المنشورات

فضيحة لافون أو والقضية المشيئة:

يعتبر مرکز رئاسة الوزراء من أكثر المراكز حساسية في إسرائيل، وهو أهم منصب يتحكم بكل الأمور المتعلقة بالقضايا السياسية والاجتماعية والعسكرية وغيرها، وياتي في الأهمية قبل منصب الرئاسة الأولى. لذلك لم يكن مستغربة حدوث الفضائح بسبب الوصول إليه والتحكم به، وهكذا كانت فضيحة الافون، 190.
تبدأ هذه الفضيحة مع دافيد بن غوريون، أول رئيس وزراء الدولة إسرائيل،، حين كان بعيدا عن السلطة، إلا أنه لم يكن بعيدا عن مراكز النفوذ والتأثير. في تلك الفترة، كان يتخذ من مستعمرة اسيدي بوكر»، في صحراء النقب، مركز إقامته ومراقبته، بينما كان موشيه شاريت رئيسا للوزراء، وبنيامين غيبلي رئيسا للاستخبارات العسكرية، كما كان بنحاس لافون وزيرا للدفاع.
وفي الوقت الذي وصل فيه الرئيس جمال عبد الناصر إلى السلطة في مصر، مع ما حمله هذا الوصول من انعكاسات على مجمل الأوضاع في الوطن العربي خاصة، والعالم عامة، كان لا بد لبن غوريون أن يقدم على أية خطوة يكون من شأنها عرقلة مسيرة ثورة يوليو والحد من تأثيرها ونفوذها.
لذلك عمد إلى إصدار امر شخصي، بالاتفاق مع رئيس الاستخبارات العسكرية غيبلي، ووزير الدفاع لافون، دون علم شاريت رئيس الوزراء، حيث يقضي هذا الأمر بزرع شبكة جاسوسية في مصر يوكل إليها مهمة تنفيذ عمليات تخريب، ضد المصالح الأميركية والبريطانية. وبدات العمليات التخريبية فعلا في القاهرة والإسكندرية، ضد مصالح دبلوماسية واقتصادية بريطانية وأميركية، لتثبت إسرائيل، أن مصر دولة ضعيفة لا تستطيع حماية أمنها ذاتيا، ولا بد من تكريس الوجود العسكري البريطاني الذي كانت إشارات البدء بمفاوضات سحبه من مصر قد انطلقت من جانب عبد الناصر.
إضافة إلى هذا الهدف، كان لإسرائيل هدف أخر هو منع صلة الحوار التي بدات بين مصر والولايات المتحدة، مع انطلاقة ثورة 23 تموز/يوليو 1902.
هدف ثالث أراده بن غوريون على الصعيد الشخصي وهو إسقاط حكومة موشيه شاريت، في حال كشف هذه العمليات، وإعادته إلى الحكم، وهو ما حصل فعلا بعد عدة أشهر فقط، عندما كشفت المخابرات المصرية العملية بكاملها، بعد حادث حصل بطريق الصدفة، أمام إحدى دور السينما في الإسكندرية، حيث انفجرت قنبلة حارقة في جيب عميل صهيوني، هو افيليب ناتنسون،، كان مكلفة بوضعها أمام الدار نفسها في ذكرى ثورة يوليو).
كان صموئيل عازار على رأس فرقة الإسكندرية للاستخبارات الإسرائيلية. ولد في الإسكندرية عام 1929 من والدين ينتميان إلى أصل تركي، وكان بخلاف کوهين (سنتطرق للكلام عنه لاحقا) محبة للعمل السياسي، يعمل لتهجير اليهود إلى فلسطين، تحت شعار السياحة والسفر إلى الخارج.
تعرف صموئيل عازار على إيلي كوهين في صف دروس الهندسة الإلكترونية في جامعة فاروق في مصر. تم إلقاء القبض عليه مع ستة آخرين من أفراد شبكة التجسس في 23 تموز/يوليو أثناء الاحتفالات بعيد الثورة في مصر، بعد أن نبض البوليس امام سينما مريره على رفيقه فيليب ناتنسون، ثم على فيكتور ليفي، والدكتور مرزوك، وفيكتورين نينيو، وروبرت داسا، كما اعتقل معهم أيضا إيلي كوهين، لكنه استطاع تبرئة نفسه وإقناع المحقق بأن لا علاقة له بالشبكة فأطلق سراحه
• ولكن الدور الهام كانت تلعبه فيكتورين التي أعطيت اسم «مارسيل». وهي إحدى الغانيات التي كانت تعمل في أحد مقاهي مصر عندما اتصل بها جوهين دارلينغ، أو الكولونيل إبراهيم دار وجندها لصالح الاستخبارات الإسرائيلية، أثناء لقائه مع الدكتور فيكتور سعدي. لقد رأي دارلينغ، أن هذه الفتاة مؤهلة للقيام بمثل هذا العمل التجسسي، فالتقاها في مقهى كبير، بالقرب من سينما نصر، المتوهج نورا بأضواء النيون، وكان الوقت صيفا، واتفقا على أساس أن تلعب دور اعلبة البريده تحت اسم مارسيل، لكل شبكات الجاسوسية الإسرائيلية في مصر، وقد أعطاها مبلغ ألف جنيه مصري، ثم غادر عام 1902 إلى إسرائيل،.
وبالفعل لعبت مارسيل، دورها ببراعة وكانت روح الشبكة وحركتها المندفعة. وقد حاولت الانتحار بعد أن قبض عليها حتى لا تتكلم، فلم توفق (1).
• وبعد مغادرة دارلينغ لمصر، تولى إدارة الشبكة التجسسية مكانه ضابط ألماني الجنسية برتبة كابتان، اسمه (ماکس بينيت. ولد في كولونيا، وكان يمتاز بأنه لا يختلف عن الآريين في مظهره، حيث هاجر مع والديه إلى فلسطين وهو دون العشرين من عمره، انضم إلى الهاغاناه فورا. وبعد أن تدرب على أعمال الجاسوسية، تم إرساله في مهمة كبيرة إلى العراق حيث أشرف على عمليات الهجرة زمنا طويلا. وكان يقود خمسة مجندين ارسلوا إلى إسرائيل، من قبل الكولونيل إبراهيم دار و امارسيل،. التعلم مساق مستعجل في مباديء أعمال الاستخبارات وفنون التخريب، حيث مكثوا ثلاثة اشهر لم يروا خلالها احدا سوي مدربيهم، ثم أعيدوا إلى مصر حيث خضعوا القيادة عميل حنكته التجارب هو رماکس بينيت .. وعندما أعتقل مع فيليب ناتنسون، عذب كثيرة لكنه لم ينهار. وقد أقنع السجان بعد رشوته بإعطائه سكين حلاقة جرح بها معصميه جراحة قائلة فمات في السجن (10). كما كان إلى جانب هؤلاء ايضا أحد الضباط السابقين في منظمة البالماخ يدعى دافني فايز نفلد اشرف على إعداد ثلاث قنابل بطريقة يدوية لمجموعة الإسكندرية.
والجدير بالذكر، أن هؤلاء المعتقلين والمحكومين في هذه القضية قد أطلق سراحهم بعد تبادل الأسرى بين مصر وإسرائيل، في أعقاب حرب حزيران 1967.
، وقد ترتب على هذه القضية نتائج هامة، حتى أنها عرفت فيما بعد باسم فضيحة لافون، استفال على أثرها موشيه شاريت من رئاسة الوزراء، وكذلك بنحاس لافون وزير الدفاع، كما أقصي العقيد بنيامين غيلي عن رئاسة الاستخبارات العسكرية و عين مكانه لفترة قصيرة، يوفال نينمان (عالم فيزيائي روزير في حكومة بيغن)، ثم خلفه في هذا المنصب العميد يهوشفاط حرکابي المتخصص في شؤون الشرق الأوسط، بالإضافة إلى تحقيق ما عمل إليه بن غوريون وهو العودة إلى منصب رئاسة الوزارة الإسرائيلية.
لقد جاءت هذه الفضيحة أيضا لتعزز مكانة أيسر هرئيل وتزيد من فعاليته وتأثيره، خاصة عندما عين في عام 1953، أثناء محاولة تنظيم أجهزة الأمن، رئيسة اللجنة رؤساء الأجهزة، ورئيسة اللموساد، الذي أنشي، حديثة. وأصبحت أجهزة الأمن تتشكل من خمسة أقسام هي: 1 - الموساد. . 2. الاستخبارات العسكرية. 
3 - دائرة الأبحاث في وزارة الخارجية. 4. المهمات الخاصة والتحقيقات في وزارة الشرطة. .. الأمن الداخلي (الشين - بيت) في وزارة الداخلية (11).
بالإضافة لكل ذلك، ونتيجة لحرب الاستنزاف اليومية من جراء العمليات الانتقامية العربية ضد السلطات الإسرائيلية، أنشئت والوحدة 101، بقيادة اربيل اريك) شارون في آب 1903 بقرار من رئيس شعبة العمليات في ذلك الحين موشيه دايان (الذي تسلم رئاسة الأركان في كانون الأول / ديسمبر من السنة نفسها). وكانت والوحدة 101 عصابة محترفة من الإرهابيين، وبمثابة جيش خاص لشارون، (12).
لقد ركزت الحركة الصهيونية منذ بداية تأسيسها على الهجرة اليهودية إلى إسرائيل، وبمختلف الوسائل. إذ أن النقص في العنصر البشري بمواجهة الدول العربية، يدفع ساسة إسرائيل، إلى الإصرار على استمرار الهجرة على اوسع نطاق. وقد تولت إسرائيل، بعد 1948 حملة واسعة لجمع اليهود فيها.
وهي تهدف بالإضافة إلى ذلك إلى فرض الوصاية على يهود العالم، والإيحاء بأن اليهود في كل مكان يدينون بالولاء الأول الإسرائيل».
وانطلاقا من ذلك، احتلت الهجرة مكانة مرموقة في برامج الأحزاب والمنظمات الصهيونية المنتشرة في العالم. وجمع الشتات أمر شبه مقدس لديها باعتبار أنه الدرع الواقي لأمن «إسرائيل»، وقد نصت وثيقة الاستقلال: دولة إسرائيل ستكون مفتوحة أمام الهجرة اليهودية وجمع الشتات. وقد نظمت عملية الجمع بقانون العودة الذي أبناء الكنيست في 5 تموز 1900 والذي يجعل الهجرة إلى إسرائيل، حق مقدس لكل بهودي. واستكمل بقانون الجنسية عام 1902، الذي يمنح الجنسية آلية لكل يهودي يهاجر إليها.: من هنا يبدو، أن حملة مركزة من الدعاية، دبرت وترافقت مع خلق هذه الدولة العنصرية، غاينها زعزعة وجود الطوائف اليهودية في المجتمعات التي عاشوا فيها طويلا، تمهيدا لحملهم على هجرة جماعية نحو إسرائيل، لتلبية حاجاتها بالمال والطاقة البشرية والقوة العسكرية. وعن طريق غرس الخوف من الاضطهاد الوشيك، وأساليب الدعاية الأخرى، تمكن وكلاء الصهيونية من تهجير اليهود من الوطن العربي والشرق بنسبة 47?30% من مجموع الهجرة العامة سنة 1949، وبلغت 89?
7
?
سنة 1909، هذا بالإضافة إلى أنه لم يكن للصراع العربي الإسرائيلي أثر في موقف العرب تجاههم إذ لم يجبر أحد منهم على المغادرة، بل غادروا اختبارية كما أن الدول العربية من جانبها لم تنكر عليهم حق الهجرة (13).
إلا أن مصر عبد الناصر، بكل ما تمثله من ثقل أساسي في عملية الصراع، بقيت الحلقة المركزية في سلسلة المخطط الصهيوني. وفي سبيل تقويض دعائمها وتاثيرها، استأثرت باهتمام بالغ من قبل القيادة الصهيونيين وعلى راسهم نادة الاستخبارات الإسرائيلية، بالتنسيق مع أجهزة المخابرات الفرنسية والبريطانية. وجاء تمويل مشروع السد العالي من قبل الاتحاد السوفياتي في تلك الفترة، ليعطي عملية الصراع حجمها وحقيقتها، عندما خرج ساسة الدول الغربية (فرنسا وبريطانيا وأميركا) بالتعاون مع ساسة وإسرائيل، عن ضبط النفس»، معتقدين أنهم أصبحوا قادرين على تلقين الثورة المصرية درسا هامة باعتبار أنها الفرصة الأكثر ملاءمة. وهكذا استغلت بريطانيا والولايات المتحدة تمويل بناء السد العالي للمساومة وفرض الشروط على الثورة المصرية، التي كسرت احتكار السلاح ورفضت أي عروض التكبيل استقلالها السياسي والاقتصادي مقابل اسلحة ومعونات اقتصادية. عندما أقدمت واشنطن على سحب عرض بتقديم 54 مليون دولار، واوصت إلى البنك الدولي ليقدم شروطا جائرة، ولما رفضتها مصر، سحب البنك اعتماده بمائتي مليون دولار. ثم سحبت بريطانيا عرضها ب 14 مليون دولار. إزاء هذا الوضع، لم يعد أمام عبد الناصر إلا أن أعلن ضربته القاصمة بتأميم الشركة العالمية لقناة السويس البحرية بتاريخ 21
تموز 1909
استغلت الدول الغربية والصهاينة عملية التأميم ذريعة لتسديد حساب حقدهم القديم مع مصر، في وقت كان حلف بغداد بسعي لمد ظلاله على المشرق العربي، وكان الاحتلال الفرنسي يواجه ثورة الجزائر، واتسعت العمليات الفدائية ضد الأهداف الإسرائيلية، ورسمت فرنسا وانكلترا خطط العدوان ونسقتها مع إسرائيل، حيث كان بن غوريون وايسر هرئيل ويهوشفاط حرکابي، الصهاينة، يلعبون الدور الأساسي في التنسيق مع راس المخابرات الفرنسية في تلك الفترة، بيار بورسيکو.
ومن اجل كسب الوقت، عرضت بريطانيا وفرنسا، أزمة القناة على مجلس الأمن في ايلول / سبتمبر، في حين اتفقنا مع إسرائيل على القيام بهجوم مفاجيء على سيناء في 29 تشرين أول 1909، وسارعنا إلى التدخل بحجة وقف الحرب بين مصر وإسرائيل.
وجهت الدولتان بعد بدء الهجوم الإسرائيلي ب 24 ساعة، إلى مصر وإسرائيل إنذارة يطالبهما بالابتعاد عن ضفتي القناة بمقدار عشرة أميال، بينما قامت القوات البريطانية والفرنسية بالإنزال في مدن القناة (14)
إزاء هذا الوضع لم يقف الاتحاد السوفياتي ومجموعته الاشتراكية موقف الحياد، بل كان عنيفا إلى الحد الذي خلع فيه خروتشوف، الرئيس السوفياتي في ذلك الحين، حذاءه وضرب به على الطاولة في مجلس الأمن، أمام أنظار ممثلي دول العالم، مطالبة بانسحاب القوات الأجنبية من مصر، ومن خلال هذا الموقف حافظت الثورة المصرية على وجودها واستمرارها وأنقذت مصيرها من الخطر الذي كان يحدق بها من قبل هذه القوى العالمية التي كان يحسب حسابها منذ وقت طويل.
ومما يجب الإشارة إليه، أن بعض قادة الاستخبارات الإسرائيلية شاركوا بصورة عملية في العمليات الانتقامية وحرب العدوان الثلاثي على مصر عام 1956. يذكر منهم على سبيل المثال «دون تماري، الذي ولد في كيبوتس عين حار ود عام 1934، وتجند في الجيش الإسرائيلي عام 1954. شارك في العمليات الانتقامية في حرب 1909، وكذلك في حرب حزيران 1997، وحرب الغفران 1973، حتى وصل عام 1979 قائدا لسلاح الاستخبارات الذي انشئ حديثة. كما عين قائدة المدرسة القيادة والأركان في أول أيلول 1977 (10).
وبالإضافة الدوف تماري،، شارك في العمليات الانتقامية في حرب العدوان الثلاثي على مصر، بنهحاق حوفي الذي أصبح رئيسا لمؤسسة الاستخبارات والمهمات الخاصة (الموساد) خلفا لتسفي زامير اعتبارا من اول ايلول 1974، لكن هويته لم تكشف آنذاك، وقد أحيل على التقاعد نهار الأحد الواقع في 12 ايلول 1982، حيث خلفه الجنرال يهوشواع ساغي الذي برز اسمه من خلال التحقيق في مجزرة صبرا وشاتيلا، ولولا ذلك لبقي اسمه سرا، أقيل من منصبه بعد تحقيق لجنة کاهان (19) إلا أن الدور الهام للاستخبارات الإسرائيلية خلال العدوان الثلاثي لعبه البروفسور بهر شفاط حرکابي، الذي سمي فائدة للمخابرات الإسرائيلية برتبة ميجر جنرال خلال الفترة 1900. 1909. كما عين في شهر شباط 1977 مستشارا لرئيس مجلس الوزراء الإسرائيلي إسحق رابين لشؤون الأمن، حيث يعتبر حرکابي من المتخصصين الأوائل بشؤون الشرق الأوسط والقضية الفلسطينية بصورة خاصة. وقد اصبحت الاستخبارات العسكرية في عهده أهم جهاز بين أجهزة المخابرات الإسرائيلية
وقفزت الأبحاث في شعبة الاستخبارات العسكرية قفزة مهمة، وحدث التطور الثاني المهم عندما القيت على رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية مهمة إعداد تقويم للمعلومات على المستوى القومي وتقديمه إلى كل من رئيس الحكومة ووزير الدفاع. ومن هنا يكتسب أهميته الفاعلة والمؤثرة على صعيد التخطيط والتنسيق مع الاستخبارات الأخرى الأجنبية كما حصل في العدوان الثلاثي على مصر عام 1909 (17). خاصة وأن «حرکابي، كان على اتفاق تام مع دايسر هرئيل، الذي يعتبر مهندس الاستخبارات الإسرائيلية، وهما اللذين ضما جهودهما لمنع إعادة تعيين العقيد بنيامين غيبلي، بعد فضيحة لافون، في جهاز الاستخبارات العسكرية، وهكذا عملا على تشويه سمعته اکثر وأكثر كطريقة وحيدة لشطب اسمه من لائحة المرشحين للمنصب
وبعد فشل العدوان الثلاثي على مصر في تحقيق الأهداف التي شن من أجلها، لم نقف المخابرات الإسرائيلية تجاهها موقف المتفرج خاصة بعد الضغط الدولي الذي واجه المعتدين الثلاثة. وجاءت عملية الوحدة المصرية - السورية عام 1908، التعيد إلى الأذهان فترة تأميم قناة السويس التي استدعت حرب عام 1956. لذلك كان على الاستخبارات الصهيونية أن تلجأ إلى ما تطمح إليه في الحصول على المعلومات والوثائق المتعلقة بدقائق الأمور في كل من سوريا ومصر. ولهذا أوكلت إلى أحد عملائها المجربين ويدعى «جان ليون توماس، وهو مصري من أصل أرمني، أن يقوم بتشكيل شبكة تجسس في مصر، مهمتها تزويد المخابرات الإسرائيلية بكل المعلومات المتعلقة بالقضايا السياسية والاقتصادية والعسكرية. وقد تمكن «جان توماس، فعلا من ايجاد هذه الشبكة الخطيرة في عام 1908، حيث كان يديرها ويوجهها ويشرف على تحركاتها، كما ضمت عددأ هامة من الأعضاء نذكر منهم: جريس يعقوب تائيليان (مصور). وجورج شفيق دهاقيان (تاجر). وبوليدور بابا زوغلو (تاجر)، وجورج استماتيو والموظف بمحلات جروبي، وكان الأخير يشرف على حفلات العشاء التي كانت تقيمها رئاسة الجمهورية، ومحمد أحمد حسن الموظف بمدرسة المدفعية الذي كان مكلفا بجمع معلومات ووثائق عسكرية. والضابط أديب حنا کير ولس بالقوات المسلحة، وهو الذي أبلغ المخابرات المصرية اتصال المخابرات الإسرائيلية به
وإمعانا في تضليل الاستخبارات المصرية، فقد عمد «جان توماس، إلى اتخاذ عدة احتياطات، منها عدم تردده على المنزل الأمين الذي كان يقوم فيه بتصوير المستندات وتحميض الأفلام وإخفائها، وقام بترحيل زوجته الألمانية كيتي دورثه التي كانت تساعده في القيام بالعمل السري قبل القبض عليه، كما حاول استخراج جواز سفر مزور لمغادرة البلاد (18).
والواضح أن جان ليون توماس وجد ضالته منذ البدء بالمدعو محمد احمد حسن»، حيث كان صديقه ويعرف عنه أنه كان مغرما بالخمر والنساء وبحاجة دائمة إلى النقود، بالإضافة إلى الموقع الذي يحتله كموظف في مدرسة المدفعية
تقابل توماس مع محمد أحمد حسن في تشرين أول 1908، واستعاد معه ذكريات علاقتهما قبل سفره إلى ألمانيا، وعادت العلاقة بينهما كما كانت في السابق حيث عرفه جان في أحد الكباريهات على راقصة ألمانية تدعى «باتريشياء كانت على علاقة قديمة بجان، وقدمها إليه ودفعها إلى أن تعمل على غوايته، ونجحت في ذلك.
وعن طريقها، وصل جان إلى ما بطمح إليه في تجنيد محمد أحمد حسن والعمل لصالح الاستخبارات الإسرائيلية. وطلب منه أن يمده بمعلومات ووثائق عسكرية مقابل خمسين جنيها شهرية. وأفهمه أنه سيحضر الوثائق من مقر عمله ليقوم جان بتصويرها ثم يعيدها هو ثانية إلى مكانها، وأنه بذلك لن يكون عرضة لأن يكتشف أمره وإن أحدا لن يشك فيه، وتحت ضغط احتياجات «باتريشيا المستمرة، قبل محمد حسن القيام بما يكلفه به جان. ودفع له هذا الأخير مائة جنيه، مرتب شهرين مسبقة. ثم كلفه باستئجار شقة في مصر الجديدة باسمه لتكون مكانا لمقابلاتهما وليتم فيها تصوير الوثائق التي يحضرها محمد من عمله.
وقام محمد باستئجار الشقة في شارع المكباتي بمصر الجديدة، واتخذ منها مكانة لمجونه وعلاقاته النسائية، بجانب ممارسة أعماله السرية مع جان. ونفذ محمد
حسن تعليمات جان له بإحضار الوثائق العسكرية من عمله إلى الشقة، حيث يقوم جان بتصويرها ثم يعيدها محمد إلى مركز عمله مرة ثانية. ولجا جان أيضا إلى استخدام محمد حسن ليكون دليلا له في التعرف على اسماء ومواقع الوحدات العسكرية، واصطحبه معه في السيارة ومعهما زوجة جان وكأنهم يقومون برحلة صيد. وعلى طريق السويس - بور سعيد، يقوم جان توماس بتصوير المنشآت العسكرية من نافذة السيارة ويقوم محمد بتحديد الوحدات العسكرية ومواقعها. واستمر محمد حسن في خيانته الوطنه، مقابل خمسين جنيها ينفقها على ملذاته إلى أن تم إلقاء القبض عليه وعلى
جميع أفراد الشبكة التي كونها جان ليونس توماس لصالح الاستخبارات الإسرائيلية وحكم على محمد أحمد حسن بالإعدام (19).
كانت عملية إلقاء القبض على هذه الشبكة الخطيرة في مصر قد أحدثت صدمة كبيرة لقادة الاستخبارات الصهيونية والمسؤولين السياسيين في إسرائيل، مما استدعى ذلك أن يعقد اجتماع على مستوى عال في عام 1959 للجنة رؤساء أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية (قعادات)، أعلنت الموساد عن حاجتها خلاله إلى رجل ليكون عميلا مقيمين بصورة غير شرعية في القاهرة، تحت غطاء أنه ضابط نازي سابق.
وقد اختير لهذه المهمة ضابط الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية «يوهان ولفغانج الوتزه (2) (الذي كان يعرف أيضا باسم زئيف غور آرييه)، نظرا لجنسيته الألمانية، في الوقت الذي كان قد استقدم فيه الرئيس جمال عبد الناصر مجموعة من الخبراء الألمان للعمل على تقوية قواته المسلحة، وقد قبل لونز القيام بهذه المهمة التي وجهت أساسا ضد النشاط التسليحي الخاص الذي كان يقوم به هؤلاء الخبراء في مصر. وتلقى تدريبا مكثفا في إسرائيل، بما في ذلك التدريب على تربية الخيول. وفي نهاية 1990
ظهر في ألمانيا وادعى أنه لاجيء من ألمانيا الشرقية وأنه ضابط سابق في الفيلق الإفريقي، ورغم أن لوتز كانت له زوجة في إسرائيل فإنه تزوج من امرأة ألمانية لتأكيد
(0) لمزيد من المعلومات عن ولفغانج يراجع کتاب:
Wolfgang Lotz, the Champagne Spy (Londe, Valentine Mitchell, 1972) شخصيته المنتحلة، وفي عام 1991 ذهب إلى القاهرة حيث أنشأ مدرسة للتدريب على ركوب الخيل. ومن خلال هذا أقام الاتصالات المتنوعة داخل الجالية الألمانية في العاصمة المصرية، وفي الوقت ذاته تعرف على عدد من المصريين البارزين الذين يحتلون مراکز مهمة، وقام بعدة رحلات من مصر إلى المانيا الغربية ليسلم معلوماته. وأخيرا في عام 1964، بدأ لوتز يرسل خطابات تهديد الخبراء ألمان يعملون في المصانع الحربية المصرية لإنتاج الصواريخ والأسلحة المتطورة. ونتيجة للشهرة التي اكتسبها لوتز عن طريق الصداقات التي أقامها في مصر، كان لا يفتش تفتيشأ دقيقة في المطار أثناء عودته من اسفاره التي تستغرق شهورة أحيانا يتلقى خلالها التدريب اللازم ويتم تزويده بمعدات جديدة. هذا ولم تقتصر مهمته على جمع وتحصيل المعلومات فقط، بل كان، بالإضافة إلى ذلك، يقوم بتوجيه الرسائل المتفجرة إلى مجموعة الخبراء الألمان العاملين في مصانع مصر الحربية. وكانت المخابرات الإسرائيلية قد زودته بحقيبة مخبأ في مكان سري بداخلها عدة طرود مجهزة بالمواد المتفجرة، وميزان الوزن الأشخاص مخبا بداخله جهاز إرسال لاسلكي والشيفرة التي يستخدمها، وكذلك زجاجات كولونيا 777 ملاي بالحبر السري.
اعتقلته المخابرات المصرية في شهر شباط 1965، حيث حوكم وسجن، ولم بجر إعدامه كما هي العادة نظرا لقيمته. وقد ذكر الإسرائيليون أن العملية كلفتهم حوالي ربع مليون دولار. كما اعترفوا أن أخطاء ارتكبها لوتز في استخدام وسائل اتصالاته، إلى جانب استخدامه في القيام بعمليات تنفيذية ربما ساهمت في سقوطه. وأثناء سجنه أرغم على أن يكشف العملية بأكملها. وقد نعجب من عملية القبض عليه من قبل المخابرات المصرية حيث قال للمحقق: ما يحيرني هو كيف اكتشفت المخابرات المصرية نشاطي ... فأنا لم أقم بأي عمل إيجابي ... وفي الحقيقة إني احني الرأس احتراما لمخابرات بلادكم .. وقد اهتمت به إسرائيل اهتماما بالغة، وعرضت إعادة الأسرى المصريين وعددهم خمسة آلاف أسير - كانت ستسلمهم على كل حال - مقابل حرية هذا الجاسوس التكلفه بعملية أخرى في بلد آخر. وقد أطلق سراحه في عام 1998 فعلا، بعد أن أطلقت سراح الخمسة آلاف اسير مصري في سبيل هدف أساسي يتمحور حول رفع معنويات جواسيسها الذين بدأوا يتساقطون الواحد تلو الأخر بفضل يقظة المخابرات العربية (20).
وبالرغم من المهمة الكبيرة التي كلف بها لوتز في مصر، إلا أنه لم يكن وحيدة في تعامله مع المخابرات الإسرائيلية. فقد كان هناك عميل آخر اسمه اروبين سكابدنه من الجنسية الكندية. جندته المخابرات الصهيونية عن طريق أحد ضباطها في كندا عندما تعرف إليه في أحد مقاهي ميدان «دومينيون، في مونتريال، حيث علم بحاجته إلى عمل فعرض عليه التعاون معه في جمع معلومات عن الحركات الهدامة في مصر، وبعد أن وافق على العمل بحكم حاجته تسلم مبلغ 300 دولار كلفة، ثم وضع تحت الأمر الواقع، وطلب منه السفر إلى إسرائيل، مدة ثلاثة أشهر تدرب خلالها على مختلف أنواع التجسس، ثم أعيد إلى كندا لينطلق منها كسائح أولا إلى البلاد العربية ثم يطلب منحه إقامة في مصر لأنه وجد أن الأعمال التجارية رائجة هناك، وهكذا كان. وعندما دخل مصر بموجب تأشيرة دخول قانونية على جواز سفره، تقدم بطلب الإقامة - بعد المدة القانونية لإقامته التي سمح له بها. مدعيا بأنه بود افتتاح مكتبة للاعمال التجارية، وعرض نماذج صناعات لعدة شركات بمثلها. وقدم لذلك عدة كتب اعتماد من شركات تجارية معروفة من قبل غرفة التجارة، فجرت الموافقة على منحه الإقامة، حيث قام، بنفس الوقت، جهاز مكافحة التجسس لدى المخابرات المصرية بوضعه تحت المراقبة الدقيقة من أول يوم لافتتاح مكتبه الوهمي، بل وكان اول زبون يتعامل معه من المخابرات العربية.
اعتقل اروبين سکايدن، بتاريخ 15 كانون الثاني 1965، بأمر من العقيد موسي العيد رئيس فرع مكافحة الجاسوسية، وكانت قوة المداهمة بقيادة الرائد عبد الجبار حمدي، وقد اعترف اسکايدن، بتعامله مع الاستخبارات الإسرائيلية منذ ثلاث سنوات، نحكم عليه بالسجن لمدة خمس سنوات وإبعاده عن البلاد (21).
هذا ولم نكن سوريا بعيدة عن اهتمام الاستخبارات الصهيونية بها، حيث عرفت في تلك الفترة، نشاط مكثفة يوازي النشاط الاستخباري الإسرائيلي في مصر، إن لم يكن أكثر، خاصة بعد أن تخوفت «إسرائيل» من انعكاسات الوحدة المصرية - السورية على مجمل الأقطار العربية فضلا عن موجة التأييد العارمة والتيار الشعبي العربي الذي التف حول الوحدة، وكذلك التطورات التي عاشتها المنطقة العربية يومها. لذلك عمدت المخابرات الإسرائيلية عبر دراسة دقيقة إلى اختيار الرجل الذي وجدنه مناسبا للقيام بمهمة التجسس في سوريا، فكان: «إيلي بن شاوول كوهين، الذي نجح في عمله نجاحة واسعة دفع إسرائيل، إلى تجنيد دول العالم لإبقائه حية بعد اعتقاله في دمشق عام 1965.
ولد إيلي كوهين (أو إيلياهو) في مصر، وبالإسكندرية تحديدا في عام 1924. وهو من أصل سوري حلبي. غادر أحد أجداده حلب إلى الإسكندرية، وهناك ولد دليلي، وبقي فيها حتى السنة الثانية والثلاثين من عمره، حيث طرد منها عام 1909 بعد العدوان الثلاثي على مصر وإلقاء القبض عليه ضمن شبكة جاسوسية إسرائيلية، بري، موقفه لكنه طرد منها فذهب إلى «إسرائيل».
العب كوهين دورا بارزا في مصر أول الأمر، حيث انغمس في عمليات تخريبية إسرائيلية ضد المنشات الأميركية والبريطانية في نصر) عام 1902، ونجح في تجنب أن يكتشف أمره عندما نبض المصريون على معظم أعضاء الشبكة، وهي التي سببت
بفضيحة لافون أو القضية المشينة عام
1954. (راجع الملحق في نهاية الكتاب والمتعلق بالبرقيات السرية حول هذه القضية).
بعد انتقاله إلى «إسرائيل»، عمل کوهين مترجمة في وزارة الدفاع الإسرائيلية، ثم استقال منها وتزوج من يهودية عراقية تدعى ناديا منذ ذلك الحين، جندته والموساد العملية غير قانونية تستهدف إنشاء شبكة تجسس في سوريا مهمتها الحصول على معلومات سياسية وعسكرية هناك. ثم تلقى تدريبأ مكثفة لهذه المهمات السرية المقبلة، حيث تعلم وتدرب أيضا على الآيات القرآنية وعقائد الدين الإسلامي على اعتبار أن هويته القادمة المزورة ستصبح هوية مسلم باسم كمال أمين ثابت، المولود عام 1930، وهو تاجر مولود في سوريا وهاجر إلى الأرجنتين، وعلى جانب كبير من الثراء.
وعندما رات الاستخبارات الإسرائيلية أن تدريب کوهين قد اكتمل، وأنه حان الوقت لتنفيذ المهمات التي اختير من أجلها، أرسل إلى الأرجنتين، حيث أصبح عضو نشيطا في الجالية العربية المهاجرة. وفي العاصمة الأرجنتينية تعرف إلى الجنرال أمين الحافظ الذي أصبح فيما بعد رئيسا للدولة في سوريا، وكان في ذلك الوقت ملحقة عسكرية للسفارة السورية فيها. وقد عرفوه على كوهين في حفلة أقامتها إحدى السفارات العربية، حيث كان كوهين مدعوا إليها، باعتباره أحد أعضاء النادي العربي.
في النهاية، تسلل إيلي كوهين إلى سوريا بمساعدة اثنين من السوريين اللذين كانا يعملان لمصلحة المخابرات الإسرائيلية، وهما ماجد شيخ الأرض، (وهو تاجر سوري سهل لكوهين دخول سوريا دون تفتيش، كما سهل له سبل الاتصال بالنازي الألماني اروزيلو، أثناء محاكمة رادولف ابخمان، في إسرائيل، كما كان من أكبر المساعدين لكوهين في التعرف على مكان النازيين الفارين من ألمانيا، ومنهم صديقه

کوهين استقبالا حسنا، وأعطاء مختلف المعلومات عن الموقف السياسي في سوريا، وسمح له بقراءة التقارير السرية التي كانت تصله، كما مضى «سيف، بعطيه المعلومات التي يطلبها بعد ذلك).
وقد تمکن کوهين فعلا من تزويد الاستخبارات الإسرائيلية بمعلومات دقيقة على جانب كبير من الأهمية والخطورة، نظرا للعلاقات التي أقامها في سوريا والصداقات التي عقدها مع كثير من المسؤولين السوريين. ولما عاد الجنرال أمين الحافظ إلى دمشق، كان كوهين قد سبقه إليها قبل سنتين حيث كان قد أوثق علاقاته ونظم أخباره وأعماله، وبدا اتصالاته مع تل أبيب، يرسل الأخبار، ويتلقى المعلومات والأوامر. وتمكن من ممارسة نشاطه التجسسي مدة أربع سنوات تقريبا. من عام 1961 حتى 1990 - سافر خلالها إلى أوروبا لتقديم المعلومات التي تعتبر هامة جدا والتي تستحق الدرس والتدقيق، ليعود بعدها إلى سوريا لإتمام مهمته الخطيرة
في كانون الثاني 1990، تمكنت المخابرات السورية من إلقاء القبض على إيلي كوهين الذي حوكم وأعدم في 19 أيار 1965 في ساحة المرجة في دمشق، بعد أن أثيرت حملة عالمية للدفاع عنه وإبقائه حيأ (22)
إلا أن ما يجب الإشارة إليه هو كيفية إلقاء القبض على كوهين بعد هذه الفترة الزمنية التي قضاها في سوريا بعيدا عن الشكوك والاتهامات.
بشير البعض إلى أن المخابرات المصرية كانت وراء عملية اعتقال إيلي كوهين في سوريا. إلا أن الواقع، فقد لعب العقيد أحمد السويداني، الذي تولى رئاسة المخابرات السورية في عام 1964، وهو من المقربين جدة للرئيس امين الحافظ، لعب دورا هاما وأساسيا في إلقاء القبض على الجاسوس الإسرائيلي في سوريا، حتى أنه شارك شخصية في عملية المداهمة والاعتقال. .
لقد كان السويداني متفوتة بين رفاقه الضباط السوريين لمعرفته باللغتين الفرنسية والإنكليزية. كما كان يطمح لأن يصبح أصغر جنرال في الجيش السوري. ونظرة العلاقه الحميمة بالرئيس امين الحافظ، فإنه زار موسكو بناء على دعوة رسمية مع وفد عسكري سوري، حيث استقبل استقبالا حارا من قبل رئيس الاستخبارات السوفياتيه ال  KGB (الكي. جي. بي) فلاديمير سيميتشاسني، ونائبه الميجر جنرال زاخاروف، وقدما له الخدمات الهامة في حقل التجسس من جميع الجوانب. وعاد السويداني إلى دمشق وهو يحمل ميثاقة من اجل تعاون أفضل بين المصالح السورية والسوفياتية. كما زودته المخابرات السوفياتية بجهاز جديد وصل إلى دمشق. وبواسطة هذا الجهاز تمكن العقيد السويداني ومساعده المقدم عزيز معروف من اكتشاف إيلي كوهين الجاسوس الإسرائيلي الهام في دمشق، ولولا تدخل الجهاز الجديد الذي حصلت عليه المخابرات السورية من موسكو لما أمكن اكتشاف إيلي بسهولة. واعتبر هذا العمل من أكبر الإنجازات التي قام بها العقيد السويداني نظرة للخطورة التي كان يمثلها کوهين في سوريا على مختلف مستوياتها. حتى أنه كان من أشد الجميع عنادا وطلبة لإعدام هذا الجاسوس الخطير، وبلغ به الأمر إلى اتهام محامي کوهين الفرنسي جاك مرسييه، بعد إلحاحه بضرورة عدم إعدام کوهين والتعهدات التي قطعها بأمر من المخابرات الإسرائيلية، اتهمه بالعمل لحساب إسرائيل والصهيونية
وفعلا، رغم جميع الوساطات الدولية والإغراءات التي قدمت لسوريا، مقابل إبقاء كوهين على قيد الحياة، فإنها فشلت جميعها، ونفذ فيه الحكم بتاريخ 19 أيار 1990، في ساحة المرجة في دمشق أمام أنظار الآلاف من الناس الذين جاؤوا بشهدون عملية الإعدام هذه، كما أن جثته تركت أياما معلقة على المشنقة ليتسنى الأكبر عدد من البشر رؤينها (23).
والرائع أن الاستخبارات الإسرائيلية في تلك الفترة كانت تعمل على اكثر من جبهة، حيث كان على رأسها احد ابرز قادتها والذي يعتبر من أخطر الرؤساء الذين تولوا قيادتها وأقواهم، وهو الذي أرسى قواعد الاستخبارات مذه واسلوب العمل الذي ما زال قائما فيها حتى اليوم، وهو «ايسر هرئيل، الذي بقي في هذا الجهاز منذ عام 1948 حتى استقالته في 20 آذار 1993.
لقد شارك هرئيل شخصيا في عملية اختطاف القائد النازي أدولف آيخمان الذي اعتبر مسؤولا عن المجازر النازية بحق اليهود، والمسؤول عن صياغة ما يسمى
بالحل النهائي للمسالة اليهودية، خطف ايخمان من الأرجنتين ونقل إلى «إسرائيل» حيث حوكم بالإعدام، ونفذ فيه الحكم بتاريخ 31 ابار 1992. وقد اولي هرئيل قضية الخبراء الألمان في مصر أهمية كبرى، وأثار ضدهم موجة من العداء والعنف، وجند الكثيرين لهذه الحملة بهدف عرقلة تطوير الصناعة العسكرية المصرية. وقد وصل به الأمر إلى تهديد أبناء الخبراء الألمان أنفسهم كما حصل في سويسرا مثلا عن طريق اثنين من عملائه وهما العالم النمساوي أوتو يوکليك، و «يوسف بن غال».
فقد كان أوتو يوكلبك، عالمة نمساوية اشتغل في الجيش الألماني في أثناء الحرب. ثم أصبح فيما بعد مديرة لمعهد إيطاليا للعلوم الذرية والتكنولوجيا النووية. وقد عرض عليه العمل في مصر مع فريق الصواريخ المصري الذي يشرف على إدارة برنامجه أحد الكولونيلات المصريين. وعلى حد قوله، لم يعرف «بوكلبك، إلا بعد وصوله إلى القاهرة أن الغاية من التجارب نستهدف «إسرائيل»، وقد اعتراه الفزع من ذلك فقرر أن يتعاون مع الاستخبارات الإسرائيلية
استفادت منه وإسرائيل، كثيرة باعتباره أحد أعضاء فريق الخبراء الألمان في مصر، ويعرف بالتالي أسماء بعضهم هناك. وهكذا عندما عاد إلى سويسرا اتصل بفتاة تدعى هايدي فورك، وهي ابنة عالم نمساوي يدعى باول فوركه، وادعى أنه صديق لوالدها، وطلب منها السفر إلى مصر حيث كان والدها بعمل ضمن فريق الخبراء الألمان في أحد مصانع الصواريخ، وأن تخبره بأن حياته ستكون معرضة للخطر إذا لم يتوقف عن العمل هناك. فزعت الفتاة من التهديدات وذهبت في الحال إلى البوليس الذي أقنعها بترتيب مقابلة مع الرجل، وعندما التقيا قام ضباط البوليس بتسجيل ما دار بينهما من حديث، وألقي القبض عليه وعلى زميل آخر كان معه وهو مواطن إسرائيلي بدعى «يوسف بن غال»، وقد نجحت هذه الحملة أخيرة حيث أدت إلى رحيل الخبراء الألمان عن مصر الواحد تلو الأخر، وهي القضية التي أدت إلى استقالة أيسر هرئيل في 20 آذار 1993، بعد خلافه مع بن غوريون الذي كان يعلم أن من مصلحة
إسرائيل استغلال الألمان لا معاداتهم بعد الاتفاق السري الذي عقد بين بن غوريون والمستشار الألماني أديناور، في فندق والدورف أستوريا، بنيويورك بدون علم مرئيل، اتفق خلاله على أن تقدم المانيا التعويضات إلى إسرائيل للتكفير عن جرائم النازية، وأن تزود ألمانيا إسرائيل بكميات كبيرة من السلاح. بعد ذلك، فضل أيسر مرئيل الاستقالة بعد خلافه مع بن غوريون حول هذه القضية، وخرج من الموساده حيث لم يعترض بن غوريون على خروجه لأنه كان يؤمن بضرورة التعاون مع المانيا للحصول على المزيد من التعويضات والأسلحة الألمانية، ولا يجب بالتالي إحراج حكومة بون ولا إغضابها. هذا وقد اعترف مرئيل بهذه المناسبة بأنه لولا الضجة التي أثارتها إسرائيل، حول هؤلاء العلماء لكانت مصر قد نجحت في توثيق علاقاتها مع بون، وبالتالي تطوير اسلحتها تطويرة واسع (24).
أصيبت الاستخبارات الإسرائيلية بصدمة كبيرة على أثر اعتقال عملائها وأهم رجالها في كل من مصر وسوريا، خاصة وأن هؤلاء اعتقلوا في عام واحد، وفقدت
إسرائيل، باعتقالهم أغزر مصادر معلوماتها وأهمها نيمة وفعالية. ولم يمض عام واحد على اكتشاف شبكتها في مصر وسوريا حتى اكتشفت شبكتها التجسسية في العراق من قبل المخابرات العراقية بتاريخ 16 كانون الثاني 1911.
كانت الاستخبارات الإسرائيلية تولي اهتماما كبيرة للعراق نظرا لأهمية الطائفة اليهودية المتواجدة فيه، ونجح عملاؤها في إنشاء شبكة تجسس تعمل لصالح
إسرائيل»، حيث تولى إدارتها الطبيب اليهودي عزرا خزام، متخذا من عيادته مرکزة الممارسة نشاطه التجسسي، بمساعدة الممرضة اليهودية التي كانت تعمل لديه. اكتشفته السلطات العراقية في السادس عشر من شهر كانون الثاني 1911. وعند تفتيش عيادته عثر على أجهزة لاسلكية تثبت اشتراكه في عمليات تهريب اليهود العراقيين وإرسال معلومات سرية حول الأسلحة الجديدة التي تصل إلى الجيش العراقي، وإرسال هذه المعلومات إلى أحد مسؤولي المخابرات الإسرائيلية في ميناء
عبدان، الإيراني. وقد استخدمت استخبارات العدو في هذا النموذج عناصر يهودية عراقية متخذة من ميناء عبدان، مرکزة للتوجيه والتهريب.
وبالإضافة لشبكة الطبيب وعزرا خزام، فقد كان هناك إلى جانبها شبكة تعتبر من أهم الشبكات التسع التي اكتشفتها السلطات العراقية مع بداية عام 1996. وكان
عزرا ناجي زلخاء على رأس هذه الشبكة الخطيرة التي كانت تتولى مهمة تهريب اليهود العراقيين عبر ميناء البصرة - مع شبكة الطبيب عزرا خزام - إلى عبدان بإيران، ونقلهم منها إلى «إسرائيل». وقد وجهت إليهم السلطات العراقية نهمة الخيانة العظمي باعتبارهم مواطنين عراقيين ونفذت حكم الإعدام ببعضهم في ساحات بغداد الكبرى ("").







مصادر و المراجع :

١- موسوعة الامن والاستخبارات في العالم

المؤلف: د. صالح زهر الدين

الناشر: المركز الثقافي اللبناني للطباعة والنشر والتأليف والترجمة - بيروت

الطبعة: الاولى

تاريخ النشر:2002 م

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید