المنشورات
طبيعة الحركة الصهيونية ومميزاتها:
في ضوء ما تقدم، نستطيع أن نحدد السمات الأساسية التي تشكل عصب حياة الحركة وعمودها الفقري، وتتمثل هذه السمات بما يلي: استعمار استبطاني. استعمار عنصري، استعمار توسعي. الإرهاب والإجرام. فالحركة الاستيطانية التي تشكلت عبر الموجات المتتابعة، عملت على اقتلاع الشعب الفلسطيني من أرضه، وتشريده إما في الداخل، كما هو الحال، مثلا، بالنسبة لمسيحيي قريتي أقرت وكفر برعم، وإما إلى خارج الحدود، كما هو الحال بالنسبة للفلسطينيين الذين يتوزعون في الدول العربية المحيطة بفلسطين. وجميع الممارسات التي قام بها الصهيونيون انبتت بما لا يقبل الشك أنهم يهدفون منذ بدء تحركهم إلى اصهينة، فلسطين ونزع طابعها العربي عنها، وذلك بزرع المستوطنين اليهود الأتين من بقاع مختلفة في هذا العالم لا صلة بينهم إلا الدين، ولا رابط إلا العنصرية، مكان سكان البلد الأصليين.
ولم يكن الطابع العنصري بعيدا عن حركة الاستيطان، فكلاهما مرتبط بالآخر ارتباطا وثيقا، حتى أنه لا وجود لأحدهما دون الآخر. ولم يقتصر هذا التمييز العنصري على العرب وحدهم، بل تعداه ليشمل بعض الطوائف اليهودية أيضا. ومن الواضح أن العنصرية متأصلة في نفوس الصهيونيين. وعلى هذا الأساس ينقسم المجتمع الإسرائيلي ذاته إلى مجتمعين، الأشكناز (المجتمع المؤلف من اليهود الغربيين)، والسفارديم (المجتمع المؤلف من اليهود الشرقيين). وقد تطورت الاختلافات بين المجتمعين إلى حد أصبح معه من الصعب أن يندمج الفريقان، كما أصبح الحقد والكراهية بينهما هو القاسم المشترك. ويبرر بن غوريون سبب اضطهاد الاشکناز للسفارديم قائلا: «إن السفارديم غير متعلمين، عاداتهم هي عادات العرب، وقد بخرج منهم شيء يختلف قليلا ولكن في مدى ثلاثة أجيال ولكني لا أرى ذلك بعد ولست متفائلا. واليهود الغربيون يشتكون من ولاء مزلاء لدولة إسرائيل ويقولون قد يأتي البوم الذي ينحاز هؤلاء فيه إلى العرب إذ ليس هناك فرق بينهم من جميع النواحي (30). كما يؤكد ليفي أشكول بدوره أن «عدم منح السفارديم الوظائف ليس لأنهم لا يعرفون لغة اليديش ولكن لأنهم لا يعرفون شيئ (31).
وتتجلى مظاهر التفرقة والتمييز بين الأشكناز والسفارديم في مختلف نواحي الحياة. كما تتجلى التفرقة العنصرية أيضا في مجال الدخل والمستويات المعيشية والتزاوج، والتعليم. وهناك جهود متواصلة التغريب، اليهود الشرقيين وإزالة هوينهم، خشية تكاثر عددهم وتحول إسرائيل بموجب ذلك إلى دولة يسيطر فيها هؤلاء، ويخسر فيها الغربيون نفوذهم وسيطرتهم. لكن الخطر في موضوع عنصرية الصهيونية هذا، هو محاولتهم خلق عنصريات جديدة بين العرب أنفسهم في مجال الطوائف الموجودة على أرض فلسطين. وقد حاولوا مع الطائفة الدرزية، وعبر سياستهم التمييزية، أن بنزعوا عنها الطابع العربي لإحداث شرخ بينها وبين الطوائف الأخرى في فلسطين. كما ادعوا أن هذه الطائفة تشكل نوبة درزية، بحد ذاتها، وكما نشكلت من قبل القومية اليهودية، وذلك من أجل هدف صهيوني يتمثل في تبرير قيام دولة إسرائيل، ووجودها، وفي هذا الخصوص، يشير إسحق بن تسفي، الرئيس الثاني للدولة الإسرائيلية في إحدى دراساته إلى أن الدروز أمة ذات طابع خاص ومصير خاص بفرقان بينها وبين سائر الأمم، والأمة الدرزية - حسب تعبيره - من ناحية معينة تشبه الأمة اليهودية في بعض خطواتها السياسية. فعندها أيضا نجد الدين والقومية متحدين معا حتي يصعب التفريق بينهما، كما تشبه هذه الأمة بتفرقها شعبنا اليهودي في شتاته (32). وعلى أساس المصادر الصهيونية التي تعج بالخرافات والأساطير، خلق المصطلح السياسي الصهيوني «حلف الدم، بين الدروز واليهود. ومن هذا المنطلق عملوا على تجنيد الدروز في الجيش الإسرائيلي، وإبعاد المسيحيين والمسلمين الفلسطينيين عنه، لكن ردة الفعل الدرزية كانت واضحة في هذا المجال حيث رفض قانون التجنيد الإجباري عبر حملات التوقيع على العرائض التي تؤكد الرفض المطلق للسياسة الصهيونية، ولعب المشايخ الدروز دورة كبيرة في هذا المجال، وكان من أبرزهم الشيخ فرهود قاسم فرهود، أحد مشايخ قرية الرامة، ومن الوطنيين البارزين المناهضين للاحتلال. وكذلك الشيخ قاسم فرو من عسفيا، وغيرهم. والنضال الذي يخوضه الدروز اليوم هو امتداد لنضالهم التاريخي العروبي وجزء منه، وقد بدا بشكل منظم في فلسطين عام 1972، حين تشكلت الجنة المبادرة الدرزية، التي تعتبر الممثل الشرعي والوحيد لجماهير الطائفة الدرزية الفلسطينية
أما على صعيد السمة التوسعية التي تتصف بها الصهيونية، فإن المراقب والمتتبع لأساليبها وممارساتها يرى بوضوح هذه الصفة الملازمة لوجودها ولسماتها قريظة وبني النظر
من الحاليين يؤكدون کي
بني
القدس
الأخرى والتي تشكل جميعها كلا لا يتجزأ، بالإضافة إلى الشعارات المرفوعة من الفرات إلى النيل حدودك يا إسرائيل، فإن خارطة التوسع الصهيوني تنضمن فلسطين والأردن وسوريا ولبنان ووسط العراق وجنوبه، وصحراء سيناء ودلتا النيل، والمدينة المنورة والأراضي الواقعة في شمالها، بين بني قريظة وبني النظير وخيبر (33) لكن القادة الصهيونيين الحاليين يؤكدون كما أكد بن غوريون في خطابه الذي ألقاه في القدس المحتلة في 19 أيار (مايو) 1944، وإن خريطة فلسطين الحالية، إ: ا هي خريطة الانتداب. وللشعب اليهودي خريطة أخرى يجب على شباب البهود ن يحققوها. وهي خريطة التوراة التي جاء فيها: وهبتك يا إسرائيل ما بين دجلة والنيل (34).
بعد هذه السمات الملازمة للصهيونية، يأتي الإرهاب والإجرام ليقف كوسيلة أصيلة من أجل تحقيق ما تصبو إليه. وانطلاقا من المبدا العنصري، الصهيوني لم يقتصر الإرهاب على الشعب الفلسطيني وحده، بل تعداه ليشمل العرب والبريطانيين والأمم المتحدة وحتى اليهود أنفسهم. وكانت المنظمات الإرهابية السرية التي نظمها جابوتنسكي ودربها وسلحها، الأداة الأكثر ممارسة للإرهاب من اجل تحقيق مآرب الصهيونية، وقد لعبت دورا مهما في الوصول إلى أهداف كانت موضع اهتمام القادة الصهيونيين بشكل أساسي. كما لعبت بريطانيا دورا أساسيا في دعمها ومساندتها
عليها، وعن طريق المنظمات الصهيونية المسلحة ارتكبت المجازر الرهيبة والعطف بحق شعب فلسطين بهدف تهويد الأرض وتشريد الشعب، حيث إن مجرد وجود الشعب العربي في الأرض المشتهاة جعلهم بشكل آلي وحتمي، الهدف الأول والأخير للعداء الصهيوني (30). وكانت العمليات الإرهابية تأتي ضمن برنامج منظم ومخطط بدقة لإجلاء العرب عن اراضيهم، وإحلال مستوطنين صهيونيين مكانهم. وهكذا كانت مجازر دير ياسين وعين الزيتون وصلاح الدين في نيسان (إبريل) 1948، وحمامات الدم التي عاشتها كل من قرى ومدن فلسطين من أقرت، كانون الأول (ديسمبر) 1901 والطيرة، تموز (يوليو) 1903، وأبو غوش، أيلول (سبتمبر) 1903، وكفر قاسم، تشرين الأول (أكتوبر) 1956، وعكا، حزيران (يونيو) 1990، وغيرها من الفظائع الدموية التي حصلت في غزة، وخان يونس وقبية والفسطل والحمة وطبريا الخ ... وجميع هذه الغارات والعمليات الإرهابية كانت موضع إدانة عالمية نظرة لوحشيتها |
مهما في الوصول إلى مرهاب من اجل تي نظمها
الصهيونين بشكل أساس
مجازر دير ياسين
قرى ومدن فلسطين من افر
:
1903، وكفر قاسم وفظاعتها وانتهاكها لكل المواثيق الدولية. وبالرغم من المساعدات الكبرى التي قدمتها بريطانيا لهذه المنظمات، فإنها عانت بعض إجرامها عندما لاحت في الأفق بوادر انتهاء الدور البريطاني في فلسطين، وكانت عملية «فندق الملك داوود عام 1948 ضد القوات البريطانية بتخطيط وتنفيذ مناحيم بيغن وجماعته الإرهابية، كإشارة مبدئية على ضرورة إنهاء الانتداب ورحيل البريطانيين. كما ارتفعت في أوائل شهر آذار من العام 1983 صيحات الاستنكار البريطانية ضد المحاولة الصهيونية في تعيين السفير الإسرائيلي لانکين، سفيرة في بريطانيا، حيث يشغل هذا المنصب في دولة جنوب إفريقيا العنصرية في هذه الفترة. وانطلقت المعارضة البريطانية لهذه الخطوة من اعتبار، أن لانكين هذا مطلوب للسلطات البريطانية منذ العام 1948، تحت طائلة العمليات الإرهابية ضد قواتها في فلسطين. وقد حالت هذه المعارضة دون نجاح الخطوة الإسرائيلية هذه، وعزفت السلطات اليهودية عن تنفيذ هذا التعيين. .
ولاقت الأمم المتحدة ما لاقته بريطانيا من قبل، حيث دبرهنت حادثة اغتيال اول وسيط للامم المتحدة ومساعده العسكري، وحوادث حجز بعض مراقبي الأمم المتحدة المتكررة، أنه ليس من حصانة لمن يقف في طريق الصهيونية ... إلا أنه من البديهي أن يكون العنف الصهيوني الموجه ضد العرب اطول زمنا، وأكثر تنظيما، وأشد فون (30).
ومن أجل تحقيق غايتها في تهجيرة اليهود إلى فلسطين، اعتمدت الحركة الصهيونية وسيلة الإرهاب ضد اليهود أنفسهم، مع اتهام الآخرين بالقيام بهذه العمليات، لدفعهم للهجرة وترك مواطنهم الأصلية. وهذا ما فعله بن غوريون نفسه عن طريق أحد عملائه في العراق بوضع القنابل والمتفجرات في الأحياء اليهودية لإجبار سكانها على المجيء إلى فلسطين.
اللافت للنظر، بعد هذا العرض لنشأة الحركة الصهيونية وامتدادها وممارساتها،: أن القاسم المشترك بين الاستعمارين الغربي والصهيوني يتجلى بوضوح في الدجل
والخداع والمرارغة، والشعوب الضعيفة في النهاية، هي الضحية. فالدول الأوروبية التي خاضت الحرب العالمية الثانية باسم الديمقراطية وضد الدكتاتوريات، المتمثلة بالنازية والفاشية في المانيا وإيطاليا واليابان، تقف بعد سنوات قليلة للاعتراف بالدولة العنصرية الصهيونية على أرض فلسطين، وتقدم لها جميع مستلزماتها ومتطلباتها، وباسم الحفاظ على الديمقراطية، أيضا. هذه الدول التي ناضلت بالدم من اجل الديمقراطية، تقف إلى جانب النازية الجديدة في فلسطين؛ وأن الدول التي شفت بعد الحرب طريقة وجذرية جديدة في الاقتصاد والسياسة - أي الدول الاشتراكية - هي التي استمرت حتى اليوم في نضالها ضد مختلف اسماء العنصرية، وان الدول الحديثة الاستقلال من نير التبعية الاستعمارية والاضطهاد العرقي والقهر العنصري تقف. بالطبع? ضد أيديولوجية الفهر والاضطهاد. والذين تباكوا على مجازر هتلر، هم ذاتهم الذين يرتكبون كل يوم مجازر ممائلة إن لم تكن أكثر إجراما ووحشية. والمذابح التي ارتكبت في فيتنام وكمبوديا ولاوس، وفي معظم المناطق التابعة والمستعمرة، ما زالت ماثلة للعيان. فالعنصرية إذن سمة أساسية من سمات الاستعمارين القديم والحديث، وإن برزت بشكل واضح وأكثر نجرة في الممارسات الصهيونية، إلا أنه يبقى جوهر الحركة الاستعمارية ككل ولبها. وقد نجحت الصهيونية باستخدامها لسلاح الدين والإعلام في المعركة، أو كما كان يسميه هرتسل، سلاح الصباح، ويذكر في مذكراته أن والصياح هو كل شيء. حقا إن للصوت العالي شانا كبيرة. الصياح المتواصل تعاند مأثور. ليس تاريخ البشر سوى نفعة السلاح وجعجعة الراي الزاحف: عليكم أن تصيحوا ونصرخوا (37).
مصادر و المراجع :
١- موسوعة الامن
والاستخبارات في العالم
المؤلف: د. صالح
زهر الدين
الناشر: المركز
الثقافي اللبناني للطباعة والنشر والتأليف والترجمة - بيروت
الطبعة: الاولى
تاريخ النشر:2002
م
1 أبريل 2024
تعليقات (0)