثر وأكثر لإلغاء تجنيد الفتيات.
وكانت خدمة الفتيات في سلاح البحرية بعيدة عن الأضواء. وكانت المعلومات تؤكد نجاح المجندات في هذا السلاح، الى أن انفجرت فضيحة القائد السابق للبحرية الإسرائيلية ميخائيل برکائي، الذي استغل وظيفته ورتبته وقام باغتصاب مجندتين من سلاح البحرية. ولكن المجندتين المغتصبتين لم تبلغا عن حادثة الاغتصاب في حينها. وكان من الممكن إخفاء هذه القضية لولا أن عضو الكنيست السيدة رشولا ميت الوني، علمت بها وأثارتها داخل الكنيست بتاريخ 18 تشرين الثاني / نوفمبر 1978. ولقد أثبتت التحقيقات أن الجنرال برکائي اغتصب المجندتين خلال خدمتهما الرسمية تحت أمرته. وقد تجرأت فتاتان غيرهما كانتا من عداد المجندات لدى الجنرال ميخائيل، واعترفتا بأنه مارس معها الجنس في مكتبه لدى مقابلته الأسباب تتعلق بوضعهن في الخدمة، فتقرر تجميد خدمته فورا، وأحيل الى المحكمة العسكرية الخاصة بتاريخ 1978
/ 11/ 19. ورغم تبرئته لعدم ثبوت الدليل (لأن الفتيات الأربع لم يستطعن الحضور والظهور أمام المحكمة خشية الفضيحة والصحافة)، فإن القضاة كانت لديهم قناعة تامة بأنه (مذنب)، مما دعاهم إلى تقديم توصية بتجميده، الى أن يقرر الزعماء السياسيون مصيره
وقد سرح من الجيش فلا فيما بعد بقرار سياسي). وهناك إشاعات بأنه اغتصب الكثيرات وأنه ليس الضابط الوحيد الذي أقدم على مثل هذا العمل. وأن عدم انکشاف هؤلاء يعود الى أن المجندات المغتصبات بلجان للصمت خوفا من الفضائح، ومن هنا جاء التحرك المستمر من الأحزاب الدينية ضد خدمة المجندات في القوات المسلحة. (وهذا ما دفع وزير الدفاع الصهيوني بتاريخ 20 أيلول/سبتمبر 1983، أن يصدر أمرا يقضي بتزويد المجندات الاسرائيليات بعلب رش صغيرة تحوي غازأ مسيل للدموع للدفاع عن أنفسهن ضد الاغتصاب الجنسي بعد أن كثرت الشكاوى من العائلات الاسرائيلية التي تتعرض بناتها للاغتصاب ... ).
ويتابع رئيس المخابرات الاسرائيلية خطابه الى مناحيم بيغن فيقول: وبعد، إننا اذ نعرض هذه الظواهر الأربعة بالاضافة الى انعدام الانضباط الخارجي (كالتحية التي اختفت منذ سنين. اللباس العسكري. التصرف في الشارع والمحلات العامة تدل على وجود ازمة معنوية حقيقية داخل الجيش الذي يتصرف أفراده بعد 34 سنة من الاستقلال وانشاء الدولة ونواتها المسلحة النظامية وفق التقاليد والمفاهيم الانضباطية التي كانت سائدة أيام الهاغاناه) و (شتيرن) و (ارغون) التي سبقت ظهور الدولة، مع فارق نذكره بالاحترام وهو أن رجال الهاغاناه وشتيرن والارغون كانوا يملكون نفسية الرواد، في حين أن غالبية الشبيبة الاسرائيلية الحالية مصابة بأمراض المجتمع الرأسمالي، وفي مقدمتها الضياع والانحلال الخلقي وعدم الاحساس بالضوابط والروابط الاجتماعية.
ويخلص رئيس الموساد، الى اقتراح مفاده: نقترح الأخذ بما جاء في هذا التقرير والدعوة الى اجتماع يحضره السيد وزير الدفاع والسيد رئيس الأركان والسيد وزير الشرطة والقضاة العسكريون لتدارس ما يمكن اجتنابه بشكل جذري وخدمة للمصلحة العامة للشعب الاسرائيلي.
برفع مع الاحترام
رئيس المخابرات الاسرائيلية وبما أن التقرير لم يذكر اسم مدير المخابرات الاسرائيلية، فإننا نؤكد بأنه الجنرال تسفي زامير، الذي خلفه «اسحاق حوفي، في أول سبتمبر 1974.

المراجع
1 مجلة واستراتيجيا، (اللبنانية)، العدد 3. شهر يناير 1982. ص
93 - 91 (دراسة للباحث عصام الجزار بعنوان: الانهيار الخلقي في
الجيش الاسرائيلي). د 02 سعيد الجزائري والمخابرات والعالم، الجزء الثاني. منشورات مكتبة
النوري. دمشق. دون تاريخ، ص 39 - 453.










مصادر و المراجع :

١- موسوعة الامن والاستخبارات في العالم

المؤلف: د. صالح زهر الدين

الناشر: المركز الثقافي اللبناني للطباعة والنشر والتأليف والترجمة - بيروت

الطبعة: الاولى

تاريخ النشر:2002 م

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید