المنشورات
النشاط الاستخباري في بيروت في الحرب الأولى:
بالإضافة للشبكتين السابقتين، اعتمدت الاستخبارات البريطانية على شبكة ثالثة للتجسس في فلسطين، كانت برئاسة إبراهام وارتنبرغ وهو أعرج، كما كانت تضم في صفوفها كل من بخور جودا الذي طاف على جميع مخافر الساحل من حيفا إلى بيروت متنكرة بلباس ضابط من ضباط جمال باشا ووعد رجال المخافر بتحسين أوضاعهم. وكذلك «عزرا کوهين» و «مردخاي عزرا ليفي، و «إيزاك جاك رابينوفيتش،، كانت هذه الشبكة تتخذ من حيفا مقرا لها، لكنها انتقلت إلى بيروت بعد أن اكتشفت السلطات التركية شبكة سارة أرونسون.
تمكن إبراهام واتنبرغ من سرقة وثائق القيادة التركية الخاصة بخطة الدفاع عن بيروت، عن طريق الضابط عثمان بك أحد ضباط اركان الحرب، الذي كان يتردد على منزل دروز کونکون، حيث طلب منه واتنبرغ الوثائق اللازمة مقابل مبلغ ثلاثة آلاف ليرة تركية. لكن الجندي الذي كان في خدمته هو الذي أدى باعترافه إلى اعتقال عثمان بك صديق روز الذي سلمها ملف الوثائق دون أن يعرف محتوياته، على اثر ذلك اعتقلت روز وأحد عشر شخصا كانوا في منزلها بينهم بخور جودا وعزرا کوهين. ثم انتحر عثمان بك واعتقل مردخاي عزرا ليفي وهر بثياب بدو وصودر منه كثير من الوثائق المهمة، أعدم بعدها جودا وكوهين وليفي، ولم يبق من أفراد الشبكة إلا إبراهام واتنبرغ رايزاك رابينوفيتش.
في عام 1917، عندما جاء أنور باشا إلى بيروت، ونزل في فندق كسمان أوتيل رويال اليوم)، استطاع رابينوفيتش الوصول إلى غرفة القائد التركي، رغم الحراسة المشددة حوله، حيث تناول ملفا من الأوراق كان عبارة عن تقرير تلقاه أنور باشا من قائد (جيش الصاعقة) في فلسطين، يتضمن وصف الحالة من الوجهة الإدارية والعسكرية فيها، إلا أنه فوجيء بدخول أنور باشا الذي تمكن من اعتقاله وسلمه إلى مدير الشرطة للتحقيق معه. عندما تبين أن هذا الجاسوس هر ايزاك رابينوفيتش فأحيل إلى الديوان الحربي العرفي حيث حكم عليه بالإعدام نورة. عندما لم يبق من هذه الشبكة إلا رئيسها واتنبرغ فقط، تمكن شخصان من شباب بيروت من القبض عليه وهما خضر المغربي و معروف الداعوق. لكن أعتقاله لم يدم طويلا حيث أطلق سراحه مقابل مبلغ من المال قبضه الضابط التركي إسماعيل بك (71).
قبل هذه الفترة، أوفدت الاستخبارات البريطانية بالتنسيق مع الاستخبارات الصهيونية، الفتاة اليهودية روزا مردخاي إلى بيروت، في بدء الحرب العالمية الأولى. سكنت مع والدتها في منزل سعيد الشامي في محلة الخندق الغميق. وفي مسكنها هذا كانت تعاشر الضباط الألمان، الذين اكتشفوا أمرها في الوقت الذي كان على الأتراك القيام بهذه المهمة.
فقد أوفد الضابط الماجور الكونت ويلهلم نون برخولد بمهمة من القدس إلى استانبول لمخابرة أنور باشا بضرورة جلاء الجيش عن القدس والانسحاب إلى خط بمتد من الناصرة إلى الساحل المقابل لإيجاد خط مناسب، ولم تكن القدس قد سقطت في ذلك الوقت من تموز 1917 بين أيدي الإنكليز الذين احتلوها في كانون الأول من العام نفسه.
وقد اختار هذا الضابط طريق عكا بيروت للسفر إلى استانبول، حيث وصل بيروت في اليوم الثالث. وفي اليوم التالي لوصول الكونت ويلهلم فرن برخولد ذهب مع نفر من أصحابه إلى دار روزا مردخاي في الخندق الغميق، وتناولوا ما طاب لهم من الخمرة وأمضوا فيها سهرة راقصة انصرفوا في نهايتها إلى رقادهم. ولما أفاق الكونت صباحا تفقد حوائجه فلم يجد المحفظة ولا الرسالة التي كان يحملها من المشير فون فالکنهاين إلى أنور باشا، فطار صوابه
كانت روژا قد أخذت المحفظة وصورت ما فيها من وثائق بما فيها الرسالة. ثم وضعت فيها خمس ليرات تركية ومنها في الشارع، فوجدها رجل بائس من أهالي بيروت بدعى أحمد الصاوي، فأخذ المال وأحتفظ بها. وعندما عاد الضابط الألماني إلى روزا ليسألها عن المحفظة والرسالة، أنكرت معرفتها بها. وطلبت منه أن يعلم الشرطة، وهكذا كان. وبعد أن أحضر أحمد الصاوي هذا، أنكر في باديء الأمر إلا أنه عاد واعترف بأنه أخذ الليرات الخمسة التي كانت موجودة فيها لإطعام أولاده الجياع. تعجب الضابط الألماني لان محفظته لم يكن فيها لبرات تركية، فشك في الأمر حيث لاحظ أن الكتاب السري قد فتح، فأحال هذا الرجل إلى رئيس البوليس العدلي المفوض عارف الياسرجي، حيث ضرب بقسوة دون جدوى، فحكم عليه بتهمة الجاسوسية. وبعد محاكمة قصيرة حكم عليه بالإعدام من قبل المجلس العرفي في عاليه ونفذ به الحكم في عاليه نفسها. لكن مدير الاستعلامات الألمانية في ساحة البرج السيد ركارل هوبله شك في أمر روزا وبدا يراقبها حيث عرف جواسيسه بأنها على علاقة مع شاب يهودي يدعي کوهين أوينبرغ كان يتردد عليها من فلسطين. وبعد ثلاثة أشهر تمكن من اعتقال کوهين، وصادر منه بعض الأوراق السرية الدقيقة المتعلقة بمسلك بعض الضباط الألمان في بيروت ومخابراتهم مع القيادة فقاده إلى الماجور
فون برت، زعيم الاستخبارات الألمانية في حيفا. ثم اعتقل روزا مردخاي بعد يومين وسلمت مع والدتها إلى فون برت، بعد أن قدمت للاستخبارات البريطانية والحركة الصهيونية خدمات كبيرة من جراء حصولها على كثير من الأسرار العسكرية الخاصة بالقوات الألمانية والتركية كانت سببا في انتصارات القوات الإنكليزية وسيطرتها على كثير من مدن وقرى فلسطين (73).
مصادر و المراجع :
١- موسوعة الامن
والاستخبارات في العالم
المؤلف: د. صالح
زهر الدين
الناشر: المركز
الثقافي اللبناني للطباعة والنشر والتأليف والترجمة - بيروت
الطبعة: الاولى
تاريخ النشر:2002
م
2 أبريل 2024
تعليقات (0)