المنشورات

اسرار عملية اغتيال جوهرة القارة الآسيوية انديرا غاندي

في الوقت الذي كان فيه شهر اكتوبر 1989، بطوي آخر ورقة في روزنامته، كان العالم بدوره يقف مشدوها أمام نبا اغتيال رئيسة وزراء الهند، انديرا غاندي.
فمن هي هذه المرأة؟ ولماذا اغتيلت؟ وما هي أسرار عملية اغتيالها؟.
تعتبر انديرا غاندي جوهرة القارة الآسيوية، والشخصية الوطنية الأولى في الهند، وابرز الرموز الحية لحركة عدم الانحياز، واحدى كبار الزعماء المعروفين في العالم.
لقد ولدت. انديرا في مدينة الله أباد (Allahabad)  بولاية أوتار براديش في التاسع عشر من شهر تشرين الثاني/نوفمبر 1917. وهي الابنة الوحيدة الرئيس الوزراء الهندي الراحل جواهر لال نهرو، وجاء اغتيالها قبل عشرين بومة من بلوغها عامها السابع والستين. و لقد ولدت انديرا غاندي دون أي شك في السياسة، أكثر من أي شخص أخر بين معاصريها من حكام البلدان الأخرى. وتكرس وجودها للسياسة، على حساب أي اهتمام آخر، حتى انها حولت حياتها العائلية نفسها الى عمل سياسي.
كانت طفلة عندما اعتقلت قوات الاحتلال البريطاني والديها بسبب نشاطاتهما السياسية من خلال الحركة الوطنية الهندية، وكان أبوها، ذلك المحامي الشاب المعروف جدا، يوليها اهتماما خاصا، حيث كان أثناء سجنه يرسل اليها رسائل توجيهية وتعليمية شبه يومية، وقد نشرت هذه الرسائل عام 1992 تحت عنوان: «رسائل من أب الى ابنتها، حيث جاء في احداها، عندما لم تكن انديرا قد بلغت بعد الثالثة عشر من عمرها، قائلة:
هل تذكرين كيف سحرتك قصة جان دارك عندما كنت تقرئينها لأول مرة، وكيف كان طموحك يشبه الى حد كبير طموح هذه البطلة الفرنسية. إننا اليوم نصنع التاريخ في الهند، ولا شك أننا سعداء الحظ أن نكون بين الذين يشهدون ما يجري الآن من أحداث في بلادنا. انني لا أعرف ما هو الدور الذي سنقوم به، ولكن مهما كان دورنا فيجب أن نذكر دائما أنه يجب ألا نقدم على عمل من شأنه أن يقلل من أهمية قضية بلادنا أو يجلب العار المواطنينا. الوداع يا صغيرتي وآمل أن أراك تكبرين لتصبحي جنديا شجاعة في خدمة بلدك.
أنهت انديرا غاندي دراستها الجامعية في بريطانيا، وبالتحديد في جامعة أوكسفورد، وهناك تحدد التزامها السياسي بانتمائها الى الحزب العمالي، وكانت قد تعرفت أثناء اقامتها في بريطانيا على هندي شاب اسمه
فيروز غاندي،  Feroze Gandi» (لا يمت بصلة القرابة إلى المهاتما)، وتزوجته عام 1941، إلا أن شهر العسل كان قصيرة لان انديرا دخلت السجن يوم وصولها إلى الهند وبقيت فيه ثلاثة عشرة شهرة بسبب نشاطاتها السياسية
أنجبت انديرا غاندي ولدين هما راجيف وسنجاي. وعاشت فترة طويلة من حياتها في مقر والدها رئيس الوزراء، الذي جعلها معاونته المقربة، وشاركته في نشاطاته الداخلية منها والخارجية. كما كانت بجانبه عام 1955، في أهم مؤتمر دولي في ذلك الوقت، هو مؤتمر باندونغ. إلا أن أبنها سنجاي قتل عام 1980، في حادث تحطم طائرة، في الوقت الذي كانت تعده ليكون خليفة لها.
في عام 1992، وبعد حرب الحدود بين الهند والصين، أصبحت انديرا رئيسة للمجلس المركزي لحزب المؤتمر. وبعد وفاة والدها عام 1914، اختيرت وزيرة للاعلام في حكومة دبهادور شاستريا. وعندما توفي هذا الأخير في يناير 1911، انتخبت رئيسة لحزب المؤتمر الهندي، وكلفت بتشكيل الحكومة في 4 يناير من العام نفسه. وظلت في موقعها هذا حتى مصرعها، باستثناء فترة ثلاث سنوات قضتها في المعارضة بين 1977. 1980، حيث كانت هذه المرحلة من أقسى مراحل حياتها.
وانطلاقا من دورها وأهميتها ووزنها على الصعيد الوطني والدولي، فقد منحتها جامعات عدة الدكتوراه الفخرية، منها جامعة موسكو، وجامعة اوكسفورد، وجامعة السوربون، وجامعة بغداد، وجامعة طوكيو، وجامعة اندرا اغرا، ومن نشاطاتها البارزة الأخيرة ترؤسها لدورة حركة عدم الانحياز التي عقدت في عام 1983 في نيودلهي. وكان آخر نشاط لها عودتها قبل يوم واحد من مصرعها من جولة انتخابية حيث من المقرر أن تجري الانتخابات الهندية في آخر عام 1984، خطبت فيها قائلة: ران دمي سينعش الهند»، معبرة عن فخرها بأنها وهبت حياتها لخدمة البلاد.
من هذا المنطلق، نؤكد بأن عملية اغتيال انديرا غاندي ليست مجرد عمل انتقامي ارتكبه جماعة والسيخ، بل هناك جهات دولية استغلت خلاف زعيمة الهند مع هذه الأقلية لتدبير قتلها وإشعال حرب أهلية تكون نتيجتها تقسيم بلاد الهند مرة جديدة
وتقسيم الهند في نظر خبراء السياسة الدولية يوازي بخطورته ما حصل في بلاد البلقان. ومن هنا بداية الحديث عن .. بلقنة الهند. وقد كان الرئيس الحزب التقدمي الاشتراكي الاستاذ وليد جنبلاط قصب السبق في تعليقه على هذا الحديث عندما قال: أن اغتيال السيدة غاندي يعتبر ضربة تستهدف العالم الثالث ودول عدم الانحياز، لما تمثله السيدة غاندي ابنة القائد الكبير اجواهر لال نهرو، وهي التي تفانت في سبيل الحفاظ على حركة عدم الانحياز. كما أن العملية الاجرامية الأئمة تستهدف تقسيم الهند وتفتيتها على يد الاستعماري، والحقيقة أن في هذا التصريح تكمن كل الأبعاد الجوهرية لعملية اغتيال «جوهرة قارة آسيا،، بمشاركة نائب مفتش الشرطة الهندية وبينت سينغ، الذي قتل في الحادث، والذي كانت تعتبره غاندي من اقرب المقربين لها، ومن أكثر الأشخاص الذين كانت تثق بهم. وقد ردت صحيفة «انديان اكسبرس» الهندية عن «بينت سينغ، قوله في كلمات أخيرة: القد فعلت ما كان يجب على أن أفعله. لقد عادت اسفيتلانا، ابنة ستالين الى وطنها ولقيت ابنة نهرو مصرعها في عقر دارها.
حادثان لم يفصل بينهما زمنيا إلا أيام معدودة، وفصلت بينهما مکانية مسافات البعد بين لندن، حيث عاشت ابنة ستالين أخر سنواتها في الغرب، وبين نيودلهي حيث عاشت ابنة نهرو، حياة الهند السياسية طولا وعرضا منذ ما قبل الاستقلال بسنوات.
فماذا يجمع بين الحادثين: التصادف الزمني وحده؟ لا ... ثمة عامل مشترك واحد آخر.
كانت عملية تهريب ابنة ستالين إلى الولايات المتحدة قبل 17 عاما، احدى مرارات الهند، وبالتحديد انديرا غاندي، اذ أن هذا التهريب تم اساسا على أرض الهند. واستغلت فيه الحصانة الدبلوماسية لعدد من الأميركيين بينهم السفير الأميركي في نيودلهي انذاك، تشيستر باول.
ولقد كانت المرارات متبادلة بين انديرا غاندي والحكومات الأميركية المتعاقبة كثيرة، وأكثر من أن تحصى. مع ذلك، فإنه عندما وصلت برقية وكالة رتاس، السوفياتية في اليوم التالي لاغتيال أنديرا غاندي الى واشنطن،
حاملة اتهام موسكو لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، بتدبير اغتيال زعيمة الهند، فغر الأميركيون أفواههم دهشة: بعض المسؤولين في وزارة الخارجية امتعض وهو يقرا نبا الاتهام .... مسؤولون في البيت الأبيض تهقهرا بصوت مرتفع .. فهذا دليل آخر برأيهم على أن السوفيات فقدوا صوابهم، ربما من شيخوخة زعمائهم، فلم يعودوا يدركون أن هناك أشياء يمكن تصديقها في أي مكان من العالم، منها القول أن أميركا وراء اغتيال انديرا
غاندي
وبالفعل بدا الاتهام، غريبا، بل مضحكة لأول وهلة. وقد أثار غضب بعض المراسلين الهنود في واشنطن، ومنهم من لا يكن مودة خاصة للولايات المتحدة. فحتى حادثة تهريب ابنة ستالين الى أميركا قبل 17 عاما، لم تؤد الى ضربة انتقامية من جانب الهند، ويمكن القول أنها نسيت ونسي دور السي. اي. ايه فيها. أليس كذلك؟.
ليس كذلك بالضبط. فالحقيقة الأكثر أهمية من مصادفة عودة اسفيتلانا ستالين، الى وطنها واغتيال انديرا غاندي في خلال أيام معدودة، هي من نوع الحقائق التي لا دخل للمصادفة فيها. انها حقيقة تاريخية ومعقدة ليس فيها شيء واحد مطروق للاتهام. هذه الحقيقة هي أن أنديرا غاندي غابت عن الحكم فترة قصيرة للغاية، أقل من ثلاث سنوات، خلالها حكم الهند رجل كان يقبض معاشة شهرية من وكالة المخابرات المركزية الأميركية ضمن القائمة التي سبق أن كشفتها الصحافة الأميركية في احدى نوبات الثورة على دور

تولي مورارجي ديساي، رئاسة حكومة الهند بعد انشقاق خطير أحدثه بدأب تأمري غير عادي في صفوف حزب المؤتمر، أخرج انديرا غاندي من السلطة الى السجن مؤقتة، ولكن في أول منعطف جرت عنده الانتخابات عادت انديرا غاندي مكتسحة ديساي وجناحه. وامورارجي ديساي، كان العربة هنري كيسنجر في الهند، كان أداة لوزير الخارجية الأميركية الأسبق التحطيم السياسية الهندية، ولتحطيم الهند كلها اذا لزم الأمر.
كانت انديرا غاندي قد اتخذت قرارها الاستراتيجي بتاييد قيام دولة بنغلادش، ودخول الحرب ضد الباكستان. من اجل هذه الغاية، في وقت كانت فيه الصين قد أعلنت انها ستقف في صف باكستان اذا هاجمنها الهند، واعلنت أميركا انها لن تستطيع الوقوف في وجه الصين اذا قررت اجتياح الهند. وقبلت انديرا التحدي، وانتصرت، أما الصين، فإنها لم تتدخل، وأما أميركا فقد اكتشفت أنها لا تستطيع أن نمزق أوصال الهند، ولا حتى أن ترعبها بالغول الصيني.
في ذلك الوقت، 1971، کان امورارجي ديساي، بوافي وكالة الاستخبارات المركزية بتقارير مستمرة، ويقبض مكافاته الشهرية بانتظام، حتى بعد أن فصلته انديرا من منصبه كنائب لرئيس الوزراء في عام 1969. ظلت الوكالة المركزية تشير اليه بتقاريرها السرية الى الرؤساء الأميركيين على أنه واحد من أهم ارصدة الوكالة كما يقول «سيمور هيرش، الكاتب المحقق الأميركي في كتابه «ثمن السلطة ... کيسنجر في البيت الأبيض،،
غير أن رجل اميركا في نيودلهي امورارجي ديساي، تسبب في وقوع كيسنجر والحكومة الأميركية في أكبر ورطة في منطقة جنوب شرقي آسيا، حيث وافاها في أغسطس 1971 بتقرير يفيد أن الاتحاد السوفياتي وافق على توقيع معاهدة صداقة وتعاون مع الهند، كثمن غير محدود الأجل، لخطة الهند للإعتراف بباكستان الشرقية.
وقد قلب هذا التقرير مفاهيم البيت الأبيض التي كان قد حددها كيسنجر، بأن الاتحاد السوفياتي يسعى الى إذلال الصين وباكستان والولايات المتحدة معا بالانضمام إلى الهند في موقفها من الأزمة مع باكستان ... وقتها اعتبرت وكالة الاستخبارات المركزية أن حياة مصدرها في نيودلهي أصبحت في خطر، لأن صحيفة نيويورك تايمز» علمت بأمر هذا التقرير ونشرت مضمونه منسوبة إلى مصدر استخباراتي في نيودلهي. واستمرت الملاحقة الاستخباراتية الأميركية للهند طوال ازمة باكستان الشرقية
وتكشف التطورات بعد ذلك أن الأميركيين أقاموا اتصالات موازية للإتصالات مع ديساي، مع أحد زعماء باكستان الشرقية وهو: «خندنار مشتاق» بهدف تدبير محادثات مباشرة بينه وبين دكتاتور باكستان العسكرية ابحي خانه، بإحباط دور الشيخ مجيب الرحمن زعيم حزب اعوامي». وقد كشفت انديرا اللعبة فامتنعت عن المشاركة في مثل هذه المباحثات فيما كان الشيخ مجيب لا يزال في السجن. فيما بعد أصبح رخندقار مشتاق، زعيمة الحركة التمرد التي اغتالت الشيخ مجيب الرحمن في حركة انقلابية مفاجئة في عام 1970، بعد استقلال بنغلادش باربع سنوات، وهي حركة انقلابية،. نسبت أيضا في ذلك الوقت إلى أعمال السي. اي. ابها. كانت انديرا تخرج من معركة مع اميركا الى معركة أخرى. بعض المعارك استمر لسنوات طويلة، ولم يكن بطبيعته من المعارك التي يمكن أن تنتهي إلى نتيجة حاسمة، بهزيمة طرف لطرف أخر. مثلا، معركة الهند ضد الحرب الأميركية في فيتنام: من البداية الى النهاية وقفت الهند ضد هذه الحرب، وجمعت عالم عدم الانحياز بأكمله وراء مقاومة العدوان الأميركي على فيتنام بكل الأساليب الدبلوماسية والمعنوية في الأمم المتحدة وفي مؤتمرات عدم الانحياز، وفي كل مجال آخر.
في عام 1974، كانت للهند معركة أخرى مع الولايات المتحدة عندما اجرت الهند تجربتها النووية، وتبين أن الاستخبارات المركزية الأميركية بكل ما لها من رصيد داخل الهند، لم تتمكن من التنبؤ بهذا التطور، وطبعا لم يكن هذا العجز وحده مصدر غضب واشنطن، بل تصميم انديرا على استقلالية الهند، ورفضها الخضوع لأي ضغط والوقوف نحت أية مظلة کبري. کبري و كما لم يكن من المنصور سياسية أن تخضع الهند للضغوط الاقتصادية الأميركية المتتالية لكي تعزل نفسها عن الدولة الأعظم الأخرى - الاتحاد السوفياتي - وهي تواجه هذا المحور الذي يزداد قوة بين واشنطن وبكين. لهذا فإن الهند لم تتخذ موقفا معارضا كما كانت تشتهي واشنطن ضد دخول القوات السوفياتية تشيكوسلوفاكيا في العام 1918، ولا دخول القوات السوفياتية أفغانستان في أواخر العام 1979، بل ان موقف حكومة الهند من حكومة ايران الثورية لم يكن مصدر ارتياح بأي حال لحكومة واشنطن.
ولم تكن المحاولات الأميركية أبدا عن السعي الى هدف تغيير سياسة الهند الخارجية بدفعها باتجاه الولايات المتحدة. ولم تكت انديرا غاندي عن مقاومة هذه المحاولات، بمقدرة سياسية نادرة.
آخر محاولات حكومة ريغان لمحاصرة انديرا غاندي في الهند بنظم الحكم اليمينية، كانت من خلال دعم الحكومة اليمينية في سيريلانکا (سيلان سابقة التي تقف عند الطرف الجنوبي لشبه القارة الهندية. وقد فتحت واشنطن الباب أمام اسرائيل لتقوم بدور عسكري غير مباشر بدعم حكومة شديدة العداء لأنديرا غاندي في سيريلانكا، بدعوى تقديم المساعدة العسكرية بصورة أسلحة وتدريب ومعلومات من الموساد، (المخابرات الاسرائيلية لحكومة رجاي واردين، في سيريلانكا ضد الجماعات الانفصالية التي تدعمها الهند. وطبيعة الحال، لم تكن اسرائيل تفتقر الى الدوافع الخاصة لكي تجد ميدانة تخوض فيه معركة ضد حكومة انديرا غاندي التي ايدت العرب على طول الخط في قضاياهم القومية في كل المجالات.
وتتجه شبهات كثيرة من الدوائر الدبلوماسية الى اسرائيل ايضأ، فيما يتعلق بتسليح الجماعات الانفصالية المتمردة من طائفة والسيخ، بالهند، في الفترة التي سبقت اغتيال انديرا غاندي مباشرة. ذلك أن كميات الأسلحة الأميركية التي اكتشفتها القوات الهندية داخل المعبد الذهبي، لطائفة السيخ، التي اقتحمته في أعقاب الاضطرابات الأخيرة، قد أذهلت الكثيرين. وأكدت الحكومة الهندية نفسها معرفتها بأن هناك دولا أجنبية وراء هذا التسليح الكثيف، لكنها للإعتبارات الدبلوماسية والأمنية معأ، آثرت ألا تحدد هذه الدول.
غير أن اللافت للنظر حقأ أن اغتيال انديرا غاندي جاء في وقت كانت تشهد فيه العلاقات بينها وبين حكومة ريغان، أعلى لحظات توترها، خصوصا بعد أن أعلن ريغان أنه مستعد لتقديم مظلة نووية أميركية بلا شروط الباكستان، في الوقت نفسه الذي كانت سلطات والبنتاغون» تقوم بعملية تسريع لتسليم كميات ضخمة من الأسلحة الأميركية لباكستان بينها طائرات راف 11، القاذفة المقاتلة
وكانت انديرا غاندي قد أعلنت قبل أيام من اغتيالها انها طلبت من الرئيس الأميركي ريغان توضيحا لتصريحاته، واعتبرت أن سياسته تشكل خطرة مباشرة على أمن الهند القومي. وقد اضطرت واشنطن الى ايفاد دريتشارد مورفي، الى نيودلهي، ربما لممارسة عملية خداع على الطريقة الكيسنجرية
السابقة.
وفي حضور مورفي مساعد وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأوسط وجنوب آسيا، أشارت انديرا الى وجود معاهدة بين الهند والاتحاد السوفياتي تقضي بتبادل المشورات في حال تعرض أي منهما لمثل التهديدات التي تمثلها تصريحات ريغان.
كما أكدت انديرا لمورفي ما سبق أن أعلنته حکومتها من أن معلوماتها تفيد، أن مصادر أجنبية معينة، قواعدها في الولايات المتحدة وكندا وأوروبا الغربية واسرائيل، ندمت دعما نشطا لعناصر الاضطراب في ولاية البنجاب الهندية في يوليو سنة 1984، واستخدمت انديرا اسم السي. اي. ايه صراحة وهي تتحدث عن نشاط المتطرفين من طائفة اليخ»، وأن بعض عملاء هذه الوكالة وعدوا بتقديم مزيد من المساعدات من أجل اقامة دولة مستقلة للسيخ تحت اسم دولة خالستان». ولم يكن من قبيل المصادفة أن تقول انديرا غاندي بالحرف الواحد قبل أقل من 24 ساعة من اغتيالها: «اذا قتلت اليوم، فإن كل قطرة من دمي سوف تقوي هذه الأمة وتنتعش الهند، مع علمها المطلق بما يحتله أبناء طائفة والسيخ، من مناصب قيادية في السلطة الهندية، حيث نجد منهم الجنرالات والوزراء والنواب الاتحاديون وكبار المهندسين، ومنهم أيضا رئيس الاتحاد الهندي وزايبل سينغ، الذي أقسم دراجيف غاندي، (ابن انديرا) أمامه اليمين الدستورية بعد عملية اغتيال والدته
بتسع ساعات.
هذا وتعرف الهند أكبر عدد من التناقضات بين دول العالم. انها بلاد القوميات التي ما زالت تعيش تاريخ حافلا من الصراعات الدموية فيما بينها. والهند بلاد التعددية الاقليمية والدينية والعرقية واللغوية، بقدر ما هي بلاد الأثرياء الكبار والفقراء المسحوقين الذين يضرب بهم المثل. انها بلاد يتضور فيها ملايين الناس من الجوع وأمام أعينهم تسرح الأبقار المقدسة، وتمرج.
وتبقى بلاد الهند أخيرة بلاد راجيف غاندي الذي ينتمي إلى طائفة البارسي التي لا تشكل شيئا في تعداد سكان الهند. فوالده من هذه الطائفة النخبوية التي تزوجت والدته انديرا أحد شبانها وأخذت منها اسم غاندي.
فهل يستطيع راجيف غاندي قيادة الديموقراطية الهندية؟.
مهنته الأصلية قيادة الطائرات. وهو يعرف جيدا أنه يكفي للطيار أن پرتکب خطا صغيرا حتى يسقط من عل. والهند في وضعها اليوم تشبه طائرة. ويكفي راجيف أن يرتكب حماقة لكي تسقط الهند .. وتنفجر. وليس من العبث ما يسمع اليوم عن خطر ابلقنة الهند، ووجود مؤامرة دولية خلف اغتيال انديرا غاندي ليست وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية و «الموساد» بعيدة عنها.
ورغم كل ذلك، ستبقي انديرا مثالا يحتذى به، لأنها تمثل فعلا جوهرة القارة الآسيوية، ورمزا للنضال الوطني والأممي، باعتبارها خبيرة بارعة في مقارعة المخاطر وتحدي أكبر قوة امبريالية في العصر الحديث، متمثلة بعدوة الشعوب رقم 11: الولايات المتحدة الأميركية.
لقد أحرق راجيف غاندي جثمان والدته حسب التقاليد الهندية العريقة، والتهمت النار الجثمان، طاوية بذلك صفحة زعامة ميزت فترة ما بعد استقلال الهند لتفتح صفحة جديدة في تاريخها ... وذر رماد انديرا في ملتقى آنهر ثلاثة: نهر جامونا ونهر الجانح المقدس ونهر ساراسواتي غير المرئي حسب المعتقد الهندوسي
لقد كان هذا الرماد رمزا لحياة أفنيت في سبيل توحيد الهند بمختلف طوائفها وشعوبها وأقوامها.
وستبقى الجوهرة رغم كل التقلبات، فكيف اذا كانت جوهرة لقارة عملاقة في قارة آسيا؟.
- المراجع
ا. مجلة الكفاح العربي، البيرونية. العدد 332 - 1010. الاثنين من 19 -
20 تشرين الثاني / نوفمبر 1989. ص 38 - 39 2 - جريدة السفير البيروتية. العدد 3779. الاثنين 19 تشرين الثاني / نوفمبر 1984. ص 11 (نقلا عن جريدة اللوموند» الفرنسية) ترجمة ر. ن. 3- جريدة الأنباء البيروتية. العدد 44
15. الاثنين 19 تشرين الثاني / نوفمبر 1984. ص 18 - 19.} - مجلة الأفق، القبرصية. العدد 32. الخميس 8 نوفمبر 1984. م ص 30 - 34. .. مجلة كل العرب، الباريسية. العدد 111. الأربعاء 14 نوفمبر
1984. م 19 - 20. - مايکل کوفمان (صحافي أميركي) وطائفة السيخ. مجلة الجيل
القبرصية. العدد التاسع، المجلد الخامس. سبتمبر 1984. ص 60 -








مصادر و المراجع :

١- موسوعة الامن والاستخبارات في العالم

المؤلف: د. صالح زهر الدين

الناشر: المركز الثقافي اللبناني للطباعة والنشر والتأليف والترجمة - بيروت

الطبعة: الاولى

تاريخ النشر:2002 م

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید