المنشورات

الوطن العربي والموساد

لم تعرف الاستخبارات الإسرائيلية، منذ فترة وجودها حتى اليوم، طبيعة و استقلالية مطلقة، شأنها جميع المؤسسات الأخرى التي ترتكز إليها دولة
إسرائيل،. ذلك أن التبعية للقوة العالمية الأولى - ح ب الفترات الزمنية. كانت المحور الأساسي الذي استندت إليه على امتداد مراحل نموها وتطورها. كما جاءت ظروف القرن التاسع عشر - خصوصا في نهايته. عاملا مساعدة ومؤثرة في مسيرة الحركة الصهيونية في الفترة التي بلغ فيها الاستعمار مرحلته القصوى بفضل رحمي الفوميات، والتكالب المحموم على مناطق النفوذ والمستعمرات في العالم
كان ذلك بمثابة المتنفس الأساسي الذي ساعد في انتقال العمل الصهيوني من مرحلة الفوضى والتخبط إلى مرحلة أرني تمثلت بالتنظيم المبرمج عبر أول مؤتمر أبرز الحركة الصهيونية إلى الوجود كقوة منظمة لها تأثيرها وبرنامجها وأهدافها بدءا من عام 1897، في مدينة بال السويسرية
من هذا المنطلق، وعبر الدراسة الدقيقة الموازين القوى العالمية من قبل القادة الصهيونيين، أعلنوا ولاءهم لبريطانيا في الوقت الذي كانت فيه امبراطورية لا تغيب عنها الشمس. إلا أن هذا الولاء والارتباط بالإنكليز لم يكن بتيماء، بل كان لهم خيوطهم المرتبطة بفرنسا، الحليفة الأساسية للبريطانيين. إلا أن احتلال الولايات المتحدة الأميركية لموقع الإمبريالية القائدة دفع بالنشاط الصهيوني إلى الانتقال لواشنطن كقاعدة أولى لهذه النشاط على الصعيد العالمي. هذا وقد لعب المليونير اليهودي روتشيلد دورا بارزا في هذا النشاط. حتى أنه كان المبادر الأساس لإيجاد حركة تجسسية صهيونية في فلسطين تشكل الطليعة الرئيسية، ورأس الجسر نحو الاستيطان والتهجير.
وهكذا أبرز النشاط الصهيوني في مجال الاستخبارات، وتنظيم شبكات التجسس، مترافقة مع مصلحة القوى الاستعمارية الغربية. ومع تدفق المهاجرين وإن بأعداد قليلة إلى فلسطين في البداية، بدأت جماعات المستوطنين تشكل منظماتها العسكرية وشبه العسكرية لحماية أمنها. وتفيد المعلومات التاريخية أن أول محاولة قام بها اليهود الصهيونيون لتشكيل منظمة تجسس صهيونية تمثلت بمنظمة «بيلوه التي أسسها بهود صهيونيون من شرق أوروبا بهدف العمل في فلسطين لتحقيق هدفين معا:
أولا: العمل على استجلاب المزيد من المهاجرين إلى فلسطين.
وثانيا: تزويد البريطانيين بالمعلومات عن الأحوال العامة الخاضعة لحكم تركيا. وفي عام 1907 اکتشف الأتراك نشاط هذه المنظمة وبدأوا بملاحقة أعضائها وخلاياها وتم لهم اعتقال ثلاثة من زعمائها ونفيهم إلى أوروبا بعد ثلاث سنوات من المطاردة والملاحقة (1).
وبصورة أكثر وضوحا، يقول الدكتور شاكر مصطفى أستاذ التاريخ العربي المعروف بأن الصورة الأولى كانت بالضبط منذ مائة سنة (1882) ... سفينة تافهة اسمها أصلان، ترسو في الخامس من آب (أغسطس) في ميناء حيفا بعد أن أبحرت خمسة أيام من رومانيا، وعليها بضاعة من البشر لم يأبه لها أحد: ثلاثة عشر رجلا وامرأة واحدة، من حركة لم يسمع بها أحد، من الشرق العربي على الأقل ... «أحباء صهيون، (البيلو) نزلوا مهاجرين فأسسوا أول مستعمرة زراعية أجنبية عند عيون وقادة جنوبي بافا، هي التي عرفت فيما بعد باسم اربشون لوسيون» (الأولى في صهيون) ... والممول لهذه الحركة كان الرأسمالي اليهودي - الأخطبوط البارون روتشيلد. والوسيط هو الرأسمالية الاستعمارية. وخلال خمسين سنة بعد ذلك ظل بدفع للهجرة .. والمجال الثلاثة عشرة الأول المسالمون صاروا أربعة آلاف مقانل (؟).
بعد ذلك قام الصهيونيون بتشکيل منظمة تجسس أخرى تدعى نيلي، في عام 1914. وكانت هذه المنظمة مرتبطة بقسم الاستخبارات العسكرية البريطانية وقامت بتزويده بالمعلومات عن الاستعدادات والمواقع العسكرية للجيش التركي. واستمر نشاط هذه المنظمة أيضا قرابة ثلاث سنوات إلى أن تمكن الأتراك من وضع يدهم على الشبكة وأعضائها (هذه الشبكة كانت تديرها سارة أرونسون وشقيقها هارون في عتليت الفلسطينية وكان من أعضائها ليتشانسكي، ونهمان بلکند وجوزيف طوبين)
وعندما أنشأت المنظمة الصهيونية الوكالة اليهودية عام 1920 بهدف تنظيم الهجرة إلى فلسطين، الحق بالوكالة قسم سري خاص أسندت إليه مهمة تكوين شبکات للتجسس تمتد فروعها إلى البلدان العربية وأوروبا والولايات المتحدة. وعرف هذا القسم باسم رهامحلاكاه هاميدينيت، (الدائرة السياسية). وترأس هذه الدائرة ضابط بريطاني من أصل يهودي هو الكولونيل فريد کيش. وفي العام 1937، ومع تطور عمل الدائرة السياسية، وترؤس دافيد بن غوريون للوكالة اليهودية، تم إنشاء
جهاز استخبارات منخصص عرف باسم شاي، (شيروت بديعوت) ومعناها مصلحة الاستعلامات. وأسندت رئاسة هذا الجهاز إلى موشيه شاريت (الذي أصبح فيما بعد وزير خارجية ورئيس وزارة في «إسرائيل»). وحددت مهام هذا الجهاز بضرورة إعداد دراسات مستقاة من المعلومات السرية عن الأوضاع السياسية والاقتصادية للفلسطينيين، والحصول على كافة المعلومات عن نشاطات الحركات والمنظمات الفلسطينية والعربية المناهضة لليهود والبريطانيين. وأصبحت «شاي، الذراع الاستخباراتي لمنظمة والهاغاناه السرية الإرهابية، التي كانت بمثابة الجيش الرسمي اللمستوطنين وأداته العسكرية.
وترافقت عملية إعلان ولادة دولة إسرائيل، في عام 1948، مع توجه بن غوريون لتوحيد القوى العسكرية اليهودية في جيش واحد وإلى إعادة تنظيم الأجهزة الأمنية المختلفة التي كانت منبثقة عن شايا. وتم الاتفاق على تشكيل جهاز مرکزي للاستخبارات والأمن يتفرع عنه ثلاث دوائر مختصة هي: 1. الاستخبارات العسكرية ويرأسها المقدم أيسر بئيري ومقره في يافا وكان يعرف بأيسر الكبير. 2- الدائرة السياسية في وزارة الخارجية وتراسها بوريس غورثيل ومقرها مبنى وزارة
الخارجية في تل أبيب. ومهمتها الحصول على المعلومات من السفارات في
الخارج. 3- دائرة والشين - بيت، (الأمن الداخلي) برئاسة ايسر هرئيل المعروف بأيسر الصغير الذي منح رتبة مقدم وحددت مهمته بملاحقة الجواسيس والأمن الداخلي. كان ذلك بتاريخ 30 حزيران 1998، بعد الجلسة الأولى لجهاز الاستخبارات الإسرائيلي في مقر قيادة مصلحة المعلومات في شارع يهودا 80، حيث تقرر على أثره تفريع الجهاز إلى هذه الدوائر الثلاث (3).
لم تدم مرحلة الاتفاق بين هذه الأجهزة أكثر من عامين، حيث وصل التنافس بينها إلى تجنيد العملاء أنفسهم، وفي هذا الإطار يتطرق المؤرخ اليهودي الإسرائيلي
ميخائيل بارزوهر، إلى وصف تلك المرحلة قائلا: الم تحرز الاستخبارات الجديدة في العام 1948 إنجازات خلابة، لقد انتشرت خلال المعارك أمراض الطفولة في مصلحة الأمن، وتركت فيها آثار جروح مؤلمة على مدى الأيام. وقد حصلت الازمة حول شخص أيسر بئيري رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية الذي تورط في سلسلة تضايا كئيبة: تصفية زعيم عربي هو اعلي قاسم، دون محاكمة قرب حيفا، ثم تصفية منهم يهودي بالخيانة يدعى مثير طوبيانسكي، واعتقال وتعذيب يهودي من حيفا بدعي اجول أمسطر، مدة 74 بوما لخلافات داخلية، وتزوير وثائق تتهم أبا حوشي (من زعماء حزب مباي ورئيس بلدية حيفا لاحقة ومن الداعين للتفاهم مع العرب) بالخيانة للقضاء على شعبيته، ولهذه الأمور وكذلك بسبب الصراع بين بنيري وهرئيل أقيل بئيري من وظيفته بسبب أعماله هذه وأدين في محاكمة علنية (1)
إن هذا النشاط الذي بذله بن غوريون - أول رئيس وزراء لدولة إسرائيل،. مع قادة صهيونيين آخرين، في مجال التجسس والتنظيمات الاستخبارية، كانت جميعها تتمحور حول هدف مركزي بتمثل بإملاء الفراغ الذي أحدثته الأعمال والمجازر الإرهابية التي قام بها بن غوريون والعصابات الأخرى بزعامة شارون وبينن، ضد السكان العرب، والتي أدت إلى تهجيرهم من قراهم ومدنهم. وأصبح العنصر البشري الهاجس الأكبر في مخططات الزعماء الصهاينة. كما أصبحت قضية جذبه نحو «الوطن القومي اليهودي، و «أرض الميعاد، نقطة مركزية في الجدول الصهيوني. من هنا كان
تهجير، اليهود من البلاد التي يسكنونها هدفا صهيونية بحد ذاته. كما أصبحت الدول المجاورة الإسرائيل، الهدف الأساسي في الممارسة والتفكير الصهيوني.
لهذا تأسست في سنة 1992 منظمة سرية باسم حركة الرواد البابليين في العراق»، كانت مهمتها تعليم الشبان اليهود استخدام الأسلحة وصنع المتفجرات. وبذلك تكون حركة مستقلة لها أسلحتها ومجندوها داخل العراق. وقد كتب إيجال آلون سنة 1947 أن تهريب الأسلحة إلى العراق هو لتشجيع كل أشكال الهجرة.
لذلك أصبحت قضية زرع العملاء والجواسيس الصهاينة حلقة مهمة في سلسلة المشروع الاستيطاني. وعندما كانت الحركة الصهيونية تلقي معارضة واسعة في البدء حتى من اليهود أنفسهم، كان لا بد عندها من استخدام الوسائل الكفيلة باستقطابهم والالتفاف حول قضيتها ومشروعها، فكان الإرهاب أقصر الطرق وافضلها. وهكذا أوكلت إلى أحد عملائها في العراق بضرورة تشكيل شبكة تجسسية تأخذ على عاتقها مسؤولية تهجير اليهود العراقيين إلى إسرائيل. وكذلك الحال في مصر.
ففي بغداد، جند بن غوريون أحد عملائه موك؟ إليه وضع القنابل والمتفجرات في الأحياء اليهودية لإجبار سكانها على المجيء إلى فلسطين بحجة الاضطهاد، خاصة وأن مساحات واسعة من الأرض العربية الفلسطينية قد فرغت من سكانها على أثر المجازر والمذابح التي تعرضوا لها، مما استدعى ضرورة إملائها واستغلالها.
ففي سنة 1950، وضعت متفجرة داخل مقهى في بغداد يجتمع فيه عادة اليهود، كما ألقيت متفجرة في معبد ماسودا شيمتوف وقد أدى الحادث إلى موت طفل يهودي وفقد أحد اليهود عينه. وقد صورها الصهاينة يومها على أنها مذبحة ضد اليهود، ولكن أظهرت الحقيقة بعد ذلك المخطط الصهيوني الذي نظم هذه الأعمال التخريبية. |
وفي سنة 1951، أي بعد الانفجار الذي حصل في المعبد، رأي لاجيء فلسطيني من عكا أحد الضباط العسكريين الإسرائيليين في بغداد، فأبلغ اللاجئ الشرطة عن الضابط الإسرائيلي الذي تم القبض عليه وعلى خمسة آخرين من أعضاء المنظمة السرية الصهيونية. وقد فضح المخطط الصهيوني وأخبر الشرطة العراقية عن مخابيع الأسلحة في المعابد. كما حوكم هؤلاء بإثارة ذعر اليهود العراقيين لدفعهم للهجرة إلى إسرائيل ... (2).
وفي عام 1951 أيضا، عهد بن غوريون إلى اروربين شيلواح، بمهمة إدارة مؤسسة التجسس والمهمات الخاصة التي ركزت اهتمامها على العراق بشكل خاص، والجيش العراقي على الأخص. واستطاعت في بغداد أن تقيم تنظيما التجسس وترتيب حركة الهجرة السرية بزعامة «زكي. حبيب، اليهودي العراقي الذي اشتركت الاستخبارات البريطانية في تهريبه من العراق إلى إسرائيل، إذ تستل بواسطة أعوان الشبكة في ظلمة الليل، إلى مطار بغداد، واندس في عنبر تحميل طائرة بريطانية كانت مسافرة إلى لندن، ومنها انتقل إلى إسرائيل، واتخذ اسم «مردخاي بن بوارته. لكن الهالة التي أحاطت بهرب زكي حبيب من بغداد لم تغط الضربة القاصمة التي وجهتها الاستخبارات العراقية آنذاك إلى الاستخبارات الإسرائيلية، حيث القت القبض على أحد قادة المنظمات السرية الصهيونية، واستطاعت أن تصل بسرعة عبر التحقيق إلى جميع شبكات المنظمات الصهيونية التجسسية، وإلى تصفيتها بسرعة وحزم، في ضوء خطيئة قاتلة ارتكبتها المخابرات الإسرائيلية التي سمحت لعملائها بان يعملوا مع أكثر من تنظيم سري في آن واحد، مما جعل اکتشاف شبكة زكي حبيب بمثابة كرة ثلج تدحرجت وكشفت كل شيء)
أما في مصر، فقد أوعزت الاستخبارات الإسرائيلية في عام 1951 أيضا، إلى أحد كبار مسؤوليها وهو الكولونيل إبراهيم دار، بالعمل لإقامة شبكة تجسس في مصر تعمل لحساب إسرائيل. وإمعانا في التضليل، فقد وصل إلى مصر تحت اسم «جوهين دارلينغ ممثلا لشركة إلكترونية إنكليزية معروفة وفي اليوم التالي لوصوله اجنمع إلى الدكتور فيكتور سعدي، الطبيب اليهودي المعروف في القاهرة، ليطلب منه مساعدته على تشكيل شبكة من اليهود تتجسس لصالح إسرائيل وتعمل على ضرب المصالح الغربية في مصر ونهجير اليهود منها إلى «أرض الميعاده
واخذ «دارلينغو مع الدكتور سعدي، يترددان على النوادي الراقية حيث تجتمع النخبة من المصريين والأجانب. وكان دارلينغ» يشاهد كثيرة من الضباط الكبار في هذه الأماكن، ومن بينهم من قاموا بالثورة بعد ذلك في عام 1902. وهو الذي أجرى اتصاله با «فيكتورين نينيو، (التي أعطيت اسم مارسيل) ووظفها ضمن الشبكة الجاسوسية العاملة لحساب الاستخبارات الصهيونية. ثم غادر مصر عام 1902 بعد أن وضع الأساس الشبكة من العملاء والجواسيس أكتشفت عام 1954 وأطلق عليها اسم فضيحة لافونه (7).
ما هي هذه الفضيحة؟ من هم أبطالها؟ وما هو هدفها؟ كيف اكتشفت؟ وماذا كانت نتائجها؟.







مصادر و المراجع :

١- موسوعة الامن والاستخبارات في العالم

المؤلف: د. صالح زهر الدين

الناشر: المركز الثقافي اللبناني للطباعة والنشر والتأليف والترجمة - بيروت

الطبعة: الاولى

تاريخ النشر:2002 م

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید