المنشورات
إستراتيجية العمل الإستخباري في الوطن العربي
استأثرت منطقة الشرق الأوسط عموما، والمنطقة العربية خصوصا، باهتمام بالغ منذ زمن طويل، قل أن استأثرت به منطقة أخرى في العالم. وانطلاقا من هذه الأهمية، واستنادا إلى سلسلة كبيرة من التجارب والوقائع المتعلقة بها، كان الكاتب الألماني أرنست جاخ مصيبة في قوله إلى حد كبير عندما كتب في تاريخ الثاني والعشرين من كانون الأول عام 1916، في المجلة الألمانية دويتشه بولينيك، قائلا:
الشرق (1).
والواقع، فقد كان للعامل الجغرافي في الأساس دوره البارز على هذا الصعيد، انطلاقا من الموقع الاستراتيجي الهام والفائدة الكبرى من التحكم به. من هنا كان الاهتمام الغربي بهذه المنطقة حتى على صعيد المصطلحات التي أطلقت عليها. وليس من غريب الصدف أن يبادر أحد كبار رجال الاستخبارات البريطانية، وهو الدكتور دافيد جورج هوغارت، إلى إطلاق مصطلح «الشرق الأدنى، على منطقة كان يطلق عليها في السابق اسم الشرق. وقد ورد هذا المصطلح في مؤلفه الجغرافي والشرق الأدنى، المنشور في عام 1902 (2).
وفي نفس العام (1902)، ولاعتبارات استراتيجية وجيوبوليتيكية، برز مصطلح والشرق الأوسط من اختراع الأميرال البحري الأميركي الفرد تاير ماهان. لكنه رآه كمفهوم استراتيجي متحرك ومتغير اكثر مما هو مكان جغرافي ثابت. فبالنسبة إليه يعتبر الشرق منطقة غير محددة تحرس جزءا من الطرق البحرية من السويس إلى سنغافورة ومنطقة ربط تتجمع فيها القوى الاستعمارية الأوروبية الرئيسية من أجل السيادة على العالم ... وفي الحقيقة كان ماهان يلفت الانتباه للشرق الأوسط والخليج كساحة دائمة للمواجهة الاستراتيجية بين القرى المتنافسية منذ أوائل 1902 (3). وقد مثلت المنطقة العربية ساحة الصراع الرئيسي، بين هذه القوى الاستعمارية، باعتبارها الجزء الأهم في الشرق الأوسط.
إن هذا المصطلح الذي استخدمه ماهان كمفهوم استراتيجيا، برتبط ارتباطا وثيقة بالمكان الجغرافي، حيث يستحيل الفصل في هذا المجال. على هذا الأساس، ارتكز الكاتب اروجر اوين، في تحديده الجغرافي لمنطقة الشرق الأوسط قائلا، بأنها تشمل تركيا كما هي قائمة اليوم، ومصر والعراق وما يسمى بسوريا الكبرى (أي سوريا ولبنان وفلسطين والأردن). (4)
والمعروف بأن المنطقة العربية خضعت لفترة قرون أربعة، للاحتلال العثماني، هذا في الوقت الذي هدد فيه العثمانيون أوروبا نفسها، بعد أن أخضعوا القسطنطينية، عاصمة بيزنطية المسيحية، ليطرتهم، ابتداء من عام 1403. إلا أن فترة القوة هذه، لم ندم، حيث عمدت السلطنة إلى خنق نفسها بنفسها عن طريق الامتيازات التي منحتها هبة للدول الأجنبية، فوجدت نفسها في النهاية كدودة الحرير داخل شرنقة من عمل يدها، على حد قول المؤرخ محمد جميل بيهم (2). عندها وجدت أوروبا فرصة مناسبة لتنقض على الامبراطورية العثمانية، تحقيقا لمطامع استعمارية عجزت عن الوصول إليها سابقا، بالرغم من الخطط العسكرية التي بلغت حوالي مئة، اشترك فيها سياسيون وعسكريون وبابوات وملوك وأباطرة، تستهدف جميعها تقسيم الامبراطورية، وبالفعل، فقد كان موقع هذه الامبراطورية الجغرافي الاستراتيجي وأهميته مشكلة يعني بها الخبراء العسكربون والبحريون. وكانت ثروة البلاد في نظر أرباب المال موضع إغراء لتوظيف أموالهم. كما أن عدم الاستقرار السياسي کان ذريعة تتذرع بها الدول الأوروبية للتدخل في شؤون الامبراطورية الداخلية لصالح أصحاب المال والتجار أو لصالح الاستراتيجية لدى الطامحين في إنشاء الامبراطوريات، وعليه فقد كانت هذه المنطقة التي سيمر فيها خط برلين بغداد، من وجهة ديبلوماسية، منطقة دولية خطرة (1)
هذا، وقد مثل النصف الثاني من القرن التاسع عشر، مرحلة حاسمة في الصراع الاستعماري على المنطقة، في الوقت الذي تأكد فيه استحالة الحياة وللرجل المريض، الذي افسد من راسه، وأصبح جثة مهترئة غير قابلة للشفاء إطلاقا.
مصادر و المراجع :
١- موسوعة الامن
والاستخبارات في العالم
المؤلف: د. صالح
زهر الدين
الناشر: المركز
الثقافي اللبناني للطباعة والنشر والتأليف والترجمة - بيروت
الطبعة: الاولى
تاريخ النشر:2002
م
2 أبريل 2024
تعليقات (0)