المنشورات

حرب حزيران 1967 والتنسيق الأميركي - الصهيوني:

عشية حرب الخامس من حزيران 1997، كان التنسيق الأميركي - الصهيوني قد بلغ ذروته، خاصة على الصعيد الاستخباري، لينعكس بدوره على مجمل الأصعدة الأخرى. وانطلاقا من الأهداف الاستراتيجية المشتركة لكل من الولايات المتحدة وإسرائيل، وعلى ضوء التحالف والترابط القروي بينهما، كانت تتخذ الخطوات المتعلقة بالمخططات الهادفة لخدمة هذه السياسة.
وعلى أثر حالة التوتر التي سادت الجبهات العربية في مواجهة «إسرائيل»، كان على راس الموساد الجنرال مئير عميته في الوقت الذي تسلم فيه وأهارون ياريف، رئاسة الاستخبارات العسكرية. كما تبلورت في هذه الفترة فكرة إلحاق الهزيمة بمصر في سبيل هدف مركزي بتمحور حول الإطاحة بحكم الرئيس جمال عبد الناصر - لذلك وجدت الاستخبارات الإسرائيلية أن تحقيق هذا الهدف لا يمكن أن يتم دون التخطيط والتنسيق مع الاستخبارات الأميركية لضمان الوقوف الأميركي كلية إلى جانب و إسرائيل، عند قيام مواجهة عسكرية مع الدول العربية
وعلى هذا الأساس، طار الجنرال مثير عميت في الأول عن حزيران 1967، برفقة أهارون باريف، بصورة سرية إلى واشنطن، حيث كان متأكدة. كما يقول. من آن مفتاح النصر في الحرب القادمة هو في يد الولايات المتحدة، وكان متأكدا كذلك من أن أبا إيبان وزير الخارجية الإسرائيلي، قد عجز عن إقناع الرئيس جونسون بخطورة الموقف. كما كان يعتقد. كما قال من بعد. أن بقاء إسرائيل رهن بنتائج مباحثاته مع موظفي وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية ب الانغلي، في فرجينيا. وفي غرفة لإعداد المعلومات في لانغلى واجه الجنرال عميت جماعة من كبار موظفي وكالة الاستخبارات المركزية لشؤون الشرق الأوسط، من بينهم رجيمس انغلتون، الذي كان على اتصال وثيق بروبرت کلايتون ايمز، مندوب الوكالة في السفارة الأميركية في بيروت، والذي قضى بحادث انفجار السفارة في نيسان 1983.
عرض الجنرال عميت على موظفي الوكالة تطورات الوضع بين إسرائيل، والدول العربية، وحالة التوتر التي تسود الجبهات حيث التعبئة العامة على قدم وساق.
وبالفعل تمكن عميت، من إقناع الأميركيين بوجهة نظره الإسرائيلية، بالإضافة القناعتهم على أثر المعلومات والوثائق التي وصلتهم من عملائهم، وكان ريتشارد ميلمز، رئيس الاستخبارات الأميركية قد وافق على وجهة نظر زميله قبل وصوله للاجتماع به حيث كان أحد معاونيه قد نقل له خلاصة الموضوع. ثم اجتمع عميت ويلمز مع روبرت ماكنمارا وزير الدفاع الأميركي عارضا (عميت) وجهة نظره، وماكنمارا صامت. في هذه اللحظة فتح أحد المساعدين الباب معتذرة وسلم ماكنمارا برقية عاجلة نفتحها وقراها بعناية ثم نظر إلى عميت وقال بهدوء: لقد تم تعيين موشيه دايان وزيرا للدفاع في «إسرائيل»، ثم تابع ماكنمارا قائلا: إنني أعرف دايان حق المعرفة، فقد التقيت به عندما كان في واشنطن وأنا مسرور لتعيينه في منصبه، أرجو أن تبلغه تمنياتي له بالنجاح. عندها أدرك عميت أن الولايات المتحدة ستقف إلى جانب إسرائيل إذا قامت بتوجيه ضربة ردع مسبقة إلى سوريا ومصر. وقبل أن يرجع على الفور من البنتاغون إلى السفارة الإسرائيلية في واشنطن ومنها إلى إسرائيل على منن طائرة مع أبي هرامان سفير إسرائيل في واشنطن بمفردهما، أرسل مثير عميت في الثالث من حزيران 1997 البرقية التالية إلى ليفي أشكول رئيس الوزراء قائلا: حياد مضمون - عملية يجب أن تكون سريعة جدا لكنها لن تثير أي تدخل (29).
وهكذا يبدو بأن أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية والأميركية هي التي خططت العدوان الخامس من حزيران 1997. كما لعب هذا التعاون بينهما قبيل وأثناء حرب حزيران دورا رئيسيا في إنجازات القوات الإسرائيلية خلال هذه الحرب. وفي الفترة التي سبقت الحرب قدم أحد مسؤولي وكالة المخابرات المركزية الأميركية (.  C
I . A)  واحد كبار خبرائها، ويدعى «جيمس أنغلتون، خدمات هامة لزملائه الإسرائيليين في تبادل المعلومات والتخطيط لشن هذه الحرب. كما قدم انغلتون أيضا معلومات ساعدت إسرائيل على تطوير أسلحتها النووية (30).
في هذا المجال، لا بد من الإشارة إلى الدور الذي لعبته الجامعة الأميركية في بيروت ركقاعدة عسكرية، وليس المؤسسة تعليمية عالية، وذلك عندما توضحت صلاتها المباشرة بالسفارة الأميركية وبوزارة الدفاع (البنتاغون) في الوقت الذي كان يشغل فيه اروبرت كلايتون ايمز، کبار محللي وكالة الاستخبارات المركزية لشؤون الشرق الأوسط، منصبا هاما كموظف ودبلوماسي، في السفارة، وكان يعرف بيروت وخفاياها كما يعرف كقه (31). وقد لعبت هذه الجامعة دورا هاما في ترحيل الرعايا الأميركيين قبل حرب 1997، هذا بالإضافة إلى وجود قادة عسكريين ومن رتب عالية يشغلون مناصب هامة فيها كما هو الحال مع الكولونيل «جون غيل، الذي لا يتمتع بأي خبرة في حقل التربية والتعليم، ومع ذلك فإنه يشغل مركزة وحساسة جدا، حسب ما ورد في الوثيقة التي ضبطت في أرشيف الجامعة وقد أثارها النائب زاهر الخطيب في
جلسة مجلس النواب اللبناني بتاريخ 8 حزيران 1972 عند مناقشة البيان الوزاري الحكومة صائب سلام، كما نشرتها مجلة البلاغ في 20 ايار ره حزيران وتتضمن تصويرة لوثائق هامة حول دور الجامعة الأميركية كامتداد للبنتاغون. كما أشار النائب الخطيب إلى الصلات بين الجامعة الأميركية في بيروت ووزارة الدفاع الأميركي عن طريق السفارة بواسطة إحدى الوثائق التي تثبت ذلك ولا علاقة لها بالتربية والتعليم وقد عرض وثيقة أخرى توضح دور رئيس الجامعة الأميركية الدكتور کيرکوور وتقاريره الخاصة بضبط محاضر جلسات مجلس النواب اللبناني بالإضافة للتقارير المتعلقة بالأوضاع السياسية في لبنان. هذا في الوقت الذي تعمد فيه بعض المؤسسات التابعة لهذه الجامعة - كالأنترناشيونال كولدج - إلى تدريس کتب تاريخ تتضمن دعاية صهيونية، كما هو الحال في الصف الثاني ثانوي، الجزء الخامس من مجموعة سترلنغ، الصفحة 139 تحت عنوان «إسرائيل» والدول العربية، تتضمن حرفيا:
إسرائيل دولة رائدة. انبعاث إسرائيل. بعد أن اختفت منذ الانتصار الروماني، بعثت إسرائيل عام 1948 ... كفاح الرواد، هذا ما يدرس في لبنان. وقد أكد ذلك رئيس الانترناشيونال كولدج، توماس شوللر، في رسالة بعث بها إلى الرئيس صائب سلام، مؤرخة في 19 حزيران 1972، بعد أن وجه إليه الرئيس سلام سؤالا حول صحة ذلك، فرد بالإيجاب (32).
والواقع أن إسرائيل استفادت من جميع المعلومات والوثائق التي حصلت عليها قبل بدء الحرب من عملائها وحلفائها، في الوقت الذي تعهدت فيه اميركا رسميا بحماية إسرائيل إن حدثت مضاعفات الحرب الخاطفة التي ستشنها إسرائيل ضد الدول العربية، كما لعبت المعلومات الموثوقة والخرائط الواضحة لدى إسرائيل عن المطارات العربية والأماكن الحساسة التي حصلت عليها من المخابرات المركزية الأميركية (والتي سلمت باليد إلى رئيس المخابرات الإسرائيلية) وقسم منها من سفينة
ليبرتي،، سفينة التجسس الأميركية، ومن مخابرات حلف شمال الأطلسي الذي يتبادل المعلومات مع إسرائيل ... كل ذلك لعب دوره الهام في تحقيق النصر العسكري الإسرائيلي والذي اعتمد بشكل أساسي على عنصر المباغتة. وبالرغم من هذا التحالف القوي والمتين بين الولايات المتحدة وإسرائيل، في الوقت الذي لم يكن لها في العالم حلفاء مباشرين غير الولايات المتحدة، فإن الطائرات والزوارق الحربية الإسرائيلية هاجمت في لحظة من لحظات الحرب باخرة التجسس الأميركية واليبرتي، امام شواطئ غزة وسيناء. كانت تعرف الباخرة وهويتها وعلمها والدور الموكول إليها، ومع هذا فقد قتلت وجرحت عددا كبيرا من ضباطها وبحارتها. ودمرت آلات تجسسية حساسة فيها. والسبب؟ لقد أرادت إسرائيل أن تغرق إلى قاع البحر الأبيض المتوسط كل المعلومات التي حصلت عليها اليبرتي)، والمتعلقة بالحرب؛ خاصة وأن إسرائيل ترتاب من كل حليف، وهي على استعداد لتغيير تحالفها خدمة الامنها ومصالحها .... وأجرت عمالتها لفرنسا وبريطانيا، وتحولت عنهما عندما أدركت أن موجة القوة الأميركية ستكتسح العالم". (راجع الملحق رقم (2) في نهاية الكتاب).
كان لحرب حزيران 1997، انعكاسات كبيرة على إسرائيل، أثرت بدورها على مجمل المؤسات التي ترتكز إليها. وتمثلت هذه الانعكاسات قبل كل شيء بالأزمة السياسية التي حصلت بين الرئيس الفرنسي شارل ديغول وإسرائيل بعد أن أصدر قراره بحظر شحن قطع الغيار والأسلحة إليها، مما أحدث قلقة بالغة في مختلف الأوساط الإسرائيلية. في ذلك الوقت كانت باريس تعتبر حتى 1997 المركز الرئيسي لجهاز
الموساد، في أوروبا. إلا أن الأزمة التي أثارها ديغول مع إسرائيل بعد الحرب، دفعت بالاستخبارات الإسرائيلية لنقل مقرها إلى العاصمة البلجيكية بروكسل، وقد تولي أحد مسؤوليها، والموظف في السفارة الإسرائيلية في العاصمة المذكورة، ويدعى انسادوق أوفير، مهمة إدارة مركز التجسس في أوروبا، حيث استطاع إحاطة نفسه ومهمته بالسرية المطلقة تحت أشكال مختلفة من السواتر، أهمها عمله كدبلوماسي في السفارة ببروكسل، وتمتعه بالحصانة. إلا أنه رغم ذلك تعرض لمحاولة اغتيال على يد مجموعة الرصد الفلسطينية في أيلول 1972، في العاصمة البلجيكية ذاتها، لكنه نجا باعجوبة بعد أن أصيب بجروح متعددة، وقد أثارت هذه العملية ردود فعل هامة في إسرائيل، كما أثارت كثيرا من الانتقادات لأجهزة الاستخبارات الإسرائيلية (39).
هذا وتحتل المنظمات الصهيونية في الولايات المتحدة مركزا مهما تنحكم من خلاله في بعض الأحيان بقرارات على جانب كبير من الأهمية والخطورة. كما يبرز دورها في الإعداد للحرب العدوانية ضد الدول العربية وتنفيذها، وكذلك حول التعاون الوثيق ما بين هذه الجمعيات والدوائر المسؤولة في حكومة الولايات المتحدة. وقد
جاء في المخطوطات الأساسية لهذه المنظمات أن المهمة الأساسية للمنظمات الصهيونية في الولايات المتحدة الأميركية في دعم إسرائيل، ولهذه الغاية تقيم المنظمة علاقات مع شخصيات معروفة تمكننا بدورها من أن نبقى على اتصال دائم مع شخصيات قيادية امريكية - من سياسيين ودبلوماسيين وعسكريين وكذلك مع أصحاب رؤوس المال. وهكذا نكون قد أقمنا علاقات مع وزارة الخارجية للشؤون الأجنبية). وتقوم لجائنا العسكرية بالتعاون مع البنتاغون (وزارة الدفاع الأمريكية) باختيار العسكريين الذين سيرسلون إلى إسرائيل (30)
في معرض ذلك أشار الرئيس أنور السادات في كلمة ألقاها في شهر تشرين الأول من عام 1999 بأنه حتى عام 1997 كان يعمل في الجيش الإسرائيلي حول (8000) أجنبي، من بينهم أكثر من ألف أميركي كانوا بمثابة العمود الفقري في القوات المسلحة الإسرائيلية وبخاصة في سلاح الجو وسلاح المدرعات (37).
بالإضافة لذلك فقد بادر أصحاب رؤوس الأموال في إسرائيل، بعد حرب حزيران إلى تشكيل لجنة أو جمعية أطلق عليها اسم «جمعية لمليونيربي الصهاينة .. إذ أن التوسع في الطاقة البشرية والاقتصادية الإسرائيلية نتيجة عدوان 1997 من خلال اتساع المساحة التي تسيطر عليها إسرائيل، وازدياد عدد السكان الأصليين في الأراضي العربية المحتلة وتوقعات أصحاب رؤوس الأموال الضخمة حول الإمكانات الجديدة التي يمكن أن تقدمها هذه الطاقة لا سيما توسيع القاعدة الاقتصادية بشكل کبير كان لها الأثر الأكبر في إغرائهم لصب سيل من الرساميل الخاصة في إسرائيل»، وقد نظمت لهذه الغاية جمعية لمبلونيري الصهاينة في القدس، وعقد أول اجتماع لها في شهر آب 1997، حيث تعود ارتباطات هؤلاء المشتركين في هذه الجمعية إلى: الرأسماليين ذوي التأثير الكبير في شرکتي روكفلر، و اميلون، المعروفتين. . والجنرال المعروف «جيمس کلامي، الذي يعمل في دائرة التجسس الأمريكي. . والسناتور الأميركي جاکوب جافيتش، المعروف بتطرقه الشديد، وتاييده
الإسرائيل ..

فيشر، الذي يعمل مستشارة لدى الرئيس الأمريكي نيکسون في مشكلة الشرق الأوسط. والذي عمل على ترتيب اجتماع خاص لأصحاب رؤوس الأموال الصهاينة مع وزير الخارجية روجرز وفي النهاية تصل هذه العلاقة إلى مجلس وزراء الرئيس الأمريكي.
وهنا لا يمكننا أن نغفل باي شكل من الأشكال الارتباط الوثيق بين رأسماليي شركة «أوين هايم، التي يوجد مركزها الرئيسي في جنوب إفريقيا وبين كبار المحتكرين في الولايات المتحدة الأمريكية ... فهي شركة تعتبر من أهم الشركات التابعة للنظام الرأسمالي الصهيوني (37).
وقد أكدت الولايات المتحدة الأميركية منذ عام 1997 لممثلي «إسرائيل، بأنها سنقوم بمساعدة «إسرائيل، إذ قامت بإنشاء صناعة محلية للأسلحة وسندعمها لتستطيع بنفسها تزويد جيشها بما يحتاجه من انواع مختلفة من السلاح كالبنادق والذخائر ومنتجات حربية أخرى هامة، لتكون في غنى عن صفقات الأسلحة التي تردها من الخارج.
وقد قامت في إسرائيل، الصناعة الحربية واتسعت، لا سيما بمساعدة الرساميل الخاصة من الشركات الاحتكارية في الولايات المتحدة الأميركية الصهيونية منها وغير الصهيونية، وقد استخدمت المؤتمرات السنوية (مؤتمرات المليونير يين) التي تعقد سنوية في القدس لهذه الغاية أي لاجتذاب رؤوس الأموال الأجنبية لتوظيفها في استثمارات صناعة إسرائيل الحربية .. عن طريق ذلك، أصبحت «صناعة القوى الجوية، تعرف بأنها أقوى صناعة حربية في إسرائيل .... يكفي هنا الإشارة بأنه بفضل التعاون الوثيق بين الولايات المتحدة الأميركية وألمانيا الغربية وجنوب إفريقيا اشيد في
إسرائيل، المفاعل النووي ديموناء الذي ينتج سنويا بدءا من عام 1913، كيلوغرام ونصف من مادة البلوتونيوم، الذي يعتبر العنصر الرئيسي لصناعة القنبلة النووية. 
وهذا ما جعل إسرائيل في وضع يسمح لها بإنتاج القنبلة الذرية التي تمتلكها بدون أدنى شك (38).








مصادر و المراجع :

١- موسوعة الامن والاستخبارات في العالم

المؤلف: د. صالح زهر الدين

الناشر: المركز الثقافي اللبناني للطباعة والنشر والتأليف والترجمة - بيروت

الطبعة: الاولى

تاريخ النشر:2002 م

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید